أرشيف المقالات

شعر علي ابن أبي طالب

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
8 للأستاذ السيد يعقوب بكر (تتمة) هل علي حقاً صاحب الديوان المنسوب إليه؟ لعلّنا ملزمون، بعد أن انتهينا إلى أنه كان من الشعراء، بأن نصل إلى رأي في هذه المسألة: وهي هل علي حقاً صاحب الديوان المنسوب إليه؟ ولقد وصلنا فعلاً إلى رأي في هذه المسألة، ولكننا نحب قبل أن نذكره أن نذكر آراء بعض العلماء فيها: فهناك رأي للأستاذ بروكلمان ذكره في كتابه سالف الذكر حيث يقول (ح1 ص 43): (ليس من شك في أن عليّا كان ذا ملكة شعرية، ولكن المشكوك فيه كثيراً وجود قصائد صحيحة له في ديوانه؛ وإلى جانب ذلك فإن هذه القصائد تحمل طابعاً من انتحال شيعي بلغ من البدوّ للعيان حدّا جعل النقاد من أهل السنة فيما مضى يدركون زيْفها) وهناك رأي آخر للأستاذ هداية حسين ذكر الأستاذ بروكلمان في ملحق كتابه السابق؛ فقد قال (ح1 ص 73) إنه - أي هداية حسين - وصل إلى أن ناظم الديوان هو قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي (توفي 573 - 1177). وهناك رأي أخير للأستاذ مستقيم زاده ذكره (هيار) في كتابه حيث يقول (ص 252): (وأكد الشارح مستقيم زاده أيضاً أنه (الحديث عن الشريف المرتضي) الناظم الحقيقي للديوان المنسوب إلى علي الذي لم يكن يستحيل عليه شيء). فهذه آراء ثلاثة ذكرناها لنصوّر ذلك الاختلاف الشديد حول الديوان ونسبته، ولنخرج من هذا الاختلاف الشديد إلى رأي لنا في هذه المسألة نحن نستريح إليه ونرجو أن يستريح إليه القارئ أيضاً: لا يمكن القول أن جميع ما في الديوان ليس لعلي؛ فهذه دعوى ينقصها من أساسها أنه قد ورد في هذا الديوان الشعر الذي وجدناه في تلك المراجع العربية المعتمدة سالفة الذكر والذي كان وجد إننا له فيها مما حملنا على التسليم بصدق نسبته إلى علي.
فالبيتان المذكوران في عيون الأخبار تجدهما في الديوان ص 58 مع تغيير بسيط، والأبيات المذكورة في معجم الأدباء تجدها ف ص32 وص 63 مع بعض الزيادة والتغيير، والرجز المذكور في مقاتل الطالبيين تجده في ص33 مع زيادة وتغيير كثيرين، والأبيات المذكورة في العمدة مذكورة في ص 64 وص 65 مع زيادة وتغيير كثيرين، والأبيات المذكورة في حماسة البحتري تجدها في ص 30 وص 12 مع بعض الزيادة والتغيير، والرجز المذكور في الكامل تجده في ص 18 مع بعض الزيادة، والأبيات المذكورة في العقد الفريد تجدها في ص 65 مع زيادة وتغيير غير قليلين. وإذن فالصواب هو أن بعض ما في الديوان لعلي، وبعضه الآخر ليس له.
وهذا البعض الآخر إنما نستدل على أنه ليس لعلي بعدّة أشياء: 1 - أن بعض المتقدمين نبّه على أن بعضه ليس لعلي: (ا) يقول ابن هشام في سيرته (ج2 ص 635 - 636 ط جوتنجن): (قال ابن اسحق وقال علي ابن أبي طالب رضوان الله عليه قال ابن هشام قالها رجل من المسلمين في يوم أحد فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالشعر ولم أر أحداً منهم يعرفها لعلي رحمه الله: لا هُمَّ إن الحارث بن الصَّمَّهْ ...
كان وفيّا وبنا ذا ذمّه أقبل في مهامةٍ مُهِمَّهْ ...
كليلة ظلماء مذلهمّهْ بين سيوف ورماحٍ جَمّهْ ...
يبغي رسول الله فيما ثمّه وهذه الأبيات مذكورة في الديوان ص 66 مع تغيير كثير. (ب) ويقول ابن هشام أيضاً (ص 656 - 657): (قال ابن إسحاق وقال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه يذكر إجلاء بني النضير وقتل كعب بن الأشرف قال ابن هشام قال رجل من المسلمين غير علي ابن أبي طالب فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالشعر ولم أر أحداً منهم يعرفها لعلي رضي الله عنه: عرفت ومن يعتدل يعرفِ ...
وأيقنت حقاً ولم أصدفِ الخ). وهذه القصيدة مذكورة في الديوان ص 42 مع تغيير بسيط (جـ) ويقول الطبري (الجزء الثالث من القسم الأول، ص 1426 ط ليدن): (وزعموا أن عل ابن طالب حين أعطى فاطمة عليهما السلام سيفه قال: أفاطم هاك السيف غير ذميم ...
فلست برعديد ولا بُمليم لعمري لقد قاتلت في حبّ أحمد ...
وطاعة رب بالعباد رحيم وسيفي بكفي كالشهاب أهزّه ...
أجُذّ به من عاتق وصميم فما زلت حتى فضَّ ربي جموعهم ...
وحتى شفينا نفس كل حليم والأبيات مذكورة في الديوان (ص 65) مع زيادة فيها وتغيير كثير. 2 - أن بعضه يحمل طابعاً شيعياً: فمن هذا البعض القصيدة التي في (ص 3) من الديوان، والتي مطلعها: وما طلب المعيشة بالتمنِّي ...
ولكن أَلق دلوك في الدِّلاء فإنها تنتهي بهذا البيت: وهذا العلم لم يعلمه إلا ...
نبيّ أو وصيّ الأنبياء وغير خاف ما في (وصي الأنبياء) من دلالة. ومنه القصيدة التي في (ص 48) وهي: بُنيَّ إذا ما جاشت الترك فانتظر ...
ولاية (مهديّ) يقوم فيعدل وذلَّ ملوكُ الظلم من آل هاشم ...
وبويع منهم من يلدَّ ويهزل صبيَّ من الصبيان لا رأي عنده ...
ولا عنده جِدْ ولا هو يعقل فثمَّ يقوم القائم الحقُ منكم ...
وبالحق يأتيكم وبالحق يعمل سمَّي رسول الله نفسي فداؤه=فلا تخذلوه - يا بَنيَّ - وعجلوا فغير خاف ما في القصيدة من حديث عن المهدي المنتظر. 3 - إن معاني بعضه أو أسلوبه مما لا يمكن صدوره عن علي أو في عصر علي: فالقصيدة الواردة في (ص 4) من الديوان والتي مطلعها: لبيك لبيك أنت مولاه ...
فارحمُ عُبيْدا إليك ملجأه مما لا يمكن صدوره عن علي؛ ففيها تصوير لحديث بين علي والله ولا شك أن عليَّا يتحرَّج من مثل هذا، وأغلب الظن أن مثل هذه القصيدة من وضع أحد متصوفي الشيعة. والبيتان الواردان في (ص 4) أيضاً وهما: دع ذكرهن فما لهن وفاء ...
ريح الصبا وعهود دهن سواء يكسرن قلبك ثم لا يجبرنه ...
وقلوبهن من الدواء خلاء مما لا يصدر عن علي، إذ هما في الغزل، والغزل مما يتحرَّج منه عليَّ وكذلك الأبيات الواردة في ص 18 وهي: جنبي تجافى عن الوساد ...
خوفاً من الموت والمعاد من خاف من سكرة المنايا ...
لم يدر ما لذة الرّقاد قد بلغ الزرع منتهاه ...
لا بد للزرع من حصاد لا تصدر عن علي؛ إذ أن مثله لا يخاف الموت أو المعاد. وهناك قصائد تظهر فيها ركة الأسلوب بحيث لا يمكن القول بأنها صدرت في عصر علي.
ونضرب مثلاً لذلك القصيدة الواردة في ص 3 - 4 من الديوان ومطلعها: وكم ساعٍ ليثري لم ينله ...
وآخر ما سعي لحق الثراء والبيتين الثلاثة الواردين الثلاثة في ص 7 وهما: الدهر يخنق أحياناً قلادته ...
عليك لا تضطرب فيه ولا تثب حتى يفرجها في حال مدَّتها ...
فقد يزيد اختناقاً كل مضطرب والأبيات الواردة في ص 15 وأولها: قد رأيت القرون كيف تفانت ...
درست ثم قيل فكانت والبيتين الواردين في ص 24 وهما: أغض عينا على القذى ...
وتصبَّر على الأذى إنما الدهر ساعة ...
يقطع الدهر كلَّ ذا والأبيات الواردة في ص 25 وأولها: عسى منهل يصفو فيروي ظمية ...
أطال صداها المنهل المتكدِّر ثم هناك قصيدة على نمط ألفية ابن مالك في آخر الديوان، لا شك في وضعها، لأن ذلك النمط من القصائد لم يكن موجوداً في عصر علي وإنما جاء في عهود متأخرة. ثم إننا نعتقد اعتقاداً جازماً أن هذه الأشعار الموضوعة لم يضعها شخص بعينه؛ وبذلك لأنها متفاوتة الأسلوب، ففيها القويُّ الرائع وفيها الضعيف الركيك.
وإنما الذي نراه أن هذه الأشعار قد وضعها أناس مختلفون معظمهم من الشيعة، ونسبوها إلى علي حبا فيه ورغبة منهم في إسناد فضلهم في نظم هذه الأشعار إليه.
ثم جاء جامع الديوان، فجمع كل ما عثر عليه من الشعر المنسوب إلى علي دون أن يميز بين صحيح النسبة وباطلها، ودون أن يفرِّق بين المصادر التي ذكرت فيها هذه الأشعار فينتقل عن الوثيق منها ويضرب صفحاً عن المتهم.
فهذا إجمال رأينا في الديوان. دراسة شعره الصحيح هذا القسم الثالث من البحث لا بد منه لكي يتمَّ هذا البحث ويستكمل فروعه.
غير أننا لسنا في حاجة الآن إلى تناوله؛ فقد سبق أن قلنا في الخطوة الثالثة من البرهان على أن علياً كان من الشعراء، ما يصلح أن يوضع هنا. (تم البحث) السيد يعقوب بكر

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١