أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : عجز الزوج عن تلبية حاجة الزوجة في فراش الزوجية بسبب مرضه النفسي وكيفية تعاملها مع ذلك

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنا زوجة أبلغ من العمر 38 عاماً، وقد تزوجت منذ خمسة عشر عاماً، ولي أربعة أطفال، وقد أصيب زوجي بالاكتئاب منذ عشر سنوات، ويتعاطى الأدوية طوال تلك الفترة.

ومنذ ذلك الحين أصبح زوجي يرفض اقترابي منه، وصار يبتعد عن فراش الزوجية، وزادت المشاكل بيننا حتى أصبحت تؤثر على أطفالنا، وصار مزاجي عصبياً جداً مع أني كنت معروفة بطول البال، وأصبحت أشعر بانعدام المشاعر تجاهه، رغم أني أقوم بواجبي تجاه البيت وتجاه متطلباته على أكمل وجه، وأُراعي حق الله في كل شيء.

وطوال هذه السنين كنت أحاول إعادة علاقتنا وترميمها ولكن باءت كل محاولاتي بالفشل، حتى وصلت إلى ما أنا عليه اليوم، مجرد إنسانة تعيش مع رجل لا تحمل له أي مشاعر سوى أنه والد لأطفالها، وقد فكرت عدة مرات في الطلاق ولكنني كنت أتراجع في سبيل أطفالي، وأعاني الآن لأني امرأة وأحتاج إلى من يلبي احتياجاتي ويشعرني بأنوثتي، وصرت أخاف أن لا أحافظ على حدود الله، ولدي صراع كبير في داخلي بين ما يأمرني به ديني وقيمي وأخلاقي وبين احتياجاتي كامرأة، فأرشدوني لأني أعيش في جحيم كبير.
ولكم مني كل الشكر والتقدير.

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم محمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يصرف عنك وعن زوجك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يعيد إليكم الأمن والأمان والاستقرار، وأن يشفيه وأن يعافيه مما ابتلي به من الاكتئاب وغيره، وأن يردكما إلى سالف عهدكما من المودة والرحمة، إنه جواد كريم، كما نسأله تبارك وتعالى أن يربط على قلبك وأن يسترك بستره الذي لا ينكشف وأن يوفقك لاتخاذ القرار المناسب الذي يرضيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن المرأة عندما تتعرض لإشكال كهذا الإشكال وتهتز العلاقة بينها وبين زوجها فإنها تكون في موقف لا تحسد عليه، فالمرأة في بيت زوجها ترى أن زوجها ستراً وحارساً وحفيظاً وأميناً ودرعاً تتقي به، وأما إذا حدث بينها وبينه شرخ أو أُصيب الرجل بمرض أو علة أفقدته هذا الدور فإنها تصارع الأمواج وحدها وتشعر بأنها ضعيفة وتخاف على نفسها أن تضعف وأن تقع فيما لا يرضي الله تعالى، خاصة إذا كانت في منتصف عمرها وما زالت تحتاج إلى مقومات خاصة أودعها الله فيها.

ولكن المرأة الصابرة المحتسبة المؤمنة الصادقة هي التي تواجه أقدار الله بالصبر عليها، فزوجك الآن رجلٌ مريض ولديك أربعة من الأطفال، وهذا المرض أثر قطعاً على نفسيتك وعلاقته بك؛ لأن مرض الاكتئاب مرضٌ قاتل ومدمر يجعل الإنسان يعيش في داخل نفسه، وهو أيضاً مبتلى مثلك، فأنت ابتليت به وهو ابتلي بنفسه، ولا أعتقد أنه كان يتمنى أن يكون سلبيّاً، ولا أعتقد أنه كان يتمنى أن يُحرم منك أو أن تُحرمي منه، فكل رجل يسعد بالاستمتاع بأهله، ويفرح عندما يمتع أهله ويدخل السرور على قلوبهم، وأعتقد أنه كان كذلك، ولكن هذه الأمراض هي أقدار الله تعالى، ولو فرضنا العكس، لو أنك – لا قدر الله – ابتليت بهذا فهل كان من الممكن أن يتخلى عنك؟ وهل كان من الممكن أن ينكرك؟ وهل كان من الممكن أن يرميك؟! قطعاً هذا ممكن، ولكن أعتقد أنه لا يحدث في كل وقت وفي كل حالة، وإنما هناك رجال أوفياء، كما أن هناك نساء وفيات.

وأيضاً إذا افترضت أنه قد مات وأنك قررت أن تحافظي على أولادك حتى لا يدخل عليهم رجل غريب فيذلهم أو يسيء معاملتهم، فهل ستقبلين أن تتخلي عن أولادك؟ لا أعتقد ذلك، لأنك امرأة صالحة والدليل على ذلك اتصالك بهذا الموقع الإسلامي، والدنيا مليئة بالخير والخير فيك، وأسمع عن كثير من النساء يموت الزوج ويترك لها ثلاثة أو أربعة من الأطفال وهي لم تتجاوز العشرين عاماً ورغم ذلك تصبر وترفض الزواج وتقاوم شهواتها الداخلية ورغباتها النفسية حتى تعبر بر الأمان بأولادها الذين هم أصبحوا أمانة في عنقها فهي لهم أبٌ وهي لهم أمٌ.

