أرشيف المقالات

ازهد فيما عند الناس

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2ازهد فيما عند الناس
لا تنتظر دعمًا من أحد، ولا تحاولْ كسبَ إعجاب أحد، ولا يكن همُّك في المديح، ولا تستجدِ ثناءً من أحد.   لا تُشعرهم بنقاط ضَعفك، فتُستغل يومًا ضدك، لا تتقمص شخصيةً لا تُشبهك لأجل إرضائهم، ولا تذُب في شخوصهم، فتبقى مسخًا بلا هُوية، ولا تطلب من أحدٍ أن يحبَّك أو يهتمَّ بك؛ فالاهتمام مطلبٌ لا يطلب.   إن أغنى الناس من استغنى بالله عن مخلوقيه، ورضِي بما قسَّم له رازقه وباريه، وأفقرهم مَن أجال نظره ومدَّ عينيه لِما مُتِّع به غيرُه.   إن الناس بفطرتها لا تحب مَن يطمع فيها أو يزاحمها، فإذا أردت دنياهم أبغضوك، وإذا تركتهم ومالهم كبرتَ في أعينهم وأجلُّوك، فاجتنبهم تصونًا وتورُّعًا، وتعززًا وترفعًا.   خلِّ عنك دنيا الناس، وركِّز على تطوير نفسك وتنمية مواهبك، ولا تضيِّع وقتك وجهدك في إرضاء من حولك.   أسعِد نفسك واكتشفها وادْعمها، وكن لها نعمَ الصاحب الحنون والناقد الأمين.   احذَر أن تُلق بمخاوفك وهمومك على كاهل أحد، فيَضجر منك أو يَملك، توقَّف عن الندب والتشكي لغير الله، فما يَضيرك أن تُغلق الدنيا أبوابها في وجهك ما دام باب ربك مفتوحًا لا يُغلق أبدًا.   أفتشكو الخالق العظيم لمخلوقيه، والمعطي الكريم لمرزوقيه، والغني الواسع لمحتاجيه؟! لا تدخل حياة مَن لا يحتاجك، ولا تهتمَّ لمن لا يهتم بك، ولا تفرِض نفسك على من يرفضك، وحين تصنع معروفًا فيقابَل بالجحود والنُّكران، ويَعتريه الوجوم والنسيان؛ فلا يضيق صدرُك، فقد قصَّروا في حق خالقهم قبلك: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].   واحذَر أن تندم على خيرٍ قدَّمته، أو معروف أسدَيته، ولا يَثنيك انعدامُ الشكر وقلة الذكر، فثوابُك عند ربك محفوظ، وبرُّك بعين رضاه ملحوظ.   ازرَع داخل قلبك حديقةً يانعة الثمار، وارفة الظلال، بهية الأزهار، ولا تتسوَّل من أحدهم وردةً زاهية أو لمسة حانية.   ارحَم نفسك من الصفعات المتوالية، وخيبات الأمل المتتالية، تحرَّر من قيودٍ تستعبدك، ومجاملاتٍ تطوِّقك، وعِشْ حياتك كما تريد أنت لا كما يريدها لك الناس.   اصنَع نجاحك بنفسك، وسيُهرَعون إليك يتعلمون منك، وحين يحتاجون لعلمك استغنِ أنت عن دنياهم، وكن أنت نقطة التحول في حياتهم لا العكس.   اعفُ عمَّن ظلمك، وأعطِ مَن حرَمك، ثم امضِ قُدمًا، لا تبالِ بمن آذاك أو شتَمك، لا تُعطِ لآرائهم فيك كبيرَ الأهمية، فقيمتُك ليست مرهونة بأقوالهم فيك أو إعجابهم بك، ولأنت أدرى الناس بنفسك!   استغنِ عن مالهم يوسِّع عليك ربك، وعن دعمهم يتولَّ الله عونك، وعن سائر دنياهم بقناعتك وعزة نفسك، واقتدِ برسولك الأمين وبصحابته الميامين؛ عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: "قُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَعَلاَمَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: «عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَتُطِيعُوا - وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً - وَلاَ تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا»، فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ"؛ رواه مسلم.   فإن استطعت ألا تُنزل حاجتك بأحدٍ سوى ربك، فافعَل؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعنْ بالله، فقد رفعت الأقلام وجفت الكتب، فلو جاءت الأمة ينفعونك بشيء لم يكتبه الله عز و جل لك، لَما استطاعت، ولو أرادت أن تضرَّك بشيء لم يكتُبه الله لك، ما استطاعت"؛ رواه أحمد.   إنها العزة في أسمى صورها وأبهى معانيها، أتحتاج لمخلوق والله ربُّك، أو تذل لعبد والله حسبُك؟! فاستعذ بالله من التعلق إلا به، والاحتياج إلا له،والافتقار إلا إليه.   واستغنِ عن كلِّ ذي قربى وذي رحمٍ *** إن الغني مَن استغنى عن الناسِ[1]


[1] شعر محمد بن حازم الباهلي.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