أرشيف الاستشارات
عنوان الاستشارة : أهمية الذكر في تجاوز حالات الخوف
لا أعرف متى بدأت معي هذه الحالة، فأنا دائماً في حالة قلق وخوف، من ماذا ؟!! لا أعرف، أعيش في تفكير مستمر لا ينقطع أبداً .
في السابق كانت الأمور تسير على ما يرام، لكن ازدادت هذه الحالة سوءاً منذ سنتين تقريباً عندما أكملت دراستي الجامعية بتقدير مقبول، عندها أحسست أنني إنسانة فاشلة لن أستطيع فعل أي شيء لأن أبسط الأشياء لم أستطع أن أحققها.
وبعد ذلك حدثت لنا وفاة في العائلة أبناء خالتي الاثنين في ظرف شهر واحد فقط، ثم بعد شهر وفاة عمي، هنا بدأت مشكلتي، فعندما أشعر بأي مرض أحس أن نهايتي قد حانت، وأفكر كيف سيكون موتي؟ وما هو حال أهلي بعد أن أموت؟ صديقاتي ماذا سيفعلن، و..و..وكثير من الأسئلة تدور بخلدي حتى عذاب القبر أفكر فيه.
الآن أنا توظفت في شركة وراتبي جيد جداً والحمد لله، وظروفي جميعها تحسنت وأهلي يحبونني جداً، ومرتبطة عاطفياً بإنسان أعتبره رحمة من الخالق عز وجل، ولكن هذه المخاوف ما زالت تسيطر على تفكيري وتشل حركتي، فلا أستطيع فعل شيء سوى الاستسلام لها .
ملحوظة: إنني أحب الرسم جداً ولي أعمال فنية كثيرة، ماذا أفعل حتى أستطيع التخلص من هذه الحالة التي أصبحت أكره حياتي بسببها؟
وشكراً .
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ غيداء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرزقك الطمأنينة، وأن يعيننا جميعاً على ذكره وشكره وحسن عبادته.
لا يوجد دواء ينفع الهموم ويطرد الأحزان مثل الحرص على ذكر الله والمداومة على طاعته، ولن تجد الدنيا راحة البال إلا في ميادين الطاعة والذكر (( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ))[الرعد:28].
ولا شك أن النجاح في الحياة لا علاقة له بالشهادات الدراسية وبالتقدير المرتفع، ولكنه بدايةً بتوفيق الله، وأنت الآن أكبر دليل على ما ذكرنا، فأنت مسئولة عن قسم الكمبيوتر وتستطيعي أن تطوري هذه القدرات وينفع الله بك البلاد العباد، وكل إنسان له مواهب ولكننا كثيراً ما نتأخر أو نفشل في اكتشافها وحتى طريقة ترتيب المستويات المعتمدة في مؤسساتنا التعليمية ليست دقيقة، فالطالب المتأخر في الصف يتقدم في مجال آخر من مجالات الحياة وله جوانب من التفوق خصه الله بها، فإن نعم الله مقسمة بين عباده، وكل إنسان يعرف بعض أصدقائه وزملائه الذين لم يكونوا متفوقين، هم الآن من أنجح الناس في حياتهم.
وهذا الحزن الذي يجده الإنسان ولا يعرف له سبب هو الغم، وأحسن من قال: عجبت لمن اغتم كيف يذهل عن قوله تعالى: (( لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ))[الأنبياء:87] فإني سمعت الله يعقبها يقول: (( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ))[الأنبياء:88]، وهي ليست خاصة لنبي الله يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ولكنها لكل مؤمن (( وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ))[الأنبياء:88]، وعجبت لمن خاف أو خوف كيف يغفل عن قوله تعالى: (( حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))[آل عمران:173]، وهي حكمة قالها خليل الرحمن فقال الله: (( يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ))[الأنبياء:69]، وقالها رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قيل له: (( إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))[آل عمران:173]، فإني وجدت الله في عقبها يقول: (( فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ))[آل عمران:174] وهكذا يجد الإنسان راحته في ذكر الله وطاعته، ويطرد بذلك الهموم والأحزان، فأكثري من الذكر واللجوء إلى الله، والتضرع إليه سبحانه، وتذكري أن للمعاصي شؤمها وآثارها، ومن ثمارها المرة فقد الطمأنينة والسعادة والعياذ بالله.
