أرشيف المقالات

دور التأمل في الوصول إلى الحكمة

مدة قراءة المادة : 72 دقائق .
2دور التأمل في الوصول إلى الحكمة


المقدمة:
الحمد لله ربِّ العالمين، الحكيم، العليم، المُدبر، الذي أنزل على عبده الكتاب رحمة للعالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 
أما بعد:
قالَ تَعَالَى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269].
فإن التدبر والتأمل من الغايات الكبرى التي أُنزل القرآن من أجل الوصول إلى الكثير من الحِكَم التي أرادها الله عز وجل؛ قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].
 
والله تبارك وتعالى أنعم على الإنسان بنعمة العقل وجعله مناطَ التكليف، وعندما يُعطل الإنسان عقله يهبط بنفسه عن التكريم الذي ميَّزهُ الله به عن سائر المخلوقات، ولذلك فإن إعمال العقل فيه حياة للإنسان.
ولعل البحثَ في هذا يفتحُ آفاقًا لأهمية التأمل ودوره الكبير في الوصول إلى الحكمة؛ من خلال العبادات، أو يقرِّب مفهومها وأهميتها ومجالاتها وثمارها، وقد اهتم علماء المسلمين بهذا، وبيَّنوا آثارها على صلاح الفرد والمجتمع، فهي عبادة قلبية خالصة تنمي في النفس عظمةَ الله عز وجل، وتأخذ به للوصول إلى الحِكم التي أرادها الله عز وجل، من أجل النهوض والتطور، ثم الطمأنينة والسكينة التي تظهر على سلوك الأفراد وتصرفاتهم.
 
هدف البحث: السعي للوصول إلى توضيح وبيان دور التأمل في الوصول إلى الحكمة.
أهمية البحث: حاجة العلوم الإسلامية إلى تصور صحيح في مفهوم التأمل، من أجل الوصول إلى الحكمة.
 
منهج البحث: المنهج الاستقرائي التحليلي بما يتوافق مع هدف البحث وأهميته في ضوء:
♦ استقراء بعض النصوص ذات الصلة بموضوع البحث.
♦ الاطلاع على الدراسات السابقة إن وُجدت.

مشكلة البحث: غياب دور التأمل في الوصول للحكمة.
خطة البحث: وتشمل التمهيد، ومبحثين وخاتمة.
التمهيد: مفهوم التأمل والحكمة والمصطلحات ذات الصلة.
 
الفرع الأول: مفهوم التأمل.
الفرع الثاني: مفهوم الحكمة.
الفرع الثالث: مفهوم التفكر.
الفرع الرابع: مفهوم التدبر.
الفرع الخامس: الفرق بين التأمل والتفكر والتدبر.
 
المبحث الأول: التأصيل الشرعي للتأمل.
المطلب الأول: النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
المطلب الثاني: مواقف الصحابة والمفسرين من مفهوم التأمل للوصول للحِكم.
 
المبحث الثاني: أهمية التأمل في الوصول إلى الحكمة.
المطلب الأول: طرق ووسائل عملية من أجل تفعيل التأمل للوصول إلى الحكمة.
المطلب الثاني:نماذج تأمُّلية للوصول للحكمة.
المطلب الثالث: رمضان أنموذجًا.
الخاتمة: النتائج والتوصيات.
♦ ♦ ♦ ♦
 
التمهيد: مفهوم التأمل والحكمة والمصطلحات ذات الصلة.
التأمل والحكمة والتدبر والتفكير، مصطلحات مترادفة ذات صلة وثيقة مع بعضها البعض، وهي من الكلمات الواردة في النصوص الشرعية على أصل معناها اللغوي غالبًا، وكلها تدور حول معانٍ ذات دلالات تثري العقل والفكر بما هو نافع ومفيد، وتؤثر في سلوك الفرد ذاته، وفي علاقته مع خالقه سبحانه وتعالى، ومع نفسه، ومع الآخرين، ومع الكون من حوله، فهي ذات فائدة فردية وأخرى متعدية للآخرين.
 
