أرشيف المقالات

فضل العلم والحث عليه

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2فضل العلم والحث عليه
 
ومما قَالَهُ العُلماءُ والأُدَباءُ والْحُكماءُ في فَضْلِ العِلمِ والْحَثِّ عَليهِ تَعْلُّمًا وَتَعْلِيمًا قَالَ عَلَيُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: النَّاسُ أَبْنَاءُ ما يُحْسِنُونَ، وقَالَ مُصْعَبُ بنُ الزُّبَيْر: تَعَلَّمْ العِلْمَ فَإِنْ لَمْ يكُنْ لَكَ جَمَالٌ كان العلمُ لك جَمالاً، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ مَالٌ كَانَ لك مَالاً.
وقَالَ عَبْدِ الملكِ بنُ مَروانَ لِبَنِيهِ: يا بَنِيَّ تعلَّموا العلمَ فَإنْ كُنْتمْ سادةً فُقْتُمْ وإنْ كُنتمْ وَسَطًا سُدْتُمْ، وإنْ كنتُمْ سُوقَةً عِشْتُمْ.
 
وقَالَ بعضُ الحكماءِ: العلمُ شَرَفٌ لا قَدْرَ لَهُ والأَدَبُ مَالٌ لا خَوْفَ عليهِ، وقَالَ بعضُ الأُدَباءِ: العلمُ أفضَلُ خَلَفٍ والعملُ بِهِ أَملُ شَرَفٍ.
وقَالَ بعض البُلَغاءِ: تَعَلَّمْ العلمَ فَإنَّهُ يُقَوِّمُك وَيُسَدِّدُكَ صَغِيرًا وَيُقَدِّمُكَ وَيُسَوّدُكَ كَبِيرًا، وَيُصْلِحُ زَيْفَك وفاسِدَكَ، وَيُرْغِمْ عَدُوَّكَ وحاسِدَكَ، وَيَقُوِّمْ عِوَجَكَ وَمَيْلَكَ، وَيُصَحِّحُ هِمَّتَكَ وَأَمَلَكَ.
قلت: وهذا صحيحٌ في حَقِّ العاقلِ اللبيب القابلِ لذلِكَ دُون الأحْمَقِ المُتَكِّبِر الْجَاهِلِ جَهْلاً مُرَكَّبًا قَالَ بَعْضُهُمْ:
شعرًا:






كالثَّوْر عَقْلًا وَمِثْلُ التَّيْسِ مَعْرِفةً
فَلا يفرق بَيْنَ الْحَقُّ والفَنَدِ


الجهل شَخْصٌ يُنَادِي فَوقَ هَامَتِهِ
لا تَسْأَلْ الرَّبْعِ مَا فِي الرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ


الْعِلْمُ للرَّجُلِ اللَّبِيبُ زِيادَةٌ
وَنَقِيصَةٌ للأَحْمَقِ الطَيَّاشِ


مَثْلُ النَّهَارِ يزِيدُ أَبْصَارَ الوَرَى
نُورًا وَيُعْشِي أعْيُنَ الخُفَّاشِ






شعرًا:






ما الفَخْرُ إلا لأَهْلِ الْعِلْمِ إنَّهُمُ
عَلَى الْهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أَدِلاءُ


وَقَدْرُ كلّ امرئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ
وَالْجَاهِلُونَ لأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ


فَفُزْ بعِلمٍ تَعِشْ حَيًّا بِهِ أَبَدَا
النَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيِاءُ






آخر:...






تَعَلَّم فَلَيسَ المَرءُ يولَدُ عالِمًا
وَلَيسَ أَخو عِلمٍ كَمَن هُوَ جاهِلُ


وَإِنَّ كَبيرَ القَومِ لا عِلمَ عِندَهُ
صَغيرٌ إِذا اِلتَفَّت عَلَيهِ الجَحافِلُ


وَإِنَّ صَغيرَ القَومِ إِن كانَ عالِمًا
كَبيرٌ إِذا رُدَّت إِلَيهِ المَسَائِلُ






آخر:...






