أرشيف المقالات

التسمية على الطعام والأكل باليمين

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2التَّسْمِيَة عَلَى الطَّعَامِ وَالأَكْل بِالْيَمِينِ [1]
 
عن عُمَر بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: كُنْتُ فِي حِجْرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي: ((يَا غُلاَمُ، سَمِّ الله، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ، فما زالت تلك طُعمتي بعد))[2].
 
الراوي الأعلى:
عمر بن أبي سلمة بن عبدالأسد المخزومي، ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، صحابي صغير، أمه أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ولِد بالحبشة في السنة الثانية.
 
مناقبه:
(1) كان يوم الخندق هو وابن الزبير في الخندق في أطم حسان بن ثابت.
(2) روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في الصحيحين وغيرهما، وعن أبيه.
(3) وَلِيَ البحرين زمن علي.
 
وفاته:
مات سنة ثلاث وثمانين على الصحيح [3].
 
المفردات:
قوله: (كنتُ غلامًا)؛ أي: دون البلوغ، يقال للصبي من حين يولَد إلى أن يبلغ غلام.
 
قوله: (في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ أي: في تربيته وتحت نظره، وأنه يربيه في حضنه تربية الولد، والحجر يطلق على الحضن[4].
 
قوله: (تطيش) بكسر الطاء وبعدها مثناة تحت ساكنة؛ أي: تتحرك وتمتد إلى نواحي الصحفة، ولا تقتصر على موضع واحد.
 
(والصحفة) دون القصعة، وهي ما تسع ما يشبع خمسة، فالقصعة تُشبع عشرة [5].
 
قوله: (بيمينك)؛ لأن الشيطان يأكل بالشمال، ولشرف اليمين [6].
 
قوله: (فما زالت تلك طِعمتي بعد)، أشار بقوله: (تلك) إلى جميع ما ذكر من الابتداء بالتسمية، والأكل باليمين، والأكل مما يليه.
 
قوله: (طعمتي): أراد أن أكله كان بعد ذلك على هذا النوع المذكور الذي أشار إليه [7].
 
في هذا الحديث بيان ثلاث أمور تشرَع عند الأكل، وهي:
الأولى: التسمية عند ابتداء الطعام:
ينبغي على المسلم الحرص عليها وعدم تركها؛ للنصوص الآمرة بها، ولطرد الشيطان عن مشاركته في طعامه.
 
الثانية: أن يأكل المسلم بيمينه.

الثالثة: الأكل مما يليه:
لأن أكله من موضع يد صاحبه سوءُ عِشرة وتركُ مُروءة، فقد يتقذَّره صاحبه، لا سيما في الأمراق وشبهها، وهذا في الثريد والأمراق وشبهها [8].
 
قال ابن عثيمين: القول الراجح: وجوب الأكل باليمين، ووجوب الشرب باليمين، وأن الأكل بالشمال أو الشرب بالشمال حرامٌ، ثم إن الأكل بالشمال والشرب بالشمال مع كونه من هدي الشيطان، فهو أيضًا من هدي الكفار؛ وإذا كان هناك ضرورة؛ فلا بأس باليسار[9].
 
مسألة:
لو ترك التسمية في أول الطعام عامدًا أو ناسيًا أو جاهلًا، أو مكرَهًا، أو عاجزًا لعارض آخر، ثم تمكَّن في أثناء أكله منها، استُحِبَّ أن يسمِّي، ويقول: بسم الله أوله وآخره.
 
والتسمية في شُرب الماء واللبن والعسل، والمرق والدواء، وسائر المشروبات - كالتسمية على الطعام، وتحصُل التسمية بقوله: بسم الله، فإن قال: بسم الله الرحمن الرحيم، كان حسنًا، وسواء في استحباب التسمية الجنب والحائض [10]، ويقاس عليه الشرب، أما عند الانتهاء، فمن الآداب أن يحمَد الله عز وجل على هذه النعمة؛ حيث يسَّر له هذا الأكل[11].
 
وفي الحديث مشروعية تربية الصغار على الآداب الشرعية، وأن الصغير يتأثر بذلك، وينطبع هذا في ذهنه، وأنه يسهُلُ عليه تعويدُ نفسه على الخير إذا عُوِّد عليه من الصغر.
 
ما يستفاد من الحديث:
(1) مشروعية تأديب الصبي وتعليمه.
 
(2) الالتزام بآداب الأكل، والأمر بالأكل مما يليه إذا كان لونًا واحدًا.
 
(3) ينبغي على الإنسان أن يؤدِّب أولاده على كيفية الأكل والشرب، وعلى ما ينبغي أن يقول في الأكل والشرب.
 
(4) استصحاب العبادة في أشد أوقات شهوة البطن؛ مما يدل على أن المسلم لا يشغله شيءٌ عن عبادة الله، ويحصُل له البركة في طعامه وشرابه، فيَطيب به بدنُه، وتهنَأ به نفسه، وينطرِد عنه الشيطان بوساوسه وكيده.
 
(5) استحباب التسمية في أول الطعام.
 
(6) وجوب الأكل باليمين، وتحريم الأكل بالشمال، إلا مِن عُذرٍ.
 
(7) استحباب تعليم الجاهل من كبار وصِبيان، لا سيَّما من تحت كفالته.
 
الآثار المترتبة على امتثال توجيهات الحديث:
(1) صلاح الدنيا؛ لأنها إرشادات تحفَظ على المسلم صحته وأمنه؛ ليحيا حياة طيبة.
 
(2) صلاح الدين؛ لأن التزامها والعمل بها، اتباعٌ لأوامر الدين، وهي بهذه الصفة عبادة وطاعة لله ورسوله.
 
(3) إن التعاليم في هذا الباب منها ما هو أفضل وأَولى، ومنها المندوب والمستحب، ومنها الواجب، وكلها يثاب على التزامها.




[1] كتبه: د.
محمد سيد أحمد شحاته، أستاذ الحديث وعلومه المشارك بجامعة الأزهر كلية أصول الدين أسيوط، وجامعة المجمعة كلية التربية بالزلفي.


[2] أخرجه: البخاري في كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام والأكل باليمين (5/ 2056)، ح (5061)، ومسلم في كتاب الأشربة، باب كل مما يليك (6/ 109)، ح (5317).


[3] الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 487).


[4] عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21 / 29).


[5] شرح النووي على مسلم (13/ 193).


[6] شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (8/ 211).


[7] عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 29).


[8] شرح النووي على مسلم (13/ 193).


[9] شرح رياض الصالحين (3/ 171).


[10] تحفة الأحوذي (5/ 480).


[11] شرح رياض الصالحين؛ لابن عثيمين (2/ 205).

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