أرشيف المقالات

أعمال تُفتَّحُ لَها أبواب السماء

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أكرمنا الله سبحانه وتعالى بمفاتيح قبول الأعمال التي تقربنا من الله تعالى، وهذه الأعمال تورث السعادة والرضا وسكينة القلب في الدنيا، والفوز بالجنة في الآخرة.
ومن هذه الأعمال الجليلة أفعال وأقوال بينت السنة النبوية أجورها وفوائدها، وأعظم فائدة مترتبة على هذه الأعمال هي فتح أبواب السماء لفاعلها.
وورد في الموسوعة الحديثية معنى فتحت لها أبواب السماء بأن المرادُ سرعة القبول وكثرة الثواب.
وهذه العاقبة هي التي يصبو لها المسلم في حياته، ويلتمس كل السبل حتى ينال القبول والأجر العظيم، وفي النقاط التالية يتم بيان هذه الأعمال لكل من يرجو فتح أبواب السماء.

الدعاء في ثلث الليل الأخير
روى البخاري (1145) ومسلم (1261) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا كان ثُلُثُ الليلِ الباقي يَهبطُ اللهُ عزَّ وجلَّ إلى السماءِ الدنيا ثم تُفتحُ أبوابُ السماءِ ثم يَبسُطُ يدَهُ فيقولُ هل من سائلٍ يُعْطَى سُؤْلَهُ فلا يزالُ كذلكَ حتى يَطلعَ الفجرُ» صححه الألباني في (إرواء الغليل: 2/199).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: "والنزول في كل بلاد بحسبها؛ لأن نزول الله سبحانه لا يشبه نزول خلقه ، وهو سبحانه يوصف بالنزول في الثلث الأخير من الليل ، في جميع أنحاء العالم على الوجه الذي يليق بجلاله سبحانه ، ولا يعلم كيفية نزوله إلا هو ، كما لا يعلم كيفية ذاته إلا هو عز وجل : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ، وقال عز وجل : {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } " انتهى من (مجموع فتاوى ابن باز:4/ 420).

قضاء حوائج الناس
عن عمرو بن مرة الجهني رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من إمامٍ يغلقُ بابَه دونَ ذوي الحاجةِ والخلَّةِ والمسكنةِ إلَّا أغلقَ اللَّهُ أبوابَ السَّماءِ دونَ خلَّتِه وحاجتِه ومسكنتِه فجعلَ معاويةُ رجلًا علَى حوائجِ النَّاسِ» (الترمذي:1332) وصححه الألباني في (صحيح الترمذي).
قال ابن رجب رحمه الله تعالى: "وكان كثير من السلف يشترط على أصحابه في السفر أن يخدمهم اغتناما لأجر ذلك ، منهم عامر بن عبد قيس وعمرو بن عتبة بن فرقد مع اجتهادهما في العبادة في أنفسهما ، وكذلك كان إبراهيم بن أدهم يشترط على أصحابه في السفر الخدمة والأذان ، وكان رجل من الصالحين يصحب إخوانه في سفر الجهاد وغيره فيشترط عليهم أن يخدمهم ، فكان إذا رأى رجلا يريد أن يغسل ثوبه قال له : هذا مِن شَرطي فيغسله ، وإذا رأى مَن يريد أن يغسل رأسه قال : هذا مِن شرطي فيغسله ، فلما مات نظروا في يده ، فإذا فيها مكتوب : " مِن أهل الجنة " فنظروا إليها فإذا هي كتابة بين الجلد واللحم " انتهى .
(لطائف المعارف:232).

دعاء الاستفتاح: اللَّهُ أَكْبَرُ كبيرًا، والحمدُ للَّهِ كثيرًا، وسُبحانَ اللَّهِ بُكْرةً وأصيلًا
عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال:"بينَما نحنُ نصلِّي معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذ قالَ رجلٌ منَ القومِ: "اللَّهُ أَكْبَرُ كبيرًا، والحمدُ للَّهِ كثيرًا، وسُبحانَ اللَّهِ بُكْرةً وأصيلًا، قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: «مَنَ القائلُ كذا وَكَذا ؟» فقالَ رجلٌ منِ القومِ: أَنا، يا رسولَ اللَّهِ قالَ: «عَجِبْتُ لَها، فُتِحَت لَها أبوابُ السَّماءِ» قالَ ابنُ عمرَ: ما ترَكْتُهُنَّ منذُ سَمِعْتُ مِن رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ " (الترمذي:3952) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وهذه الصيغة هي إحدى الصيغ الواردة في أدعية الاستفتاح في الصلاة وهي ما يقوله المسلم بعد تكبيرة الإحرام وقبل قراءة سورة الفاتحة.
والمسلم ينوع بين الصيغ الواردة في السنة النبوية.

قول لا إله إلا الله
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما قالَ عبدٌ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قطُّ مخلِصًا، إلَّا فُتِحَت لَهُ أبوابُ السَّماءِ، حتَّى تُفْضيَ إلى العرشِ، ما اجتَنبَ الكبائرَ»  (الترمذي:3590) وصححه الألباني في (صحيح الترغيب:1524).
ولا ريب أن شهادة المسلم بالتوحيد بإخلاص أفضل ما يتقرب به المسلم إلى الله سبحانه وهي من أكثر الأعمال ثوابا وهي أفضل الحسنات فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «الإيمانُ بِضْعٌ وسبعونَ أو بِضْعٌ وستُّونَ شُعبةً .
فأفضلُها قول لا إلهَ إلَّا اللهُ .
وأدناها إماطةُ الأذى عن الطَّريقِ .
والحياءُ شُعبةٌ من الإيمانِ» (مسلم:35).
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى: " أفضل الأذكار التي لم يخصها الشارع بحال أو زمن القرآن ، وبعده التهليل لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أفضل الذكر لا إله إلا الله»   انتهى بتصرف يسير (الفتاوى الحديثية :ص/109).
قال المباركفوري رحمه الله تعالى: " والتوحيد لا يماثله شيء ، وهي الفارقة بين الكفر والإيمان ، ولأنها أجمع للقلب مع الله ، وأنفى للغير ، وأشد تزكية للنفس ، وتصفية للباطن ، وتنقية للخاطر من خبث النفس ، وأطرد للشيطان " انتهى.
( تحفة الأحوذي :9/325).

انتظار الصلاة
عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: "صلَّينا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ المغربَ فرجعَ من رجعَ وعقَّبَ من عقَّبَ فجاءَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مُسرِعًا قد حفَزهُ النَّفسُ وقد حسرَ عن ركبتيهِ فقالَ «أبشِروا هذا ربُّكم قد فتحَ بابًا من أبوابِ السَّماءِ يباهي بكمُ الملائكةَ يقولُ انظروا إلى عبادي قد قضَوا فريضةً وهم ينتظِرونَ أُخرى» (ابن ماجه:801) وصححه الألباني في (صحيح ابن ماجه).  وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألَا أُخبِرُكم بما يمحو اللهُ به الخطايا ويرفَعُ به الدَّرجاتِ ؟ إسباغُ الوضوءِ على المكارِهِ وكثرةُ الخُطا إلى المساجدِ وانتظارُ الصَّلاةِ بعدَ الصَّلاةِ فذلكم الرِّباطُ فذلكم الرِّباطُ فذلكم الرِّباطُ» (صحيح ابن حبان:1038).
وعلى المسلم الذي ينتظر الصلاة الحرص على الوضوء طوال انتظاره للصلاة حتى يحصل على تمام الأجر لما ورد في السنة النبوية فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: «الملائكةُ تصلِّي على أحدكم ما دام في مُصلَّاه، ما لم يُحدِثْ: اللهمَّ اغفرْ له، اللهمَّ ارحمْه، لا يزال أحدُكم في صلاةٍ ما دامت الصلاةُ تحبسُه، لا يمنعه أن ينقلبَ إلى أهلِه إلا الصلاةُ» ؛ (متفق عليه).

دعوة الإمام العادل والصائم حين يفطر ودعوة المظلوم
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثلاثٌ لا تُرَدُّ دعوتُهُم ، الإمامُ العادلُ ، والصَّائمُ حينَ يُفطرُ ، ودعوةُ المظلومِ يرفعُها فوقَ الغمامِ ، وتُفتَّحُ لَها أبوابُ السَّماءِ ، ويقولُ الرَّبُّ تبارك وتعالى : وعزَّتي لأنصرنَّكِ ولو بعدَ حينٍ» (الترمذي:2526).

الدعاء عند الصلاة والصف في سبيل الله
عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ساعتانِ تُفْتَحُ أبوابُ السماءِ ؛ وقَلَّما تُرَدُّ على داعٍ دعوتُهُ : لِحُضورِ الصلاةِ ؛ والصفِّ في سبيلِ اللهِ» صححه الألباني في (صحيح الجامع:3587).  والدعاء مستحب بعد الأذان مباشرة وفيه صيغة واردة .
فعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: «من قال حين يسمعُ النداءَ : اللهمَّ ربَّ هذه الدعوةِ التامةِ ، والصلاةِ القائمةِ ، آتِ محمدًا الوسيلةَ والفضيلةَ ، وابعثْه مقامًا محمودًا الذي وعدته ، حلَّت له شفاعتي يومَ القيامةِ» (البخاري:4719).
ومن الأوقات الفاضلة للدعاء بين الأذان والإقامة فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: «الدعاءُ لا يُردُّ بين الأذانِ والإقامةِ» (الترمذي:212).  وفي أثناء الأذان يقول المسلم كما يقول المؤذن كما ورد في السنة النبوية فعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة» ( مسلم: 385).

دعوة الوالدين لولدهم أو عليه
وورد في السنة النبوية أن دعاء الوالد لولده أو عليه مستجاب ، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثلاثُ دعَواتٍ يُستجابُ لَهنَّ لا شَكَّ فيهنَّ دعْوةُ المظلومِ ودعْوةُ المسافرِ ودعْوةُ الوالدِ لولدِه»  (ابن ماجه :3862) وحسنه الألباني في (صحيح ابن ماجه).
ولفظ الإمام أحمد (7197) : "وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِه".
وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: «لا تَدعوا علَى أنفسِكُم ولا تَدعوا علَى أولادِكُم ولا تَدعوا علَى خدَمِكم ولا تَدعوا علَى أموالِكُم لا تُوافقوا منَ اللَّهِ تبارَك وتعالى ساعةَ نَيلٍ فيها عَطاءٌ فيَستجيبَ لَكُم» (أبو داود:1532) وصححه الألباني في (صحيح أبي داود).
وورد في موقع الإسلام سؤال وجواب: "من رحمة الله تعالى أنه لا يستجيب دعاء الوالدين على أولادهما إذا كان في وقت الغضب والضجر ، وذلك لقوله تعالى : {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون} [يونس:11] .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:  "يخبر الله تعالى عن حلمه ولطفه بعباده ، وأنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم ، أو أموالهم ، أو أولادهم ؛ في حال ضجرهم ، وغضبهم ، وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك ، فلهذا لا يستجيب لهم - والحالة هذه - لطفاً ورحمة ، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم، أو لأموالهم ، أو لأولادهم ، بالخير والبركة والنماء " انتهى .
ولذا ينبغي للوالدين أن يكثروا من الدعاء لأولادهم بالصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة وأن يتجنبوا الدعاء على أولادهم خوفا من عاقبة ذلك.
انتهى من (تفسير ابن كثير).

نسأل الله الكريم أن يرزقنا وأهلنا والمسلمين من فضله الواسع والحمد لله رب العالمين ونصلي ونسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.


شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن