عنوان الفتوى : حكم المفاضلة بين بعض القراءات دون بعض
يقال إن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن قراءة نافع، فما معنى هذا، وهل بذلك قراءة نافع أصح من قراءة حفص، وأيهم أفضل لنقرأ به؟ وجزاكم الله خيراً.
خلاصة الفتوى:
كل ما صح من القراءات عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز رده، فإن تواتر فهو قرآن متعبد بتلاوته، وإلا فحكمه حكم الحديث الصحيح أي بمنزلته في الاستدلال به على الأحكام الشرعية، ونسبة القراءات للرواة كالسبعة وغيرهم لا اشتهارهم بتعليمها وتلقيها عنهم، والأفضل التنويع في القراءة ليقرأ بكل ما ثبت.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فينبغي في هذا المقام العلم بعدة أمور:
أولها: أن نسبة القراءة إلى الإمام أو الراوي كنافع أو حفص إنما كانت لاشتهاره بها على الصورة التي علمها لغيره وتناقلها الناس عنه، مع كونه تلقى تلك القراءة عن من قبله إلى أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 21795.
ثانياً: وضع علماء القراءات شروطاً لاعتماد القراءة لكي يقرأ بها ومنها التواتر، فإن ثبتت تلك الشروط فهي قرآن متعبد بتلاوته وأحكامه، وإن لم تتواتر كانت بمنزلة الحديث الصحيح يستدل بها على الأحكام كما يستدل به، يقول الطاهر بن عاشور في مقدمة التحرير والتنوير: اتفق علماء القراءات والفقهاء على أن كل قراءة وافقت وجهاً في العربية ووافقت خط المصحف أي مصحف عثمان وصح سند راويها فهي قراءة صحيحة لا يجوز ردها... وهذه الشروط الثلاثة هي شروط في قبول القراءة إذا كانت غير متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بأن كانت صحيحة السند إلى النبي، ولكنها لم تبلغ حد التواتر فهي بمنزلة الحديث الصحيح، وأما القراءة المتواترة فهي غنية عن هذه الشروط لأن تواترها يجعلها حجة في العربية، ويغنيها عن الاعتضاد بموافقة المصحف المجمع عليه. انتهى.
وذلك غير محصور في قارئ بعينه، وكل من قراءة الإمام نافع والإمام عاصم وهو الذي روى عنه حفص وغيرهما من القراء السبعة قراءته معتمدة ومتواترة.
ثالثاً: لا مجال لتفضيل بعض القراءات المتواترة على بعض من حيث الصحة أو من حيث كونها بعضها سنة، فالكل قد قرأ به النبي صلى الله عليه وسلم، أما على سبيل اختيار إحدى القراءات لاعتبار معين فذاك ممكن، جاء في النشر في القراءات العشر لابن الجزري: (قال الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي) فأما اقتصار أهل الأمصار في الأغلب على نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، فذهب إليه بعض المتأخرين اختصاراً واختباراً فجعله عامة الناس كالفرض المحتوم حتى إذا سمع ما يخالفها خطأ أو كفر.. (وقال أيضاً) القراءة المستعملة التي لا يجوز ردها ما اجتمع فيه الثلاثة الشروط، فما جمع ذلك وجب قبوله ولم يسع أحداً من المسلمين رده، سواء كانت عن أحد الأئمة السبعة المقتصر عليهم في الأغلب أو غيرهم. انتهى.
ومما سبق يعلم أنه لا يصح أن نفاضل بين قراءة أحد هؤلاء القراء وغيره جملة بحيث نأخذ بها دون غيرها، بل الكل منها ثابت، والأفضل التنويع بينها إن أمكن ذلك عملاً بسنته صلى الله عليه وسلم جميعها كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المحققين من أهل العلم.
وننبه إلى أنه ورد عن الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه أنه كان يقول: قراءة نافع سنة أو قراءة أهل المدينة سنة، قيل له قراءة نافع، قال: نعم، قال العلماء: لا يعني مالك بذلك أنه سنة دون ما سواها من القراءات المتواتر وإنما المعنى أنها سنة أهل المدينة وعادتهم التي يقرؤون بها.
والله أعلم.