وهذا ما نسعى إليه عند الحديث عن هذه المصطلحات وبيان مفهومها، وارتباطها بالنفس التي تعني الروح والعقل والجسد معًا التي توجد في مختلف المخلوقات وتنتابهها الغرائز؛ كالجوع والعطش والمرض، والفرح والسرور، وغيرها، والإنسان صاحب الإرادة هو الذي يرتقي بنفسه ويتحكم فيها، ويسيطر عليها لترتقي وتتهذب؛ حتى يصبح الإنسان قادرًا على الوظيفة التي خُلِق من أجلها: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
 
ويُبحث في مفهوم هذه المصطلحات على النحو الآتي:
الفرع الأول: مفهوم التأمل لغةً واصطلاحًا:
1- التأمل في اللغة: التثبت والانتظار، وقيل: التأمل والتثبت في النظر [1]، وقيل: التثبت في الأمر، والنظر في الشيء، وقيل: تدبَّره وأعاد النظر فيه مره بعد أخرى ليَستيقنه، وتأمَّلت الشيء؛ أي: نظرت إليه متثبتًا له [2].
 
2- التأمل في الاصطلاح: هو تدقيق النظر في الكائنات بغرض الاتعاظ والتذكر، وهو استعمال الفكر، وأن في هذا المحل المتأمل فيه أمرًا زائدًا على الدقة بتفصيل؛ (أي: تأمُّل مع زيادة في الدقة)[3].
 
3- التأمل في القرآن: تحديق ناظر القلب إلى معاينة، وجمع الفكر عن تدبُّره وتعقُّله، وهو المقصود بإنزاله، لا مجرد تلاوته بلا فهم ولا تدبر[4]؛ قال تَعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].
 
الفرع الثاني: مفهوم الحكمة لغةً واصطلاحًا:
1- الحكمة في اللغة: ما أحاط بحنكي الفرس، سُميت بذلك؛ لأنها تَمنعه من الجري الشديد، وتذلل الدابة لراكبها، ومنها: اشتقاق الحكمة؛ لأنها تَمنع صاحبها من أخلاق الأرذال، وأحكم الأمر؛ أي: أتقنه فاستحكم، ومنَعه عن الفساد، أو منعه من الخروج عما يريد، والحكمة تمنع من الجهل [5].
 
2- الحكمة في الاصطلاح العام: الحكمة: هي نقل ما ينبغي عن الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي، وهي معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، والحكمة علم يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي في الوجود بقدر الطاقة البشرية، فهي علم نظري غير آلي، وهي هيئة القوة العقلية العلمية المتوسطة بين الغريزة التي هي إفراط هذه القوة والبلادة التي هي تفريطها، وقيل: هي وضع الشيء في موضعه، وقد فسَّر ابن عباس الحكمةَ في القرآن بتعلُّم الحلال والحرام، وقيل: العلم مع العمل [6].
 
3- الحكمة في الإصلاح الشرعي: العلم والفقه المستند إلى النظر الخاص، والفهم الدقيق، قالَ تَعَالَى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269].
 
والحكمة مسحة ملك على قلب العبد، وهي نور يقذفه الله عز وجل في قلب العبد، وقيل: هي الفقه في دين الله، أو أمر يدخله الله القلوب من رحمته وفضله.
ولهذا سميت السنة النبوية في كثير من المواضع بالحكمة، وأينما قرنت الحكمة بالكتاب العزيز، فالمراد بها السنة النبوية [7].
 
4- الحكمة عند علماء الأصول:
الحكمة: هي الحاجة إلى تحصيل المصلحة ودفع المفسدة [8]، وقيل: هي الغاية المطلوبة من التعليل، وهي جلب المصلحة أو دفع المفسدة [9]، وقيل: الحكمة جلب مصلحة أو تكميلها، أو دفع مفسدة أو تقليلها [10]، وهناك العديد من التعريفات عند علماء الأصول للحكمة.
 
إذًا فالحكمة بالمعنى الشامل لكل ما مضى:
عباره عن العلم المتصف بالأحكام، المشتمل على المعرفة بالله عز وجل، المصحوب بنفاذ البصيرة، وتهذيب النفس، وتحقيق الحق، والعمل به، والصد عن اتباع الهوى والباطل، والحكيم من له ذلك [11]، وتأتي الحكمة بمعنى السنة وبمعنى النبوة وبمعنى الفقه، وبمعنى الفهم وحجة العقل وبمعنى الفطنة.
 
الفرع الثالث: مفهوم التفكير لغةً واصطلاحًا:
1- التفكر في اللغة: التأمل، والفكر: إعمال الخاطر في شيء، وقيل: تردد القلب في الشيء يقال: تفكر إذا ردد قلبه معتبرًا.
 
