أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : الخوف المفرط من الموت وما يترتب عليه من ترك العمل والتكسب

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أنا أشعر دائماً بالموت، ولا أقبل على أي عمل، مع أني منذ زمن كنت أعمل، وكنت أعمل مطرباً، وبعدما اعتزلت الغناء، أصبت بوساوس شديدة، ولا أقدر أن أسافر في أي وسيلة مواصلات، أشعر بضيق في التنفس، وأنا لا أعرف ماذا أفعل؟!

مع أني أصلي دائماً، وألجأ إلى مدرسة تحفيظ قرآن وأؤمّ الناس في الصلاة، ومع ذلك أشعر بالموت، وألتمس من سيادتكم الرد عليّ بالفور وشكراً.

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الخوف من الموت أو الخوف من دنو الأجل شعور يأتي في حالات نفسية معينة، من أهم هذه الحالات حالة نسميها بالرهاب أو الهلع أو الخوف الاجتماعي، وهي حالة من القلق النفسي لها أعراض أخرى منها الشعور بالضيقة أو الشعور بالاختناق أو ربما تسارع في ضربات القلب، والبعض قد يشتكي من التعرق الكثير، والبعض قد يشتكي من الأماكن الضيقة، والبعض قد يخاف من الزحام، وهكذا، هو جزء من حالات القلق التي جُل أعراضها تتمركز حول ظاهرة الخوف، وظاهرة الخوف ليست علامة على الجبن أو ضعف في الشخصية أو ضعف في الإيمان، إنما هي علة مكتسبة ذات رواسب نفسية وتظهر فيما نسميه بالسمات الإكلينيكية أو السريرية لحالة القلق النفسي.

وشخصية الإنسان قد تلعب دوراً في هذه الحالة، فهنالك بعض الناس يتميزون بالحساسية والميول إلى سرعة التأثر والوجدانية، هؤلاء أكثر عرضة لمثل هذه الحالات، البعض أيضاً قد يكون مر بموقف معين، قد لا يستدركه أو يتذكره، ولكن هذا سبب ضروري جدّاً، أي المرور بمواقف قد يكون فيها الشخص تعرض لنوع من الترهيب أو الخوف أو الهرع أو هكذا.

إذن هذه هي الروابط والأسباب الأساسية، والحالة يمكن علاجها، وتعالج - إن شاء الله تعالى – بعدة طرق: أهمها ما نسميه بالطريقة السلوكية:

أولاً: يجب أن توقن وتقتنع أن الخوف من الموت لا يؤخر الموت ثانية واحدة ولا يقدمه ثانية أخرى، قال تعالى: (( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ))[الإسراء:85]، وقال تعالى: (( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ))[الأعراف:34]، فحين تأتي المنية فسوف تأتي، فلا تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت.

إذن ليس من المفترض أن يقلق الإنسان من شيء لم يقع، ويعرف أنه سوف يقع في لحظة من اللحظات، والمؤمن كيسٌ فطنٌ؛ لذا يجب دائماً أن يكون على طمأنينة ويكون لسانه شاكراً وذاكراً، ويحافظ على صلواته في المسجد، يتلو القرآن لأن القرآن هو من أكبر بواعث الطمأنينة على النفس البشرية، والحمد لله تعالى أنت الآن تنتهج هذا المنهج، فأنت الآن ملتزم بعباداتك وذهبت إلى مركز للتحفيظ القرآن وتؤمَّ الناس في الصلاة، هذا كله يجب أن يذكرك أنك أنت دائماً في حرز الله وفي حفظه، فما الذي يخيفك من الموت؟ الموت ينبغي أن نخاف منه للدرجة التي تجعلنا مستعدين له ونعمل الصالحات ونبتعد عن المحرمات، وإن كان قد قال الله تعالى عن الذين يخافون وقوع الساعة: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ))[الشورى:18]، وقال تعالى: (( الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ))[الأنبياء:49]، لكن ينبغي هذا الخوف أن يكون في مستوى الخوف المطلوب، أما الخوف الآخر فهو خوف مرضي ناتج عن القلق كما ذكرت لك.

أنا سعيد جدّاً حقيقة أن أسمع أنك قد أقلعت عن الغناء، فقد قلت أنك اعتزلت الغناء، قل: (قد تبت من الغناء) وأسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، وأسأل الله تعالى أن يجعل صوتك العذب هذا تشدو به وتتلو به القرآن، كما أسأله سبحانه أن يجعلك مزماراً من مزامير آل داود تسخره لقراءة القرآن، فقد أنعم الله عليك بنعمة كبيرة، فأرجو أن تعض عليها بالنواجذ وأرجو أن تحافظ عليها، وفي رأيي هذه انطلاقة عظيمة نحو مستقبل مشرق ونحو أن تزول كل أعراض الخوف هذه والتوتر.

يبقى بعد ذلك أن أقول لك أن ما تشعر به من ضيق وعدم الرغبة في السفر في أي وسيلة مواصلات هو جزء من المخاوف وليس أكثر من ذلك، والمخاوف دائماً تعالج باقتحامها وبعدم الابتعاد والتجنب، وسوف أصف لك دواءً فعالاً جدّاً يساعدك في اختفاء هذا النوع من القلق والخوف، ولكن لابد أن تدفع نفسك، الدواء وحده لا يفيد، الدواء يسهّل كثيراً، ولكن الأمر يتطلب منك أن تدفع نفسك وأن تتذكر أن ملايين الناس يركبون هذه المواصلات فما الذي يمنعك أنت؟! لا شيء يمنعك أبداً، قل لنفسك هذا مجرد قلق ولن أقلق، وحين تركب وسيلة المواصلات اقرأ دائماً دعاء الركوب ففيه أيضاً الطمأنينة الكبيرة.

أود أن أصف لك دواء يعرف تجارياً باسم (زولفت Zoloft) أو (لسترال Lustral) ويسمى علمياً باسم (سيرترالين Sertraline)، وهو موجود في مصر تحت مسميات تجارية كثيرة، كلها - إن شاء الله تعالى – جيدة، حاول أن تتحصل على الذي يكون أقل تكلفة من الناحية المادية، اسأل عن اسم الدواء تحت مسماه العلمي وهو سيرترالين، ابدأ في تناول الدواء بجرعة خمسين مليجراماً (حبة واحدة) ليلاً، تناولها بعد الأكل، واستمر على هذه الجرعة لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبتين ليلاً، واستمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، هذه هي الجرعة العلاجية (حبتان في اليوم) علماً بأن هذا الدواء يمكن تناوله حتى أربع حبات في اليوم ولكنك لست بحاجة إلى ذلك.

بعد انقضاء فترة الستة أشهر خفض الدواء إلى حبة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى أيضاً، ثم بعد ذلك توقف عن الدواء.

الدواء من الأدوية السليمة والفعّالة وليس إدمانياً ولا يسبب لك أي ضرر - بإذن الله تعالى – سوف تحس معه بالراحة والاسترخاء، وزوال المخاوف وإن شاء الله تأتيك السكينة والطمأنينة مع تمسكك بآليات العلاج الأخرى التي وصفتها لك.

أرجو أن تبحث عن عمل لأن قيمة الرجل في العمل، العمل يعطيك الشعور بالثقة في النفس، ويجعلك تحس أن طاقات نفسية وجسدية جديدة قد تكونت لديك، أبحث عن عمل ولا تيأس ولا تتوقف، هو وسيلة تأهيلية مهمة جدّاً.

أرجو أن تتبع ما ذكرناه لك من إرشاد، وأن تتناول الدواء الذي وصفناه لك، وبإذن الله تعالى سوف تجد أنك أصبحت بخير وعلى خير.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً..

وبالله التوفيق.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
هلع الموت يلاحقني باستمرار، فأرجو المساعدة. 1913 الاثنين 17-08-2020 04:34 صـ
وسواس الموت سبب لي العديد من الأمراض، فكيف أتخلص منه؟ 2863 الثلاثاء 21-07-2020 03:16 صـ
الخوف من الموت، كيف أتخلص منه؟ 2789 الأحد 19-07-2020 07:11 صـ
كرهت حياتي والناس كرهوني بسبب تبلد مشاعري.. أريد حلا 1083 الخميس 16-07-2020 02:42 صـ
فكرة الموت وذكريات طفولتي لا تفارقني، أرجو المساعدة. 2125 الثلاثاء 14-07-2020 02:54 صـ