عنوان الفتوى : مسافة القصر ومتى يقصر وحكم الجمع
مسافة السفر لكي يتم القصر والجمع بين الصلوات، قرأت على هذا الموقع أن المسافة 83 كيلو متر وعلى القنوات الفضائية وهي قناة الرحمة سمعت الشيخ عبد العظيم بدوى يقول 25 كيلو متر، فمن أصدق؟ لو ذهبت إلى مشوار والمسافة بين سكنى وهذا المشوار تبلغ 100 كيلو متر، وهذا المشوار بعد صلاة الظهر مثلاً أصلي الظهر في مدينتي كم ركعة، وهل يجوز لي صلاة العصر بعده قصراً داخل مدينتي أم ماذا، علماً بأن المشوار هذا أرجع منه بعد العشاء، ماذا أفعل في يومي هذا وأثناء مشواري هل بإمكاني أن أصلي جماعة في أي مسجد في الطريق المغرب والعشاء تقديما أو تأخيرا وهذه الجماعة تصلي صلاة تامة وأنا مسافر فهل أصلي وحدي أم معهم.... آسف على سيادتكم على الإطالة وسوء التعبير ولكن والله العظيم هذا الأمر سبب لي مرضا نفسيا لأني سمعت فتاوى تقول لو كنت مسافرا ولم تقصر وتجمع بين الصلوات فإن صلاتك غير صحيحة لأن رسول الله يقول هذه صدقة من الله فلا تردوها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأولا نقول للسائل: إذا سمعت عالمين يقولان بقولين مختلفين فأحسن الظن بهما والتمس لهما أحسن المخارج، ولا تستغرب من ذلك أو تنسبهما أو أحدهما للكذب، فلم يزل الخلاف بين العلماء في كثير من مسائل العلم من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، وذلك لاختلاف أنظارهم واجتهادتهم فيما ينظرونه من أدلة الشرع، وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم في حادثة وقعت في زمنه كلا الطرفين المختلفين.
ثم لتعلم أن أهل العلم قد اختلفوا في المسافة التي إذا نوى المسافر قطعها شرع له القصر والجمع، وتفصيل ذلك ذكره ابن قدامة في المغني قائلا: فمذهب أبي عبد الله أن القصر لا يجوز في أقل من ستة عشر فرسخا, والفرسخ: ثلاثة أميال, فيكون ثمانية وأربعين ميلا, قال القاضي: والميل: اثنا عشر ألف قدم, وذلك مسيرة يومين قاصدين. وقد قدره ابن عباس فقال: من عسفان إلى مكة، ومن الطائف إلى مكة، ومن جدة إلى مكة.... إلى أن قال: فعلى هذا تكون مسافة القصر يومين قاصدين. وهذا قول ابن عباس وابن عمر. وإليه ذهب مالك, والليث, والشافعي, وإسحاق. وروي عن ابن عمر أنه كان يقصر في مسيرة عشرة فراسخ, قال ابن المنذر: ثبت أن ابن عمر كان يقصر إلى أرض له, وهي ثلاثون ميلا. وروي نحو ذلك عن ابن عباس, فإنه قال: يقصر في اليوم, ولا يقصر فيما دونه. وإليه ذهب الأوزاعي. وقال: عامة العلماء يقولون: مسيرة يوم تام. وبه نأخذ. ويروى عن ابن مسعود أنه يقصر في مسيرة ثلاثة أيام. وبه قال الثوري وأبو حنيفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: { يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن }. وهذا يقتضي أن كل مسافر له ذلك, ولأن الثلاثة متفق عليها, وليس في أقل من ذلك توقيف ولا اتفاق . وروي عن جماعة من السلف, رحمة الله عليهم, ما يدل على جواز القصر في أقل من يوم, فقال الأوزاعي: كان أنس يقصر فيما بينه وبين خمسة فراسخ. وكان قبيصة بن ذؤيب وهانئ بن كلثوم وابن محيريز يقصرون فيما بين الرملة وبيت المقدس . وروي عن علي رضي الله عنه أنه خرج من قصره بالكوفة حتى أتى النخيلة فصلى بها الظهر والعصر ركعتين ثم رجع من يومه, فقال: أردت أن أعلمكم سنتكم. انتهى.
وقد رجح بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية جواز القصر والجمع إذا قطع المسافر مسافة تسمى سفرا في عرف الناس وعادتهم؛ كما تقدم في الفتوى رقم: 62334.
وبناء على ذلك فما سمعته من كون 25 كيلو تعتبر مسافة قصر له وجه صحيح إذا كانت تلك المسافة يطلق عليها سفر عرفا.
وللمسلم تقليد من يثق بعلمه ودينه ولايجب عليه تقليد شخص بعينه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 67130.
وينبغي أن تعلم أن المسافة التي تقصر فيها الصلاة إنما تحسب بعد مجاوزة بناء البلدة وليس من مسكن المسافر، فإذا كانت المسافة التي ذكرت أنك تقطعها في سفرك كذلك فإنها تعتبر مسافة قصر، ويشرع لك القصر والجمع إذا كان سفرك مباحا.
وإذا صليت الظهر في وقتها تامة وأنت في مدينتك فلا يجوز لك أن تصلي بعدها العصر مقصورة داخل المدينة لأن مشروعية القصر والجمع لا تبدأ إلا بعد أن يتجاوز المسافر جميع بيوت قريته.
قال ابن قدامة في المغني: وجملته أنه ليس لمن نوى السفر القصر حتى يخرج من بيوت قريته, ويجعلها وراء ظهره. وبهذا قال مالك, والشافعي, والأوزاعي , وإسحاق, وأبو ثور, وحكي ذلك عن جماعة من التابعين .
وقال المواق المالكي في التاج والإكليل: من المدونة قال مالك: من أراد سفرا فليتم الصلاة حتى يبرز عن بيوت القرية حتى لا يحاذيه أو يواجهه منها شيء، وكذلك في البحر ثم يقصر. انتهى .
والمسافرإذا ترك القصر والجمع فصلاته صحيحة وليست بباطلة، فقصرالصلاة الرباعية سنة عند جمهورأهل العلم، والجمع بين الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء جائز، والأفضل تركه، ولم نقف على حديث يدل على بطلان الصلاة مع ترك القصرأو الجمع.
ففي الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية: ومن يسوي من العامة بين الجمع والقصر فهو جاهل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأقوال علماء المسلمين، فإن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقت بينهما، والعلماء اتفقوا على أن أحدهما سنة، واختلفوا في وجوبه، وتنازعوا في جواز الآخر فأين هذا من هذا. انتهى.
وقال النووي في المجموع: قال الغزالي في البسيط والمتولي في التتمة وغيرهما: الأفضل ترك الجمع بين الصلاتين، ويصلي كل صلاة في وقتها، قال الغزالي: لا خلاف أن ترك الجمع أفضل بخلاف القصر ، قال: والمتبع في الفضيلة الخروج من الخلاف في المسألتين، يعني خلاف أبي حنيفة وغيره، ممن أوجب القصر وأبطل الجمع، وقال المتولي: ترك الجمع أفضل، لأن فيه إخلاء وقت العبادة من العبادة فأشبه الصوم والفطر. انتهى.
وعليه؛ فلا داعي للحرج والضيق الذي تشعر به فكل ذلك من وسوسة الشيطان فجاهد نفسك في سبيل الابتعاد عنه.
والله أعلم.