2- التفكر في الاصطلاح: جولان العقل في طريق استفادة علم صحيح، وقيل: التفكر التذكر والنظر والتأمل والاعتبار، والتدبر والاستبصار، كلها معانٍ متقاربة)[12]، والتفكر: تعرف القلب في معاني الأشياء لدرك المطلوب، وسراج القلب يرى به خيره وشره، ومنافعه ومضاره، وكل قلب لا تفكر فيه فهو في ظلمات يتخبط، وقيل: هو إحضار ما في القلب من معرفة الأشياء، وقيل: تصفية القلب بموارد الفوائد، وقيل: مزرعة الحقيقة ومشرعة الشريعة [13].
 
إذًا فالتفكر عمل قلبي مستمر ومناطه العقل، وهو عملية لا تقصد بذاتها، وإنما بما يحصله المرء منها، وهو العمل والطاعة، فهو مسألة طاعة وتسليم وانقياد لله رب العالمين.
 
الفرع الرابع: مفهوم التدبر لغةً واصطلاحًا:
1- التدبر في اللغة: مأخوذ من دبر الشيء، وهو النظر في عواقب الشيء ونهاياته، ومقصود به عواقب الأمور ومآلاتها، والتدبر: آخر الشيء[14].
 
2- القدير في الاصطلاح: النظر في عواقب الأمور، وهو قريب من التفكر، إلا أن التفكر تصرف القلب بالنظر في الدليل، والتدبر تعرفه بالنظر في العواقب[15]، والتدبر: لا يكون إلا بالتأمل، يقال: تدبرت الشيء؛ أي: تفكرت في عاقبته وتأملته، ثم استعمل في كل تأمُّل [16].
 
الفرع الخامس: الفرق بين التأمل والتفكر والتدبر:
إن هذه المصطلحات مترادفة إلى حد ما، وكل منها فيه معنى التكرير، ولا يمكن أن يكون تدبر بدون تفكير وتأمل، وهناك الآيات التي تدعو إلى التفكر والتدبر والتأمل، والنظر في السماوات والأرض والنفس، والتذكر والنظر والتأمل، والاعتبار والتدبر والاستبصار كلها معانٍ متقاربة[17]، ولكل من هذه المصطلحات فائدة مرجوة غير فائدة الأخرى، فالتذكر يفيد تكرر القلب على ما علمه وعرفه ليرسخ فيه ويثبت، والتفكر يفيد تكثير العلم واستجلاب ما ليس حاصلًا عند القلب، ويحتاج إلى شيء من الصبر والتكلف، وتصرف القلب في طلب المعنى، وكل من هذه المفاهيم تعتبر من العبادات التي يغفل عنها الكثير، فهي من العبادات الجليلة التي أمر بها الشارع، وحث عليها في آياته، ولها شواهد من السنة النبوية والشريعة وسير الصالحين.
 
وهذه العبادة عمل قلبي مستمر مناطه العقل وهو عملية غير مقصودة لذاتها، وإنما بما يحصل المرء فيها، وهو العمل والطاعة، ولا بد من أوقات ينفرد بها المرء بنفسه وفي دعائه وعبادته، وذكره وتفكره، ومحاسبة نفسه، وإصلاح قلبه، وما يختص به من الأمور التي لا يشركه فيها غيره، فيحتاج إلى انفراده بنفسه، وقد قيل: نعم صومعة الرجل بيته يكف فيها بصره ولسانه[18].
 
والتدبر والتفكر لا يكون إلا بالتأمل، ومحله مدلولات النصوص أو الكلام، أو الكون أو النفس، أو العبادات والأذكار، وهو مبني على فهم المعاني ومقاصد الشارع أو المتأمل، ولا بد أن يكون صحيحًا مرهونًا بالقلب السليم والفكر الصحيح، والتأمل مأمور به المسلم وغيره على حد سواء، للوصول إلى الحقيقة والمقاصد العامة من الخلق ومن الحياة والموت والدنيا والآخرة، فهو من أعظم مقاصد القرآن الكريم؛ قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ [ص: 29].
 
المبحث الأول: التأصيل الشرعي للتأمل:
هناك العديد من النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وكذلك أقوال الصحابة والمفسرين التي تدل على أهمية التأمل؛ سواء كان ذلك بطريق مباشر أو بالمعنى، ويترتب عليها الوصول إلى الحكمة التي هي غاية التأمل وهدفه التي بدورها تقوم على منع الفساد والجهل والظلم، واعتبار العدل واعتبار العدل والحق والموعظة، من أجل تجنب الخطأ والزلل على قدر الوسع والطاقة وفعل الصواب.
 
