أرشيف الاستشارات

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً -أخي محمد-، ونشكرك على اختيار استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يسددنا وإياك لصالح القول والعمل.

بداية أبشرك -وفقك الله- بأن الله تعالى يحيط من يسعى في الزواج بعنايته وتوفيقه ما قصد بذلك العفاف لنفسه وصونها عن الحرام، ففي الحديث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:" ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف". رواه الترمذي، فأبشر بمعونة الله تعالى.

ثم لا بد أن تدرك -أخي الكريم- أن أعظم الصفات التي لا بد أن تتصف بها من تبحث عنها كزوجة قبل أي شيء هو الدين، وذلك لأن الدين والأخلاق تحجز صاحبها عن الفساد والظلم في حق نفسه وحق غيره، وتدفعه لطاعة الله في تعامله مع الآخرين، وهذا الأمر يساهم في تقليل الاختلافات والمشاكل الأسرية، ويسهم في استقرارها، فصاحبة الدين تُقدِّم مراد الله تعالى على نفسها واختياراتها، لأنها تعلم أن كل قضاء قضاه الله خير ورحمة وفيه سعادة الدارين، وتدرك أن الشرع خير ورحمة كله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" إذا صلت المرأة خَمْسَها، وصامَت شهرها، وحَفظت فرجها، وأطاعت زوجَها، قيل لها ادخلي الجنةَ من أيّ أبواب الجنة شئت". رواه الترمذي. وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- خير الصفات التي تتوفر في المخطوبة، وجعلها أربعاً، فقال -صلى الله عليه وسلم-:"تنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"، تأمل كيف أكّد على واحدة منها وجعلها في أعلى المراتب، فقال:" فاظفر بذات الدين تربت يداك"، وذلك لأهميتها، وأما الرجل فقد جعل من أهم صفاته الدين والخلق، فقال -صلى الله عليه وسلم-:" إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير". رواه الترمذي.

وهذه هي المعايير الكلية والأساسية التي رغَّب فيها الشرع عند اختيار الزوج لزوجته، واختيار الزوجة لزوجها، وعند التأمل فيها ستجد أنها أساس كل خير لاستقرار الحياة الزوجية، فالصالح إن أحب أكرم، وإن كره لم يظلم، ولم يمنع الإسلام رغبات النفس وميولها لصفات أخرى ما دامت مشروعة، كالجمال والمال وشرف النسب، لكنه رغَّب في جعل الدين الأساس، وبقية الصفات تأتي دونه.

وللتعرّف على صفات المخطوبة سن الإسلام الخِطبة، وهي أبداء الرغبة الجادة في الزواج، وفي الخِطبة يُشرع النظر للمخطوبة، وبه يتحقق جزء كبير من معرفة المخطوبة، كمعرفة الجمال والشكل، أما بقية الصفات فلا بد من تدابير أخرى لمعرفتها سنوضحها لك، لكن ينبغي أن تعي أموراً عامة عند اختيار الزوجة:
أولاً: وضع الإسلام معايير الاختيار لكلا الزوجين، وهذه المعايير تتناسب مع شخصية وقدرات وفطرة كل واحد منهما لتتحقق إدارة الحياة الزوجية بشكل متناسق ومتوازن، فجعل القوامة بيد الرجل، وهي: قيام الزوج بمصالح زوجته ورعايتها والإنفاق عليها، وذلك لما يملكه من مقومات القوة والقدرة لتحقيقها، والقيام بها على أكمل وجه، وجعل دور المرأة يتناسب مع طبيعتها وخِلقتها، فجعل من أهم أدوارها في إدارة الحياة الزوجية تربية الأبناء، والقيام على رعايتهم، لما تملكه من مقومات الرحمة والحنان والعاطفة، ولا بد لاستقامة الحياة الزوجية واستقرارها أن يفهم كل طرف دوره الأساسي داخل الأسرة، ويتعاون الاثنان في الأدوار الأخرى.

ثانياً: طاعة الزوجة لزوجها في المعروف من أسس القوامة الزوجية، ومن أهم أسباب الاستقرار الأسري، فما دام الأمر ليس فيه معصية أو مشقة، فإن طاعة الزوج -مع القدرة- قُربة لله وعمل صالح، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة". رواه الترمذي.

ثالثاً: إذا اعتاد الزوج والزوجة على معارضة بعضهما بلغة يملؤها الاحتقار والفوقية، فهذا من دواعي الشقاق بينهما، ويجعل الخلافات تتسع وتكثر، ويسهم في عدم تحقيق مقاصد الزواج، وكونه سكن ومودة ورحمة، أما الأمور التي يسع فيها الاختلاف بين الزوجين فباب الحوار والنقاش مفتوح فيها، وذلك خير من فرض الرأي والتشدد فيه، فالمشاورة والحوار تقوِّي العلاقة الزوجية، وتُشعر كل طرف بأهمية رأيه بالنسبة للآخر، وأنه جزء مهم في حياته، لذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستشير زوجاته ويعمل بمشورتهن.

