أرشيف الاستشارات
عنوان الاستشارة : أخاف من التحدث أمام الناس..فكيف آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخاف أن يصيبني عذاب من الله عز وجل بسبب كتماني للعلم حتى صرت أخاف أن أدخل مصليات النساء خوفا من أن تقام علي الحجة على ما يفعلنه بعض النساء من أخطاء في صلاتهن.
وعندي رهاب اجتماعي، ولكنه متوسط الحد، وأخاف إن أدخل في هذه الآية، ( قال الله تعالى ((إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ( 159 ) إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ( 160 ) ) البقرة
وهل إذا رأيت نساء، وهم على خطأ وأحيانا يتلفظون بألفاظ شركية، هل لابد لي أن أعلمهم، وإذا كتمت ونكرتها في قلبي هل علي إثم؟
وجزاكم الله خيرا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أحبك يا الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم نحن سعداء حقًّا بتواصلك معنا، ونسأل الله تعالى دوام هذا التواصل لما فيه منفعتنا جميعًا. كما نسأله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يعافيك من هذا الرُّهاب، وأن يجعلك من الصالحات القانتات الداعيات إليه على بصيرة، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن خيرية هذه الأمة تكمن في أمرها بالمعروف، ونهيها عن المنكر، والدليل على ذلك ما ورد في قوله جل جلاله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} بماذا؟ {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} كما أن الله تبارك وتعالى كلف الأمة كلها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما ورد في حديث النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: (من رأى منكم منكرًا فليغيره..) وبيّن النبي - صلى الله عليه وسلم – درجات التغيير.
فكلنا مطالبون حقيقة بدور إيجابي تجاه السلبيات التي قد تؤدي إلى إفساد العلاقة بين العبد وربه، أو بين العبد ونفسه، أو بين العبد وبين غيره من بني آدم، ولكن هذا التكليف متوقف أيضًا على قدرة الإنسان واستطاعته، بما أنه من التكليفات الشرعية، فهو يخضع لقول الله تبارك وتعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
فإذن نحن علينا أن يقوم كل واحد بدوره الإيجابي في حدود استطاعته وطاقته، ولذلك أنت تنظرين حولك، لا تجدين هناك في الناس من يقوم بإنكار كل منكر، ولا بالأمر بكل معروف، وإنما حتى العلماء الكبار والدعاة المتميزين لا يفعلون ذلك غالبًا أو دائمًا، وإنما لكل حادث حديث، ولكل أمر وقته، ولكل منكر ظرفه، ليست المسألة على الإطلاق، لأن هذا أمر فوق الطاقة، لو إنسان فعلاً حاول كلما وجد منكرًا أن يقوم على تغييره وبيانه سواء أكان ذلك باللسان – وهو الوسيلة التي تتاح للدعاة عمومًا – فإن هذا الأمر فيه مشقة عظيمة كما ذكرت.
ومن هنا فإني أقول لك: إن الأمر حسب الطاقة والاستطاعة، فالذي تستطيعين أن تنكرينه عليك أن تنكرينه، خاصة المنكر العام، لأن المنكر العام يختلف عن المنكر الخاص، فالمنكر العام لو أن كل واحد حاول إنكاره و عليَّ أن أجتهد قدر الاستطاعة في إنكار المنكر حسب رؤيتي وحسب إمكاناتي وقدراتي وحسب الشخص الذي أمامي، وحسب قدرتي على العرض، وحسب إدراكي لفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن هذا علم، وهو عبادة نتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى، ولذلك فلا يجوز لنا أصلاً أن نقوم بها إلا إذا كنا قادرين على القيام بها، وإذا كنا على علم يقيني من أن هذا منكر شرعًا، وأن لدينا الحل ومعرفة الحكم، وأننا نستطيع أن نبين الحكم الشرعي الذي به يتم القضاء على هذا المنكر أو إقامة الحجة على فاعله.
فإذن القضية ليست فقط مجرد كلام، وإنما فقه الأمر بالمعروف وفقه النهي عن المنكر هذا باب من أبواب الشريعة الكبيرة، لأنه يترتب عليه حقيقة أمور عظيمة، فقد يأتي الإنسان لينكر منكرًا فيقع في منكر أعظم منه، ولذلك كونك تعرفين أن هذا منكر وتعرفين حكمه الشرعي، ولديك الوسيلة لإيصال الأمر إلى الطرف الآخر مع مراعاة الرحمة، ومراعاة اللطف، ومراعاة تقدير ظروفه، والتماس العذر له، وإنزال نفسك منزلته وماذا تحبين أن يُقال لك إذا كنت في مثل ظرفه، إذا كان لديك هذا الفقه، فإذن الذي تستطيعين أن تنكريه تنكريه، والذي لا تستطيعين إنكاره تتركينه.
وعليه فأنا أقول: إنك لن تدخلي في هذه الآية، وإن شاء الله تعالى رحمة الله واسعة، فعليك بإنكار المنكر قدر استطاعتك، وكما ذكرت المنكر العام يصعب على أي إنسان أن يقوم بإنكاره عامة، وكله، وإنما على قدر الاستطاعة، وبإذن الله تعالى لن تكوني داخلة في هؤلاء ما دمت تقومين بالإنكار في حدود طاقتك، واستطاعتك، وعليك أن تجتهدي في حدود إمكاناتك، ولا تكلفي نفسك فوق طاقتها، لأن الله قال: {لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها} وخاصة أنك معذورة من باب آخر وهو باب أن هذا الرُّهاب الاجتماعي يترتب عليه نوع أيضًا من الحد من قدرتك على الكلام مع الآخرين، وهذا
- إن شاء الله تعالى – لك وليس عليك.
فعليك كما ذكرت – ابنتي الكريمة الفاضلة – بالاجتهاد في حدود إمكاناتك، والإنكار في حدود إمكاناتك أيضًا، ودراسة المسائل أو الموضوعات أو الحالات التي تمر عليك دراسة متأنية، والذي تستطيعين إنكاره فعليك به، والذي لا تستطيعين فيكفيك فيه أنك معذورة لظروفك الصحية، وكذلك أيضًا لمراعاة الضوابط الشرعية.
عليك أن تكوني قدوة خاصة، وأعتقد أن هذه مسألة مهمة جدًّا أن يرى الناس فيك الالتزام الصادق بالإسلام، لعل الكلام قد يكون في وقته، أم السلوك فهو مستمر ودائم، فكوني قدوة حسنة ومثلاً أعلى للمسلمة الملتزمة، واحرصي على التميز العلمي والتميز الأخلاقي والقيمي، واحرصي على أن تكوني صورة مشرفة لدينك، فهذه دعوة صامتة، ولكنها في الحقيقة ناطقة، وهي بلا شك دعوة لديننا من حيث لا ندري
نسأل الله تعالى أن يجعلك من الصالحات القانتات الداعيات إليه على بصيرة، وأن يفقهك في الدين، فإنه من يُرد الله به خيرًا يُفقه في الدين.
وللمزيد من الفائدة يمكنك مطالعة الاستشارات التالية حول العلاج السلوكي للرهاب: ( 269653 - 277592 - 259326 - 264538 - 262637 )
وسائل زيادة الثقة بالنفس سلوكيا: ( 265851 - 259418 - 269678 - 254892 )
هذا وبالله التوفيق.
أسئلة متعلقة أخري | شوهد | التاريخ |
---|---|---|
زملائي في العمل يغارون مني، فكيف أحسن علاقتي بهم؟ | 2362 | الاثنين 01-06-2020 04:39 صـ |
كيف أثقف نفسي دينيا؟ | 4392 | الأربعاء 26-02-2020 01:22 صـ |
أريد أن أترك أسرتي وأتجول من أجل أن أحصل على العلم الشرعي، فهل تركهم خطأ؟ | 1298 | الثلاثاء 25-02-2020 01:34 صـ |