أرشيف الاستشارات

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أتفق معك أن الوساوس تجعل الإنسان في حيرة من أمره، وتجلب الكثير من الكدر والأحزان للنفس البشرية، خاصة تلك النفوس اللطيفة والحساسة والمرهفة، والوسواس ينتج عنه اكتئاب ثانوي، وعدم قدرة على التكيف، وكما تفضلت وذكرت دائماً هنالك خوف وقلق توقعي هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى أقول لك: هوني عليكِ، فالوسواس يمكن علاجه بآليات بسيطة جدا،ً نعم هي بسيطة إذا التزم بها الشخص الذي يعاني من الوساوس، وأنت -أيتها الفاضلة الكريمة- تعيشين في دولة البحرين، وهنالك أطباء نفسيين متميزين جداً، وليس هنالك ما يدعوك لأن تجعلي هذا الأمر سراً على أهلك، أخطري والدتك، أخطري أحد أخواتك أنك تعانين هذه المعاناة، وأنك تودين مقابلة الطبيب، وهنالك إخوة كرام في البحرين كالدكتور أحمد الأنصاري مثلاً، والدكتورة شارلوت كمال، والدكتور عادل عوفي، وإخوة آخرين.

فلا تحرمي نفسك من نعمة العلاج، العلاج ميسر، العلاج سهل، هنالك علاج دوائي، هنالك علاج سلوكي، هنالك علاج اجتماعي، وكلها تتضافر مع بعضها البعض، وتكمل بعضها البعض، المبدأ العام للعلاج هو تحقير الوسواس، وعدم تفصيله أو تحليله، هذا مهم جداً، وهي ركيزة أساسية، الإنسان الذي يحاول أن يحلل وساوسه، أو يحاول أن يناقشها ويخضعها لأي نوع من التحليل والمنطق، فإن هذا يسيطر عليه الوسواس، ويصبح أكثر دكتاتورية كما ذكرت في رسالتك الطيبة، المبدأ العام هو التحقير والاستخفاف به.

فيا -أيتها الفاضلة الكريمة-: التزمي هذا المبدأ حتى تذهبي وتقابلي الطبيب، الأمر العلاجي الآخر هو أن تكتب هذه الوساوس في ورقة، ثم أبدئي بأخفها، ثم الأشد، ثم أيهما أشد حتى تصلي إلى أكثرها شدة، وابدئي بعد ذلك في تدارس هذا الوسواس دون أن تحليليه، ثم حقريه تحقيراً تاماً، وقومي بفعل ضده، وهكذا يمكن أن تتخلصي من وسواس يليه وسواس آخر.

قطعاً الطريقة ليست بهذه البساطة، لكن هذه مبادئها العامة، وأنا متأكد أن المختص سوف يشرح لك تمارين الاسترخاء فهي أيضاً علاج سلوكي مهم، وكذلك صرف الانتباه من خلال حسن إدارة الوقت هذه المتطلبات الأساسية للتخلص من الوسواس يضاف إلى ذلك العلاج الدوائي.

العلاج الدوائي ركيزة أساسية جداً؛ لأن الوساوس في معظمها وجلها ينتج عنها تغيرات في كيمياء الدماغ، وهنالك مواد تعرف بالموصلات العصبية حين يحدث فيها نوع من عدم الانتظام في إفرازها، أو نوع من التشابك السلبي فيما بينها ينتج هذا الوسواس، وعقار بروزاك وفافرين وهنالك أدوية أخرى كلها فاعلة وممتازة جداً.

إذاً لا تجعلي الوسواس سبباً لإقناعك من عدم الذهاب إلى الطبيب؛ لأن الكثير من الإخوة والأخوات الموسوسين تجد أن وساوسهم تقنعهم بأنه لا داع من الذهاب إلى الطبيب، ولا جدوى من هذا الأمر، وهكذا، لا، اكسري هذه الحواجز كلها، وابدئي في العلاج الدوائي والعلاج السلوكي، وإن شاء الله تعالى يكتب لك الشفاء تماماً.

وأقول لك أيضاً: إن من فضل الله تعالى أن مضادات الوساوس هي نفسها محسنة للمزاج، بمعنى أن حالة القلق والكدر التي تعانين منها سوف تذهب تماماً.

بارك الله فيك وجزاك الله خيراً، وبالله التوفيق والسداد.