أرشيف المقالات

شروط تحقيق التقوى

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
2شروط تحقيق التقوى
 
شروط التقوى التي لا يتم تَحْصِيلُها إلَّا باستيفائها، وهذه الشروط هي أسباب زيادة التقوى وتحقيقها:
الأول: الإيمان بالله وما يتعلَّق به من شروط وأركان:
قال الله تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 70].
 
وقال تعالى: ﴿ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29]، وغيرها من الأدلة مما يماثلها.
 
قلت: ناداهم الله بالإيمان، ثم طلب منهم تحقيق التقوى، فدل ذلك على أنه لا يمكن أن تتم لهم التقوى إلَّا بعد استيفاء الإيمان بالله ومستلزماته، ويوضح هذا الشرط قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 57]، والله أعلم.
 
قال العلامة الألوسي في "تفسيره" (5 /36): قوله: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾: أي: إن كنتم مؤمنين حقًّا، فإن قضية الإيمان توجب الاتقاء لا محالة؛ ا .هـ.
 
الثاني: تصديق الحق وملازمته وتصديق ما جاء به:
قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 33].
راجع "تفسير الألوسي" (12 /374 ـ 375)، و"فتح القدير" (6 /286)، عند هذه الآية، تجد ملَّخصه ما في عنوان هذا الشرط، والله أعلم.
 
الثالث: إخلاص التقوى لله تعالى:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33]، ومثلها أول سورتي النساء، والحج.
 
قلت: والإخلاص شرط في جميع الأعمال، فلا تقبل إلا به، وقد قيل:
فمن ذا الذي يرجى سـواك ويتــقى *** فمـــالك في فصل القضـاء مخـالف
 

الرابع: الإيمان بكتاب الله والعمل به والاستماع له:
قال الله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأعراف: 35].
 
وقال تعالى: ﴿ وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 171].
 
وقال تعالى: ﴿ وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 51]، وهذا الشرط واضح ظاهر.
 
وقال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 27 ـ 28].
 
الخامس: قبول الموعظة:
قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 164].
 
وقال تعالى: ﴿ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 69].
 
السادس: العبودية المطلقة له سبحانه وتعالى:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].
 
السابع: اتباع الصراط المستقيم وترك الفرقة في الدين:
لقوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].
 
وروى البخاري برقم (5063)، ومسلم (1108)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة النفر الثلاثة، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصلي وأنام، وأصوم، وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب على سنتي؛ فليس مني).
وأدلة هذا الشرط كثيرة، تقدم ذكر بعضها، في (صفاتهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم).
 
الثامن: التوفيق للهداية منه سبحانه وتعالى:
قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ ﴾ [محمد: 17].
وقال العلامة ابن القيم: في "الفوائد" (ص236): إن الهداية لا نهاية لها، ولو بلغ العبد فيها ما بلغ، ففوق هدايته هداية أخرى، وفوق تلك الهداية هداية أخرى، إلى غير غاية، فكلما أتقى العبد ربه أرتقى إلى هداية أخرى، فهو في مزيد هداية ما دام في مزيد من التقوى، وكلما فوَّت حظًا من التقوى، فاته حظًّا من الهداية بحسبه، فكلما اتقى زاد هداه، وكلما اهتدى زادت تقواه ...
إلى آخر كلامه: يراجع للفائدة.
 
التاسع والعاشر: الصوم والحج المستوفيان لشروطهما:
قال جلَّ شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ إلى قوله: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183ـ 187].
 
وقال الله تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [البقرة: 203].
وقد بسطت وجه الدلالة من الآيتين السالفتين في (باب أهمية التقوى)، والله المستعان.
 
الحادي عشر: الصدقة سواءً قُصد بها تطهير المال أو تزكية النفس:
قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ ﴾ [فاطر:18].
 
وقال الإمام البخاري في أول كتاب الإيمان من "صحيحه": قال ابن عمر رضي الله عنه: لا يبلغ العبد حقيقة التقوى، حتى يدع ما حاك في الصدر؛ ا .هـ.
 
قال الحافظ في "الفتح" (1 /70): المراد بالتقوى وقاية النفس عن الشرك، والأعمال السيئة، والمواظبة على الأعمال الصالحة؛ ا .هـ.
 
وقال الله تعالى: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾ [الليل: 17 - 18].
قلت: الله نجَّى الأتقياء، ثم ذكر أن من صفاتهم التي حصل التقوى بها: ﴿ لَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾؛ راجع: "تفسير ابن كثير"، وغيره، عند هذه الآية، والله أعلم.
 
الثاني عشر: شكر نعمة الله تعالى والاعتراف بذلك له سبحانه وتعالى:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المائدة: 11].
ذكر الله تعالى شُكر نِعَمِه، ثم أمرهم بتقواه، فبان أن شكر النعمة، متمِّمٌ لكمال التقوى، والله أعلم.
 
وقال مالك بن أنس: كتب أحد الفقهاء إلى ابن الزبير يقول له: ألا إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها، ويعرفونها من أنفسهم: من رضي بالوفاء، وصبر على البلاء، وشكر على النعماء، وصدق اللسان، ووفَّى بالوعد والعهد، وتلا لأحكام القرآن؛ ا .هـ من "جامع الأصول" (11 /703 ـ 704) لابن الأثير.
 
الثالث عشر: التواضع وترك الإفساد:
قال جلَّ جلاله: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة: 204- 206].
ووجه الدلالة ظاهر، راجع للمزيد كُتب التفسير، عند هذه الآية، والله أعلم.
 
الرابع عشر: العقل والتمييز والتفضيل بين ما أمر الله أن يميَّز ويفضَّل عن غيره:
قال الله تعالى: ﴿ قُل لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 100].
 
قلت: أمر الله نبيه ص بما تضمنته الآية، ثم أمرَه أن يحثهم على التقوى، ومما عُلم شرعًا وعقلًا: أن الإنسان لو طُلب منه شيء عُلِّم ما يُوصِلَه إليه أولًا، ثم طُولب به، والله أعلم.
 
الخامس عشر: العمل بما جاءت به الشريعة:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحج: 1].
 
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
 
وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33].
وفي القرآن والسنة الصحيحة، من هذا الباب الكثير، والله أعلم.
 
السادس عشر: ترك أفعال الشقاوة المؤدية إلى النار:
قال الله تعالى: ﴿ فَاتَّقُواْ اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ﴾ [هود: 78].
 
وقال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى ﴾ إلى قوله: ﴿ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ﴾ [الليل: 5 - 12]، والله أعلم.
 
السابع عشر: أن الآمر بالتقوى لا بد أن يكون متقيًا لله تعالى أولًا:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].
والآية عامَّة في كل شيء، والله أعلم.
 
الثامن عشر والتاسع عشر: ترك ما اشتبه فيه بين الحلال والحرام وكذا ترك فضول الكلام وغيرهما من المباحات:
روى البخاري (52)، ومسلم (4094)، عن النعمان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ص: «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام».
 
وروى أحمد في "المسند" (4/198) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه خطب الناس بمصر، وقال: ما أبعد هديكم من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم، أما هُوَ، فكان أزهد الناس في الدنيا، وأما أنتم فأرغب الناس فيها، والأثر في "صحيح الترغيب" برقم (3294)، وفي "الصحيح المسند" (1011).
والأحاديث التي تحث على الزهد كثيرة جدًّا.
 
وقال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" - تحت الحديث الثامن عشر -: ويدخل في التقوى الكاملة فعل الواجبات، وترك المحرمات والشبهات، وربما دخل فيها بعد ذلك فعل المندوبات، وترك المكروهات، وهي أعلى درجات التقوى.
 
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتَّقيه من مثقال ذرة، حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال؛ خشية أن يكون حرامًا، يكون حجابًا بينه وبين الحرام، فإن الله قد بيَّن للعباد الذي يُصيِّرهم إليه، فقال: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7 ـ 8].
 
فلا تحقرنَّ شيئًا من الخير أن تفعله، ولا شيئًا من الشر أن تتقيه.
وقال الحسن: ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرًا من الحلال؛ مخافة الحرام.
وقال الثوري: إنما سُمُّوا متقين؛ لأنهم اتقوا ما لا يتقى.
وقال موسى بن أعين: المتقون تنزَّهوا عن أشياء من الحلال؛ مخافة أن يقعوا في الحرام، فسماهم الله متقين؛ ا .هـ.
 
وقال أحد الأدباء كما في "جواهر الأدب" (ص521):
فدع عنك فضْلات الأمور فإنها *** حرامٌ على نفس التقي ارتكابها
وهذا البيت محمولٌ على الذي يَسترسل في المباحات، حتى يقع في محرَّم، والله أعلم.
 
فعُلم مما سبق: أن الشروط السابق ذكرها، من أقوى أسباب زيادة تقوى الله تبارك وتعالى، فيجب الحفاظ عليها، والعمل بمقتضاها، لمن أراد أن يحقق التقوى التامة؛ ليفوز بها، والله أعلم.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير