عنوان الفتوى : إشكال حول حديث الأعمى الذي قتل أمَتَه التي تسب النبي صلى الله عليه وسلم

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل يمكنك رجاء أن تشرح لي الخلفية والمبرر لما جاء في حديث سنن أبي داود ، حيث قُتل العبد الذي أهان الرسول صلى الله عليه وسلم ، قتله سيدُه ولم يعاقَب ، هل ذلك بسبب أن الدية لا تدفع للأولياء الكفار الذين يؤذون المسلمين ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله
القصة المقصودة في السؤال يرويها ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فيقول :
( أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ ، فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي ، وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ .
قَالَ : فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشْتُمُهُ ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا ، وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا ، فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ .
فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَمَعَ النَّاسَ ، فَقَالَ :
أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ .
فَقَامَ الْأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَنَا صَاحِبُهَا ، كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ ، فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً ، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ )
رواه أبو داود (4361) وغيره ، وقد سبق في جواب السؤال رقم : (103739) بيان صحة أصل القصة ، وأنها جاءت بألفاظ وأحداث مختلفة ، تدل بمجموعها على وقوع الحادثة رغم التردد في بعض الجمل والعبارات .
وليس قتل هذه المرأة لأنها ذميّة ، بل لأنها سبّت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستحقت القتل لذلك ، ولو كانت مسلمة ، كفرت بهذا السب ، واستحقت القتل أيضاً.
قال الصنعاني رحمه الله
" دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُهْدَرُ دَمُهُ ، فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا كَانَ سَبُّهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِدَّةً فَيُقْتَلُ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ "
سبل السلام (3/501)
وسبق ان نقلنا جواب شيخ الإسلام عن الإشكال الواقع في القصة من قتل الأعمى لهذه المرأة- التي استحقت القتل- من دون إذن الإمام . انظر جواب السؤال رقم (103739) .
وفي هذه القصة دليل على العدل الذي كان المسلمون يعاملون به أهل الكتاب ، والذي جاءت به الشريعة رحمة للعالمين ، فحقوق اليهود المعاهدين مصانة محفوظة ، ولا يجوز التعرض لهم بشيء من الأذى والضرر ، لذلك لما وجد الناس يهودية مقتولة ضجوا ورفعوا أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعطاهم العهد والأمان ولم يكن يأخذ منهم الجزية ، فغضب وناشد المسلمين بالله تعالى أن يظهر من فعل تلك الفعلة ، لينظر في عقابه ويقضي في أمره ، ولكن لَمَّا عَلِمَ أنها نقضت العهد مرات ومرات بأذاها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووقوعها فيه ، حُرمت جميع حقوقها ، واستحقت حد القتل الذي توجبه الشريعة على كل من يسب النبي صلى الله عليه وسلم ، سواء كان مسلما أو ذميا أو معاهدا ، فإن التعرض لمقام الأنبياء كفر بالله العظيم ، ونقض لكل حرمة وحق وعهد ، وخيانة عظمى توجب أشد العقوبات .
انظر " أحكام أهل الذمة " (3/1398) ، وفي موقعنا جواب السؤال رقم : (22809)
هذا هو التوجيه الصحيح ، والفهم السليم للقصة ، وليس كما ينشره كثير من الحاقدين الطاعنين في حكم الشريعة وشخص النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو صلى الله عليه وسلم لم يختر قتلها بهذه الطريقة ، ولكنها لما استحقت القتل حدا لنقضها العهد ووقوعها في النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يقتص من قاتلها ، فقد كانت تُسمعه من شتم النبي صلى الله عليه وسلم الشيء الكثير ، مرات ومرات ، حتى كان ينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر ، إلى أن طفح الكيل به فلم يصبر حتى أسكت صوتها الذي يؤذيه في دينه ونبيه .
وأما قتل الذمي بغير حقّ ، فهو كبيرة من الكبائر، والوعيد فيه شديد، كما ثبت في صحيح البخاري (3166) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا )، وترجم عليه الإمام البخاري في صحيحه : باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " كَذَا قَيَّدَهُ فِي التَّرْجَمَة ، وَلَيْسَ التَّقْيِيد فِي الْخَبَر ، لَكِنَّهُ مُسْتَفَاد مِنْ قَوَاعِد الشَّرْع ، وَوَقَعَ مَنْصُوصًا فِي رِوَايَة أَبِي مُعَاوِيَة الْآتِي ذِكْرُهَا بِلَفْظِ " بِغَيْرِ حَقّ " وَفِيمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث أَبِي بَكْرَة بِلَفْظِ " مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَة بِغَيْرِ حِلِّهَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ الْجَنَّة " اهـ
والله أعلم .