أرشيف المقالات

أصل الخير في محبة الغير

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2أصل الخير في محبة الغير
إنَّ الحمدَ لله تعالى، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَنْ تَبِعَه بإحسان إلى يوم الدين.

الحديث الشريف: عن أبي حمزة أنس بن مالك رضي الله عنه - خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم - عن النبي صلى الله علية وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه))؛ رواه البخاري ومسلم.
المعنى العام: الحديث الشريف يحثُّ على الأُخوَّة والمحبَّة والتواصُل الجماعي بعيدًا عن الأنا النفسي وحُبِّ الذات، وجعل إيصال الخير للغير مبدأً وأصلًا من الأصول التي يُقاس عليها إيمان العبد وعقيدته، ومدى اتِّباعه لشريعة نبيِّه صلى الله عليه وسلم.

فوائد منتقاة: 1- الإسلام بتعاليمه السمحة يُؤلِّف بين القلوب، ويجمع الشتات، ويلمُّ الشمل، ويجعل من الأمة جميعًا جسدًا واحدًا، كيانه يتشكَّل من أفرادها بمختلف صفاتهم وأوصافهم، وتفاوت درجاتهم، وعصبهم الذي يشده لبعضه هو الأُخوَّة والمحبَّة والصلة التي مستمدُّها من الشريعة المحمدية الصافية البيضاء الغرَّاء، ليلها كنهارها، ونورها الهادي والمبين للمعالم التي يُسترشد بها هم العلماء وأهل الخير من الصحابة والتابعين لهم إلى يوم الدين، جسد إذا تألم منه عضو تألمت سائرُ الأعضاء، وباتت ساهرةً على دَفْع الضرر والحرج عنه.
2- فالحديث: مبدأ من مبادئ الإسلام؛ مبدأ الأُخوَّة التي بدونها لا يتحقَّق أمْنٌ ولا استقرارٌ، مهما سعى الساعون في عمارة هذه الأرض، وتوفير وسائل العيش فيها، أخوة تنفي الحسب والنسب والعرق، فلا فرق بين عربي وعجمي ولا أبيض ولا أسود، أخوة تجعل الفرد المنتمي للإسلام يفرح لفرح المسلمين، ويتألم لآلامهم، ويدافع عن حوضهم، ويحمي ظهرهم، ويقوِّي شوكتهم ما استطاع لذلك سبيلًا.

3- الإسلام قبل أن يدعو للبناء المادي في المجتمعات التي يُحقِّق لها رغد العيش، دعا للأخلاق الفاضلة والمثل السامية، وبنى عليها المجتمع الإسلامي - المجتمع الرمز والقدوة في سائر الأعصار والأمصار - فكان البناء - في الرعيل الأول من سلف الأُمَّة عليهم رضوان الله - حجرًا وطينًا، وسقف البناء من جريد النخل؛ لكن كان بناء مجتمعهم الأصل قائم على أساس متين، مادَّتُه هذه الأخلاق والمثل، وبتلك الأخلاق كان التفاضُل عند الله، وكانوا خيرَ أُمَّةٍ على مَرِّ الأزمنة والدهور، وستبقى كذلك ما رجعت لهذه المبادئ والقيم، وعملت على نشرها والعمل بها.
4- واليوم لما ترك الناس هذه القاعدة المثلى في بناء وتطوير مجتمعاتهم، وتسيير شؤونها، فانظر إلى أين آل بهم الحال من الفوضى والانحطاط الخلقي الذي كان سببًا في عدم التوازُن في الحياة، والذي نجم عنه اضطراب الجنس البشري، واختلال مساره، وأصبح للحيوان أقرب منه للإنسان، كما انتشرت الجرائم التي أهلكت الحرث والنسل، وأصبحت حياة الناس في خطرٍ، فلا أمْن ولا استقرار؛ بل خوف واضطراب رغم ما توفَّر بين أيديهم من حضارة وتقدُّم في الجانب المادي.
5- وهذا ما يستلزم الرجوع لمعرفة المعيار الأساسي في البناء الحضاري؛ وهو الاستثمار في الجنس البشري بتقويمه وتوجيهه في هذه الحياة، وتربيته على المثل والأخلاق الفاضلة التي ينتشر بانتشارها الأمن والسلام في ربوع المعمورة.
لطيفة: سوف يعيش الناس تحت ظل العافية، ما جاهدوا أنفسهم في المحافظة على هذه المبادئ والأصول، وضحَّوا لأجل غرسها في النفوس حتى يطول أمدُها، ويمتد إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها.
تنبيه: إنما الأُمَمُ الأخلاقُ ما بقيتْ *** فإن هم ذهبتْ أخلاقُهم ذهبوا
الخلاصة: أصبح لا خيار للناس، ولا خلاص، ولا مناص لهم ممَّا هم فيه من فوضى أفسدت الحرث والنسل سوى الرجوع لتطبيق الشريعة المحمدية تطبيقًا محكمًا عدلًا وسطًا يُعيد للأُمَّة عجلة سكة الحياة للمسار الصحيح الذي تسير عليه لبرِّ الأمان، كما سارت عليه من قبل وحقَّقت سعادتها وأمْنَها واستقرارها، وكانت رائدةً وقائدةً للأُمَم، ووفَّقَها الباري سبحانه وتعالى لخير الدنيا والآخرة.
نسأل الله أن يبرم لأُمَّتنا إبرام رشد وهداية وإبعاد من كل زيغ وضلال وغواية، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