أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : كيفية تجاوز ذكريات الماضي السلبية التي تؤثر على تحصيل الطالب العلمي

مدة قراءة السؤال : 4 دقائق

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

الأساتذة الكرام .
في الحقيقة مشكلتي تتعلق بتحصيلي الدراسي، فبالرغم من أنه مقبول ولكن أحس أنه ينقصه شيء .
أنا أدرس الجامعة في أوروبا، ومشكلتي أنني من الأشخاص الذين يسألون (بفتح الياء) ولا يسألون (بضم الياء)، أعني بهذا أنني أستغرق وقتاً في فهم ما يفهمه غيري من الطلبة بسهولة، لذلك أكون أنا دوماً من يسألهم عن شرح المواد، مما سبب لي نوعاً من الإحباط، فأنا دوماً أقول لنفسي: لماذا لا تفهم مثلهم؟ لماذا تسألهم دوماً؟؟ لماذا لا يسألونك هم؟؟ وغيرها الكثير .

مشكلة أخرى هي أنني لم يحدث أن بدأت بدراسة مادة مقررة أو مشروع معين؛ إلا قلت لنفسي هذا صعب، لا يمكنك النجاح فيه!! فما هو السبيل لدحض هذه الأفكار الهدامة، والبدء فعلاً في دراسة المادة أو المشروع على أساس أنه لا نقاش في أنني سأنجح فيهما بإذن الله؟؟

لقد قرأت في موقعكم بعض المشاكل الأخرى والتي تنصحون فيها السائلين بالبحث عن المشكلة الأصلية التي سببت كل ما هو حاصل له، وعملاً بذلك فأنا لدي موقف ما زلت أذكره منذ أن كنت صغيراً، وأنا أود ذكره لكم لتعينوني على تفنيده.
الموقف باختصار هو أنني عندما كنت في الصف الثالث الابتدائي كان لدينا أستاذ رياضيات قاسي، وكان يردد دوماً على مسامعي أنني غبي ولا أفهم، وبالرغم من أنه لم يختصني بها وحدي، فقد كانت تؤلمني بشدة وتشعرني بالخجل، وحدث في مرة أنه بعدما انتهى من تعنيفه المعتاد لي تعثرت وسقطت على الأرض، طبعاً لم يضحك علي أحد لأن الكل كان يخاف من الأستاذ، ولكني لا أنسى هذا المنظر أبداً، عيون الطلبة ما بين مشفق وهازئ ومتشفٍ تنظر كلها إلى أسفل حيث أني ما زلت على الأرض، وعيون الأستاذ ملؤها الاحتقار .

أعتقد أنكم استنتجتم من أنه قد تكونت لدي عقدة من الرياضيات، وهذا ما حدث فعلاً، فبالرغم من أنني لم أرسب فيها مطلقاً، ولكن أصبح تحصيلي فيها مقبول (يعني على شفا حفرة من الرسوب) رغم أنني ممتاز في باقي المواد، والغريب أنني رغم خوفي من الرياضيات إلا أنني الآن في السنة الثالثة من كلية هندسة الإلكترونيات !!

أحد أصدقائي أخبرني أنه ربما مشكلتي تكمن في هذه الذكرى -التي لا يعرفها حتى أبي وأمي وإخوتي- ونصحني بمواجهتها – أي الذكرى- والتغلب عليها، وسؤالي هو : كيف يمكنني التغلب عليها ونسيانها ؟ والأهم من ذلك: هل هي فعلاً ما يثبط عزيمتي من كل المواد؟

نقطة أخرى: لقد سمعت كثيراً من الناس الذين يقولون بأن الواحد منا يمكنه زيادة معدل استيعابه وزيادة نشاطه العقلي إذا قام بعمل بعض التمارين، فأود أن أعرف هل هذا صحيح؟ وهل لها علاقة بالبرمجة اللغوية العصبية والتي هي على لسان الجميع في وقتنا هذا؟

شكراً جزيلاً لكم، وأنتظر ردكم بفارغ الصبر.

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ AA حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:


نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يرزقك العلم النافع والعمل الصالح، وأن يبلغ بك الْمُنى والمناجح.

