أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : هل الوساوس الدينية خاصة في رمضان هي من الوسواس القهري

مدة قراءة السؤال : 4 دقائق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اسمحوا لي أن أحدثكم بمشكلتي وأملي أن تقرؤوها بتأني، وأن تنصحوني بما يذهب عني ما أعانيه -بإذن الله-.

أنا فتاة أبلغ من العمر 23 عاما، مشكلتي بدأت عندما كنت مراهقة إذ راودتني بعض الأسئلة بخصوص الدين، وحاولت بجهد طردها، ولكني وعندما حاولت البحث عن إجابة لتلك التساؤلات قرأت أحد المشاركات لملحد في الانترنت، وكان لها أبلغ الأثر في التأثير علي فكثرت تساؤلاتي عن عقيدتي، هل هي صحيحة أو لا؟ وعن القرآن هل هو منزل من الله أو لا؟ وبعد هذا الموقف مر علي رمضان ليس كبقية المسلمين وأنا أصوم مثلهم إلا أنني لا أشعر به، وكنت أقرأ القرآن وأحاول أن أتدبر فيه حتى أبعد عني تلك الأفكار، ولكني لم أشعر بضيق شديد كما حدث لبقية الأشخاص الذين استشاروكم في الموقع، وعندما أصلي القيام في الدعاء لا أشعر بالخوف من الآخرة حيث أن الكثير كانوا يبكون إلا أنا، أشعر بأن قلبي كان قاسيا، فهل أنا في ذلك الوقت كفرت دون أن أعلم؟

وبعد أن انتهى رمضان حاولت أن أبعد كل ما أفكر به، فدرست العقيدة والسيرة -والحمد لله- ذهبت عني هذه الأفكار، إلا أن رمضان ما أزال لا أشعر بروحانيته، وفسرت هذا لضعف الإيمان، أما بقية السنة لا تراودني الشكوك ولكني متهاونة لحد ما في الصلاة، فأقوم بجمع صالتين على سبيل المثال.

وفي رمضان الماضي رجعت لي مشكلتي دون أن أقرأ لملحدين، ففي بداية الشهر بدأت الأسئلة تراودني حول ديني، وهل الرسول فعلا موحى إليه من الله؟ وهل القرآن فعلا كلام الله؟ ومررت بحالة نفسية مزرية أحسست بأني سوف أجن، وتمنيت لو أن ربي يأخذ روحي، أصوم مع المسلمين لكني أشعر بأني لست منهم، أشعر بأني أبطن الكفر والنفاق وأغبط إخوتي على فرحتهم بالشهر، وفي فترات كنت أتمنى لو ينتهي الشهر حتى ينتهي ضيقي، وكلما حاولت أن أجاوب عن هذه الأسئلة أجد نفسي أغوص بها أكثر، وكلما حاولت أن أقرأ عن سيرة الرسول تراودني شكوكي حول ما أقرأ فقررت التوقف.

وصلت لمرحلة أن أمي قالت لي أن أقرأ كتاب الله حتى يذهب ضيقي، فراودتني الشكوك بأن هذا كلام الله مرة أخرى، وشعرت بأني أصدقها إلى أن قرأت في موقعكم أنه من الوسواس القهري، وأني يجب أن لا أرد عليه، وشغلت نفسي بالاستغفار والدعاء -ولله الحمد- استطعت لحد ما أن أكف شكوكي وما يراودني بعدم الإصغاء لها، وعندما سيطرت عليها قل الضيق ونوبات البكاء فشككت بكوني لا أعاني من وسواس قهري، لأني وكما قرأت بأنه يظل فترة طويلة، فشعرت بأن الله لا يريد هدايتي وأني من الضالين، وأن هذه الشكوك هي من نفسي أنا وليست قهرية، وحاولت أن أبعد عني هذه الأفكار ولكنها ترهقني، والآن كلما سمعت القرآن أشعر بضيق، وعندما تتكلم أختي عن معجزة شق الصدر للرسول –صلى الله عليه وسلم- أشعر بأني لست موقنة 100%، وأغبط إخوتي كثيراً على اليقين والإيمان الكبير الذي لديهم، بينما أنا تحيطني الأفكار والتساؤلات، وعندما أقرأ القرآن أجد نفسي تتصيد أخطاء وهمية، وكأن نفسي تحاول أن تبعدني عن الإيمان وأشعر بالضيق.

كيف يمكنني طرد هذه الأفكار؟ وهل أنا أعاني من بداية الوسواس القهري؟ علما بأني تراودني الشكوك في صلاتي في بعض الأحيان فأعيدها، وأيضاً في وضوئي ولكن ليس كثيراً جداً، أنا أؤمن بالله ولكن مشكلتي مع القرآن، يزيد ضيقي عندما أسمعه وتراودني بعض الشكوك، أريد أن أكون كبقية المسلمين الذين يفرحون بالشهر الفضيل فدلوني على السبيل، أرجو أن تردوا علي بكل نقطة تطرقت لها، وأن يتسع بالكم لما ذكرته لأني تعبت مما أنا فيه.

وجزاكم الله خير.

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حصة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك - ابنتنا الكريمة - في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يهدينا وإياك لأرشد سبيل، وأن يأخذ بأيدينا إلى كل خير.

ما تعانينه - أيتها البنت الكريمة - إنما هو محض وساوس، إذا أردت إراحة نفسك منها والتغلب عليها فافعلي بوصية النبي – صلى الله عليه وسلم – في الإعراض عن الوسوسة، وأنت قد جربت هذا الدواء وانتفعت به كما أفادت سطورك، فنصيحتنا لك أن تجتهدي في الاستمرار على هذا الطريق، وكوني على ثقة من أن الله تعالى لن يخيِّب سعيك، وسيصرفها عنك.

القرآن - أيتها البنت الكريمة – هو القرآن الذي نز على محمد – صلى الله عليه وسلم – ونُقل إلينا بالتواتر، فالأمة تنقله جيلاً بعد جيل، كل جيلٍ ينقله إلى الجيل الذي بعده، ومن أوضح ما تستدلين به على أنه هو القرآن لم يتغير ولم يتبدَّل، أن المصحف الذي تجدينه لدى المسلمين في الصين – مثلاً - يحتوي على ذات الكلمات التي تجدينها في المصحف الذي يقرؤه الناس في أقصى الغرب، فالمسلمون ينقلون هذا الكتاب العزيز لأجيالهم، وليس شيء من العلم أقوى في النقل من كتاب الله تعالى، فالأمة كلها تنقله إلى الجيل التالي، وليس في الدنيا علمٌ يُنقل بهذه الطريقة، فالتشكيك بعد ذلك من كونه هو القرآن الذي نزل على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إنما هو محض التلاعب من الشيطان، يستغل فيك قصور علمك بهذه المسألة.

وأما الدلائل الدالة على أن هذا القرآن نزل من عند الله تعالى على محمَّدٍ فما أكثرها وأعظمها، القرآن نفسه شاهد بأنه ليس من صُنع البشر، فإن الله تعالى تحدَّى فيه البشر أن يأتوا بمثله، فلما عجزوا تحدَّاهم على أن يأتوا بعشر سورٍ مثله، فلما عجزوا تحدَّاهم على أن يأتوا بسورة من مثله، وهذا التحدي لا يزال قائمًا، فكل من أراد أن يُشكك في أن هذا القرآن من عند الله يُطالب بأن يأتي بمثله، أو أن يجمع الناس جميعًا على أن يأتوا بمثله إن كان يقدر على ذلك، وقد قال الله تعالى في كتابه: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظِهيرًا} أي معينًا ومساعدًا.

وقد تحدَّى الله تعالى المشركين في مكة وهم يُقاتلون محمَّدًا ويعاندونه، تحدّاهم على أن يأتوا بمثله، فإذا جاءوا بمثله فإن محمد سيترك الدعوة إلى هذا الدين، ولكنهم عجزوا على أن يدخلوا هذا التحدي، واختاروا أن يأخذوا السيوف للقتال وأن يُقتلوا وتُغنم أموالهم وتُسبى نساؤهم، اختاروا كل هذه المعاناة على أن يقفوا أمام هذا التحدي، وهم العرب الفصحاء أهل البيان والكلمة، فلم يقدروا على إتيان شيءٍ يُعارض هذا القرآن، والإعجازات العلمية الحديثة التي في القرآن دليل صادق على أن هذا القرآن منزّل من عند العليم الخبير، فنصيحتنا لك أن تستمعي إلى حلقات العلم والإيمان لبعض العلماء المتقنين في جانب الإعجاز العلمي كالشيخ عبد المجيد الزنداني والشيخ زغلول النجار.

في القرآن إخبارٌ عن الغيوب المستقبلية والتي وقعت كما أخبر القرآن، فالدلائل على صدق القرآن وأنه من عند الله أكثر من أن تُعدُّ وتُحصى، إنما النصيحة لك - أيتها البنت الكريمة - أن تُعرضي عن هذه الوساوس بالكلية، واعلمي أنك لو أعرضت عنها وشغلت نفسك بغيرها فإن الله تعالى سيصرفها عنك.

نسأل الله تعالى أن يأخذ بيدك إلى كل خير، وأن يعصمك من كل مكروه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الشيخ أحمد الفودعي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
وتليها إجابة الدكتور محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لقد أوضحت حالتك بصورة واضحة وجلية، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.

أيته الفاضلة الكريمة، لا شك أنك تعانين من وساوس قهرية، ووساوسك هي وساوس الأفكار والاجترارات الملحة، وموضوع وساوسك موضوع حساس جدًّا، لذا ينتج عنه قطعًا شيء من الحزن والكدر والكرب والتضجر والتردد، وافتقاد اليقين حول أشياء كثيرة، وهذه طبيعة الوساوس.

أيتها الفاضلة الكريمة أنت لست الوحيدة التي تمر بمثل هذه الإشكالية، -وإن شاء الله تعالى- عقيدتك صحيحة ولا شك في ذلك، وما تأتي به الوساوس من أفكارٍ هنا وهناك يُقابل بالتجاهل والتحقير والاستخفاف التام، هذا الذي هو الذي يؤدي إلى تفكك الوساوس، واختفائها تمامًا، لكن إذا دخلت في حوارٍ مع الوساوس وحاولت أن تخضعيها للمنطق هذا يُتعبك تمامًا، خاطبي الوسواس بأن تقولي (أنت وسواس حقير، اذهب عني، أنا لن أعطيك أي اهتمامٍ، لن أستجيب لك أبدًا، لا من قريب ولا من بعيد) واصرفي انتباهك بأن تشغلي نفسك بما هو مفيد في الحياة.

البشرى الكبيرة التي أود أن أزفها لك أن هذه الوساوس تستجيب بصورة فعّالة جدًّا للعلاج الدوائي، الوساوس الفكرية تستجيب بنجاح كبير للدواء أكثر من الوساوس الطقوسية أو وساوس الأفعال/ هناك ثلاثة أو أربعة أدوية متميزة جدًّا لعلاج الوساوس.

لكن هناك شروط لا بد من توفرها لينجح العلاج: أولاً: التدخل الدوائي المبكر مطلوب، ويُعرف أن أصحاب الوساوس يتأخرون كثيرًا في طلب المساعدة العلاجية، وتأتيهم شكوك ووساوس حول الأدوية، وهذه إشكالية، والشرط الثاني لنجاح العلاج: هو الالتزام به، والمتابعة مع طبيب مقتدر.

فهذا هو الذي أنصحك به، وبما أنك موجودة في دولة قطر أطمئنك كثيرًا أنه توجد خدمات ممتازة بقسم الطب النفسي، فقدمي نفسك – أيتها الفاضلة الكريمة – إلى الطب النفسي الموجود بالقرب من دوار الجيدة، ويشمل مكان مستشفى الولادة القديم أو ما يعرف بمستشفى (حمدة)ـ احضري تحويلاً من المركز الصحي، وأنا اسمي (محمد عبد العليم) ويمكن أن تطلبي مقابلتي وتعملي مواعيد، وسوف أضع لك برنامجًا علاجيًا كاملاً يخلصك تمامًا من هذه الوساوس -إن شاء الله تعالى-، فأبشري وحيَّاك الله، وكل عام وأنتم بخير.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...