ومما يجلب الطمأنينة الإيمان بالقضاء والقدر، فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فعلينا أن نصبر ونحتسب، ولا علاقة للموت بالأمراض، ولقد أحسن من قال:
فكم من صحيح مات من غير علةٍ ** وكم من سقيمٍ عاش حيناً من الدهر
والمؤمن يحرص على الطاعات، ويسأل الله حسن الختام، ويكثر من ذكر هادم اللذات، وهذا يدفع المؤمن للأعمال الصالحات، وتذكر الموت ظاهرة صحية ومفيدة للمؤمن لأنه يراجع نفسه ويبادر بالتوبة، ويقلق الكافرين والفاسقين، فيصابوا باليأس والإحباط، وينهمكوا في الملذات قبل أن يخرجهم الموت من هذه الدنيا التي هي جنتهم لكنها سجن المؤمن نظراً لما ينتظره عند الله من نعيم وحبور، وجنات وقصور فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وليست القضية في الموت فكل نفس ذائقة الموت، ولكن المهم على أي خاتمة سنمضي وعلى أي عقيدة سنموت، وإذا كان الإنسان في الطاعات فإنه لا يبالي إن وقع على الموت أو وقع الموت عليه، بل سيردد ما قاله بلال رضي الله عنه: (مرحبا بالموت حبيب جاء على شوق، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه) إنهم رجال حسنوا الأعمال فأحبوا لقاء الله فأحب لقاءهم.
ومما يخفف وقع مصيبة الموت على أهل الإيمان تذكر مصيبة الأمة بفقد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن موته كان يعني انقطاع خير السماء عليه صلاة الله وسلامه، وقدر صور الأنصاري ذلك حين قال:
لقد عظمت مصيبتنا وحلت عشية قيل قد قبض الرسول
فقدنا الوحي التنزيل فينا يروح به ويغدوا جبرائيل
نبي كان يجلو الشك عنا بما يوحى إليه وما يقول
فاحمدي الله يا أختي على توفيقه لك، وأكثري من ذكره وطاعته، واشغلي نفسك بالطاعات، فإنه من لم يشغل نفسه بالخير شغلته بالباطل والوساوس والشرور، وتجنبي الوحدة، فإن الشيطان مع الواحد، وهم هذا العدو أن يحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله، وجالسي الصالحات، ولا بأس من شغل النفس بالمفيد والهوايات المحببة، وأرجو أن تتجنبي ذوات الأرواح، وعليك بالشجر وبمناظر الطبيعة الناطقة بعظمة الجليل سبحانه وتعالى، وتذكري أننا خلقنا للعبادة والطاعة، ولن يحدث يا أختي في هذا الكون إلا ما أراده الله سبحانه وتعالى، والله ولي الهداية والتوفيق.
أسئلة متعلقة أخري | شوهد | التاريخ |
---|---|---|
وسواس الموت سبب لي العديد من الأمراض، فكيف أتخلص منه؟ | 2863 | الثلاثاء 21-07-2020 03:16 صـ |
الخوف من الموت، كيف أتخلص منه؟ | 2789 | الأحد 19-07-2020 07:11 صـ |
كرهت حياتي والناس كرهوني بسبب تبلد مشاعري.. أريد حلا | 1083 | الخميس 16-07-2020 02:42 صـ |
فكرة الموت وذكريات طفولتي لا تفارقني، أرجو المساعدة. | 2125 | الثلاثاء 14-07-2020 02:54 صـ |
أشعر بعدة أعراض ولا أعرف هل هي نفسية أم جسدية أو روحية؟ | 1569 | الأربعاء 15-07-2020 03:36 صـ |