أرشيف الاستشارات
عنوان الاستشارة : وسواس العقيدة والشك في الله يقتلني، ساعدوني.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني من وسواس قهري في ديني ودنياي ونفسي تموت كل يومٍ، بل كل ثانية تتمزق، لو أن شخصا اقتلع قلبي بيده لكان ذلك أحب إليَّ من هذا الوسواس اللّعين المميت، أنا على بعد خطوات من الانتحار!
أنا شاب عمري 21 عاما، شاب هادئ مسكين التزمت دينيا منذ 7 أشهر وللآن، وفي أول شهرين شعرت بسعادة عظيمة بعبادة الله، ومن ثم تسلطت عليّ أفكار تتمثل في الشك بالله وقدرته، وكيف يشفي وكيف يرزق؟ والقضاء والقدر ومعناه وتفصيله، وأغوص به لدرجة عقلي لا يدركه، وكل حدث أراه أحلله تحليلا شديدا من ناحية القضاء والقدر، والذي يضيف المرارة أنني صاحب شخصية تحليلية وتركيزية جدا، وحاولت كثيرا الإعراض عنه دون جدوى، وكان يزداد كثيرا بالطاعات، وتعرضت لكافة أنواع الوساوس.
الآن أنا عقلي قاصر، بل قاصر جدا على فهم الحياة، أنا أفسر كل حدث أراه وكل حركة أتحركها وأفسرها ضمن القضاء والقدر، وكل ذلك دون إرادة مني، الأسوأ من ذلك أنني صرت أذهب للتفكير في هذه الأمور فوق أنها رغما عني أيضا، وتسبب ذلك في ضعف إيماني لكن دون ارتكاب المعاصي؛ لأني بالرغم من هذه الوساوس كأن شيئا يمنعني من المعاصي.
أنا الآن لا أجد السعادة أبدا، وكلما حاولت أن أسعد نفسي لا أستطيع وأعود للتفكير، لا أستطيع التجاهل، وشيء يقول لي يجب أن تحزن، لا أعمل بسبب هذه الوساوس، ولا أملك المال لأشتري الدواء، وأهلي لا يعطوني.
بعض الأمثلة: عندما أستعيذ بالله يقول لي الشيطان استعذت ولم أذهب، دعوت في أوقات الإجابة ولم يستجب لك، أين قدرة الله؟ والكثير الكثير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بدر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك – ولدنا الحبيب – في استشارات إسلام ويب.
هذه الوساوس – أيها الحبيب – سببُها واضحٌ وظاهرٌ لك، وفي كلامك ما يُبيِّنُ هذا السبب بجلاء، فأنت لم تشعر بهذه الوساوس إلَّا بعد أن قرّرت سلوك الطريق الذي يوصلُك إلى الله تعالى وإلى جنّته ورضوانه، وقد أوضحت في كلامك بأن هذه الوساوس تزداد كثيرًا بالطاعات، فكلَّما زِدتَّ طاعة زادتْ هذه الوساوس.
وبيَّنت كذلك أن هذه الوساوس مُرادها أن تقع في الحزن، وألَّا تهنأ بعيشك، ولا تتلذَّذ بعبادتك وطاعتك، وكلُّ هذه الأمارات والعلامات تدلُّ بوضوح – أيها الحبيب – على أن هذه الوساوس مصدرها الشيطان، فهذه أوصافه، وقد وصفَه النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الوصف في الحديث الصحيح الذي رواه النسائي وغيرُه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ، فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، وَيُقْسَمُ الْمَالُ، فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ)) ثم قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ)).
هذا الحديث – أيها الحبيب – فيه بيان هذه الحقيقة التي أنت تعيشُها، أن الشيطان قعد لك بأطرق الخير، يُريدُ أن يصدّك عنها، ويُحاول أن يُثقِّلْها عليك، فإذا صبرتَ وقاومت وأخذت بالأسباب التي تدفعه عنك، فإن الله تعالى سيجزيك بذلك الجزاء الوفير والثواب الحسن، فالصبر عاقبته الخير ويوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب، كما أخبر الله تعالى في كتابه الكريم: {إنما يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب}.
فلا تلتفت إلى هذه الوساوس، واعلم أن العقل البشري محدود القدرة، لا يستطيع أن يُدرك كلَّ شيء، فله قُدرات محدودة، فهو جزءٌ من هذا الإنسان، كما أن عضلات الإنسان لها قُدرات محدودة فكذلك عقلُه وتفكيره له قُدرات، والعقل البشري مُغرم ومُولع بالتكذيب بكل شيءٍ لم يَرَه ولم يَر له مثيلاً، فلا يصحّ أن تخضع كل الأمور التي نُخبَرْ عنها لمقياس العقل البشري.
ومن جُملة ذلك: القضاء والقدر، فإننا نؤمن بأن الله تعالى يعلم كل شيء، وأنه لا يغيب عن علمه شيء سبحانه وتعالى، وأنه كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض، لأنه يعلم ماذا سيفعلون، وليس لأنه يُجبرهم على فعل شيء، فقد علم سبحانه وتعالى ما سيفعله الإنسان فكتب سبحانه وتعالى ما سيفعله هذا الإنسان.
ونعلم أيضًا أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق لكل شيء، {الله خالق كل شيء}.
ونعلم أيضًا بأن الله سبحانه وتعالى هو صاحب المشيئة النافذة في هذا الكون، فلا يكون في هذا الكون شيءٌ إلَّا إذا شاءه الله، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
هذه الأمور هي المكوّنة للإيمان بالقدر، فإذا آمنت بأن الله تعالى يعلم كل شيء، وكتب علمه سبحانه وتعالى بهذه الأشياء، وأنه سبحانه وتعالى هو الخالق لكل شيء، وأنه سبحانه وتعالى هو صاحب المشيئة الكاملة النافذة؛ فقد آمنت بالقضاء والقدر الذي أراد الله تعالى منك أن تُؤمن به.
ولا تخض بعد ذلك في التفاصيل، فإن القضاء والقدر سِرٌّ من أسرار الله تعالى في هذا الكون، ووصيةُ النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث: ((إذا ذُكر القدر فأمسكوا))، يعني: لا تخوضوا في التفاصيل، فربما يصل العقل البشري إلى نقطة يتحيَّرُ فيها، وليس شيئًا يستحيل، ولكنَّ العقل لضعفه قد يتحيَّر في بعض الأمور.
فالنصيحةُ لك – أيها الحبيب – أن تقف عند الحدود التي أرشدك الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الوقوف عندها، وألَّا تُكلِّف نفسك فوق طاقتك. فإذا فعلت ذلك فإنك ستصل بإذن الله تعالى إلى الطمأنينة والسكينة.
أدلة وجود الخالق سبحانه وتعالى لا تُحصى، فكلُّ مخلوقٍ يدلُّ على الله عز وجل، فمن الذي أوجده؟ وهل يُوجد شيءٌ بلا مُوجد؟ وهل يُوجدُ فعلٌ بلا فاعل؟ وهل يُوجدُ مخلوقٌ بلا خالق؟ ففي كلِّ شيءٍ له آيةٌ تدلُّ على أنه الواحد.
النصيحة النبوية – أيها الحبيب – أن تُعرض عن هذه الوساوس، وألَّا تتعامل معها، ولا تبحث عن إجابات للأسئلة التي تفرضها عليك، أن تشتغل عنها بأي شيءٍ ينفعك في دينٍ أو دُنيا.
ونصيحتُنا لك أن تعرض حالتك على والديك لمساعدتك في التداوي إذا كنت تحتاج إلى الدواء، فإن لم يُعنك الوالدان فاستعن بالأقارب، وأكثر من ذكر الله تعالى، وأكثر من الاستعاذة عندما تُهاجمك هذه الوساوس.
إذا فعلت كل هذا ستُشفى -بإذن الله-، نسأل الله تعالى لك عاجل الشفاء.
أسئلة متعلقة أخري | شوهد | التاريخ |
---|---|---|
أعاني من الوسواس وعدم الإحساس بالمتعة في الحياة | 4627 | الاثنين 22-03-2021 01:01 صـ |
كيف أتعالج من وساوس العقيدة؟ | 2395 | الثلاثاء 02-03-2021 11:40 مـ |
معاناتي من الوسواس القهري قديمة، كيف الخلاص؟ | 1895 | الثلاثاء 02-03-2021 01:55 صـ |
أعاني من الشعور المستمر بالذنب بسبب وسواس العقيدة | 2970 | الخميس 25-02-2021 02:46 صـ |
كيف أتخلص من الوساوس القهرية التي تصيبني بالشك؟ | 2334 | الخميس 25-02-2021 02:14 صـ |