أرشيف المقالات

كتاب المصايد والمطارد

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
8 لكشاجم المتوفي سنة 360هـ للأستاذ سعيد الديوه جي كنت في صيف السنة المنصرمة قد عثرت على مخطوط قديم في المدرسة الحسينية في الموصل، وتحققت بعد ذلك أن هذا المخطوط هو كتاب (المصايد والمطارد) لكشاجم الشاعر.
وفي 14 أغسطس 1943 أطلعني أحد الأفاضل في بغداد على مقال للدكتور الجليل إسرائيل ولفنسون (أبي ذؤيب) نشره في مجلة المجمع العلمي العربي عن كتاب (المصايد والمطارد) وقد كتب الدكتور الجليل بأنه يود أن يتعرف على نسخة غير نسخته فكتبت هذه الكلمة تلبية لطلبه. بين مخطوطات المدرسة الحسينية في الموصل مخطوط قديم ذكره الدكتور الفاضل داود الجلبي في كتابه مخطوطات الموصل ص 122 تحت الرقم (26) باسم (بازنامة) حجم الكتاب 23 16 سم وعدد صفحاته (190) صفحة في الصفحة الواحدة (17) سطراً.
وهو مكتوب على ورق سميك، ويظهر من قواعد كتابته وورقه والحبر الذي كتب به أن الكتاب يرجع إلى القرن السادس الهجري أو ما يقارب ذلك، كما يظهر أن المخطوط قد تمزق على ممر السنين وأعيد تجليده مرة ثانية فأصلح غلافه وزيد في كل من أوله وآخره ثلاث أوراق بيضاء خالية من الكتابة، وهذه الأوراق الستة تختلف عن ورق الكتاب الأصلي فهي: أقل سمكاً وأنصع بياضاً.
أما الورق الأصلي فقد أكتسب سمرة تدل على قدمه وخاصة حول الأسطر الكتابية فإن السمرة تزداد.
وإن المجلد قد أخطأ في ترتيب أوراق الكتاب، فوضع الورقة 90 منه بعد الورقة 93 اتضح لي هذا من سياق البحث.
والنسخة التي بين أيدينا كثيرة الغلط والتحريف فيظهر أن الناسخ كان يجهل قواعد اللغة العربية، فكان يمسخ بعض الكلمات بدلاً من أن ينسخها.
ونجد قسما من الكلمات خالية من الإعجام، وأعتقد أن بعض هذا كان من إهمال الناسخ، وأن البعض الآخر كان من تأثير الرطوبة في المخطوط. الصفحة الأولى من الكتاب كلها نقوش لازوردية ومذهبة، ولكن الرطوبة وطول الأمد وعبث الأيدي أثرت في هذه النقوش فأزالت القسم الكبير منها وشوهت الباقي.
في القس الأعلى من هذه الصفحة دائرة كبيرة ظهر لي في وسطها كتابة باللون الذهبي تأملتها طويلاً؛ فعلمت أنها أسم الكتاب (المصايد والمطارد).
أما وسط الصفحة فأعتقد أنها خالية من الكتابة وهي مجرد نقوش.
أما أسفل الصفحة ففيها كتابة يظهر أنها كانت مكتوبة باللون الذهبي وسط نقوش لازوردية، ولكن طمست معالم الكتابة، ولم يبق إلا آثار بعض الحروف فصعب قراءتها.
ولا نجد على المخطوط ذكراً للمؤلف.
فمن يا ترى مؤلف هذا المخطوط؟ ذكر ابن النديم أن (أبا دلف القاسم بن عيسى والفتح ابن خاقان وابن المعتز ومحمد بن عبد الله بن البازيار وأبا الفتح محمود ابن الحسين بن شاهن المعروف بكشاجم) ألفوا في الجوارح والصيد.
ومؤلف المخطوط الذي بين أيدينا يستشهد بأبيات لابن المعتز وبأخرى لأبي فراس الحمداني المتوفى سنة 357هـ.
ونحن نعلم أن أبا دلف توفى سنة 256هـ.
والفتح بن خاقان توفى سنة 247هـ.
وابن المعتز توفى سنة 296هـ.
فيكون المؤلف قد عاش بعد هؤلاء الثلاثة.
أما كشاجم وابن البازيار فإنهما كانا معاصرين لأبي فراس، وكانا من شعراء الدولة الحمدانية في حلب وعاشا في ظلالها، وتوفى كشاجم سنة 350 أو سنة 360هـ.
وتوفى ابن البازيار سنة 352هـ.
ولكن لدينا من الأدلة ما نؤيد أن المخطوط هو لكشاجم وهي: 1 - اتفق الذين ترجموا لكشاجم أنه كان متضلعاً من علوم عديدة، وكان كاتباً شاعراً وله كتاب (المصايد والمطارد) وذكر صاحب كشف الظنون (جـ 2: ص276) كتاب (المصايد والمطارد) لأبي الفتح محمود بن الحسين المعروف بكشاجم المتوفى سنة 350هـ.
كما ذكر جرجي زيدان في كتابه تاريخ أدبيات اللغة العربية (جـ2: ص251) في ترجمة كشاجم وينسب إليه كتاب البزاة في علم الصيد، منه نسخة خطية في مكتبة غوطا.
مما لا شك فيه الآن أن لكشاجم كتاباً اسمه (المصايد والمطارد) 2 - وقد ذكر صاحب هذا المخطوط في باب فضل لحم الصيد ما يأتي: وأهديت إلى بعض إخواني صيداً وكتبت إليه في عقب علة كان فيها بهذه الأبيات: أزال الله شكواك ...
وأهدى لك أقواقا خرجنا أمس للصيد ...
وكنا فيه سُباقا فسمينا وأرسلنا ...
على أسهل إطلاقا فتاح الله بالرزق ...
وكان الله رزاقا فحصلنا من الدرا ...
ج ما الرحل به ضاقا فأطمعت وأهديت إل ...
ى المطبخ أو ساقا وخير اللحم ما أفل ...
قه الجارح إقلاقا وذو العادة للصيد ...
إذا أبصره تاقا فيعدوه بما كان ...
إليه الدهر مشتاقا فكل منه ش ...
فاك الله مشوياً وأمراقا فهذا الحفظ للصحة ...
لا تدبير إسحاقا فرجعت إلى ديوانه المطبوع في بيروت، فوجدت هذه الأبيات في صفحة 129، 130 منه 3 - وذكر مؤلف هذا المخطوط في باب معرفة (أصناف البزاة) قال محمود مؤلف هذا الكتاب في ذلك شعراً: حسبي من البزاة والزرارق ...
سدق (كذا) يصيد صيد الباشق مؤدب مهذب الخلائق ...
أصْيدُ من معشوقة لعاشق يسبق في السرعة كل سابق ...
ليس له عن صيده من عائق ربيته وكنت غير الواثق ...
من طبعه بكرم الخلائق إن الفرازين ...
من البيادق ونحن نعلم أن اسم كشاجم هو محمود، وهذه الأبيات من نظمه ومذكورة في ديوانه (ص133) فلم يبق شك في أن هذا المخطوط هو لكشاجم المخطوط الذي بين أيدينا مشوش التبويب.
فالناسخ قد سلك في تبويبه طريقة غريبة جداً فإنه بعد المقدمة يشمل على مائة باب وباب واحد (84) منها ذكر معها لفظ باب.
فمثلاً (باب ذكر الصيد، باب فضائل الصيد، الخ.
)
وبعضها يذكر (لفظ باب) فقط و (17) لم يذكر معها لفظ باب، وإنما كتب العنوان مجرداً من الباب مثلاً (معرفة أصناف البزاة) أما بعد الصفحة (116) فإنه قسم الكتاب إلى أبواب رئيسية يشمل كل باب منها أبواباً فرعية، فأول هذه الأبواب الرئيسية هو (باب علامات الجص وأدويته) ويشتمل هذا الباب على ثمانية أبواب فرعية، ثم يليه (باب الأكلة) ويشتمل على بابين فرعيين، ثم يلي هذا أدوية النفس ويشمل على ستة أبواب فرعية الخ.

وهذه الفرعية بعضها له علاقة بالباب الرئيسي وبعضها ليس له علاقة به.
ويختم كل باب من الأبواب الرئيسية بقوله مثلاً عند نهاية باب الجص (انقضت أبواب الجص وأدويتها، بحمد الله وعونه يتلوها إن شاء الله أبواب الأكلة المتولدة في جوف الجارح من الجص وغيره وبالله التوفيق) وفي الباب الأخير الرئيسي الذي ينتهي به المخطوط تكلم المؤلف عن علاجات مختلفة لأمراض الجوارح، ثم تكلم عن الكلب وصيده وخصائصه وإمارات الفراهية فيه وأحكامه وأدويته، وانتقل بعد هذا إلى أدوية الفهود وذكر عنها مقتضباً وهو أدوية الفهود: اعلم أن جرب الفهود يعتريها من بولها فينبغي أن يفرش الرمل تحتها حتى بصفو شعرها ولا يصيبها شيء من بولها إلا يشربه الرمل، ويبدل الرمل من تحته كل قليل فإذا جرب فاسحق له الكبريت الأصفر ورتبه بالزيت، واطل بدنه من الجرب فإنه يبرأ منه بإذن الله تعالى والله أعلم ولهذا فإني أشك أن يكون هذا الكتاب كاملاً إذ ليس من المعقول أن يتكلم المؤلف عن الفهد في هذه الأسطر المعدودة بينما نجده تكلم عن بقية حيوانات الصيد وجوارحه في أبواب متعددة يستوفي البحث، ومما يزيد في شكي هذا أن الناسخ لم يختم الباب الأخير بالجملة التي يختم بها الأبواب الرئيسية التي بعد ص 116 وفي الكتاب صورتان للباز مرسومتان بالمداد الأحمر، وهما خاليتان من كل زخرف، الأولى رسمت تحت عنوان (باب شرح البزاة وصفتها) والثانية مرسومة بين أسطر (باب علامة صحة الجارح).
أهـ (الموصل) سعيد الديوه جي

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