أرشيف المقالات

عرض كتاب: (قرائن ترجيح التعديل والتجريح)

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
عرض كتاب: "قرائن ترجيح التعديل والتجريح"


صدر قريبًا عن دار التدمرية كتاب: "قرائن ترجيح التعديل والتجريح، دراسة نظريَّة تطبيقيَّة"، وهو بحث تفرغ للأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن صالح اللحيدان، أستاذ الدِّراسات العليا في السنة وعلومها بكلية أصول الدين -جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
 
والكتاب نفيس في بابه، وقد ذكر المؤلِّف أنه أول دراسة مِنْ نَوْعها في هذا الباب.
 
بدأ المؤلِّفُ ببيان شرف علْم الجرْح والتعديل، وأنه من أهم فنون علوم السنة؛ إذ به يتوصل إلى معرفة أحوال الرواة والحكم عليها، ومن ثَم الحكم على الأحاديث؛ تمهيدًا لاستنباط الأحكام الشرعية من الصحيح منها، فهو الجانب العملي لعلم الحديث ومصطلحه.
 
ولما كان الأمر كذلك، كانت القرائن من الأهمية بمكان، ومع أنها من أهم نتائج علم الجرح والتعديل، إلا أنها لم تزلْ مبثوثة في كلام الأئمة على الرواة أو حكمهم على الأحاديث، ولم تفرد بدراسة نظريَّة تطبيقية.
 
وهنا تظهر أهمية هذه القرائن، والإشكالات الواقعة عند إغفالها.
 
فقد قال الإمام البخاري: "لم ينجُ كثير من الناس من كلام بعض الناس فيهم، نحو ما يذكر عن إبراهيم من كلامه في الشعبي، وكلام الشعبي في عكرمة، ولم يلتفت أهلُ العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة، ولم تسقط عدالتهم إلا ببرهان وحجة".
 
وقال الإمام الذهبي: "ما زال يمرُّ بي الرجل الثبت وفيه مقال من لا يعبأ به، ولو فتحنا هذا الباب على نفوسنا لدخل فيه عدة من الصحابة والتابعين والأئمة".
 
وقال الإمام ابن عبدالبَر: "مَن صحَّت عدالتُه، وثبتت في العلم أمانته، وبانت ثقته وعنايته بالعلم، لم يلتفتْ فيه إلى قول أحد، إلا أن يأتي في جرحه ببَيِّنةٍ عادلة تصح بها جرحته على طريق الشهادات، وأما من لم تثبت إمامته، ولا عرفت عدالته، ولا صحتْ - لعدم الحفظ والإتقان - روايته، فإنه ينظر فيه إلى ما اتَّفق أهل العلم عليه، ويجتهد في قبول ما جاء به على حسب ما يؤدي النظر إليه".
 
وسأل عبدالله بن أحمد أباه عن راوٍ، فمشى أمره، فقال ابنه: أهل حران يسيئون الثناء عليه؟!
 
فقال الإمام أحمد: "أهل حران قلما يرضون عن إنسان؛ هو يغشى السلطان بسبب ضيعة له".
 
ومما يدل على أهمية القرائن واعتبارها: أن اللفظ قد يكون مستعملاً مشهورًا في الجرح، إلا أنه في بعض الأحيان يراد به المدح؛ ففي ترجمة إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، نجد قول ابن مهدي فيه: كان لصًّا!
 
وقد خفي مقصودُه على عثمان بن أبي شيبة، فسلك بمعناه الجادة التي تسبق إلى الأذهان، فروى عن ابن مهدي أنه قال: "إسرائيل: لص يسرق الحديث"، وقد وهم عثمان في هذه الرواية، فزاد من عنده "يسرق الحديث"؛ وإنما اقتصر ابن مهدي على قوله: (لص) فقط، ومراده الثناء على إسرائيل بانتقائه لأحاديثه التي يسمعها، كما فسر ذلك أبو بكر بن أبي شيبة.
 
