أرشيف المقالات

الحسد

مدة قراءة المادة : 52 دقائق .
2الحسد
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد: فإن الحسَد من أمراض القلوب الخطيرة، وهو سبب لضياع الدِّين والدنيا معًا، فأقول وبالله تعالى التوفيق: بسم الله الرحمن الرحيم معنى الحسَد: الحسَد: هو أن يرى الإنسان لأخيه نعمةً، فيتمنى أن تزول عنه وتكون له دونه؛ (النهاية لابن الأثير جـ 1 صـ 383).   كلمة الحسَد في القرآن: جاءت كلمة الحسَد في القرآن الكريم بمشتقاتها المختلفة خمس مرات؛ (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن صـ 201).   الرد على من ينكر الحسَد: قال الإمام ابن القيم (رحمه الله): لا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوًى وطبائع مختلفةً، وجعل في كثيرٍ منها خواصَّ وكيفياتٍ مؤثرةً، ولا يمكن لعاقلٍ إنكار تأثير الأرواح في الأجسام؛ فإنه أمر مشاهد محسوس، وأنت ترى الوجه كيف يحمر حمرةً شديدةً، إذا نظر إليه من يستحي منه، ويصفر صفرةً شديدةً عند نظر من يخافه إليه، وقد شاهد الناس من يسقَم من النظر، وتضعف قواه، وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح، ولشدة ارتباطها بالعين ينسب الفعل إليها، وليست هي الفاعلة، وإنما التأثير للروح، والأرواح مختلفة في طبائعها وقُواها وكيفياتها وخواصها؛ فرُوح الحاسد مؤذِية للمحسود أذًى بينًا؛ولهذا أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ به من شره، وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية، وهو أصل الإصابة بالعين؛ فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفيةٍ خبيثةٍ، وتقابل المحسود فتؤثر فيه بتلك الخاصية، وأشبه الأشياء بهذا الأفعى؛ فإن السم كامن فيها بالقوة، فإذا قابلت عدوها انبعثت منها قوة غضبية، وتكيفت بكيفيةٍ خبيثةٍ مؤذيةٍ، فمنها: ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين، ومنها: ما تؤثر في طمس البصر؛ (زاد المعاد لابن القيم جـ 4 صـ 166).   روى الشيخانِ عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اقتلوا الحيَّاتِ، واقتلوا ذا الطُّفْيتينِ والأبتر؛ فإنهما يطمسانِ البصرَ، ويستسقطانِ الحبَلَ))؛ (البخاري حديث 3297 / مسلم 2233).   قوله صلى الله عليه وسلم: (اقتلوا الحيات)؛ أي: كلَّها عمومًا.   قوله صلى الله عليه وسلم: (واقتلوا)؛ أي: خصوصًا؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - جـ 7 - صـ 2668).   قوله صلى الله عليه وسلم: (ذا الطُّفْيتينِ): نوع من الحياتِ، على ظهره خطَّانِ أبيضان، وقيل: خطَّانِ أسودانِ.   قوله صلى الله عليه وسلم: (الأبتر): جنس من الحيات يكون مقطوع الذَّنَب، أو قصيرَ الذَّنَب، لا تنظُرُ إليه حاملٌ إلا ألقَتْ ما في بطنها؛ (مسلم بشرح النووي - جـ 14 - صـ 230)، (فتح الباري - لابن حجر العسقلاني - جـ 6 - صـ 348).   قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنهما يطمسانِ البصرَ)؛ أي: يُعْميانِ البصر بمجرد النظر إليهما؛ لخاصية السُّمِّية في بصرهما.   قوله صلى الله عليه وسلم: (ويستسقطانِ الحبَلَ)؛ أي: يُسقطانِ الجنين عند النظر إليهما بالخاصة السمية، أو مِن الخوف الناشئ منهما لبعض الأشخاص؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - جـ 7 - صـ 2668).   فائدة مهمة: هذا الحديث محمولٌ على قتل جميع الحيات، ما عدا الحيات التي تسكن في البيوت؛ فإنها لا تُقتَلُ إلا بعد إنذارها ثلاثة أيام؛ (عون المعبود شرح سنن أبي داود - آبادي - جـ 9 - صـ 2534).   (1) روى مسلم عن أبي سعيدٍ الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئًا، فآذنوه ثلاثة أيامٍ، فإن بدَا (ظهَر) لكم بعد ذلك، فاقتلوه؛ فإنما هو شيطان))؛ (مسلم حديث: 2236).   (2) روى مسلم عن الزهري، قال: أخبرني سالم بن عبدالله، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الكلاب، يقول: ((اقتلوا الحياتِ والكلاب، واقتلوا ذا الطُّفْيتينِ والأبتر؛ فإنهما يلتمسانِ البصر، ويستسقطانِ الحَبَالى))، قال الزهري: (ونرى ذلك من سميهما، والله أعلم)، قال سالم: قال عبدالله بن عمر: (فلبثتُ لا أترك حيةً أراها إلا قتلتُها)، فبينا أنا أطارد حيةً يومًا، من ذوات البيوت، مر بي زيد بن الخطاب، أو أبو لبابة، وأنا أطاردها، فقال: مهلًا يا عبدالله! فقلت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلهن)، قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذواتِ البيوت)؛ (مسلم حديث: 2233).   التحذير من الحسَد وصيةُ ربِّ العالَمين: (1) قال الله تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 109].   قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): يحذِّر تعالى عبادَه المؤمنين عن سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب، ويعلِمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر، وما هم مشتملون عليه من الحسَد للمؤمنين، مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم، ويأمر عباده المؤمنين بالصفح والعفو والاحتمال، حتى يأتي أمر الله من النصر والفتح، ويأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ويحثهم على ذلك ويرغِّبهم فيه؛ (تفسير ابن كثير جـ 2 صـ 18).   (2) وقال سبحانه: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 54].   قال الإمام القرطبي (رحمه الله): قوله تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ ﴾ [النساء: 54] يعني اليهود، وقوله تعالى: ﴿ النَّاسَ ﴾ [النساء: 54] يعني النبي صلى الله عليه وسلم خاصةً.   قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: حسَدوه على النبوة، وأصحابَه على الإيمان به؛ (تفسير القرطبي - جـ 5 - صـ 252).   الحسَد سبب أول معصية في السماء والأرض: (1) قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34].   قال قتادة بن دعامة (رحمه الله): حسَد عدوُّ اللهِ إبليسُ آدمَ عليه السلام على ما أعطاه الله من الكرامة، وقال: أنا ناريٌّ، وهذا طِينيٌّ؛ (تفسير ابن كثير - جـ 1 - صـ: 139).   (2) وقال جل شأنه: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا ﴾ [الإسراء: 61 - 63].   (3) قال سبحانه: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾ [المائدة: 27 - 31].   قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): يقول تعالى مبينًا وخيم عاقبة البغي والحسَد والظلم في خبر ابني آدم لصُلبه، وهما هابيل وقابيل، كيف عدا أحدهما على الآخر، فقتله بغيًا عليه وحسدًا له، فيما وهبه الله من النعمة وتقبُّل القُربان الذي أخلص فيه لله عز وجل، ففاز المقتول بوضع الآثام والدخولِ إلى الجنة، وخاب القاتل ورجَع بالصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة؛ (تفسير ابن كثير جـ 5 صـ 160).   نبينا صلى الله عليه وسلم يحذرنا من الحسَد: حذَّرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الحسَد؛ لِمَا يترتب عليه من مفاسدَ في الدِّين والدنيا، وذلك خلال أحاديثه الشريفة، منها: (1) روى الشيخانِ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تباغَضوا، ولا تحاسَدوا، ولا تدابَروا، وكونوا - عباد الله - إخوانًا، ولا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ))؛ (البخاري حديث 6076، مسلم حديث 2559).   قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تدابَروا) قال الإمام الخطابي (رحمه الله): لا تتهاجَروا؛ فيهجُر أحدكم أخاه، مأخوذٌ من توليةِ الرجلِ الآخرَ دُبُرَه إذا أعرض عنه حين يراه؛ (فتح الباري - لابن حجر العسقلاني - جـ 10 - صـ 482).   قال الإمام القرطبي (رحمه الله): قوله صلى الله عليه وسلم: (وكونوا - عباد الله - إخوانًا)؛ أي: كونوا كإخوان النسَب في الشفقة، والرحمة، والمحبة، والمواساة، والمعاوَنة، والنصيحة؛ (فتح الباري - لابن حجر العسقلاني - جـ 10 - صـ 483).   قال الإمام ابن عبدالبر (رحمه الله): تضمَّن الحديث تحريم بُغْض المسلم والإعراض عنه وقطيعته بعد صحبته بغير ذنبٍ شرعي، والحسَد له على ما أنعم به عليه، وأن يعامله معاملة الأخ النسيب، وألا ينقِّبَ عن معايبِه، ولا فرق في ذلك بين الحاضر والغائب؛ (فتح الباري - لابن حجر العسقلاني - جـ 10 - صـ 483).   (2) روى مسلمٌ عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا فُتِحت عليكم فارس والروم، أي قومٍ أنتم؟)) قال عبدالرحمن بن عوفٍ: نقول كما أمرنا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أو غير ذلك؟! تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون))؛ (مسلم حديث: 2962).   (3) روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله، لينزِلَنَّ ابن مريم حَكَمًا عادلًا، فليكسِرَنَّ الصَّليب، وليقتلن الخِنزير، وليضعَنَّ الجزية، ولتتركن القِلاص (الإبل القوية الشابة) فلا يُسعَى عليها، ولتذهبَنَّ الشحناءُ والتباغض والتحاسد، وليدعُوَنَّ إلى المال فلا يقبَلُه أحد))؛ (مسلم حديث: 155).   (4) روى ابن ماجه عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: ((كل مخموم القلب، صدوق اللسان))، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخمومُ القلب؟ قال: ((هو التقيُّ النقيُّ، لا إثمَ فيه، ولا بغيَ، ولا غِلَّ، ولا حسد))؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث: 3397).   (5) روى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يجتمعان في قلب عبدٍ: الإيمان والحسَد))؛ (حديث حسن) (صحيح سنن النسائي للألباني حديث 2912).   (6) روى الطبراني عن ضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال الناس بخيرٍ ما لم يتحاسَدوا))؛ (حديث صحيح) (السلسلة الصحيحة للألباني حديث: 3386).   (7) روى الترمذي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((دبَّ إليكم داءُ الأمم قبلكم: الحسَد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشَّعَر، ولكن تحلق الدِّين))؛ (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2038).   قوله صلى الله عليه وسلم: (دب): أي: نُقِل وسَرى ومشى بخفيةٍ.   قوله صلى الله عليه وسلم: (إليكم داء الأمم قبلكم الحسَد) أي: في الباطن.   قوله صلى الله عليه وسلم: (والبغضاء) أي: العداوة في الظاهر، وسمي الحسَد والبغضاء داءً؛ لأنهما داء القلب.   قوله صلى الله عليه وسلم: (الحالقة)؛ أي: القاطعة للمحبة والأُلفة والصلة.   قوله صلى الله عليه وسلم: (لا أقول: تحلق الشعر)؛ أي: تقطع ظاهر البدن؛ فإنه أمر سهلٌ، (ولكن تحلِق الدِّين)، وضرره عظيمٌ في الدنيا والآخرة.   قال الطِّيبي (رحمه الله): البغضاء تذهَب بالدِّين، كالمُوسَى تذهَب بالشَّعر؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - جـ 8 - صـ 3154).   أقوال السلف الصالح في ذم الحسَد: سوف نذكر بعضًا من أقوال العلماء في الحسَد: (1) قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): ما كانت نعمة الله على أحدٍ إلا وجد لها حاسدًا، فلو كان الرجل أقومَ مِن القدح لَمَا عدم غامزًا؛ (أدب الدنيا والدين - للماوردي - صـ 271).   (2) قال معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنهما): ليس في خصال الشر أعدلُ من الحسَد، يقتُلُ الحاسد قبل أن يصلَ إلى المحسود؛ (أدب الدنيا والدين - للماوردي - صـ 270).   (3) قال معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنهما): كل الناس أقدِرُ على رضاه، إلا حاسدَ نعمةٍ؛ فإنه لا يرضيه إلا زوالها.   (4) قال محمد بن سيرين (رحمه الله): ما حسدت أحدًا على شيءٍ من أمر الدنيا؛ لأنه إن كان من أهل الجنة، فكيف أحسُدُه على أمر الدنيا وهي حقيرة في الجنة؟! وإن كان من أهل النار، فكيف أحسُدُه على أمر الدنيا وهو يصير إلى النار؟!؛ (إحياء علوم الدين للغزالي - جـ 3 - صـ 189).   (5) قال الحسن البصري (رحمه الله): يا بن آدم، لا تحسد أخاك؛ فإن كان الذي أعطاه الله لكرامته عليه، فلا تحسُدْ مَن أكرمه الله تعالى، وإن كان لغير ذلك، فلِمَ تحسُدُ مَن مصيره إلى النار؟! (إحياء علوم الدين للغزالي - جـ 3 - صـ 189).   (6) قال بعض الحكماء: يكفيك من الحاسد أنه يغتمُّ في وقت سرورك.   (7) قال الأصمعي (رحمه الله): قلت لأعرابي: ما أطول عمرك؟! قال: تركت الحسَد فبقِيتُ.   (8) قال ابن المعتز (رحمه الله): الحسَد داء الجسد.   (9) قال بعض الحكماء: الحسُود لا يسُود؛ (أدب الدنيا والدين - للماوردي - صـ 270).   (10) قال بعض البلغاء: الناس حاسد ومحسود، ولكل نعمةٍ حسُود؛ (أدب الدنيا والدين - للماوردي - صـ 269).   (11) قال بعض الحكماء: الحسَد جرح لا يَبْرَا، وحَسْبُ الحسُودِ ما يلقَى.   (12) قال أعرابي: ما رأَيْتُ ظالمًا أشبهَ بمظلومٍ من حاسدٍ؛ إنه يرى النعمة عليك نقمةً عليه.   (13) قال بعض الحكماء: الحاسد لا ينال من المجالس إلا مذمةً وذلًّا، ولا ينال من الملائكة إلا لعنةً وبُغضًا، ولا ينال مِن الخَلْق إلا جزعًا وغمًّا، ولا ينالُ عند الموقف (أي يوم القيامة) إلا فضيحةً ونكالًا؛ (إحياء علوم الدين للغزالي - جـ 3 - صـ 189).   (14) قال بعض السلف: أول خطيئةٍ عُصِيَ اللهُ بها هي الحسَد، حسَد إبليسُ آدمَ أن يسجدَ له؛ فحمله الحسَدُ على المعصية؛ (الزواجر - لابن حجر الهيتمي - جـ 1ـ صـ 92).   الحسَد في عيون الشعراء: (1) قال عبدالله بن المعتز (رحمه الله): اصبِرْ على كيدِ الحسُو دِ فإنَّ صبرَك قاتِلُهْ فالنارُ تأكل بعضَها إن لم تجِدْ ما تأكُلُهْ (أدب الدنيا والدين - للماوردي - صـ 270).   (2) قال الشاعر: إن يحسُدوني فإني غير لائمهم قَبْلي من الناسِ أهلُ الفضلِ قد حُسِدوا فدام لِي ولَهُمْ ما بي وما بهمُ ومات أكثرُنا غيظًا بما يجِدُ (أدب الدنيا والدين - للماوردي - صـ 271).   (3) قال أبو تمامٍ الطائي (رحمه الله): وإذا أراد اللهُ نشرَ فضيلةٍ طُوِيَتْ، أتاح لها لسانَ حسُودِ لولا اشتعالُ النارِ فيما جاوَرَتْ ما كان يُعْرف طِيبُ عَرْف العُودِ لولا التخوُّفُ للعواقبِ لم يزَلْ للحاسدِ النُّعمى على المحسُودِ (أدب الدنيا والدين - للماوردي - صـ 271).   (4) قال محمود الوراق (رحمه الله): أعطَيْتُ كلَّ الناسِ مِن نفسي الرِّضا إلا الحسُودَ فإنَّه أَعْيَاني ما إنَّ لي ذَنْبًا إليه علِمْتُه إلا تظاهُرَ نِعْمةِ الرَّحمنِ وأبَى فما يُرْضيه إلَّا ذِلَّتي وذهابُ أموالي، وقَطْعُ لساني (أدب الدنيا والدين - للماوردي - صـ 274).   (5) قال الشاعر: أيَا حاسدًا لي على نِعْمتي أتدري على مَن أسَأْتَ الأدَبْ؟ أسَأْتَ على اللهِ في حُكمِه لأنَّك لم تَرْضَ لي ما وهَبْ فأخزاك ربِّي بأنْ زادَني وسَدَّ عليكَ وُجوه الطَّلَبْ (موسوعة الأخلاق - ياسر عبدالرحمن - جـ 2 - صـ 125).   (6) قال الشاعر: كلُّ العَداواتِ قد تُرْجَى مودَّتُها ♦♦♦ إلا عداوةَ مَن عادَاكَ مِن حسَدِ (إحياء علوم الدين للغزالي - جـ 3 - صـ 189).   اليهود يحسُدون المسلمين: روى ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما حسَدَتْكم اليهود على شيءٍ ما حسَدَتْكم على السلام والتأمين))؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث: 697).   أسباب الحسَد للحسد أسباب كثيرة، يمكن أن نوجزها فيما يلي: (1) العداوة والبغضاء: العداوة والبغضاء، وهذا أشد أسباب الحسَد؛ فإن مَن آذاه شخص بسببٍ من الأسباب، وخالفه في أمرٍ ما بوجهٍ من الوجوه، أبغَضه قلبُه، وغضب عليه، ورسخ في نفسه الحقدُ، والحقد يقتضي منه التشفِّيَ والانتقام، وربما يوقِعه هذا الحقد في الغِيبة والنميمة والتجسس والإيذاء باليد وغير ذلك، فإن عجز عن الانتقام وازداد لهيبُ الحقد في قلبه، تمنَّى زوالَ النعمة عن عدوه، حتى ينقص قدره، وتقلَّ مكانته بين الناس، فيفرح بزوال النعمة عن عدوه.   (2) التعزُّز والترفُّع: وهو أن يثقُلَ عليه أن يترفع عليه غيرُه، فإذا أصاب أحدُ زملائه أو أقرانه مالًا أو منصبًا أو علمًا، خاف أن يتكبَّرَ عليه، وهو لا يُطيق تكبُّرَه، ولا تسمح نفسه باحتمال افتخارِه عليه، فيلجأ إلى حسَدِ الآخرين.   (3) التكبُّر على الناس: بعض الناس يكون في طبعه التكبُّر على خلق الله تعالى؛ فمنهم من يحب أن يَستذلَّ مَن هو دونه، ويحتقره، ويتكبر عليه حتى ينقاد له، فإذا رأى هذا الإنسان الضعيفُ هذا التكبُّرَ، ووجد عند هذا الشخص المتكبر نعمةً، حسَده، وتمنَّى زوال هذه النعمة عنه.   وهذا الكِبْر هو الذي منَع كثيرًا من صناديد قريش أن يؤمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى حكاية عن كفار قريش: ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ [الزخرف: 31]، هكذا منعهم الكِبْر من الإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم.   (4) التعجُّب: بعض الناس يرى غيرَه في نعمة، فيندهش ويتعجب كيف حصل عليها هذا الشخص، وهو مثله، أو ما كان هو أحق بها منه؟ فعند ذلك يقع في الحسَد؛ لتزول هذه النعمة عن الغير.   قال تعالى: ﴿ مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا ﴾ [يس: 15]، وقال سبحانه: ﴿ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 94].   وقال تعالى: ﴿ فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 47].   في هذه الآيةِ المباركة تعجَّبَ المشركون أن يفوز برتبة الرسالة بشرٌ مثلُهم؛ فحسَدوهم، وتمنَّوْا زوالَ النبوة عنهم.   (5) الخوف من فَوْتِ المقاصد: هذا مِن أكثر أسباب الحسَد وقوعًا، وأوسعها انتشارًا، وهذا يقع بين أصحاب المهنة الواحدة؛ فالطبيب يزاحم طبيبًا غيره؛ حتى يحصل على شهرة أكبر مِن صاحبه، وهكذا بين العلماء والفلاحين والمدرسين والمهندسين وغيرهم، وكذلك الإخوة يتحاسدون من أجل نيل المنزلة العالية في قلوب الأبوَينِ، وكذلك تحاسد التلاميذ عند أستاذ واحد، والخدم عن سيدهم.   (6) حب الرياسة: حبُّ الرياسة وطلب الجاه مِن أسباب الحسَد؛ فالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون إذا غلب عليه حبُّ الثناء والمدح، فإنه لو سمع بنظير له في مكان بعيدٍ لساءَه ذلك، وحسَده، وتمنَّى موتَه أو زوالَ النعمةِ عنه.   ولقد امتنع كثير من اليهود عن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ خشيةَ أن يفقدوا رياستهم، وكذلك هرقل ملك الروم، الذي أيقن نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يؤمن به؛ خشيةَ أن يفقد رياسته على الروم.   (7) خُبْث النفس: خُبْث النفس وحبُّها للشر من أسباب انتشار الحسَد، فترى من يتصف بحب الشر والشحِّ بالخير على الناس إذا سمع بمصائبَ تصيب الناس وتضيِّع مصالحهم - استنار وجهُه بهذه الأخبار السيئة، ويبخل بنعمة الله على خَلْق الله؛ (إحياء علوم الدين للغزالي جـ 3 صـ 299، 302).   مراتب الحسَد: الحسَد بمعنى تمنِّي زوال النعمة عن صاحبها: حرامٌ بإجماع علماء المسلمين قديمًا وحديثًا؛ (مسلم بشرح النووي - جـ 6 - صـ 97).   ذكر العلماء مراتب للحسد، وسوف نذكرها بإيجاز: المرتبة الأولى: أن يحب الإنسان زوال النعمة عن الغير، وأن تنتقل إليه؛ ولذا يسعى بكافة السبل المحرمة إلى الإساءة إليه؛ ليحصل على مقصوده؛ كأن يحصل على داره، أو يجعله يطلق امرأته ليتزوجها، أو يكون صاحب منصب، فيحب أن يحصل عليه بدلًا من ذلك الغير، وهذه المرتبة هي الغالبة بين الحسَّاد.   المرتبة الثانية: أن يحب الإنسانُ زوال النعمة عن الغير، وإن كانت هذه النعمة لا تنتقل إليه، وهذه المرتبة في غاية الخُبْث؛ ولكنها دون المرتبة الأولى.   المرتبة الثالثة: ألا يحب الإنسان نفس هذه النعمة لنفسه، ولكنه يشتهي أن يكون لديه مثلها، فإن عجز على الحصول على مثلها، أحَبَّ زوال هذه النعمة عن الغير؛ كيلا يظهَرَ التفاوت بينهما؛ (إحياء علوم الدين للغزالي جـ 3 صـ 298).   الغِبْطة والمنافسة: معنى الغِبْطة: الغِبْطة: هي أن يتمنى الإنسان أن يكون له مِثلُ نعمة أخيه، ولا يتمنى زوالها عنه؛ (النهاية - لابن الأثير - جـ 1 - صـ 383).   وتسمى الغِبْطة بالحسَد المحمود.   ومن المعلوم أن المنافسةَ في عمل الخيرات وطلب الآخرة أمرٌ حثنا عليه الله في كتابه، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم في سنَّتِه المطهَّرة.   قال تعالى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21]، وقال سبحانه: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].   روى البخاريُّ عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسَدَ إلا في اثنتين: رجل علَّمه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمِعه جار له فقال: ليتني أوتيتُ مثل ما أوتي فلان؛ فعمِلتُ مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالًا، فهو يُهلِكه (ينفقه) في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيتُ مِثل ما أوتي فلان؛ فعمِلتُ مِثل ما يعمل))؛ (البخاري - حديث 5026).   قال الشاعر: نافِسْ على الخيرات أهل العلا فإنما الدنيا أحادِيثُ كل امرئٍ في شأنه كادحٌ فوارثٌ منهُمْ ومَوْروثُ (أدب الدنيا والدين - للماوردي - صـ 270).   عمرُ ينافس أبا بكر الصِّدِّيق: روى أبو داود عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا أن نتصدَّقَ، فوافق ذلك مالًا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكرٍ، إن سبقتُه يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أبقيتَ لأهلك؟))، قلت: مِثْلَه، قال: وأتى أبو بكرٍ رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أبقيتَ لأهلك؟))، قال: أبقيتُ لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيءٍ أبدًا؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني حديث 1472).   المؤمن لا يحسُدُ الناس: مِن صفات عباد الرحمن: أنهم لا يحسُدونَ أحدًا على نعمة أنعَمَ الله تعالى بها عليه.   قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].   قال ابن كثير (رحمه الله): قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ﴾ [الحشر: 9] ولا يجِدون في أنفسهم حسدًاللمهاجرين فيما فضَّلهم الله به مِن المنزلة والشرف، والتقديم في الذِّكر والرُّتبة.   قال الحسَن البصري (رحمه الله): ﴿ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً ﴾ يعني: الحسَد؛ (تفسير ابن كثير جـ 13 صـ 489).   وسائلُ إبعاد الحسَد عن القلب: الحسَد من الأمراض العظيمة للقلوب، ولا تداوى أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل، والعلم النافع لمرض الحسَد هو أن تعرف تحقيقًا أن الحسَد ضرر عليك في الدنيا والدين، وأنه لا ضرر فيه على المحسود في الدنيا والدين، بل ينتفع به فيهما، ومهما عرفتَ هذا عن بصيرةٍ ولم تكن عدوَّ نفسِك وصديق عدوك - فارَقْتَ الحسَد لا محالة.   أما كونه ضررًا عليك في الدِّين، فهو أنك بالحسَد سخِطْتَ قضاء الله تعالى، وكرِهْتَ نعمته التي قسمها بين عباده، وعَدْلَه الذي أقامه في مُلكه بخفيِّ حكمته، فاستنكرت ذلك واستبشعته، وهذه جناية في حدقة التوحيد، وقذًى في عين الإيمان، وناهيك بهما جنايةً على الدين، وقد انضاف إلى ذلك أنك فارقت أولياءه وأنبياءه في حبهم الخيرَ لعباده تعالى، وشاركت إبليسَ والكفارَ في محبتهم للمؤمنين البلايا وزوال النِّعَم، وهذه خبائثُ في القلب تأكل حسنات القلب كما تأكل النارُ الحطَب.   وأما كونه ضررًا في الدنيا، فهو أنك تتألم بحسدك في الدنيا، أو تتعذب به، ولا تزال في كمدٍ وغمٍّ؛ إذ أعداؤك لا يُخْلِيهم الله تعالى عن نعمٍ يُفِيضها عليهم، فلا تزال تتعذب بكل نعمةٍ تراها، وتتألم بكل بليَّةٍ تنصرف عنهم، فتبقى مغمومًا ضيِّق الصدر، فقد نزل بك ما يشتهيه الأعداء لك، وتشتهيه لأعدائك، فقد كنت تريد المحنة لعدوك، فتنجزت في الحال محنتك وغمك نقدًا، ولا تزول النعمةُ عن المحسود بحسدك، ولو لم تكن تؤمن بالبعث والحساب لكان مقتضى الفطنة - إن كنت عاقلًا - أن تحذَرَ من الحسَد؛ لِمَا فيه من ألم القلب ومَساءَتِه مع عدم النفع، فكيف وأنت عالم بما في الحسَد من العذاب الشديد في الآخرة؟! فما أعجَبَ مَن يتعرض لسخَطِ الله من غير نفعٍ يناله! بل مع ضررٍ يحتمله، وألمٍ يقاسيه، فيُهلِك دِينه ودنياه من غير جدوى ولا فائدةٍ، وأما أنه لا ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح؛ لأن النعمة لا تزول عنه بحسدك، وأما أن المحسود ينتفع به في الدين والدنيا فواضح؛ أما منفعته في الدين فهو أنه مظلوم من جهتك، لا سيما إذا أخرجك الحسَد إلى القول والفعل بالغِيبة والقدحِ فيه، وهَتْكِ ستره، وذِكر مساوئه، فهذه هدايا تُهْديها إليه؛ إذ تُهْدي إليه حسناتك، حتى تلقاه يوم القيامة مفلِسًا محرومًا كما حُرِمت في الدنيا عن النعمة، فإذا تأملت هذا عرفتَ أنك عدوُّ نفسك وصديقُ عدوك؛ إذ تعاطيتَ ما تضررتَ به في الدنيا والآخرة، وانتفع به عدوك في الدنيا والآخرة، وصرتَ مذمومًا عند الخالق والخلائق، شقيًّا في الحال والمآل، ونعمة المحسود دائمة، شئتَ أم أبيتَ باقية، ومَن تفكر بهذا بذهنٍ صافٍ وقلبٍ حاضرٍ، انطفأت نارُ الحسَد مِن قلبه.   وأما العمل النافع فيه فهو أن يكلف نفسَه نقيض ما يتقاضاه الحسَد؛ وذلك بالتواضع للمحسود، والثناء، والمدح، وإظهار السرور بالنعمة، فتعود القلوب إلى التآلف والتحابِّ، وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسَد وغم التباغض، فهذه هي أدوية الحسَد، وهي نافعة جدًّا، إلا أنها مُرَّة على القلوب جدًّا، ولكن النفع في الدواء المُرِّ، فمن لم يصبِرْ على مرارة الدواء لم ينَلْ حلاوة الشفاء، وإنما تهون مرارة هذا الدواء بقوة العلم بالمعاني التي ذكرناها، وقوة الرغبة في ثواب الرضاء بقضاء الله تعالى؛ (موعظة المؤمنين - جمال الدين القاسمي - صـ: 215).   الوقاية من شرِّ الحاسد: ذكر الإمام ابن القيم (رحمه الله) عشرة أسباب يبتعد بها شرُّ الحاسد عن المحسود، ويمكن أن نوجزها فيما يلي: الأول: التعوذ بالله وحده من شر الحسَد؛ فإن الله تعالى سميعٌ لمن استعاذ به، وعليم بما يستعيذ العبد منه.   الثاني: تقوى الله، وحفظه عند أمره ونهيِه. فمَن اتقى الله، تولى الله حفظه، ولم يَكِلْه إلى غيره؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: 120].   الثالث: الصبر على عدوه، فلا يقاتله، ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلًا، فما نُصِرَ أحدٌ على حاسده وعدوِّه بمثل الصبر عليه.   الرابع: التوكل على الله؛ فإنه مِن أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد عن نفسه ما لا يُطيق مِن أذى الخَلْق وظُلمهم وعداوتهم. قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]؛ أي: كافيه، ومَن كان اللهُ كافيَه وواقيَه، فلا مطمَعَ فيه لعدوه.   الخامس: فراغ القلب مِن الاشتغال بالحسَد: يجب على المسلم أن يمحو الحسَد من قلبه كلما خطَر له، ولا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالتفكير فيه.   السادس: الإقبال على الله، وإخلاص العمل له؛ فالإخلاص هو سبب انتصار العبد على الشيطان الرجيم. قال تعالى حكاية عن الشيطان: ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 82، 83]، فمَن دخل في حصن الإخلاص، لم يخلُصْ إليه أحدٌ مِن الجن والإنس؛ وذلك لأنه حِصنُ الرحمن الرحيم.   السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب. يجب على العبد أن يعلَمَ أن ما يصيبه إنما هو من ذنوبه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [الشورى: 30]، وقال سبحانه لأصحاب نبيِّه صلى الله عليه وسلم: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [آل عمران: 165].   فإذا تاب العبدُ من ذنوبه، كان ذلك سببًا لتجنُّبِه الحسَدَ مِن الناس.   الثامن: الصدق والإحسان إلى الناس: لكي يتجنب المسلم الحسَد ينبغي عليه أن يكثر من الصدَقات في السر والعلانية، ويُحسِن إلى الناس؛ فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء عن المؤمن، ودفع الحسَد كذلك، وهذا واقع ملموس؛ فمن النادر أن يتسلط الأذى والحسَد إلى صاحب صدقةٍ خالصة لله تعالى، وإن أصابه شيء من الحاسد فإن الله يلطُفُ به جزاء ما قدم لله تعالى وحده.   التاسع: الإحسان إلى الحاسد: إن من أعظم الأسباب لدفع الحسَد، والتي لا يوفق لها إلا مَن وفقه الله: إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35].   العاشر: تجريد التوحيد: يجب على العبد أن يَشغَل فكره دائمًا بالله تعالى؛ فهو وحده مسبِّبُ الأسباب، ولا يحدُثُ شيء في هذا الكون إلا بإرادته ومشيئته؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [يونس: 107].   فإذا جرَّد العبد التوحيد لله تعالى فقد خرج مِن قلبه خوفُ ما سواه، وكان عدوُّه أهونَ عليه من أن يخافه مع الله؛ فالتوحيد حصن الله الأعظم، مَن دخَله كان من الآمنين؛ (بدائع الفوائد لابن القيم جـ 2 صـ 238، 245).   الحسَد بالعين حق: الحسَد بالعين ثابت بالقرآن الكريم، والسنة النبوية المباركة، ولا ينكر الحسَد إلا جاهل أو معاند.   معنى العين: العين: نظر باستحسانٍ مَشُوب (مخلوط) بحسدٍ من خبيث الطبع، يحصل للمنظور منه ضرر؛ (فتح الباري - لابن حجر - جـ 10 - صـ 210).   فائدة مهمة: قال الإمام ابن حجر العسقلاني (رحمه الله): قد أشكل ذلك على بعض الناس فقال: كيف تعمل العين من بعدٍ حتى يحصل الضرر للمعيون؟ والجواب: أن طبائع الناس تختلف؛ فقد يكون ذلك من سم يصل مِن عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون، وقد نقل عن بعض مَن كان مِعيانًا أنه قال: إذا رأيت شيئًا يعجبني، وجدتُ حرارةً تخرج من عيني؛ (فتح الباري لابن حجر جـ 10 صـ 210).   قال الإمام النووي (رحمه الله): زعم الطبيعيون المتتبعون العين: أن العائن ينبعث عن عينه قوة سمية تتصل بالمعين، فتهلِك أو تفسد، قالوا: ولا يمتنع هذا، كما لا يمتنع انبعاث قوةٍ سميةٍ من الأفعى، والعقرب تتصل باللديغ فتهلك، وإن كان غير محسوسٍ لنا؛ (مسلم بشرح النووي - جـ 14 - صـ 171).   قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾ [القلم: 51، 52].   قال ابن عباسٍ، ومجاهد، وغيرهما: ﴿ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ ﴾ [القلم: 51]: لَيَنفذُونك بأبصارهم؛ أي: لَيَعِينونك بأبصارهم، بمعنى: يحسدونك؛ لبُغضهم إياك، لولا وقاية الله لك، وحمايته إياك منهم، وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتَها وتأثيرَها حقٌّ، بأمر الله عز وجل، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرقٍ متعددةٍ كثيرةٍ؛ (تفسير ابن كثير جـ 14 صـ 102).   روى مسلم عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((العين حق، ولو كان شيءٌ سابقَ القدَر، سبقَتْه العين، وإذا استُغْسِلْتم فاغسِلوا))؛ (مسلم حديث 2188).   قوله صلى الله عليه وسلم: (العين حق): أي إصابتُها أمر متحقِّق الوقوع، لها تأثير مَقْضي به في الأنفس والأموال في الوضع الإلهي لا شُبهةَ فيه.   قوله صلى الله عليه وسلم: (فلو كان شيءٌ سابقَ القدَر)؛ أي: غالِبَه في السَّبق، (سبقَتْه العين)، أي: لغلبَتْه العين، والمعنى: لو أمكن أن يسبق القدَرَ شيءٌ، فيؤثِّر في إفناء شيءٍ وزواله قبل أوانه المقدَّر له - سبَقَتِ العينُ القدَر، وحاصله: أنْ لا هلاكَ ولا ضرر بغير القضاء والقدر؛ ففيه مبالغة؛ لكونها سببًا في شدة ضررها، ومذهب أهل السنة: أن العين يفسد ويهلك عند نظر العائن بفعل الله تعالى، أجرى العادة أن يخلُقَ الضررَ عند مقابلة هذا الشخص بشخصٍ آخر؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - جـ 7 - صـ 2870).   فائدة مهمة: قال القاضي عياض (رحمه الله): في هذا الحديث مِن الفقه ما قاله بعض العلماء: أنه ينبغي إذا عُرِف أحدٌ بالإصابة بالعين أن يجتنب ويتحرز منه، وينبغي للإمام منعُه مِن مداخلة الناس، ويأمره بلزوم بيته، فإن كان فقيرًا رزَقه ما يكفيه، ويكف أذاه عن الناس؛ فضرره أشدُّ مِن ضرر آكلِ الثُّوم والبصل، الذي منعه النبي صلى الله عليه وسلم دخولَ المسجد؛ لئلا يؤذيَ المسلمين؛ (مسلم بشرح النووي - جـ 14 - صـ 171).   روى البخاريُّ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوِّذُ الحسَن والحُسَين ويقول: ((إن أباكما كان يعوِّذُ بها إسماعيلَ وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطانٍ وهامَّةٍ، ومن كل عينٍ لامَّةٍ))؛ (البخاري حديث 3371).   قوله صلى الله عليه وسلم: (أباكما)؛ أي: الجد الأعلى، وهو إبراهيم صلى الله عليه وسلم.   قوله صلى الله عليه وسلم: (يعوِّذ بها)؛ أي: يلجأ إلى الله تعالى ليحفَظَ إسماعيلَ وإسحاق.   قوله صلى الله عليه وسلم: (بكلمات الله) المراد بها كلام الله تعالى على الإطلاق.   قوله صلى الله عليه وسلم: (التامة)؛ أي: الكاملة في فضلها وبركتِها ونفعها.   قوله صلى الله عليه وسلم: (من كل شيطانٍ)؛ أي: جن وإنسٍ.   قوله صلى الله عليه وسلم: (وهامةٍ)؛ أي: كل دابةٍ ذات سم يقتل، والجمع هوامُّ.   قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن كل عينٍ لامةٍ)؛ أي: من كل عينٍ تصيب بسوءٍ، وجامعةٍ للشر على الشخص المعيون، يقال: لَمَّه إذا جمعه؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني - جـ 6 - صـ 410).   روى مسلم عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرها أن تسترقيَ مِن العين؛ (مسلم حديث 2195).   