يَقولُ أَنا الكَبيرُ فَبَجِّلوني
أَلا هَبِلَتكَ أُمُّكَ مِن كَبيرِ


إِذا كانَ الصَغيرُ أَعَمَّ نَفعًا
وَأَمضى في الحَوائِجِ وَالأُمورِ


وَأَنفَذَ في النَوائِبِ إِن أَلَمَّت
فَما فَضلُ الكَبيرِ عَلى الصَغيرِ






 
وقَالَ بَعْضُهُمْ: العالِمُ يَعْرِف الجاهِلَ؛ لأنَّهُ كَان جَاهِلًا بالأولِ، والجاهلُ لا يَعرفُ العالِمَ لأنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا، وَرُبَّمَا ذَمَّ العالِمَ وَعِلْمَهُ.
قَالَ بعضُهُمْ:






أَتَانَا أَنْ سَهْلًا ذَمَّ جَهْلًا
عُلومًا لَيْسَ يَعْرفُهُنَّ سَهْلُ


عُلومًا لَو قَرَاهَا مَا تَلاهَا
وَلكنَّ الرِّضَا بالجهلِ سَهْلُ






آخر:






دَعِ الْجَاهِلَ المفتونَ لا تصحَبَنَّهُ
وَجَانِبه لا يغري بِعقِلِكَ ضَيْرُهُ


فَإِنَّ الذي أمْسَى عَدُوًا لِنَفْسِهِ
دَلِيلٌ عَلى أَنْ لا يُصَادِقَ غَيرَهُ






وَدَخَلَ على الْخَلِيلِ ابنٌ لَهُ مُتَخَلِّفٌ وَهو يُقَطِّعُ بَيْتَ شِعْرٍ فَخَرَجَ وقَالَ: إِنَّ أَبِي قَدْ جُنَّ، فقَالَ أَبُوهُ:






لَو كُنتَ تَعلَمُ ما أَقولُ عَذَرتَني
أَو كُنتَ تَفَهَمُ ما أَقولُ عَذَلتُكا


لِكِن جَهِلتَ مَقَالَتي فَعَذَلتَني
وَعَلِمتُ أَنَّكَ جاهِلٌ فَعَذَرتُكا






وَكُلُّ مَا وَرَدَ فِي ذَمَّ الْجَهْلِ فَهُوَ مَدْحٌ لِلْعِلْمِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾، وقَالَ لِرَسُولِهِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾، وقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾، وقَالَ جَلَّ وَعَلا لِنَبِيِّهِ: ﴿ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾، وقَالَ تَعَالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالَوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}، وقَالَ تعالى: ﴿ وََإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالَوا سَلَامًا ﴾، وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعويمر: «كيفَ أنتَ يا عُوَيْمِرُ إذا قِيلَ لك يَوْمَ القِيامَةِ: أَعَلِمْتَ أمْ جَهِلْتَ فَإنَّ قُلْتَ: عَلِمْتُ قِيلَ لك: فَمَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ، وَإِنْ قُلْتَ: جَهِلْتَ قِيلَ لك: فَمَا كَانَ عُذْرُكَ فيما جَهِلْتَ ألا تَعَلَّمْتَ»، رَوَاهُ ابنُ عَسَاكِرَ في تَاريخِهِ عَنْ أبي الدَّرْدَاءِ، وَهَذا مِمَّا يَدُلُّ على شَنَاعَةِ الْجَهْلِ وَقُبْحِهِ وَمَهَانَتِهِ وَرَذَالَتِهِ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ خَلْقِه، وقَالَ آخر: إِنَّ الْجَهْلَ يَحُطُ أَوُلي الْمَرَاتِب ويُصَغِرُّ ذَوِي الْمَنَاصِبِ.
 
شعرًا:






مَنْ جَادَ بالْعِلْم أَحْيَا العَالَمُونَ لَهُ
بَدِيعَ حَمْدٍ بِمَدْح الفِعْلِ مُتَّصِلِ


يَمُوتُ قَوْمٌ فَيُحْيي العِلْمُ ذِكْرَهُمُوا
والْجَهْلُ يُلْحِقُ أَمْوَاتًا بَأمْوَاتِ






شعرًا:






إِذَا مَا الجهلُ خَيَّمَ في بِلادٍ
رَأَيْتَ أَسُودَهَا مُسِخَت قُرودَا






آخر:






وَفي الجَهلِ قَبلَ المَوتِ مَوتٌ لأَهلِهِ
فَأَجسامُهُم قَبلَ القُبورِ قُبورُ


وَإِنَّ اِمرَأً لَم يُحيى بِالعِلمِ مَيِّتٌ
فَلَيسَ لَهُ حَتّى النَشورِ نُشورُ






آخر:






معَ العِلْم فَاسْلُكْ حَيْثَ مَا سَلَكَ العِلْمُ
وَعَنْهُ فَكَاشِفْ كُلَّ مَنْ عِنْدَهُ فِهْمُ


فَفِيهِ جَلاءٌ لِلْقُلوبِ مِنَ العَمَى
وَعَوْنٌ عَلى الدِّينِ الذي أَمْرُهُ حَتْمُ


فَإِنِّي رَأَيْتُ الْجَهْلَ يُزْرِي بَأهْلِهِ
وَذو العِلْمِ في الأَقْوَامِ يَرْفَعُهُ العِلْمُ


يُعَدُّ كَبيرَ القَوْمِ وَهُو صغيرُهُمْ
ويَنْفُذُ منهُ فيهِمُ القولُ والحُكْمُ


وأيُّ رَجاءٍ في امرئٍ شَابَ رَأَسُهُ
وَأَفْنَى سَنِيهِ وَهُوَ مُسْتَعْجِمٌ فَدْمُ


وأيُّ رَجاءٍ في امرئٍ شَابَ رَأَسُهُ
وَأَفْنَى سَنِيهِ وَهُوَ مُسْتَعْجِمٌ فَدْمُ


يَرُوحُ وَيَغْدُو الدَّهْرَ صَاحِبُ بَطْنَةٍ
تَرَكَّبَ في أحْضَانِهَا اللَّحْمُ والشَّحْمُ


إِذَا سُئِلَ الْمِسْكِينُ عَنْ أَمْرِ دِينِهِ
بَدَتْ رُخَصَاءُ العيِّ في وَجْهِهِ تَسْمُّو


وَهَلْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ أَقْبَحَ مَنْظَرَا
مَنْ أُشِيبَ لا عِلْمٌ لَدَيْهِ وَلا حُكْمُ


هِي السَّوْأَةُ السَّوْءَاءُ فَاحْذَرْ شَمَاتِها
فأوَّلُهَا خِزْيٌ وَآخَرُهَا ذَمُّ


فَخَالِطْ رُوَاةَ العِلمِ واصْحَبْ خِيارَهُمْ
فَصُحْبَتُهُمْ زَينٌ وَخِلْطَتُهُمْ غُنْمُ


وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ فَإنَّهُمْ
نُجُومٌ إِذَا مَا غَابَ نَجْمٌ بَدَا نَجْمُ


فَوالله لَوْلا الْعِلْمُ مَا اتَّضَح الهُدَى
وَلا لاحَ مِنْ غَيْبِ الأمُورِ لَنَا رَسْمُ






 
اللَّهُمَّ يا عالم الخفيات، ويا رفيع الدرجات، ويا غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا أنت إليك المصير.
 
نسألك أن تُذيقنا برَّ عفوك، وحلاوة رحمتك، يا أرحم الراحمين، وأرأف الرائفين، وأكرم الأكرمين، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