تعرض المؤلف بالتفصيل لقرائن التعديل والتجريح، فذكر من قرائن ترجيح التعديل نحو مائة وستين قرينة، وذكر من قرائن ترجيح التجريح نحو أربعين قرينة.
 
وهذه بعض قرائِن ترجيح التعديل التي ذكرها:
• عدم أهليَّة المجرِّح للجرح والتعديل.
• علو مرتبة المعدِّل في الجرْح والتعديل.
• نزول مَرْتبة المجرح عنْ مرْتبة الراوي.
• ضعف المجرح.
• تمام سبر المعدل لمرويَّات الراوي.
• أن يكون الراوي من شيوخ المعدل.
• أن يكون المعدل بلديًّا للراوي.
• الجرح بعدم معرفة الراوي.
• شهرة المجرح بالتشدد.
• تفسير الجرح بما يدل على التشدد فيه.
• شهرة المعدل بالتشدد.
• بدعة المجرح أو اختلاف عقيدته.
• قول المجرح بالرأي واختلاف مذهبه.
• خصومة المجرح للراوي.
• مشاحنة المجرح لقرينه الراوي وتنافسهما.
• شهرة المجرح بتجهيل الثقات الذين لا يعرفهم.
• ترك المجرح الرواية عمن أجاب في المحنة.
• ترك المجرح الرواية عن أهل الرأي.
• تضعيف المجرح الراوي بسبب التفرُّد والإغراب غير المؤثر، أو وصْفه بلفظ: المنكر.
• وصف المجرح للراوي المقل بلفظ: (ليس بشيء).
• حكم المجرح على الراوي المتوسط بلفظ: (ليس بالقوي).
• استعمال (الكذب) في الخطأ.
• استعمال لفظ: (المنكر) في غير التجريح.
• استعمال لفظ: (اللص) في المدح.
• استعمال لفظ: (لم يرضوه) فيمن لم يرضه أهل بلده في القضاء.
• استعمال لفظ: (ليس من أصحاب الحديث) في متوسط الحال.
• استعمال لفظ: (الضعيف) لقبًا للراوي الثقة.
• استعمال لفظ الترك في غير المعنى الاصطلاحي.
• استعمال لفظ: (لا أعرفه) في غير التجريح.
• استعمال لفظ: (مجهول) في غير التجريح.
• استعمال لفظ: (ليس بمشهور) في عدم الشهرة بين العلماء.
• استعمال لفظة: (لم يكن بالحافظ) فيما دون مرتبة المتقن الناقد.
• استعمال لفظ: (ليس بحجة) في متوسط الحال.
...
إلخ
 
ومن قرائن ترجيح التجريح التي ذكرها:
• اشتهار المعدل ببدعة؛ بحيث يثني على من وافقه.
• ضعف دعوى التحامل العقدي.
• ضعف دعوى الحسد والتنافس بين الأقران.
• علو مرتبة المجرح على المعدل.
• تساهل المعدل.
• تساهل المجرح في التعديل.
• ضعف المعدل.
• تمام سبر المجرح لحال الراوي.
• مجالسة المجرح للراوي ومعرفته الخاصة به.
• كون المجرح جارًا للراوي.
• كون المجرح بلديًّا للراوي.
• ألا يكون المعدل من بلد الراوي.
• معرفة المعدل للراوي في شبابه.
• ظهور الجرح للناقد بعد التعديل.
• تقدم وفاة المعدل على الراوي.
• شهرة المعدل بتوثيق المجاهيل.
• مخالفة الساكت جرحًا معتمدًا.
• مخالفة المتساهل المتفرد بالتعديل.
• استعمال لفظ: (جيد) في الشيعي.
• استعمال لفظ: (الصدوق) في بيان كثرة الكذب.
• استعمال لفظ: (قد عرفته) في بيان ضعف الراوي.
• استعمال لفظ: (مشهور الحديث) فيما لا يفيد شهرة حال الراوي.
• استعمال لفظ: (على يدي عدل) في بيان ضعف الراوي.
• استعمال لفظ: (صالح) في الثناء على ورع الراوي لا ضبطه.
• تفسير الجرح بقادح.
• تكلف رد الجرح المفسر القادح.
• استناد المعدل على ما لا يفيد الضبط.
• استناد المعدل على ما لا يرفع الجهالة.
• مخالَفة المعدل للمشهور من ضعف الراوي.
• مخالفة المعدل للضعف المستقر من حال الراوي.
• جمع الناقد بين مفترق.
• ضعف الناقل.
• إعلال التعديل بالشذوذ أو النكارة.
• اختصار الناقل كلام الناقد أو روايته له بالمعنى المخل به.
• الفهم الخاطئ لكلام الناقد.
• جمع الناقل بين مفترق.
• قلب الناقل التجريح تعديلاً.
• ظهور بدَع الراوي بعد الاستقامة.
• حمل التعديل على زُهد الراوي وورعه.
• ألا يحدِّث عن الراوي من عُرف بالتحديث عن كل أحد.
• حمل رواية الثقات النقاد عن الراوي على المذاكرة.
...
إلخ
 