رابعاً: ليس واجباً على المرأة الاقتناع بكل ما يأمر به الزوج، فقد تطيع زوجها طاعة لله لا اقتناعاً بما يريد، ما لم يكن معصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وهذا الامر غالباً لا يكون في المرأة صاحبة الدين التي تتقرب إلى الله بطاعة زوجها وإسعاده، وهذا هو التكامل الذي يريده الشرع لاستقرار الحياة الزوجية.

أما طرق التعرف على صفات المخطوبة: فالناس فيه بين إفراط وتفريط، فمن الناس من يعتبر المخطوبة أشبه بزوجة فيتمادى في كل شيء ويقع في محظورات كثيرة، وهذا من الفساد العظيم كون الخاطب أجنبي عن المخطوبة، ولكون الخِطبة مجرد وعد بالزواج فقط، ويحق للخاطب الانفصال سواء برضا المخطوبة أو بعدمه، وفي الطرف الآخر من الناس من يمنع الخاطب حتى من النظرية الشرعية التي أباحها الشرع لمن رضيه الولي خطيباً لابنته، وشرع الله أكمل وأسلم لما يحققه من مآلات الاستقرار الأسري، فمن مقاصد الخطبة التحقق مما يدعو الرجل إلى المرأة شكلاً وأخلاقاً.

ومن وسائل ذلك:
الخطوة الأولى: السؤال عنها معارفها الأقربين، وفي هذا السؤال يعرف طباعها وطريقة تعاملها العفوي، وتحملها للمسؤولية داخل المنزل، وتعاملها الدائم مع قرابتها، وافتراض أن جميع المقربين لا يصدقون! فإن هذا نوع من المبالغة، وحتى تتجنب ذلك -إن حدث- يمكن توسيع دائرة السؤال داخل دائرة الأقربين.

الخطوة الثانية: السؤال عنها معارفها الأبعدين، وهذه الفئة يُدعِّمون ويؤكدون معلومات المعارف الأقربين كطبيعة اهتماماتها وتمسكها الديني، وأخلاقها في التعامل، والتي تعطي مؤشر لمدى الوعي في التعامل والسلوك.

الخطوة الثالثة: قبل الخِطبة يتولى محارمك من النساء البحث والتقصي المباشر عن الفتاة والسؤال عنها، فإن حدثت الخِطبة، فلك أن تطلب النظرة الشرعية، ويمكن بعد إذن ولي المخطوبة التحدث معها بوجود محرم أو عبر الهاتف، ويتم الحديث دون خضوع بالقول أو الأحاديث الغرامية، ويكون حول قضايا تتعلق بشخصيتها واهتمامها وما تحب وما تكره، والتفاهم حول الأدوار والأولويات الحياتية بعد الزواج، وهذا الأمر يسهم في إعطاء الخاطب معلومات واسعة في طريقة تعاملها وتفكيرها وأخلاقها.

وبهذا القدر يتحقق المقصود، ويحدث الكافي من المعلومات التي تضع الأسس للعلاقة الزوجية، أما الدخول في تفاصيل دقيقة وصفات مثالية فإن هذا من وهم الثقافة التي يرسخها الإعلام السلبي في نفوس أبناء المجتمع، ومن طلب الكمال المتعذر، أو المقارنات الوهمية لما يراه البعض في مواقع التواصل الاجتماعي من تصنُّع المثالية شكلاً ومضموناً، ولا أصل له في الحياة الواقعية، فالكمال مستحيل في أي علاقة، ولكن الحرص على وجود الصفات الكلية هو الأساس، والحوار في أي مختلفات أثناء الخطبة ولو بالسؤال المباشر -كما وضحنا- يدلك على ما تريد معرفته، ويكفي ويشفي، وبقدر ما تكون المرأة أصون لنفسها وعفتها ودينها من أي فساد، فإنها تعلو في نظر الرجل، وتكون أجدر في بناء الأسرة المستقرة، وتربية الأبناء الصالحين، وحفظ الزوج في حضوره وغيابه.

ثم لا تتجاهل الدعاء والضراعة لله تعالى أن يسددك ويعينك على حسن الاختيار، ثم الاستخارة وتكرارها -إن لزم الأمر-، حتى تشعر بالاطمئنان في اختيار الزوجة، وفقك الله وسددك، وأعانك على الاختيار.