أرشيف المقالات

فقه الإمام مالك: الطهارة (3) المسح على الخفين

مدة قراءة المادة : 14 دقائق .
2فقه الإمام مالك: الطهارة (3) المسح على الخفين   ثبت المسح على الخفين في السنة بأحاديث كثيرة، منها ما رواه مسلم عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه".   وحكمه: الجواز؛ فهو رخصة للرجال وللنساء في السفر وفي الحضر بدون تحديد مدة، وقالت الحنابلة: إن المسح على الخفين أفضل من غسل الرجلين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب أن يؤخذ برخصه))، والرُّخَص في الشرع تخفيف من الله ورحمة، وقد تكون الرخصة سنة، كما في صلاة القصر للمسافر.   شروط المسح على الخفين لجواز المسح على الخفين ستة شروط في الممسوح، وخمسة شروط في الماسح.   فيشترط في الممسوح أن يكون: (1) جِلدًا. (2) طاهرًا. (3) مخروزًا لا ملزوقًا بغراء مثلًا. (4) ساترًا للكعبين. (5) يمكن المشي فيه عادةً. (6) ليس عليه حائل من شمع أو خرقة مثلًا.   ويشترط في الماسح: (1) أن يلبسه على طهارة (2) مائية لا ترابية كالتيمم، (3) وأن تكون الطهارة كاملة؛ فمن لبس خفه قبل تمام وضوئه أو غسله لم يجز له المسح عليه، (4) وأن يلبسه لحاجة كحر أو برد أو وعر، لا لزينة أو ترفُّهٍ كخوف على حناء أو لمجرد النوم أو لإظهار عظمة، (5) وألا يكون عاصيًا بلبسه، كمحرم بحج أو عمرة وليس مضطرًّا للبسه.   مبطلات المسح ويبطل المسح على الخفين بما يوجب الغُسل من جنابة وغيرها، وبإخراج الرِّجل، وبخرق الخف إذا كان قدر ثلث القدم فأكثر، ويستحب نزعه في كل يوم جمعة.   التيمم طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين بالصعيد الطاهر، وهو كل ما صعد - أي ظهر - من أجزاء الأرض من تراب وحجر ورخام وغيره.   وقد ثبت التيمم بالكتاب والسنة والإجماع؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ﴾ [المائدة: 6].   وقال صلى الله عليه وسلم: ((وجُعلَت لي الأرض مسجدًا وطهورًا)) من حديث رواه البخاري. وأجمع المسلمون على أن التيمم يكون بدلًا عن الوضوء والغسل عند العجز عنهما.   فمن فقد الماء الكافي للطهارة، أو وجده ولكن عجز عن استعماله خشية حدوث مرض أو زيادته، أو قدر على استعماله ولكن احتاج إليه لشرب أو عجن أو طبخ مثلًا - فله أن يصلي بالتيمم، ولو كان جنبًا.   وفرائضه خمسة: (1) النية؛ فينوي استباحة الصلاة أو فرض التيمم. (2) والضربة الأولى، وهي وضع الكفين على الصعيد الطاهر. (3) وتعميم الوجه واليدين إلى الكوعين بالمسح. (4) والمسح على الصعيد؛ فلا يجوز المسح على خشب ولا على حشيش ولا طين محروق، ولا على ذهب وفضة وجوهر نفيس. (5) والموالاة.   وسُنَنه أربعة: (1) الترتيب. (2) والضربة الثانية. (3) والمسح إلى المرفقين. (4) وألا يمسح على شيء قبل مسح الوجه واليدين.   ويستحب: التسمية، والصمت، واستقبال القِبْلة، وتقديم اليمنى. ويبطله: مبطلات الوضوء، ووجود الماء والقدرة عليه قبل الصلاة.   ويشترط: (1) أن يكون التيمم بعد دخول الوقت. (2) وألا يُصلى به أكثر من فرض واحد. (3) وأن يتصل بالصلاة؛ فإذا تيمم وصلى نفلًا قبل الصلاة صح، ولكن لا يصلي به فرضًا، بل يجب عليه أن يعيد التيمم لأجْله؛ وهذا لضعف الطهارة الترابية، وله أن يصلي من النفل ما شاء بعد الفريضة بشرط عدم الفصل الكثير بينه وبين الفرض.   والحكمة في التيمم: (1) إظهار الخضوع والذلة لله تعالى. (2) والتخفيف على العباد؛ حتى لا يجدوا حرجًا ومشقة. (3) والاهتمام بشأن الصلاة، وأنها من جلال المكانة وعِظَم الخَطَر بحيث لا تجوز إلا بالطهارة المائية أو ما ينوب عنها.   المسح على الجبيرة ونحوها من عجز عن غسل عضو من أعضاء الوضوء أو الغسل لجرح أو دُمَّل مثلًا - وجب عليه أن يمسح المحل المألوم، فإن خشي من مسحه أذًى، فله أن يمسح على العصابة التي ربط بها، كما يجب عليه أن يمسح على الجبيرة التي يضعها المُجَبِّرُ أو الطبيب من عيدان الجريد وغيره على العضو المألوم، ولا يجوز له أن يؤخر الصلاة حتى يبرأ الجرح؛ فليس في الدِّين عُسْر يدعو إلى هذا التأخير.   ويبطل المسح على الجبيرة أو العصابة بسقوطها من موضعها، أو نزعها عن مكانها. وليبادر بالمسح عليها بحيث لا تفوته الموالاة، وإلا بطلت طهارته. ومتى برأ المريض، فلا يجوز له هذا المسح، ولا يعيد الصلوات التي صلاها.   مبحث الحيض والنفاس من مهمات الدِّين والتفقُّه فيه: معرفة الحيض والنفاس وأحكامهما.   ويجب على الرجال أن يعلموا نساءهم هذه الأحكام، فإذا لم يفعلوا وجب على النساء أن يستفتين العلماء، كما كانت نساء الأنصار يفعلن، ولم يستحين أن يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم.   ولنتكلم في هذا الموضوع كلمة موجزة: تعريف الحيض هو دم يخرج من المرأة حال صحتها من وقت البلوغ إلى سن اليأس.   وشرطه: أن يكون على لون من ألوان الدم، وهي الحُمْرة والصُّفْرة والكُدْرة والتوسُّط بين السواد والبياض؛ فلو رأت بياضًا خالصًا فإنه لا يكون حيضًا.   واختلف العلماء فيما تراه الحامل من الدم وهو نادر؛ فقالت المالكية والشافعية: إنه يعتبر حيضًا، وقالت الحنفية والحنابلة: إنه دم فاسد لا تترتب عليه أحكام الحيض.   ولا بأس أن نلخص هنا كلمة عن كتاب "تدبير الصحة" للدكتور محمود ناشد بك، قال: "الحيض هو الدم الذي ينزل من الرحم مدة ثلاثة أيام أو أربعة كل شهر تقريبًا، وقد يستمر نزوله سبعة أيام أو ثمانية، ويبتدئ نزوله من سن البلوغ الذي يختلف باختلاف البنية والأقاليم، وينقطع في سن اليأس؛ أي متى بلغت المرأة خمسًا وخمسين سنة، وقد ينقطع قبل ذلك، ويقف نزوله في زمن الحمل وفي زمن الرضاعة كلها أو بعضها، وكمية الدم الخارج في كل حيضة تتراوح بين مائة وخمسمائة جرام، فإذا تجاوزت هذا القدر تعد المرأة مصابة بالنزيف".   مدة الحيض والطُّهْر أقل الحيض بالنظر للعبادة: دفقة واحدة؛ فمن نزل منها دفقة واحدة في لحظة اعتُبرت حائضًا، تفطر من أجلها وتغتسل. وأقله بالنظر للعدة والاستبراء: تدفقه يومًا أو بعض يوم. وأقصى مدة للحيض: خمسة عشر يومًا، كما أن أقل مدة للطهر خمسة عشر يومًا كذلك.   والحائض إما مُبتَدَأة: أي لم يسبِقْ لها حيض، وإما معتادة: أي سبق لها نزول الدم، ولو مرة واحدة، ولكل منهما حكم خاص.   فأما المبتدأة: فأقصى مدة حيضها نصف شهر، فإن استمر بها نزول الدم بعد ذلك فهو دم علة وفساد، تصوم به وتصلي بعد أن تغتسل.   وأما المعتادة: فأقصى مدة حيضها ثلاثة أيام زيادة على أكثر عادتها؛ فمن اعتادت ثلاثة أيام - مثلًا - تضم إليها ثلاثة أخرى لو استمر الدم، وفي بدء اليوم السابع تغتسل وتصوم وتصلي ولا تبالي بما نزل بعد، فإن اعتادت أربعة أيام وخمسة واستمر بها الدم، ضمت ثلاثة أيام إلى الخمسة، وفي بدء التاسع تغتسل وتصوم وتصلي، وعند حيضها مرة أخرى تعتبر عادتها ثمانية أيام وتزيد ثلاثة أخرى لو استمر الدم؛ لأن العادة تثبت بمرة واحدة.   ومحل الاستظهار - أي الزيادة بثلاثة أيام - ما لم تُجاوز نصف الشهر؛ فمن اعتادت نصف شهر فلا استظهار عليها، ومن اعتادت أربعة عشر يومًا استظهرت بيوم واحد فقط، ومن تمادى بها الدم فوق المدة المقدَّرة شرعًا فإنها تسمى مستحاضة.   مدة الطهر تقدم أن أقل الطهر خمسة عشر يومًا؛ فمن انتهت حيضتها ثم رأت دمًا جديدًا فلا يُعَد حيضًا إلا إذا مرَّ عليها خمسة عشر يومًا، وإذا لم تنتهِ الحيضة فإنها تُلَفِّق أيام الحيض فقط، ومعنى التلفيق: ضمُّ أيام الدم بعضها إلى بعض حتى تكمل الحيضة.   وهذان مثالان: (أ) مبتدَأة ينزل بها الدم يومًا أو يومين وينقطع يومًا أو يومين أو ثلاثة؛ فحكمها: أنها تمتنع عن الصوم والصلاة أيام الدم، وتغتسل وتصلي وتصوم في أيام الانقطاع ما دامت أيام الانقطاع لم تبلغ خمسة عشر، ولا تزال هكذا حتى تكمل خمسة عشر في أيام الدم، وبعد ذلك لا تبالي بالدم.   (ب) امرأة عادتها أربعة أيام، ينزل بها الدم يومين وينقطع يومين؛ فحكمها: أنها تمتنع عن العبادة في يومي الدم، وتتعبد في يومي الانقطاع، وتضم أيام الحيض حتى يكتمل لديها سبعة أيام، وبعد ذلك لا تبالي بالدم.   ثم إن المستحاضة إذا مضى عليها خمسة عشر يومًا وميزت الدم اعتبرته حيضًا جديدًا، وإلا فهو دم استحاضة وفساد.   وعلامة الطُّهر شيئان: الجُفوف: أي انتهاء أثر الدم. والقَصَّة: وهي ماء أبيض غليظ، وهي أدل على النقاء من الجفوف.   النفاس النفاس هو الدم الخارج مع الولادة أو بعدها، وأكثره ستون يومًا؛ فما زاد بعدها فهو استحاضة. فإن تقطع، لفَّقَت الستين وتغتسل كلما انقطع، وتصوم وتصلي. فإن انقطع نصف شهر، فقد تم الطهر، وما نزل بعد ذلك فهو حيض. وعلامة الطهر منه: جفوف أو قصة، وهي أبلغ في النقاء.   ما تقدم من الطهارة والنجاسة والوضوء والغسل والتيمم - وسائل للمقصد الأسمى، وهو الصلاة التي جعلها الله عماد الدين وعنوان الإيمان وأساس الخير والفلاح، فلا يحافظ عليها إلا مؤمن ولا يتهاون فيها إلا منافق، ولقد شهد العام والخاص والمؤمن والكافر بما للصلاة من حكم تهذيبية وأخرى طبية واجتماعية، وكفى أنها مدعاة للنظافة ووسيلة إلى تحريك العضلات المختلفة، وفيها يَشرُف العبد بالمثول بين يدي مولاه خمس مرات في اليوم والليلة، يحظى بمناجاته، ويسعد بالضراعة إليه والذلة له والثناء عليه بما هو أهله، وفي هذا من تربية النفس وتجميلها وتخليتها عن الفحشاء والمنكر وتحليتها بمكارم الأخلاق ما لا ينكره إلا عنيد مكابر.   معنى الصلاة الصلاة في اللغة: الدعاء، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 103]، أي: ادعُ لهم؛ فإن دعاءك رحمة لهم.   وفي الشرع: عبارة عن أقوال وأفعال مفتتَحة بالتكبير، مختتَمة بالتسليم، بشرائط مخصوصة. وللصلاة أنواع وشروط وأركان (وتسمى فرائض)، وسنن ومكروهات ومبطلات.   أنواع الصلاة تنقسم الصلاة إلى: مفروضة، وهي الصلوات الخمس، ومسنونة: كالوتر والعيدين، ومندوبة: كالضحى والنفل قبل الظهر وبعده.   شروط الصلاة للصلاة شرائط، أهمها: طهارة الثوب والبدن والمكان من الحدث والخبث، وقد تقدم الكلام على الطهارة. ومن الشروط: دخول الوقت، واستقبال القِبلة، وستر العورة.   ولنتكلَّم على كلٍّ مِن هذه الثلاثة كلمة: دخول الوقت الصلوات المفروضة على كل مكلف خمس: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح. وقد فُرضت بمكة ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة على الترتيب المذكور؛ فكان الظهر أول ما فُرض. وهي أجلُّ أركان الإسلام بعد الشهادتين. وتاركها كسلًا فاسق عند جمهور العلماء، وكافر في مذهب فريق، منهم الإمام أحمد بن حنبل. وأما تاركها جحدًا واستهانة فهو كافر بإجماع المسلمين.   والدليل على أنها خمس: فعلُه صلى الله عليه وسلم.   وقوله: ((خمس صلوات افترضهن الله عز وجل، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن، كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه)).   وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن: ((أخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)).   وأوقات الصلوات معلومة ومعروفة؛ فلا يحل تأخير وقت إلى وقت، ولا يحل تأخير الصبح حتى تطلع الشمس إلا لعذر شرعي كالنوم والنسيان.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