أرشيف المقالات

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عامة

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عامة
كما جاء الحث على تخصيص الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة، فقد جاء أيضًا الحث بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عامة في سائر الأيام، ومما هو معلوم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عبادةٌ وقربةٌ، والمسلم يتعبد في سائر الأوقات، وإن تخصيص الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة ليس قصرًا على ذلك اليوم، وإنما هو من باب الحث على الإكثار منه في ذلك اليوم؛ لفضيلته على سائر الأيام، ولعظمته عند الله، ولأجل تحصيل أكبر قدر ممكن من الحسنات في ذلك اليوم العظيم.
وقد ورد عن النبي كثيرٌ من الأحاديث التي تحث على الصلاة عليه دون تخصيص يوم أو تحديد حال؛ ولهذا ينبغي على المسلم أن يتقرب إلى الله بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل وقت وحين؛ فقد شرع الله لنا أن نصليَ ونسلم على نبيه صلى الله عليه وسلم بشكل مطلق بلا تحديد يوم أو حال؛ فقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، فهذه الآية عامة في الحث على الصلاة والتسليم عليه، بل هي خصيصة اختُصَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من الأنبياء عليهم السلام؛ حيث أنه لم يرد في القرآن مثل ذلك الحث على غير نبينا صلى الله عليه وسلم؛ قال السخاوي: "ليس في القرآن ولا غيره فيما عُلم صلاةٌ من الله على غير نبينا صلى الله عليه وآله وسلم؛ فهي خصوصية اختصه الله بها دون سائر الأنبياء"[1]، وقال ابن كثير معلقًا على هذه الآية: "والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه؛ ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين: العلوي والسفلي جميعًا"[2].
وكذلك حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم"[3].
وقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم على أبيٍّ حين سأله: كم أجعل لك من صلاتي؟ فوجَّهه للإكثار من ذلك، وهذا نصه؛ ((قال أبيٌّ: قلت: يا رسول الله، إني أُكْثِرُ الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت، قال: قلت: الربع، قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلت: النصف، قال: ما شئت، فإن زدت فهو خيرٌ لك، قال: قلت: فالثلثين، قال: ما شئت، فإن زدت فهو خيرٌ لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذًا تُكفى همُّك، ويُغفر لك ذنبك))[4].
وبناء على هذا؛ فإنه من أراد أن يمتثل أمر الله، فعليه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أراد أن يكون أولى الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم، فعليه بالإكثار من الصلاة عليه؛ فقد جاء في الحديث عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاةً))[5]، فيا لسعادة من امتثل هذا! وفي المقابل يا لخسارة من أعرض عن هذا، وترك ذلك الأجر وتلك المثوبة! بل لقد عرض نفسه لدعاء جبريل وتأمين النبي صلى الله عليه وسلم عندما صعد المنبر؛ حيث جاء في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ((رغِمَ أنفُ رجلٍ ذُكرتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ...))[6].



[1] السخاوي، الدين أبو الخير محمد بن عبدالرحمن بن محمد السخاوي (المتوفى: 902هـ)، القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع، نشر: دار الريان للتراث، ص: 36. [2] ابن كثير: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط: 1، 1419هـ، ج: 6/ 405. [3] أبو داود، السنن، كتاب المناسك، باب: في الصلاة على النبي صلَّى الله عليه وسلم، حديث رقم: 2042، (3/ 385). [4] الترمذي، السنن، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، باب: ...، حديث رقم : 2457، ج: 4/ 218، حديث حسن. [5] الترمذي، السنن، أبواب الوتر، باب: ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: 484، ج: 1/ 612، حديث حسن غريب. [6] ابن حنبل، أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241هـ)، المسند، تحقيق: أحمد محمد شاكر، نشر: دار الحديث، القاهرة، ط: 1، 1416هـ - 1995م، حديث رقم: 7444، ج: 7/ 252، حكم الألباني: صحيح.



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير