أرشيف المقالات

التفاؤل والتشاؤم

مدة قراءة المادة : 24 دقائق .
2التفاؤل والتشاؤم   الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أرسله ربُّه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.   أما بعد، فإن التفاؤل والتشاؤم من أمور العقيدة التي يجب على المسلم معرفتها، فأقول وبالله تعالى التوفيق: معنى التفاؤل: التفاؤل: هو: انشراح قلب الإنسان وإحسانه الظن، وتوقُّع الخير بما يسمعه من الكلام الصالح؛ (موسوعة نضرة النعيم ـ جـ3 ـ صـ 1046).   التفاؤل: مثل أن يكون رجل مريض، فيتفاءل بما يسمع من كلام، فيسمع آخر يقول: يا سالم، أو يكون طالب ضالة، فيسمع آخر يقول: يا واجد، فيقع في ظنه أنه يبرأ مِن مرضه، ويجد ضالته؛ (النهاية في غريب الحديث ـ لابن الأثير ـ جـ4 ـ صـ406 ).   نبينا صلى الله عليه وسلم يُحثنا على التفاؤل: (1) روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا عدوى ولا طِيرة، ويُعجبني الفأل، قالوا: وما الفأل؟ قال: كلمة طيبة)؛ (البخاري ـ حديث: 5776 / مسلم ـ حديث: 2224 ).   ♦ (العدوى): انتقال المرض من إنسانٍ لآخر.   ♦ قال علي الهروي رحمه الله: معنى (لا عدوى): نفي ما كانوا عليه من أن المرض يُعدي بطبعه لا بفعله سبحانه؛ (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ـ علي الهروي ـ جـ7ـ صـ2894).   ♦ قال الحليمي رحمه الله: وإنما كان صلى الله عليه وسلم يُعجبه الفأل؛ لأن التشاؤم سوءُ ظنٍّ بالله تعالى بغير سببٍ مُحقق، والتفاؤل حُسن ظنٍّ به، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال؛ (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ10 ـ صـ 226).   ♦ قال الطيبي رحمه الله: معنى الترخص في الفأل والمنع من الطيرة، هو أن الشخص لو رأى شيئًا فظنَّه حسنًا مُحرضًا على طلب حاجته، فليفعل ذلك وإن رآه بضد ذلك، فلا يقبله، بل يمضي لسبيله، فلو قبِل وانتهى عن المضي، فهو الطيرة التي اختُصَّت بأن تُستعمل في الشؤم؛ (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ10 ـ صـ 226).   ♦ قال ابن بطال رحمه الله: جعل الله في فِطَر الناس محبة الكلمة الطيبة والأنس بها، كما جعل فيهم الارتياح بالمنظر الأنيق والماء الصافي، وإن كان لا يَملِكه ولا يشربه؛ ( فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ10 ـ صـ 225).   (2) روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قيل: يا رسول الله، ما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدُكم؛ (مسلم ـ حديث: 2223).   (3) روى ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يُعجبه الفأل الحسن، ويكره الطيرة؛ (حديث صحيح)، (صحيح ابن ماجه ـ للألباني ـ حديث: 3536).   الفرق بين التفاؤل والتشاؤم: التشاؤم: هو سوء ظن بالله تعالى، وصرف شيء من حقوقه لغيره، وتعلُّق القلوب بمخلوق لا ينفع ولا يضر.   وأما التفاؤل، فهو حسن ظن بالله تعالى، لا يرد عن الحوائج، ولا يحمل على المضي فيها، وحُسن الظن بالله مطلوبٌ، وسوء الظن ممنوع، وحسن الظن من خصال الإيمان والمؤمنين، وسوء الظن من خصال النفاق والمنافقين.   قال تعالى عن المنافقين: ﴿ بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ﴾ [الفتح: 12]؛ (الأسئلة والأجوبة في العقيدة ـ صالح بن عبدالرحمن الأطرم ـ صـ 65).   نبينا صلى الله عليه وسلم هو القدوة في التفاؤل: (1) روى البخاري عن المِسور بن مَخرمة رضي الله عنه (في حديث صلح الحديبية)، قال: لما جاء سهيل بن عمرو، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد سهل لكم من أمركم؛ (البخاري: حديث: 2731). ♦ قال الإمام بدر الدين العيني رحمه الله: تفاءل النبي صلى الله عليه وسلم باسم سهيل بن عمرو على أن أمرهم قد سهل لهم؛ (عمدة القاري شرح صحيح البخاري ـ بدر الدين العيني ـ جـ12 ـ صـ 12).   (2) روى البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه أن أباه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: أنت سهل، قال: لا أُغير اسمًا سمانيه أبي، قال سعيد بن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعدُ؛ (البخاري ـ حديث: 6190).   ♦ قوله: (أنت سهل)؛ أي: بل اسمك سهل.   ♦ قوله: (الحزونة فينا): الشدة التي بقِيت في أخلاقهم؛ (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ10 ـ صـ 574،575).   (3) روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه إذا خرج لحاجته أن يسمع: يا راشد، يا نجيح؛ (حديث صحيح)، (صحيح الترمذي.
للألباني.
حديث 1316)
.   ♦ قوله: (كان يعجبه): أي يستحسنه ويتفاءل به.
* قوله: (يا راشد)؛ أي: واجد الطريق المستقيم.
* قوله: (يا نجيح)؛ أي: مَن قضيت حاجته؛ (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ـ علي الهروي ـ جـ7ـ صـ2900).   فوائد التفاؤل: نستطيع أن نوجز فوائد التفاؤل في الأمور التالية: (1) التفاؤل فيه حسن الظن بالله تعالى. (2) التفاؤل يَجلب السعادة إلى النفس والقلب. (3) التفاؤل فيه ترويح للمؤمن وسرور له. (4) التفاؤل فيه تقوية للعزائم وباعث على الاجتهاد في العمل. (5) التفاؤل فيه اقتداءٌ بالسُّنة المطهرة والأخذ بالأسوة الحسنة؛ حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يتفاءل في حروبه وغزواته؛ (موسوعة نضرة النعيم ـ جـ3 ـ صـ 1049).   التشاؤم: من عقيدة أهل السنة والجماعة عدم التشاؤم؛ لأنه معارض لكمال التوحيد الواجب على كل مسلم، فالتشاؤم من إلقاء الشيطان وتخويفه للناس ووسوسته لهم؛ (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ـ صـ345).   التشاؤم: هو الشعور بتوقُّع حدوث شر أو حزن نتيجة رؤية شيء معين، أو سماع شيء معين، وهو حرام؛ ( الآداب الشرعية ـ لابن مفلح الحنبلي ـ جـ3 ـ صـ 357).   اجتناب التشاؤم وصيةُ رب العالمين: حذَّرنا الله تعالى من التشاؤم في كتابه العزيز: (1) قال الله تعالى عن آل فرعون: ﴿ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 131].   ♦ قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ ﴾؛ أي: من الخصب والرزق،﴿ قَالُوا لَنَا هَذِهِ ﴾؛ أي: هذا لنا بما نستحقه، ﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ﴾؛ أي: جدب وقحط، ﴿ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ﴾؛ أي: هذا بسببهم وما جاؤوا به؛ ( تفسير ابن كثير ـ جـ6 ـ صـ367).   (2) قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ * قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ﴾ [النمل: 45 - 47].   ♦ قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ﴾؛ أي: ما رأينا على وجهك ووجوه مَن اتَّبعك خيرًا، وذلك أنهم لشقائهم كان لا يُصيب أحدًا منهم سوء، إلا قال: هذا من قِبَل صالح وأصحابه؛ ( تفسير ابن كثير ـ جـ6 ـ صـ198).   (3) قال جل شأنُه عن أصحاب القرية: ﴿ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾ [يس: 18، 19].   ♦ قال الإمام القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ﴾؛ أي: تشاءَمْنا بكم؛ (تفسير القرطبي ــ جـ15ـ صـ20).   ♦ التطير: في الأصل يشمل التفاؤل والتشاؤم بالطير.   نبينا صلى الله عليه وسلم يحذِّرنا من التشاؤم: (1) روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر)؛ (البخاري حديث: 5757/مسلم حديث: 2220).   ♦ قوله: (هامة)؛ أي: البومة أو غيرها من طير الليل.   ♦ قال ابن الأعرابي رحمه الله: كانوا يتشاءمون بالبومة إذا وقعت على بيت أحدهم، يقول: نعَت إليَّ نفسي، أو أحدًا من أهل داري؛ (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ10 ـ صـ 241).   قوله: (ولا صفر): كان أهل الجاهلية يتشاءمون بدخول شهر صفر؛ (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ـ علي الهروي ـ جـ7ـ صـ2894).   ♦ قال الإمام الخطابي رحمه الله: أخذت الطيرة من اسم الطير، وذلك أن العرب كانت تتشاءم بالطير إذا كانوا في سفر أو مسير، فيصدهم ذلك عن المسير، ويردهم عن بلوغ ما يريدونه من مقاصدهم، فأبطل صلى الله عليه وسلم أن يكون لشيء منها تأثيرٌ في اجتلاب ضررٍ أو نفع، واستحب الفأل بالكلمة الحسنة يسمعها من ناحية حسن الظن بالله؛ (معالم السنن للخطابي ـ جـ4 ـ صـ235).   (2) روى أبو داود عن أم كرز رضي الله عنها، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: أقروا الطير على مَكِناتها؛ (حديث صحيح)؛ (صحيح أبي داود ـ للألباني ـ حديث ـ 2459).   ♦ قوله: (أقروا الطير)؛ أي: اتركوا الطيور على حالها، ولا تنفروها لكي تطير، فإنها لا تضر ولا تنفع.   ♦ قوله: (مكناتها)؛ أي: أماكنها التي مكنها الله فيها.   ♦ قال الإمام علي الهروي رحمه الله: كان الرجل في الجاهلية إذا أراد حاجةً أتى طيرًا في وكره فنفره، فإذا طار ذات اليمين مضى لحاجته، وإن طار ذات الشمال رجع، فنهوا عن ذلك؛ (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ـ علي الهروي ـ جـ7ـ صـ2687).   (3) روى مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب، قالوا: من هم يا رسول الله ؟ قال: هم الذين لا يسترْقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون)؛ (مسلم ـ حديث 218).   ♦ قوله: (الذين لا يسترْقون)؛ أي: لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم الرقية الشرعية، ولكنهم يقرؤون على أنفسهم.   ♦ قوله: (ولا يتطيرون)؛ أي: ولا يتشاءمون بنحو الطير، ولا يأخذون من الحيوانات والكلمات المسموعات علامة الشر والخير.   ♦ قوله: (وعلى ربهم يتوكلون)؛ أي: في جميع ما يفعلون ويتركون؛ (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ـ علي الهروي ـ جـ8ـ صـ3315).   (4) روى أبو داود عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (الطيرة شركٌ، ثلاثًا)؛ (حديث صحيح)، (صحيح أبي داود للألباني حديث 3309).   ♦ قوله: (الطيرة): هي التشاؤم بالشيء.   ♦ قال الإمام ابن الأثير رحمه الله: وإنما جعل الطيرة من الشرك؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن التطير يجلب لهم نفعًا أو يدفع عنهم ضرًّا إذا عمِلوا بموجبه، فكأنهم أشركوه مع الله في ذلك؛ (النهاية في غريب الحديث ـ لابن الأثير ـ جـ3 ـ صـ 152).   (5) روى أحمد عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ردته الطيرة من حاجة، فقد أشرك، قالوا: يا رسول الله، ما كفارة ذلك؟ قال: أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك)؛ (حديث صحيح)، (السلسلة الصحيحة ـ للألباني ـ جـ3 ـ صـ 54).   ♦ قوله: (لا خير إلا خيرك)؛ يعني أن الأمر كله بيدك.   هذا الحديث صريحٌ في تحريم التشاؤم، وأنه من الشرك لِما فيه من تعلُّق القلب على غير الله تعالى؛ (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ـ صـ356).   (6) روى مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، أمورًا كنا نصنعها في الجاهلية، كنا نأتي الكهان، قال: فلا تأتوا الكهان، قال قلت: كنا نتطير قال: ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه، فلا يصدنكم؛ (مسلم ـ حديث 537).   ♦ قوله: (ذاك شيء يجده أحدُكم في نفسه، فلا يصدنكم)؛ يعني: هذا وهم ينشأ من نفوسهم ليس له تأثير في اجتلاب نفع أو ضرٍّ، وإنما هو شيء يسوِّله الشيطان ويُزينه، حتى يعملوا بقضيته؛ ليجرَّهم بذلك إلى اعتقاد مؤثر غير الله تعالى؛ (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ـ علي الهروي ـ جـ2ـ صـ777).   (7) روى أبو داود عن بريدة بن حصيب الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملًا سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به، ورئِي بِشرُ ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رئي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قريةً سأل عن اسمها، فإن أعجبَه اسمها فرح ورئي بشرُ ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئِي كراهية ذلك في وجهه؛ (حديث صحيح)؛ (صحيح أبي داود ـ للألباني ـ حديث ـ 3319 ).   