وقد لَخَّص المؤلفُ أهم نتائج البحث العمليَّة فيما يأتي:
• إن قرائن ترجيح التعديل والتجريح من أهم نتائج علم الجرح التعديل، ومتطلبات التأهيل للنظر في الأسانيد والحكم على الأحاديث، وخدمة السنة النبوية وفق المنهج العلمي المعتبر.
 
• يشترط في الجرح المخالف لتعديل معتبر أن يفسر بقادح كلي.
 
• لا يلزم من ثقة الراوي قَبول كلامه المخالف جرحًا وتعديلاً.
 
• الطعن في الأئمة والنقاد جرح مردود على صاحبه.
 
• من اشتهر بتعديل لا يُقبَل فيه القول المخالف إلا بحجة ظاهرة قادحة.
 
• من اشتهر بجرح لا يقبل فيه القول المخالف إلا بحجة ظاهرةٍ مؤثِّرة.
 
• لا يعتد بكلام الناقد فيمن هو أوثق منه.
 
• كلام النقاد في الراوي منه ما يتعلق بصفات الإجزاء المؤثرة في قبول روايته، ومنه ما يتعلق بصفات الكمال غير المؤثرة في قبول روايته من حيث الجملة، لكن تقدم رواية المتصف بها على رواية فاقدها عند الاختلاف؛ لأنهم لا يستوون في كمال العدالة، وغالب صنيع أهل الإنصاف من النقاد في هذا الباب الإعراضُ العملي عن رواية المخل بصفات الكمال دون الجرح القولي الصريح؛ كصنيع الإمام أحمد وغيره مع أهل الرأي الراغبين عن الأثر، وأما أهل الرأي المؤولة المحرفة والنافية، فبابهم البدعة.
 
• إن تقدُّم وفاة المخالف على وفاة الراوي من أسباب خفاء حال الراوي عليه، ورد حكمه المخالف لحكم معتمد.
 
• يقدم حكم الناقد المعتبر على غيره إذا تبيَّن أن معرفته بالراوي أَتَم، لا سيما إذا كان بلديَّه وعاصره، ما لم يخالف بقرينة أقوى.
 
• يؤخر حكم الناقد المعروف بالتشدُّد إذا خولف بحكم معتبر، ولم يفسر جرحه بقادح كلي، وكذا إذا فسر الناقد المعتدل أو المتساهل جرحه بما يدلُّ على تشدُّده فيه؛ لأنه قد يتشدَّد المعتدل والمتساهل ويتساهل المتشدِّد.
 
• إذا تعدد حُكم الناقد في الراوي، فيحمل الحكم الموافق للجمهور على أنه آخر أحوال الراوي الذي ظهر للناقد ما يرجحه.
 
• يقدم التعديل المقيد بأمر مخصوص على التعديل المطلق المخالف بجرح.
 
• يحمل التعديل على زهد الراوي وصلاحه إذا اشتهر به ودلتْ قرينة سياق التعديل عليه، لا سيما إن كان بلفظ: (صالح).
 
• أهمية معرفة مناهج النُّقَّاد الخاصة في الحكم على الرواة.
 
• قد يستعمل الناقد أشهر مصطلحات الجرح في غير بابها؛ كاستعمالهم الكذب والضعف والترك والنكارة والجهالة في غير الجرح، وقد يستعمل أشهر مصطلحات التعديل في غير بابها؛ كوَصْفهم الراوي بالصدق، والمراد به المعنى المقلوب الجارح، أو وصفهم له بالصلاح والمراد الورع لا الضبط.
 
• لا يلزم من نفي قوة الراوي، أو نفي الاحتجاج به، أو نفي شهرته، أو نفي حفظه أن يحكم عليه بالضعف، لا سيما إذا خولف فيها تعديل معتمد؛ لأنه قد يكون المراد بها بيان توسط حال الراوي.
 
• يحمل كلام الناقد في راوٍ مقرون بِمَن هو أوثق منه على التجريح النسبي، الذي يراد به نزول مرتبة الراوي عن صاحبه، لا مطلق الضعف، إن خالفه تعديل معتبر، لا سيما إذا عدَّله الناقد نفسه، وكذا يحمل كلام الناقد في راوٍ مقرون بمن هو أضعف منه على التعديل النسبي، الذي يراد به علو مرتبة الراوي على صاحبه، لا مطلق العدالة، إن خالفه تجريح معتبر، لا سيما إذا جرحه الناقد نفسه.
 
• يحكم بشذوذ القول المخالف لحكم الأكثر والأعلم إذا لم يفسر بقادح كلي، لا سيما إن كان الخلاف بين الروايات المنقولة عن الناقد نفسه.
 
• يندفع القول المخالف إذا لم تصح نسبته إلى الناقد.
 
• إذا تعدَّد حكم الناقد في الراوي، فيحمل الحكم الموافق للجمهور على أنه آخر أحوال الراوي الذي ظهر للناقد ما يرجحه.
 
• لا عبْرة بتعديل الناقد المعروف ببدعة يُثني على من وافقه فيها من الضُّعفاء.
 
• لا أثر لكثرة القائلين بحكم في الراوي إذا ظهر أن عددهم غير معتبر.
 
• يقيد التعديل والتجريح بأمرٍ مخصوص إن عُرف الراوي به، بحيث يحمل عليه كلام الناقد المخالف، لا سيما إن كان هو المجرح والمعدل نفسه، ما لم يخالف بقرينة أقوى.
 
• يرد الجرح المفسر بمزاح الراوي، أو كثرة كلامه، أو مخالطته للأمراء، أو توليه القضاء، أو مجالسته للضعفاء، أو روايته عن كل أحد، أو وهم قليل والراوي مكثر، أو كذب مباح في رد شر البغاة والخوارج، أو طعن في حفظ الراوي وهو لا يحدِّث إلا من كتابه.
 
• يجب التثبُّت من نسبة البدْعة إلى الراوي؛ لأنَّ لأهْل الأهواء طرُقًا مُتعددة في تحسين ضلالهم؛ بنسبته زورًا وبُهتانًا للثقات والنُّقَّاد.
 
• لا يعتد بالقول المخالف إذا تبَيَّن وهم صاحبه فيه.
 
• لا أثر للجرح المبني على اجتهاد معتبر للراوي.
 
• يحتمل وهم الراوي إذا كان يسيرًا والراوي مُكثر.
 
• يرد استدلال المعدل بإخراج البخاري ومسلم للراوي إن كان في المتابعات، أو الشواهد، أو التعاليق، أو لبيان غلطه في إسناد، أو تبيَّن أن روايتهما له على وجْه الانتقاء، لا سيما إن كانت قليلة والراوي مكثر.
 
والحمد لله رب العالمين

شارك الخبر

المرئيات-١