أرشيف الاستشارات

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سهى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -العلي الأعلى جل جلاله- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يشرح صدرك للحق، وأن يعينك على معاملة أم زوجك معاملة طيبة كما تعاملين أمك وزيادة، وأن يوفقك للإحسان إليها وإكرامها خلال هذه الزيارة، وألا يريها منك ما تكره، وأن يجعلك سبباً في بر زوجك بأمه، وأن يكرمك في أولادك بأن يحسنوا إليك وأنت كبيرة كما تحسنين إليها الآن، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- من أن أم زوجتك امرأة طيبة عموماً ولكن فيها شيء من المكر خاصة إذا استمعت إلى توجيهات بناتها، مما يجعلك في بعض الأحيان تنفرين منها حقيقة وفي بعض الأحيان تبغضينها في الله.
أقول لك: إن البغض في الله لا يكون إلا إذا ارتكب الإنسان معاصٍ مجمع عليها، أما مسألة البغض في الله لمجرد أنك لا تحبين تصرفاتها فهذا ليس صحيحاً، وأنت لديك لبس في هذا الأمر - أختي الكريمة – لأننا نبغض الناس على قدر معصيتهم لله تعالى، أما على قدر أنهم لا يتعاملون معنا بالطريقة اللائقة أو الطريقة التي نريد فهذا ليس بغضاً في الله وإنما هذا بغض من أجل النفس. فهذه مسألة.

علماً بأنك لا تؤلبي زوجك عليها خوفاً من الله تعالى، وأقول لك - أختي الكريمة الفاضلة – لو ألبت زوجك على أهله سيؤلب الله تبارك وتعالى أولادك عليك مستقبلاً؛ لأنه كما تدين تدان؛ لأن الأصل فيها أن المرأة المسلمة الصالحة تعين زوجها على طاعة الله وعلى إكرام أهله، بل تحثه بشدة على إكرام أهله والإحسان إليهم، (البر لا يبلى والذنب لا يُنسى والديان لا يموت، أعمل ما شئت فكما تدين تدان).

إن الذي ستفعلينه مع أم زوجك الآن ثقي وتأكدي أنه سيحدث معك كاملاً بعد أن تصبحي في مثل سنها، وسيقول عنك الناس كذلك أيضاً، يعني ستقول عنك أيضاً زوجة ابنك بأنك امرأة فيك مكر شديد وفيك خداع، نفس الشيء - أختي الكريمة – ولذلك أتمنى أن تطردي عن نفسك تلك الأفكار السلبية، وأتمنى أن تكوني صادقة في أن تعامليها كما تعاملين أمك وزيادة؛ لأن أمك إذا جاءتك فقطعاً ستعطينها كل شيء، وستكونين سعيدة بوجودها معك غاية السعادة، فأتمنى أن تكوني أكثر سعادة بأم زوجك، لماذا؟ لأن هذا أولاً: كما ذكرت ابتغاء وجه الله تعالى ورضاه.
ثانياً: إكراماً لزوجك الذي لا يألو جهداً لإسعادك وجبر خاطرك.. فإذن أتمنى -بارك الله فيك- أن تردي الجميل لزوجك بالمعروف، حتى وإن أساءت لا تخبريه إساءتها، حتى وإن تدخلت فيما لا يعنيها كأنك أبداً لم تواجهي منها أي صعوبة، وإن سألك زوجك عن شيء فدائماً امدحيها واذكريها بالخير؛ لأن زوجك ليس رجلاً مغفّلاً والرجل عادة يعرف طباع أمه، ولكن كلما ذكرتها بالخير كلما علم رجاحة عقلك، وكلما علم مدى محبتك له ومدى إخلاصك له، أما لو أنك في كل صغيرة وكبيرة ترفعين تقريراً كتقريرات المخابرات فإنه سيعلم أنك لا تحبين أمه، ومهما حاولت معه فسيكون في نفسه شيءٌ عليك، وبذلك تخسرين الجولة.

افعلي الخير ابتغاء مرضاة الله، وأتمنى - بارك الله فيك – شيئاً واحداً: أن تعاملينها كأمك، إن تدخلت أمك في شيء ماذا ستفعلين معها؟ إن طلبت شيئاً ماذا ستفعلين معها؟ أعتقد أنك ستكونين كالبرق الخاطف في إجابة رغباتها وتلبية حاجاتها، اجعلي هذه كأمك وزيادة، لماذا؟ لأنها أم زوجك، واسمحي لي أنك غداً ستبتلين بهذا الابتلاء، فقدمي الخير الآن لعلك تجدينه غداً - بإذن الله تعالى -.

تقولي أنت كامرأة تريدين الخروج من ضغوط أهل زوجك، وأنا لا أرى أين أهل زوجك هؤلاء؟ أنت تقيمين الآن مع زوجك وحدكما في قطر وقطعاً أهله يعيشون بينكم وبينهم آلاف الكيلومترات، فإذن - بارك الله فيك – هذا قطاع خاص بالنسبة لك، رجلٌ لا يقوم إلا على خدمتك ولا يألو جهداً في إسعادك، وأمه وأهله يأخذون الفتات، أما أنت فالخير كله عندك.

فإذن - بارك الله فيك – لماذا تأتي الضغوط النفسية إذن؟ لأن الرجل في معظم الأحيان يكون خادماً لامرأته وفقط، أمه تأخذ دراهم معدودة وأخواته، أما كل الخير لزوجته وأولاده، ونحن جميعاً - أختي الكريمة – خدم لزوجاتنا وأولادنا، ونحن نحمد الله على ذلك ونقدمه بطيب نفس. أما التسلط أين هو؟ إذا كان مجرد كلام يأتيك عبر الأثير ولكن زوجك موجود معك شحماً ولحماً ودماً وقلباً وعقلاً وروحاً.

أما سؤالك: هل أترك أم زوجي تجلس جنبه في السيارة أم تجلس معي في الخلف؟ فأنا أقول بل تجلس جنبه في السيارة، وأنت تجلسين مع أولادك في الخلف، افعلي ذلك إكراماً لها، ويمكن أنت تعرضي عليها - بارك الله فيك – ذلك.

أما قولك بأن ذلك يسبب لك حساسية فهذا من الشيطان - أختي الكريمة-الشيطان يريد أن يظهرك بأنك إنسانة أنانية، الشيطان يريد أن يظهرك بأنك لا تحبين أم زوجك، الشيطان يريد أن يظهرك بأنك متضايقة لوجودها، الشيطان يريد أن يوقع بينك وبين زوجك العداوة والبغضاء، ولكن أنا أتصور لو أنك استعذت بالله من الشيطان الرجيم ودعوتِ الله تبارك وتعالى بصدق أن يكرمك بالنجاح في هذا الاختبار، فتقدمينها دائماً في كل شيء، ولا تأكلين إلا بوجودها، وعندما تذهبون إلى رحلة تكون هي المقدمة، وأن تبدئي هذا - بارك الله فيك -: (رأيك إيه يا حجة، يا أمي، يا ماما – حسب ما تقولين لها –) وتجعلي كل الكلام لها، حتى تستريحي أنت نفسياً وحتى تريحينها، فصدقيني ستكسبين ثقة زوجك وقلبه أكثر وأكثر.
إذن حتى تكسبي الجولة، فافعلي التالي:
(1) ابتغاء مرضاة الله.
(2) إكراماً لزوجك الذي لا يألو جهداً في إسعادك.
(3) أن الله تبارك وتعالى قال: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه))[الزلزلة:7]، وقال تعالى:((مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا))[النساء:123-124]، فالذي تفعلينه الآن ستكافأين عليه غداً.
فإذن أقول: موضوع السيارة هذه بدون نقاش - بارك الله فيك – إلا إذا رغبت هي أن تركب في الخلف، ولكن حتى وإن كانت لك رغبة أن تركبي بجوار زوجك فقولي لها تفضلي يا أمي، تقول لك: لا..أنا سوف أركب مع الأولاد، تقولي لها: معذرة رجائي أن تركبي في الأمام لأن هذا مقامك وأنت أمي، ودائماً قولي لها (أنت أمي) كرري هذه العبارة مهما كان سوؤها؛ لأنك بذلك تكسبين ودها، وتأمنين شرها، وتكسبين قلب ابنها، وتنجحين في هذا الاختبار، أما تركبي أنت بجوار زوجك وتركب هي كما لو كانت شغّالة تركب في الخلف مثلاً مع أولادك، فقد تشعر في نفسها بشيء، حتى وإن كان لا مانع لديها، ولكن أنت عندما تقدمينها لتجلس بجوار ولدها، فإن هذا الأمر يسعدها ويسعد زوجك سعادة كبيرة، وإذا ما جاء الشيطان ليقول لك: كيف تتخلي عن مكانك، قولي له: (اخسأ يا عدو الله فهذه أمي وأم زوجي، وأنا أكرمها ابتغاء مرضاة الله حتى يكرمني الله تبارك وتعالى في مستقبل عمري مع أولادي).
- أختي الكريمة الفاضلة -: من يعمل خيراً يُجز به، فكما تدين تدان، وقال صلى الله عليه وسلم: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم)، فإذن هذه المسألة أتمنى أن تكسبي فيها هذه الجولة، والمسائل النفسية هذه أقول هي ليست من النفس وإنما من الشيطان، حتى وإن كانت من النفس فإنها من النفس الأمارة بالسوء؛ لأن نفس الإنسان من أشد أعدائه بل هي العدو رقم واحد، ولذلك أمرنا الله تبارك وتعالى أن نجاهدها أولاً، والعلماء عندما تكلموا عن الجهاد بينوا أن الجهاد أربع مراتب:
المرتبة الأولى: جهاد النفس؛ لأنها عدو بين جنبينا، ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام في كل خطبة من خطبه يقول: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا)، وعلم الصحابي هذا الدعاء: (اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي)، وأنت تعلمين أن الله تبارك وتعالى قال: ((إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي))[يوسف:53].
فأنا أريدك أن تكسبي هذه الجولة -أختي الكريمة سُهى- وألا تخسريها أبداً، وأن تفعلي عكس مراد النفس، فكما ذكرت اجعليها كل شيء، لأنها زيارة قد تستمر لمدة شهر أو شهرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة، وفي النهاية ستكونين مع زوجك، وأنت بهذه النفس الطيبة لن تشعري بأدنى ملل لوجودها ولن تتضجري أبداً من وجودها، بل إنها ستحث زوجك على الإحسان إليك والإكرام لك، وأنا أعرف هذا الكلام يقيناً، كم من أمهات فضليات كن حريصات على زوجات أبنائهنَّ أعظم من حرصهنَّ على بناتهنَّ، لماذا؟ لأنهن ما رأين منهن إلا خيراً، بل إني أعلم أن هناك أمهات يقاطعن أولادهنَّ إذا فكروا أن يتزوجوا على زوجاتهم لأنها تحبها أعظم من محبتها لابنتها، لما رأت فيها من خير ولما رأت فيها من إخلاص ومن رحمة ومن تواضع.
فأنا أتمنى - بارك الله فيك – أن تكسبي هذه الجولة، وكل حظوظ النفس هذه اطرحيها جانباً، وقدمي لها كل معروف وكل خير، وكبَّريها إلى أبعد حد، وقولي لها (أنا الآن ابنتك وهذا ابنك، ونحن الآن في خدمتك، نحن الآن ضيوفاً عليك، فهذا البيت بيتك، وافعلي ما شئت وقدمي ما شئت وأخري ما شئت)، كما ذكرت لك: كل شيء: ما رأيك يا أمي؟ وخذي برأيها، أولاً ستتعلمين التواضع وتتعلمين الرحمة، وتتعلمين العطف، وتتعلمين البر، وتتعلمين الإحسان، وتكسبين رضى الرحمن جل جلاله، وتكسبين قلب زوجك، وتكسبين قلب هذه المرأة المسكينة، فهذه امرأة جاءتك كضيف وتركت ولدها لك، وطيلة عمره أصبح الآن في خدمتك، هي بذلت جهدها كله ليأتي اليوم الذي تسعد فيه بولدها وعندما أصبح ولدها رجلاً وأصبح منتجاً جئت أنت فأكرمك الله عز وجل به وأكرمه بك، فاحرصي على أن تكوني في صفها دائماً، حتى تكسبين ودها، وحتى تكون محامياً يدافع عنك، حتى إذا ما أراد بناتها أن يؤيدوها عليك وقفت هي في وجههم وقالت لهم: لا، لقد أحسنت استقبالي ومعاملتي، وزودتني بالهدايا، وجعلتني صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في البيت، وفعلت معي وفعلت وفعلت.

أختي الكريمة الفاضلة: أنا أرى أنها فرصة ذهبية تدخلك الجنة، فرصة ذهبية لأن تكسبي قلب زوجك، فرصة ذهبية لكي تكسبي قلبها ولتكسبي ودها، ولعلها تدعو لك دعوة ينفعك الله بها في الدنيا والآخرة.

أسأل الله أن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يجعل لك من لدنه وليّاً ونصيراً، وأن يوفقك لأن تقومي بدور رائع متميز في خدمة أم زوجك والإحسان إليها وإكرامها، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.