أقوال العلماء في ذم التشاؤم: (1) قال عكرمة رحمه الله: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما، فمر طائر فصاح، فقال رجل: خير خير، فقال ابن عباس: ما عند هذا لا خير ولا شر؛ (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ10 ـ صـ 225).   (2) قال كعب الأحبار رحمه الله لعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: هل تطير؟ قال: نعم، قال: فما تقول؟ قال: أقول: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا رب لنا غيرك، قال: أنت أفقه العرب؛ (مصنف ابن أبي شيبة ـ جـ5 ـ صـ312 ـ رقم 312).   (3) خرج طاوس بن كيسان رحمه الله مع صاحب له في سفرٍ، فصاح غراب، فقال الرجل: خير خير، فقال له طاوس: وأي خير عند هذا، وأي شر؟ لا تصحَبني؛ (الآداب الشرعية ـ محمد بن مفلح الحنبلي ـ جـ3 ـ صـ 369).   (4) قال الإمام ابن القيم رحمه الله: الطيرة باب من الشرك، وإلقاء الشيطان، وتخويفه ووسوسته، يكبر ويعظم شأنُها على مَن أتْبَعها نفسه، واشتغل بها، وأكثر العناية بها، وتذهب وتضمحلُّ عمَّن لم يلتفت إليها، ولا ألقى إليها بالَه، ولا شغل بها نفسه وفكرَه، واعلم أن من كان معتنيًا بها قائلًا بها، كانت إليه أسرعَ من السيل إلى منحدرٍ، فتحت له أبواب الوساوس فيما يسمَعه ويراه ويُعطاه، ويفتح له الشيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة في اللفظ والمعنى ما يُفسد عليه دينه، ويُنكِّد عليه عيشَه؛ (مفتاح دار السعادة ـ لابن القيم ـ جـ2 ـ صـ584).   أضرار التشاؤم: نستطيع أن نوجز أضرار التشاؤم في الأمور التالية: (1) التشاؤم ينافي الإيمان ويناقض التوكل على الله تعالى. (2) التشاؤم لا يدفع مكروهًا ولا يجلب محبوبًا. (3) التشاؤم يؤدي إلى اضطراب النفس والفكر. (4) التشاؤم يؤدي إلى الفشل في الحياة الدنيا. (5) التشاؤم يؤدي إلى تعطيل المصالح وترك الأخذ بأسباب الرزق. (6) التشاؤم صفة من صفات أهل الجاهلية، وعادة مذمومة من عاداتهم. (7) التشاؤم يناقض الإيمان بالقضاء والقدر. (8) التشاؤم فيه مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي يأمرنا بالتفاؤل؛ (موسوعة نضرة النعيم ـ جـ9ـ صـ 4199).   علاج التشاؤم: نستطيع أن نوجز علاج التشاؤم في اتباع الأمور التالية: (1) التوكل على الله تعالى بصدق. ♦ قال تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 58].   ♦ قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3].   ♦ روى الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكُّله، لرزقتم كما يرزق الطير، تغدو خِماصًا وتروح بِطانًا)؛ (حديث صحيح)، (صحيح الترمذي للألباني ـ حديث 1911).   (2) يبدأ المسلم في عمل ما يريد ولا يتردد.   (3) يدعو المسلم الله تعالى بأن يوفِّقه لكل خير، ويصرف عنه وساوس الشيطان؛ ( فيض القدير ـ عبدالرؤوف المناوي ـ 6 ـ صـ 176).   ويستحب الدعاء بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك).   ♦ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].   ♦ وقال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].   ♦ روى أبو داود عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يَستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا)؛ (حديث صحيح)، (صحيح أبي داود للألباني ـ حديث 1323).   ♦ روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافلٍ لاهٍ)؛ (حديث صحيح)، (صحيح الترمذي للألباني ـ حديث 2766).   أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا - أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلاب العلم.   وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.



شارك الخبر

المرئيات-١