لا شك أن الجسد إذا جُرح يحتاج لأيام أو أشهر ليبلغ صاحبه العافية، ولكن جراح النفس تمتد مع الإنسان مدى الحياة، وتترك ظلالها وآثارها، ومن هنا كان نهي الدين عن التقبيح والسباب، فالكلمة تجرح، وقد تقتل في الإنسان روح المثابرة والثقة.

وقسوة المعلمين أو الآباء المربين لها آثار خطيرة على الناشئة، وخاصة إذا كانوا ممن يستخدمون الكلمات الجارحة والشتائم المثبطة أمام الناس، مع أن أكثر من يستخدم هذه الوسائل تكون نيته طيبة، ويعتقد أنها طريقة مفيدة في التربية، وقد يكون تربَّى بنفس الطريقة، ولكن الصواب أن نربي أبناءنا لزمان غير زماننا، ومن السهل على الإنسان تجاوز جراح الماضي إذا ملك العزيمة والإرادة القوية، وقبل ذلك بتوفيق الله، ومما يعين الإنسان على نسيان الجراح القديمة الانشغال بالمفيد، والتأسي بالذين نظروا للجوانب الإيجابية فاجتهدوا في تصحيح وتحسين مستواهم العلمي، كما حدث لبعض أهل المدينة عندما سألته امرأة عن مسألة فلم يستطع أن يجيب، فقالت له العجوز: أنت جئت من بلد الإمام مالك ولا تعرف جواب هذه المسألة، فما الفرق بينك وبين الحمار الذي تركب عليه؟ فترك التجارة ولزم الإمام مالك، فكان بعد ذلك من كبار الفقهاء، ونفعته تلك الكلمات الموجعة.

ومما يساعدك على تجاوز ذكريات الماضي علمك بأنك لم تكن وحدك، فكل الزملاء كانوا يعاقبون بنفس الوسائل، فلماذا لم يتأثروا مثلك؟

ولا شك أن المعلم الناجح يهتم بالضعفاء ويشجعهم، وينتقل بهم إلى دروس سهلة، ويمدح فيهم كل بادرة حسنة، وأرجو أن يهتم الطلاب من أمثالكم بتصحيح هذه المفاهيم، وأن يجنبوا الأجيال الجديدة سلبيات الماضي.

أما كثرة الأسئلة فليست عيباً؛ لأن بعض الناس عنده مزيد من الحرص، وقد نال ابن عياش العلم بلسان سؤول وقلب عقول، والطلاب مذاهب شتى في طرق الفهم والتلقي، فبعضهم يستوعب بسرعة وينسى بنفس السرعة، وبعضهم يكون بطيء الفهم بطيء النسيان، وبعضهم لا يفهم إلا إذا كتب ما سمع، وبعضهم يتعمق ويصبر على فهم الدقائق ويغوص في بطون الكتب، وربما حفظ ما لم يطلب منه، وكان الإمام الزهري يعرض محفوظاته على الجارية ويقول: أنا أعلم أنك لا تفهميني ولكن أرغب في المذاكرة، وقد صادفنا من الزملاء والطلاب نماذج كثيرة ومدارس شتى في طرق الفهم والتلقي؛ فلا داعي للقلق، وسوف تفيدك كثرة الأسئلة بإذن الله، وإنما شفاء العيِّ السؤال.

أما قولك لكل مشروع أو عمل هذا صعب؛ فهذا لن يضرك إذا رفعت من همتك وقويت عزيمتك، وبدأت مشروعك بجدٍ ونشاط، أما إذا كان قولك هذا على سبيل التثبيط للنفس واحتقار القدرات ودفن المواهب، فهذه روح أرجو أن تتخلص منها، وتذكر ما قاله الشافعي: ( ليس أحدٌ أصغر من أن ينجح) .

وقد كان بعض الأئمة معاقين ولكنهم فعلوا ما لم يفعله غيرهم كما فعل ابن الأثير رحمة الله عليه، وكما حدث من بعض الفضلاء الذين فقدوا أبصارهم، ومع ذلك فاقوا غيرهم في ميادين كثيرة، بل وُجد من المكتشفين والعمالقة من كان راسباً في دراسته وخاصة في بدايات الطلب.