روى مسلم عن أسماءَ بنت عُمَيسٍ قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما لي أرى أجسام بني أخي (أبناء جعفر بن أبي طالب) ضارعةً (نحيفةً) تصيبهم الحاجة (الجوع)؟))، قالت: لا، ولكن العين تُسرِع إليهم، قال: ارقِيهم، قالت: فعرضتُ عليه، فقال: ((ارقِيهم))؛ (مسلم حديث 2198).   مقارنة بين الحاسد والعائن: الحاسد والعائن يشتركان في الأثر، وهو أن كلًّا منهما يقع منه الضرر، ويختلفان في الوسيلة؛ فالعائن مصدر حسده العين، والحاسد مصدر حسده القلب؛ حيث يتمنَّى زوال النعمة عن الغير؛ (بدائع الفوائد - لابن القيم - جـ 2 - صـ 231).   كيف تؤثر العين في المحسود؟ قال الإمام ابن القيم (رحمه الله): قالت طائفة: إن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة، انبعَث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين، فيتضرر، قالوا: ولا يستنكر هذا، كما لا يستنكر انبعاث قوةٍ سميةٍ من الأفعى تتصل بالإنسان، فيهلِك، وهذا أمر قد اشتهر عن نوعٍ من الأفاعي، أنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك، فكذلك العائن.   وقالت فرقة أخرى: لا يستبعد أن ينبعث من عين بعض الناس جواهرُ لطيفة غير مرئيةٍ، فتتصل بالمعين، وتتخلل مسامَّ جسمه، فيحصل له الضرر؛ (زاد المعاد - لابن القيم - جـ 4 - صـ 165: 166).   الوقاية من حسد العين: يجب على المسلم الذي يريد أن يتجنب الحسَد عن طريق العين أن يبتعد عن مواجهة الإنسان المعروف بداء حسد العين، وستر محاسن الشيء الذي يخاف عليه الحسَد؛ (زاد المعاد - لابن القيم - جـ 4 - صـ 173).   علاج حسد العين: إذا تأكدنا أن أحد الناس حسَدَ آخَرَ بالعين، فإننا نطلب من الحاسد بطريقة ذكية، وأسلوب لطيف: أن يتوضأ في إناء، ثم نأخذ هذا الماء ونصبه على رأس وظهر المحسود من خلفه، فيبرأ بإذن الله تعالى؛ (التمهيد لابن عبدالبر جـ 9 صـ 352)، (مسلم بشرح النووي جـ 7 صـ 427).   روى أحمد عن سهل بن حنيفٍ - وذلك عندما نظر عامر بن ربيعة إلى سهلٍ فحسَدَه - قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرًا، فتغيَّظ عليه، وقال: ((علامَ يقتُلُ أحدكم أخاه؟! هلَّا إذا رأيت ما يعجبك برَّكْتَ (أي قلت: اللهم بارك فيه)، ثم قال له: اغتسل له))، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رِجليه وداخلة إزاره (الأفخاذ والورك) في قدحٍ (أي وعاء)، ثم صب ذلك الماء عليه، يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه يكفئ القدح وراءه، ففعل به ذلك، فراح سهلٌ مع الناس ليس به بأس (أي ألم)؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد جـ 25 صـ 355 - حديث: 15980).   روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يؤمر بالعائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 3286).   علاج حسد القلب بعد وقوعه: إذا وقع الحسَد لأحد المسلمين، فإنه يمكن أن يعالج نفسه، أو يعالجه آخر، بالرقية الشرعية الثابتة في كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويجب عليه أن يعتقد أن هذه الرقية الشرعية لا تأثير لها إلا بإذن الله تعالى وحده، وعلى المسلم أن يعلم كذلك أنه لا علاج للحسد الذي أصابه إلا بالقرآن والسنة، ويمكن أن نوجز علاج الحسَد فيما يلي:   (1) قراءة المعوِّذات، وهي: سورة ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، وسورة ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، وسورة ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1]؛ (فتح الباري - لابن حجر العسقلاني - جـ 9 - صـ 62).   (2) يقول المعالج للمحسود: ((باسم الله أرقيك، من كل شيءٍ يؤذيك، من شر كل نفسٍ أو عين حاسدٍ، الله يشفيك، باسم الله أرقيك))؛ (مسلم حديث 2186).   (3) الإكثار من الدعاء، وخاصة عند السجود، وفي ثلث الليل الآخر، وبين الأذان والإقامة، ويوم الجمعة، ويوم عرفة، وعند إفطار الصائم، وغير ذلك من الأوقات الفاضلة، وعلى المسلم أن يوقن أن الله تعالى سيجيب الدعاء.   قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60].   قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].   وقال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].   (4) المحافظة على الصلوات المفروضة جماعةً في المساجد، والإكثار من الاستغفار، وتلاوة القرآن، ونوافل الصلوات والصيام والصدقات، والأذكار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كله من الأدوية النافعة بإذن الله تعالى لعلاج الحسَد.   أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعلنا من أصحاب القلوب السليمة، وأن يجنِّبَنا شر الحسَد، وأن يشفيَ جميع مرضى المسلمين؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالَمين.   وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