أرشيف المقالات

من طبعه وشيمته الغرارة

مدة قراءة المادة : دقيقتان .
2من طبعه وشيمته الغرارة


المؤمن سليم النَّفس، يغرُّهُ كلُّ أحد، ويغرُّهُ كلُّ شيءٍ، ولا يعرف الشرَّ، وليس بذي مكر ولا فطنة للشرِّ، فينخدع بأقوال النَّاس وظواهر أحوالهم؛ لانقياده ولينِه، وسلامة صَدرِه، وحسْنِ ظنِّه؛ فهو شريف الأخلاق.
 
والفاجر الفاسق خِبٌّ لئيمٌ؛ أي: خدَّاعٌ جريءٌ، يسعى بين النَّاس بالفساد والشرِّ؛ لذا جاء في الحديث عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ((المؤمن غِرٌّ كريم، والفاجر خبٌّ لَئيم))[1].
 
فإذا رأيتَ من يخدعك وعلمتَ أنه مُخادع، فمِن شيم الرِّجال ومكارم الأخلاق أن تنخدع له ولا تُفصح أنك عرفت خداعه؛ فإنك إن فعلتَ ذلك فقد وفيت الأمر حقه؛ لأنك إنما عاملت الصفة التي ظهر هو لك فيها، والإنسان إنما يعامل الناس لصفاتهم لا لأعيانهم، ألا تراه لو كان صادقًا مخادعًا فعامله بما ظهر منه، وهو يَسعد بصدقه ويشقى بخداعِه، فلا تفضحْه بخداعه.
 
وعليه فإنَّ المؤمن المحمود هو من كان طبعه وشيمته الغرارة، وقلَّة الفِطنة للشر، وترك البحث عنه، وإنَّ ذلك ليس منه جهلاً، لكنه كرم وحسن خلُق، وإنَّ الفاجر من كانت عادته الخبْث والدهاء والتوغل في معرفة الشرِّ، وليس ذلك منه عقلاً، لكنه خَبٌّ ولؤمٌ[2].
 
وقيل: المراد أنَّ المؤمن لكرم أخلاقه وشرف طباعه يُظهر لمن يخادعه الغرارة، ولا يُقابله بقبيح ما عرفه من قبيح أمره، والفاجر لوقاحته ولؤم طبعه يُعامل بالخداع ويظهر للخداع ما أراد؛ ولذا يقال: إنَّ الكريم وذا الإِسلام ينخدع[3].



[1] الأدب المفرد، رقم (418) بسند صحيح.


[2] ينظر: فيض القدير 6 / 254.


[3] التنوير شرح الجامع الصغير 10 / 452.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١