أرشيف المقالات

الغرور

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2الغرور
الغرور من سيئ الأخلاق، التي ينبغي للمسلم أن يبذل جهده للتخلص منها. وهناك عدد غير قليل من الآيات، حذر الله تعالى فيها من الغرور.   ومن ذلك: قال تعالى: ﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [1]. وقال تعالى: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [2]. وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ [3]. وأخرج البخاري عن عثمان رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تغتروا»[4]. ويحسن بنا أن نتعرف على الغرور حتى نبتعد عنه.   «فالغرور: سكون النفس إلى ما يوافق الهوى، ويميل إليه الطبع، عن شبهة وخدعة من الشيطان، فمن اعتقد أنه على خير، إما في العاجل أو في الآجل عن شبهة فاسدة فهو مغرور»[5]. فالمغرور معجب بنفسه، مطمئن لما هو عليه.   وقد كان صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه والمسلمين من بعدهم من هذا الخلق السيئ، لما يجره من بلاء ووبال على صاحبه.   فعن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها، وتمنى على الله»[6].   وأخرج البخاري عن خارجة بن زيد الأنصاري: أن أم العلاء - امرأة من نسائهم قد بايعت النبي صلى الله عليه وسلم - أخبرته: أن عثمان بن مظعون طار لهم سهمه في السكنى، حين أقرعت الأنصار سكنى المهاجرين.   قالت أم العلاء: فسكن عندنا عثمان بن مظعون فاشتكى فمرضناه، حتى إذا توفي وجعلناه في ثيابه، دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك: لقد أكرمك الله. فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك أن الله أكرمه». فقلت: لا أدري، بأبي أنت وأمي يا رسول الله.   فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما عثمان فقد جاءه والله اليقين، وإني لأرجو له الخير.
والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي»
[7].   ويستوقفنا في الحديث أمران: الأول: أن عثمان بن مظعون رضي الله عنه، والذي أثنت عليه أم العلاء، هو من المسلمين الأوائل، وممن هاجر الهجرتين، وممن شهد بدرًا، وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة.   الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق: «والله ما أدري - وأنا رسول الله - ما يفعل بي».   إنه أمر يستحق الوقوف أمامه طويلًا وإمعان النظر فيه: فلا يغتر عالم بعلمه، ولا عامل بعمله، ولا عابد بعبادته، ولا منفق بنفقته. والغرور أمر مذموم، سواء أكان في أمور الدنيا أو أمور الآخرة.
وإنما ينتج الغرور عن الجهل، بل هو الجهل. قال ابن مسعود رضي الله عنه: كفى بخشية الله علمًا، وكفى بالاغترار بالله جهلًا[8]. وللغرور بواعث كثيرة، ويكون علاج كل نوع بالنظر إلى باعثه.   فمن كان غروره بعلمه، فليقس علمه إلى علم العلماء..
وعندها يصغر عنده علمه، وتصغر كذلك نفسه.
والعالم الحق، هو الذي كلما زاد علمه، زادت معرفته بجهله.   وهكذا يعالج كل غرور، بالنظر إلى باعثه[9].  

[1]سورة لقمان، الآية (33) وفاطر (5).
[2] سورة آل عمران، الآية (185) والحديد، الآية (20).‏ [3]سورة الانفطار، الآية (6).
[4]أخرجه البخاري برقم (6433). [5]المهذب من إحياء علوم الدين 2/ 223.
ويوضح الإمام الغزالي معنى الغرور فيقول: «الرجاء: هو ارتياح القلب لانتظار ما هو محبوب عنده، ولكن ذلك المحبوب المتوقع لا بدَّ وأن يكون له سبب.
فإن كان انتظاره لأجل حصول أكثر أسبابه فاسم «الرجاء» صادق عليه.
وإن كان ذلك انتظارًا مع انخرام أسبابه فاسم «الغرور» و«الحمق» عليه أصدق من اسم الرجاء»
(المهذب من إحياء علوم الدين 2/ 304). [6]أخرجه الترمذي برقم (2459) وقال: هذا حديث حسن، وأخرجه ابن ماجه برقم (4260) وضعفه الألباني.
[7]أخرجه البخاري برقم (1243، 2687).
[8]المهذب من إحياء علوم الدين 2/ 228. [9]انظر – إن رغبت – المهذب من إحياء علوم الدين 2/ 223 – 241 حيث استوفى الإمام الغزالي بيان أنواع الغرور وكيفية علاجها.




شارك الخبر

المرئيات-١