عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في وقت الجمعة
شكرا لكم على المجهود وبإذن الله تعالى في ميزان حسناتكم ... وسؤالي لفضيلة الشيخ .... بشأن صلاة الجمعة يؤذن مرتين ... هل الأولى أذان الظهر والثانية أذان خطبة الجمعة أم العكس؟ ... ومتى وقت صلاة الجمعة قبل أذان الظهر أم ليس لها وقت؟ ... نحن طلاب بأمريكا بمنطقة لا يوجد بها سوى مسجدين ففي إحدى المساجد الإخوان يصلون صلاة الجمعة مرتين ... الأولـى تبدأ من الساعة 12.00 ظهرا وحتى 01.00 ظهرا ... والثانية تبدأ من الساعة 01.30 ظهرا وحتى 02.00 ظهرا ... مع العلم بأن أذان الظهر يؤذن الساعة 1.45م ... فهل يجوز أداء صلاة الجمعة قبل أذان الظهر؟ ...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الذي كان يُفعل زمن النبي صلى الله عليه وسلم هو أذانٌ واحدٌ للجمعة يكون بين يدي الخطيب حين يرقى المنبر، واستمر الحال كذلك حتى زمن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، فلما رأى الناس قد كثروا وتباعدت بُيوتهم عن المسجد أحدث الأذان الأول للجمعة تنبيهاً للناس على قرب وقتها ليتأهبوا للمجيء إليها، واستمر عمل المسلمين على هذا، فالأذن الأول إذاً ليس هو أذان الظهر ولا الجمعة بل هو أذانٌ للتنبيه على قرب وقت الجمعة ليتأهب لها من لم يكن تأهب، وأما أذان الجمعة فهو الذي يكون بين يدي الخطيب حين يرقى المنبر.
وأما عن وقت الجمعة فقد اختلف العلماء في وقت الجمعة، فمذهب الجمهور أن وقتها هو وقت الظهر، ومذهبُ الإمام أحمد جواز فعلها قبل الزوال أي قبل دخولِ وقت الظهر، وقد أشبع النووي القول في المسألة وأبدع في إيراد الحجج وذكر وجوه الاستدلال، ونحنُ نذكرُ كلامه بطوله لجودته ومتانته.
قال رحمه الله في المجموع: فرع: فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ. قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا: أَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ الظُّهْرِ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَقَالَ أَحْمَدُ: تَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، وَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُفْعَلُ فِيهِ صَلَاةُ الْعِيدِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ، قَالَ الْعَبْدَرِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً: لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ إلَّا أَحْمَدَ، وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَقَوْلِ أَحْمَدَ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَإِسْحَاقَ قَالَ: وَرُوِيَ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ لَا يَثْبُتُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاوِيَةَ. وَاحْتُجَّ لِأَحْمَدَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَذْهَبُ إلَى جِمَالِنَا فَنُرِيحُهَا حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ بِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: نَجْمَعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ.
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَذَّى إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيلَانَ قَالَ: شَهِدْتُ الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ، ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُمَرَ رضي الله عنه فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ إلَى أَنْ أَقُولَ انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُثْمَانَ رضي الله عنه فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ إلَى أَنْ أَقُولَ زَالَ النَّهَارُ، وَلَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَابَ ذَلِكَ، وَلَا أَنْكَرَهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُمْ كُلَّ جُمُعَةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ.
والجواب: عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ جَابِرٍ وَمَا بَعْدَهُ أَنَّهَا كُلَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى شِدَّةِ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْجِيلِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ غَيْرِ إيرَادٍ وَلَا غَيْرِهِ، هَذَا مُخْتَصَرُ الْجَوَابِ عَنْ الْجَمِيعِ، وَحَمَلْنَا عَلَيْهِ الْجَمِيعَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَعَمَلُ الْمُسْلِمِينَ قَاطِبَةً أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَهَا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ. اهـ
إذا علمت هذا فغايةُ ما يمكن أن تدل عليه أدلة الحنابلة جواز فعل الجمعة قبل الزوال بشيء يسير أي في الساعة السادسة - من ساعات النهار- وهو قول الخرقي وترجيح العلامة العثيمين، ثم الأحوط مع هذا كله العمل بمذهب الجمهور وهو عمل المسلمين عبر العصور، فالذي ننصحكم به هو الخروج من هذا الخلاف والاحتياط لأمر الدين فلا تصلوا الجمعة إلا بعد دخول وقت الظهر، وأما أن تصلى الجمعة في مسجدٍ واحد مرتين فهذا من البدع المحدثة التي لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. متفق عليه...
والله أعلم.