وزوجك موجود ولكنه خارج الوجود، ولذلك فإن رفضه الاقتراب منك ليس برغبته وإنما هو أصلاً من آثار هذا المرض، وكونك الآن أصبحت في مزاج عصبي فهذا طبيعي لأنك ترين رجلاً لا فائدة منه، والحمل كله عليك وهو لا يقوم بأي دور، وقد تحتاجين الحاجة الضرورية الخاصة بك كامرأة ولا تجدين تلبية، فهذا أمر طبيعي جدّاً، فالمرأة التي يحدث بينها وبين زوجها نوع من الفتور في الحياة الزوجية يحدث هذا غالباً لها، وكذلك الرجل أيضاً يختلق المشاكل لأتفه الأسباب ويستتر وراءها، وفي الحقيقة أن المشكلة خلاف الظاهر، وهي أنه حُرم حقه أو أن امرأته ما أحسنت إليه، ولذلك يختلق الأعذار بأن ملح الطعام اليوم زائد، أو ملح الطعام ناقص، أو البيت غير نظيف، أو أنت مهملة في نفسك، كل ذلك إنما هو ستار وقناع قد يرفعه الرجل وقد ترفعه المرأة، أما الحقيقة فهي أن الحرمان من الحقوق الأساسية إنما هو السبب.

وعدم وجود أي مشاعر منك تجاهه هذا شيء طبيعي؛ لأنه الآن رجل معطل ولا يقوم بدوره، ولذلك فإن الالتصاق الجسدي الذي كان يؤدي إلى انتقال الطاقة من بدنك إلى بدنه انعدمت، فأصبحت أنت الآن بغير طاقة ولذلك الآن أنت تؤدين دورك كما لو كان رجلاً عادياً، ولكن ما عند الله خيرٌ وأبقى.

ولا مانع من إعادة الكرة مع زوجك مرة أخرى والبحث له عن علاج آخر أو طبيب آخر؛ لأن مرض الاكتئاب يؤدي إلى نوع من الفتور العاطفي والفتور الجنسي أيَضاً، ولذلك فإن بعض الناس الذين عندهم سرعة في القذف عند إتيان الزوجات يصفون لهم حبوب الاكتئاب لأنها تؤخر الشهوة وتعطل الرغبة، فإذن هو الآن يكاد يكون منتهي أبداً من هذه الناحية، إلا أنه من الممكن بحسن المعاملة والتفاهم والتقرب منه مرة أخرى والاجتهاد في الإحسان إليه قد تقلبي هذه الخريطة كلها رأساً على عقب، والاكتئاب نعم يؤدي مع الزمن إلى شلل في الأعضاء الجنسية، ولكن من الممكن أن تعود بحسن العشرة وحسن المعاملة والاجتهاد في إثارته أنت حتى يستعيد رجولته كما كانت من قبل.

وأنصحك بالصبر وعدم التعجل والاهتمام بزوجك والمحافظة على أولادك، واعلمي أن المرأة الصابرة المحتسبة صديقة تُبعث مع الصديقين والصديقات يوم القيامة، والمرأة التي تتقي الله في نفسها وتخشى أن تقع فيما يخدش حياءها أو يهتك عرضها – لا قدر الله – امرأة من الصالحات القانتات تأتي على رؤوس الأشهاد يوم القيامة.

وأنصحك بحسن معاملة زوجك حتى وإن كان ضعيفاً؛ لأن الظروف خارجة عن إرادته، وأنصحك بالصبر والتحمل وعدم الضجر أو الملل، والدعاء لله تعالى أن يُذهب الله عنك هذا الفتور وأن يُذهب عنك هذا الشعور، وأن يُذهب عنك هذه العصبية الزائدة وأن يديم المودة والمحبة بينك وبين هذا الرجل، وأن تصبري عليه، فإن صبرك عليه كصبر امرأة أيوب على زوجها، صبرت عشرات السنين حتى أكرم الله زوجها بالشفاء وكتب الله لها بذلك مقعد صدق عنده، لأنها كانت امرأة صدق، ولذلك تكلم عنها القرآن، فأنت - إن شاء الله تعالى – أتمنى أن تكوني كامرأة أيوب – عليه السلام – صابرة محتسبة عفيفة فاضلة تتقين الله تعالى في نفسك وفي زوجك وفي أولادك.

وثقي وتأكدي بأن حسن العشرة وإعادة الجو العاطفي من جديد بينك وبين زوجك – ولو من طرف واحد – لعل الله قادر أن يعيد إليه نشاطه وحياته وأن تعود المياه إلى مجاريها وأن تسعدا معاً بنعمة الاستقرار والأمن والأمان، وإن لم يقدر الله ذلك فيكفيك أنك صابرة محتسبة وأنك بذلك من أهل الجنة، وأن صبرك على زوجك سبب من أسباب رضوان الله تبارك وتعالى عنك.

وعليك بالدعاء له بالشفاء والدعاء لنفسك بالثبات والقدرة على مواجهة المشكلات والتحديات، والدعاء لأولادك بالصلاح والاستقامة، وأنا أدعو أن يوفقك الله في ذلك كله.

وبالله التوفيق.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...