أرشيف المقالات

حال خروج روح العصاة والكافرين (1)

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2حال خروج روح العصاة والكافرين (1)
1- قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ۞ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [الأنفال: 50، 51].   قال ابن كثير في "تفسيره" (2: 319): "يقول تعالى: ولو عاينتَ يا محمد حالَ تَوفِّي الملائكة أراوح الكفار، لرأيت أمرًا عظيمًا هائلاً فظيعًا مُنكرًا؛ إذ يضربون وجوههم وأدبارهم، ويقولون لهم: ﴿ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾".   وقال الطبري في "تفسيره" (16/10) عن مجاهد: "﴿ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾، قال: وأستاهم، ولكنه كريم يُكَنِّي".   2- وقال تعالى: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ۞ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 27، 28].   قال السعدي في "تفسيره" (5: 35): "﴿ فَكَيْفَ ﴾ ترى حالهم الشنيعة، ورؤيتهم الفظيعة، ﴿ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ ﴾: المُوكَّلون بقبض أرواحهم، ﴿ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾: بالمقامع الشديدة؟!   3- وقال الله - جل ثناؤه -: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الأنعام: 93].   قال السعدي: "﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ﴾؛ أي: شدائده وأهواله الفظيعة، وكُرَبه الشنيعة، لرأيت أمرًا هائلاً، وحالة لا يَقدِر الواصف أن يَصِفها"؛ (تيسير الكريم الرحمن: 2/45).   وقوله تعالى: "﴿ وَلَوْ تَرَى ﴾ جوابه محذوف، تقديره: لرأيت أمرًا عظيمًا، وهذه عبارة عن التعنيف في السياق، والشدة في قبْض الأرواح"؛ (التسهيل؛ لابن جزي: 1/279).   وقوله تعالى: ﴿ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ ﴾ [الأنعام: 93]؛ أي: بالضرب، كقوله: ﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ﴾ [المائدة: 28]، وقوله: ﴿ وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ ﴾ [الممتحنة: 2].   ولهذا قال تعالى: ﴿ وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ ﴾ [الممتحنة: 2]، قال ابن كثير: "أي: بالضرب لهم حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم؛ ولهذا يقولون لهم: ﴿ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ﴾ [الأنعام: 93]، وذلك أن الكافر إذا احتُضِر بشَّرته الملائكة بالعذاب، والنكال، والأغلال والسلاسل، والجحيم والحميم، وغضب الرحمن الرحيم، فتتفرَّق رُوحه في جسده، وتعصي وتأبى الخروج، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم، قائلين لهم: ﴿ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ [1] بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الأنعام: 93]..
الآية؛ أي: اليوم تُهانون غاية الإهانة، كما كنتم تَكذِبون على الله، وتستكبرون عن اتباع آياته والانقياد لرسله"؛ (تفسير ابن كثير:2/157).   4- قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا ﴾ [الفرقان: 22].   لو أن له طِلاعَ الأرض ذهبًا، وافتدى بها من هَوْل هذا المطلع، ورؤية مَلَك الموت والملائكة الذين معه لافتدى، لا طاقة له برؤية ملائكةٍ سُودِ الوجوه غِلاظ شداد.   قال ابن كثير: "أي هم لا يَرون الملائكة في يوم خير لهم، بل يوم يرونهم لا بُشرى يومئذ لهم، وذلك يَصدُق على وقت الاحتضار، حين تُبشِّرهم الملائكة بالنار والغضب من الجبار، وهذا بخلاف حال المؤمنين حال احتضارهم، فإنهم يُبشَّرون بالخيرات، وحصول المسرَّات".   وقال آخرون: بل المراد بقوله: ﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى ﴾ يعني: يوم القيامة؛ (قاله مجاهد والضحاك وغيرهما)، ولا مُنافاة بين هذا وما تقدَّم، فإن الملائكة في هذين اليومين (يوم الممات، ويوم المعاد) تتجلَّى للمؤمنين وللكافرين، فتُبشِّر المؤمنين بالرحمة والرِّضوان، وتخبر الكافرين بالخيبة والخُسران، فلا بُشرى يومئذ للمجرمين، ﴿ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا ﴾؛ أي: وتقول الملائكة للكافرين: حرام مُحرَّم عليكم الفلاح اليوم، وأصلُ الحَجْر: المنع، ومنه يقال: حَجَر القاضي على فلان، إذا منَعه التصرف، إما لفلسٍ، أو سفَهٍ، أو صِغر، أو نحو ذلك، ومنه سُمِّي الحِجْر عند البيت الحرام؛ لأنه يمنع الطُّوَّاف أن يطوفوا فيه، وإنما يُطافُ من ورائه، ومنه يقال للعقل: حِجر؛ لأنه يمنع صاحبَه عن تعاطي ما لا يليق، والغرض أن الضمير في قوله: ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾: عائد على الملائكة، (هذا قول مجاهد وعكرمة والحسن والضحاك وغيرهم)؛ (تفسير ابن كثير: 3/314).   يتبع،،،


[1] قال الطبري (7/183): "العرب إذا أرادت بـ (الهُون) معنى الهوان، ضمَّت الهاء، وإذا أرادت به الرِّفق والدَّعة وخفة المؤنة فتحت الهاء".



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن