أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : كيفية التخلص من ألم المعصية رغم التوبة من الماضي

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف أتخلص من الألم النفسي بسبب اعتداء جنسي في صغري ترتب عليه أمور أدخلتني في دهاليز المعاصي والفجور حتى أنعم الله علي بالهداية منذ ما يقارب ثلاث سنوات - ولله الحمد والمنة - ولكن في بعض الأحيان يعتصرني الألم والغصة، وأشعر أن توبتي من الماضي ليست صحيحة، وأني فعلت ذنوباً وعلى رأسها اللواط - أستغفر الله وأتوب إليه - قد أذهبت ماء وجهي، فلم يعد لي ما أحفظ به ماء وجهي، فيتسلط علي الشيطان بأفكار غريبة، ولكن عزائي هو الله سبحانه، ومن ثم أنتم في هذا الموقع المبارك جزاكم الله خيراً عليه.

أرجو توجيهي ونصيحتي لأني أعيش في حالة أسأل الله أن يجعلها كفارة، والذي دفعني لأكتب هذه السطور هو امتثالي لقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبحث عن العلاج وكل داء له دواء أو كما قال صلى الله عليه وسلم أسأل الله أن يوفقكم للرد على رسالتي، وأنا بانتظاركم بفارغ الصبر.

وجزاكم الله خيراً.

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ الواثق بالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يغفر ذنبك وأن يستر عيبك وأن يجبر كسرك، وأن يشرح صدرك، وأن يُذهب عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يجعلك من عباده الصالحين وأوليائه المقربين، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل الواثق بالله– فإن الشيطان –لعنه الله– يؤلمه جدّاً ويحزنه أن يقلع العبد عن المعصية وأن يتوب لله تبارك وتعالى ولذلك يجتهد بكل ما أوتي من قوة أن يُغلق باب التوبة أمام التائبين، وأن يسود الدنيا في نظر العصاة العائدين إلى الله رب العالمين، يقول لهم: (إنه لا فائدة من توبتكم؛ لأن الله قد غضب عليكم ولعنكم ومقتكم)، ويظل يحاول أن يُدخل على قلوبهم اليأس حتى لا يتوبوا إلى الله ولا يتوقفوا عن المعاصي؛ لأن العبد إذا ترك المعصية وعاد إلى الله تبارك وتعالى واستقام على منهج الله فقد خسر الشيطان جندياً من جنوده ورجلاً من رجاله وفارساً من فرسانه كان يستعمله في الفساد والإفساد والغواية والإغواء؛ ولذلك يجتهد بكل ما أوتي من قوة ألا تقع هذه التوبة، وألا يسعد الإنسان بها وألا يهنأ بها؛ ولذلك يكدر عليه كل صفوه ويزعجه من كل أمر، وهذا الذي يستعمله الشيطان معك، فأنت رجل قد تركت المعصية من أجل الله تبارك وتعالى وحياءً من الله منذ ما يقارب ثلاث سنوات.

فهذا أمر عظيم ورائع أنك وُفقت لهذا الأمر وأنك ما زلت طيلة هذه المدة تقاوم كيد الشيطان وإغوائه ولم تضعف أمامه ولا مرة واحدة.

اعلم - أخي الكريم الفاضل الواثق بالله – أن التوبة المتقبلة لها علامات، من أهم وأقوى وأعظم علاماتها ألا يعود العبد إلى الذنب بعد أن يُقلع عنه ويتوب منه، فأنت ما دمت - بارك الله فيك – قد تركت هذا الذنب ولم تعد إليه رغم الإغراءات ورغم الضغوط الكبيرة التي يمارسها عليك الشيطان فأنا أبشرك بأن الله قد قبل توبتك؛ لأنه لو لم يقبل توبتك لردك مرة أخرى منتكساً إلى المعصية – والعياذ بالله – ولكن بما أنك صدقت النية في العودة إلى الله تبارك وتعالى وعلم الله منك الصدق في قلبك وفي نيتك وعزيمتك وإرادتك فقد حال بينك وبين العودة إلى المعصية، فإن كثيراً من العصاة ينتكسون بعد أيام معدودات بل بعد سنوات - أخي الكريم – نجد أن بعض الناس قد يُقلع عن المعصية لأيام أو أسابيع أو شهور أو سنوات ثم يعود مرة أخرى إلى المعصية منتكساً – والعياذ بالله – لأن الشيطان واصل ضغطه عليه ولم تكن توبته جادة صادقة.

أما أنت الآن ثلاث سنوات وأنت من الصالحين، من التائبين الذين يحبهم الله تعالى، أما سمعت قول الله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ))[البقرة:222]؟! أما سمعت أن الله يفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه ورجع أعظم من فرح الإنسان الذي كان في فلاة – أو برية –ومعه راحلته ولكنها هربت منه وعليها طعامه وشرابه وظل يبحث عنها حتى يئس من العثور عليها، فأوى إلى شجرة فاستظل في ظلها ينتظر الموت، وما هو إلا أن وجدها قائمة عند رأسه وعليها طعامه وشرابه، فأخطأ من شدة الفرح وقال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) إن فرح الله بك أعظم من فرح هذا الرجل بعودة راحلته إليه، إن الله يحب التوابين، هذه نعمة عظيمة أن الله تبارك وتعالى يفرح بالتوبة ويحب التائبين، فأنت الآن رجل محببٌ إلى الله تبارك وتعالى فرح بك الله جل جلاله عندما تركت المعاصي من أجله وأقبلت عليه لا لشيء إلا من أجل رضاه.

فأقول - بارك الله فيك -: اثبت ثبتك الله، ولا تلق بالاً لكيد الشيطان وإغواءاته وإغراءاته، وكلما جاءتك الأفكار الشيطانية السوداء التي يقذف بها الشيطان إلى ذاكرتك ليذكرك بما كنت عليه من معصية فاتفل عن يسارك ثلاثاً واستعذ بالله، وحاول - بارك الله فيك – أن تغيِّر من وضعك: فإذا كنت وحدك فاترك المكان وحاول أن تبحث عن أحد تتكلم معه أو أن تشغل نفسك بشيء، وإذا كنت نائماً فقم، وإذا كنت جالساً فتحرك، وإذا كنت – كما ذكرت – في غرفة وحدك فاخرج إلى مكان فيه غيرك من إخوانك أو أهلك أو أقاربك لتتكلم معهم، ولو أن تفتح جهاز التلفاز، ولو أن تسمع قرآناً أو تقرأ جريدة، أو تكتب كتاباً، المهم أن تغيِّر وضعك البدني حتى لا يدخل الشيطان عليك بقواه وخيله ورجله فيفسد عليك نفسيتك ويجعلك تصاب بهذا الحزن وتلك الكآبة التي تعتصرك ألماً وحزناً على ما مضى، ولا تجعله يقول لك بأنه لا أمل في التوبة؛ لأن الله تبارك وتعالى وعد (من تاب تاب الله عليه)، وقال جل جلاله: ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا))[الزمر:53]، وقال سبحانه: ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا))[النساء:17].

فأبشر - بارك الله فيك – ولا تلتفت لكيد الشيطان وابصق عن يسارك ثلاثاً – كما ذكرت – كلما جاءك الشيطان ليذكرك بالماضي، أو ييئسك من رحمة الله تعالى، أو يسلط عليك الأفكار الغريبة، ابصق في وجهه - لعنه الله - واستعذ بالله تبارك وتعالى منه دائماً وأبداً، وعليك بالإكثار من ذكر الله تعالى لأنه حصن حصين، ولا تتوقف عن الاستغفار ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وأبشر – أبشر – بمغفرة الله تبارك وتعالى لك وتوبة الله تبارك وتعالى عليك وقبول الله تبارك وتعالى هذه التوبة منك؛ لأن أعظم شرط – كما ذكرت – إنما هو الإقلاع عن المعصية مع عدم العود إليها والندم على فعلها وعقد العزم على عدم العود إليها، وهذه قد أكرمك الله بها، فأبشر – أبشر – بمغفرة الله ورضوان ورب غير غضبان.

وواصل مسيرتك في التوبة، وحاول أن تملأ أوقات فراغك بشيء من الأعمال النافعة كقراءة القرآن أو حفظ بضع آيات منه ولو بمعدل آية واحدة كل يوم أو حديث واحد من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أو سماع شريط من الأشرطة الطيبة النافعة، أو قراءة كتاب من الكتب التي تتحدث عن حكم الظن بالله والإيمان به أو حضور بعض المحاضرات والندوات التي تكون قريباً منك.

أسأل الله لك الثبات وأن يتقبلنا وإياك في عداد التائبين الصالحين المتقين.

هذا والله ولي التوفيق.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
هل الذنب الذي ارتكبته بحق أحدهم سيعود لي؟ 1554 الأربعاء 29-07-2020 04:29 صـ
أريد التغلب على الشيطان ونسيان الماضي، فكيف يمكنني ذلك؟ 1456 الأحد 19-07-2020 06:12 صـ
كيف أثبت على ترك المعاصي والعلاقات المحرمة؟ 1848 الأحد 12-07-2020 11:53 مـ
ملتزم دينياً ولكني أقع في المعاصي، ما النصيحة؟ 864 الثلاثاء 14-07-2020 05:31 صـ
هل هناك طريقة أفضل وأكثر تأثيرا لتطوير النفس؟ 1178 الاثنين 06-07-2020 04:27 صـ