ومن طلب العلا من غير كدٍ أضاع العمر في طلب المحال
ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر...
وكما قيل: ولابد دون الشهد من إبر النحل.

ولا شك أن تغيير بيئة الدراسة، والترفيه القليل عن النفس له آثار على الفهم والاستيعاب، فأنجح الدروس هي ما كانت بعد رياضة معتدلة، أو ترفيه وترويح عن النفس، ومما يساعد الإنسان على زيادة المعدل التوجه إلى الله، والحرص على طاعته، والبعد عن المعاصي، ولقد أحسن مَنْ قال:

شكوتُ إلى وكيعٍ سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نورٌ ونور الله لا يهدى لعاصي

أما تمارين الاسترخاء فلا شك أن لها آثار على الفهم، ولكن ينبغي أن نكون حذرين من التوسع في هذا الباب، فقد تسللت أفكار إلحادية وممارسات شيطانية إلى هذه الألوان من الرياضة، ويغني عن كثير من تلك الممارسات ذكر الله وتلاوة كتابه، والتأمل في ملكوته سبحانه، والسجود بين يديه سبحانه.
ولا زالت هذه الممارسات في طور النظريات، وهي قابلة للأخذ والرد، ولم تتحول إلى حقائق علمية ثابتة متفق عليها.

فاحرص على اختيار الأوقات الفاضلة مثل السَّحر والبكور والأوقات الهادئة، وتوجه إلى من يجيب المضطر إذا دعاه، وأكثر من الاستغفار والتوبة، فإن من ثمار الذنوب المرة حرمان الفهم والعلم، ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية الذي حدث عن نفسه فقال: (إني لتستشكل عليَّ المسألة فأستغفر الله فيفتح الله عليَّ)، فنحن يا أخي نُؤتى من قِبل أنفسنا، ونُحرم الخير بكثرة ذنوبنا (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى:30].

والله الموفق.
---------------------------------------------------------
انتهت إجابة: د. أحمد الفرجابي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-،
وتليها إجابة: الأستاذة إيمان الشيباني.
----------------------------------------------------------
أخي الفاضل/
أريد أن أطمئنك، تأكد أنك ممتاز في كل شيء، حتى لو أنك تسأل دائماً؛ لأن الذي يسأل عادةً هو الشخص الذي يحرك عقله ويرى أموراً لا يراها الآخرين، وبالتالي يسأل عنها، وكذلك كثرة الأسئلة تساعد على الحفظ والمدارسة، والمناقشة مع الأسئلة تثبت المعلومة وتجعلها سهلة وسريعة الاسترجاع.

وأما بالنسبة لمشكلتك الأخرى، وهي حديثك الداخلي عن صعوبة المادة قبل المذاكرة فأقول:

إنك تستطيع حسم هذا الأمر بنفسك، وكل ما تحتاجه هو أن تغير كلامك مع نفسك، فعندما تريد أن تدرس أي مادة أو عندما تريد أن تبدأ في أي مشروع تحدث مع نفسك بإيجابية، وقل سأنجح بسهولة بإذن الله تبارك وتعالى، وأستطيع النجاح إن شاء الله، وسيساعدني الله في ذلك، ولن يخيبني الله بل سيكون في عوني.

وأخيراً : لا تنس قراءة الاستشارات التالية:
( 225704، 15736، 226028) .

أسأل الله أن يوفقك في دراستك، وأن يعينك ويلهمك الصواب، والله الموفق.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
كم أحتاج من الوقت للتشافي من آثار العادة السيئة؟ 13402 الخميس 16-07-2020 04:13 صـ
أريد أن أجد فرصة لأصبح بحال أحسن في دراستي 723 الثلاثاء 07-07-2020 04:45 صـ
أحس بأنني فاشلة في كل شيء، وأني لا أستحق تخصصي 1300 الخميس 02-07-2020 03:45 صـ
كيف أتغلب على صعوبات الحياة؟ 1018 الأحد 07-06-2020 01:42 صـ
أخشى أن يضيع حلمي في أن أصبح طبيبة بسبب ضعف همتي.. ما نصيحتكم؟ 1524 الاثنين 22-06-2020 10:07 مـ