المطلب الأول: بعض النصوص الشرعية من القرآن والسنة:
أولًا": من القرآن الكريم:
هناك العديد من الآيات الواردة في (التأمل) معنى"، نذكر بعضًا منها:
1- قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 169].
2- قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190].
3- قَالَ تَعَالى: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرعد: 4].
4- قَالَ تَعَالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [العنكبوت: 19].
5- قَالَ تَعَالى: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ﴾ [الغاشية: 17 - 21].
 
لم يرد لفظ التأمل في القرآن الكريم صراحة، ولكن أشارت إليه العديد من الآيات التي تأمر بالنظر في خلق الله، والتثبت في رؤية عجائب الكون وآثار السابقين، وقد نصت آيات كثيرة عن المشركين تُبين عدم تأملهم فيما تشاهده أعينهم ويقع تحت أيديهم من عجائب صنع الله، واقترنت آيات كثيرة بالأفعال (يروا، ينظروا)، وجاءت بصيغة المضارع التي تدل على الاستمرار وإدامة النظر والرؤية، والآيات التي تحث على الأمل والتفكر والتدبر واستخراج الحِكم منها، تتجاوز العشرات من الآيات بالمعنى المباشر أو القريب.
 
ثانيًا: من السنة النبوية:
من دأب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتفكر ويتدبر ويتأمل حتى قبل نزول الوحي عليه، وقد داوم صلى الله عليه وسلم على هذه العبادة بعد نزول الوحي وتكليفه بالرسالة الخالدة العالمية.
 
1- عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ((كان أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي، الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه - (وهو التعبد) - الليالي أولات العدد قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها، حتى فجأه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: ((ما أنا بقارئ))، فقال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قال: قلت: ((ما أنا بقارئ))، قال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ في الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ((ما أنا بقارئ))، فأخذني فغطى الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5].
 
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره، حتى دخل على خديجة، فقال: ((زمِّلوني، زمِّلوني))، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ثم قال لخديجة - وأخبرها الخبر -: لقد خشيت على نفسي، قالت له خديجة: "كلَّا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا، والله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى، وكان امرأً تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة يا بن عم، اسمع من ابن أخيك، قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم خبر ما رآه، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى عليه الصلاة والسلام، يا ليتني فيها جذعًا، يا ليتني أكون حيًّا حين يُخرجك قومك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أو مخرجي هم؟))، قال ورقه: نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وأن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا"[19].
 
هذا الحديث العظيم فيه القدوة والأسوة الحسنة بالرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يخلو بنفسه صلى الله عليه وسلم، ويتفكر ويتدبر ويخلو بالله عز وجل، إذًا فالحديث فيه الصورة واضحه للخلوة، وهي شأن الصالحين، وعباد الله العارفين، والعزلة فيها فراغ القلب وهي معينه على التفكر والتأمل، وبها ينقطع عن مألوفات البشر، ويخشع قلبه، فكان صلى الله عليه وسلم يتعبد، فجاءه الوحي، فقال له: اقرأ فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما أنا بقارئ))؛ إشارة إلى أن القراءة أيضًا وسيلة من وسائل التأمل والتفكر والتدبر، ثم قال محمد صلى الله عليه وسلم: ((فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني))، وفي هذا الغط والجهد حكمة، وهي إشغاله من الالتفات والمبالغة في أمره بإحضار قلبه لما يقوله له، وتكرار ذلك ثلاثًا مبالغة في التنبيه، من أجل التدبر والتفكر والتأمل، واستحضار القلب والفكر والعقل والنفس معًا، (والتأمل لا بد فيه من التكرار)[20].
 
واللفتة الرائعة فيما ذكرت خديجة رضي الله عنها تأمل الصفات التي وصفت بها النبي صلى الله عليه وسلم، فهي صفات تورث الحكمة في القلب والفكر والقول والتصرف والخلق، وفي الحديث إشارة إلى رجاحة عقل خديجة رضي الله عنها، وهذا الحديث - وهو حجة ودليل من السنة على التأمل - إذا تأملتَه فإنك تخرج بفوائد وعبر وعظات كبيره جدًّا.
 
المطلب الثاني: من مواقف وأقوال الصحابة والتابعين في التأمل من أجل الوصول للحِكم.
التأمل والتفكير والتدبر في آيات الله عز وجل في الكتاب المسطور والكتاب المنظور، وهذه العبادة المفقودة لا بد أن ينظر فيها، فالتأمل من أعظم مقاصد القرآن الذي يشمل التدبير والتفكر؛ قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ [ص: 29]، والتأمل من المقاصد المتفق عليها بالتدبر والتفكر؛ لأنها أمر إلهي للبشر لا بد منه، وهي من المقاصد العامة للشريعة والشارع سبحانه وتعالى، من أجل الوصول للحقائق.
 
وهناك العديد والكثير من المواقف التي يمكن أن تكون محل تأمُّل وتفكر، قام بها الصحابة رضي الله عنهم وكذلك التابعون رحمهم الله، وقد ورد أيضًا العديد من مواقف للمفسرين تدعو وتحث على التأمل ومنها الآتي:
1- موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وتأمله وتفكره وتدبره: (قيام الليل مع قراءة القرآن والصلاة).
كان صلى الله عليه وسلم يتفكر ويتدبر ويأمر بذلك، ويتوعد من لا يقوم به؛ فعن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها، فقال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسكتت، تستحضر المشاهد التي رأتها من زوجها عليه الصلاة والسلام، فسكتت، ثم قالت: لما كانت ليلة من الليالي، قال: ((يا عائشة، ذريني أتعبد الليلة لربي))، قلت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما سرك، قالت: فقام: فتطهر ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره، قلت: قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلَّ الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله، لِمَ تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا"))[21]، ((لقد نزل علي الليلة آيات ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها))؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191].

2- موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن أبا بكر رضي الله عنه خرج، وعمر رضي الله عنه يكلم الناس، فقال: اجلس، فأبى، فقال: اجلس، فأبى، فتشهَّد أبو بكر رضي الله عنه، فمال إليه الناس وتركوا عمر، فقال: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت؛ قَالَ تَعَالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144].
 
والله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزلها حتى تلاها أبو بكر رضي الله عنه، فتلقاها منه الناس فما يسمعها بشر إلا ويتلوها.
تأمل هذا الموقف الحكيم من خير خلق الله بعد الرسل أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وكيف أنه بحكمته وتدبيره وتفكيره قد تجاوَز موقفًا عظيمًا، وهو موت النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا إنما يدل على رجاحة عقله رضي الله عنه ومن عقبى تدبره أن مرَّ هذا الموقف الأليم بسلام واجتماع كلمة المسلمين[22].
 
إن المتدبر المتفكر والمتأمل في مواقفه رضي الله عنه المشهورة؛ كحرب الردة وبَعثة أسامة بن زيد والهجرة، وبذل ماله كاملًا في سبيل الله - يجد نموذجًا فذًّا لا يتكرر، وكانت مواقفه رضي الله عنه تدل على حكمته وبصيرته، وتفكره في عواقب الأمور، ونتائج المواقف.
 
3- موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وموافقته لله سبحانه وتعالى:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (وافقت ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلًّى؟ فنزل قَولَه تَعَالى: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة: 125]، وقلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهنَّ أن يتحجبنَ؟ فنزلت آية الحجاب، واجتمع على رسول الله نساؤه في الغيرة، فقلت لهنَّ: ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴾ [التحريم: 5]، قال: فنزلت كذلك[23].
 
وفي هذا الأثر بيان حدة ذكاء عمر رضي الله عنه، ونظرته رضي الله عنه في الأحداث والمواقف التي واجهت الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد تأمل هذه المواقف وفكر وتدبر بها، ثم خرج برأي، وقد كان رأيه موافقًا لشرع الله عز وجل، فأي فهم وحكمة اتصف بها هذا الخليفة الراشد رضي الله عنه، وقد وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه محدث في هذه الأمة، وهي تعني الإلهام، ولا يكون الإلهام إلا بعد تفكر وتدبر وتأمل، وهذا من الحكمة الإلهية التي منحها الله عز وجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهي هبة للمصطفين الأخيار، وهي الحكمة الخالدة التي لا تفنى بفناء أصحابها[24].
 
5- موقف عمر بن عبدالعزيز مع سليمان بن عبدالملك رحمهم الله.
حج سليمان بن عبدالملك ومعه عمر بن عبدالعزيز، فأصابهم برق ورعد حتى كادت تنخلع قلوبهم، فنظر سليمان إلى عمر وهو يضحك، فقال سليمان: يا أبا حفص، هل رأيت مثل هذه الليلة قط أو سمعت بها؟ فقال: يا أمير المؤمنين، هذا صوت رحمة الله، فكيف لو سمعت صوت عذاب الله؟! فقال: هذه المائة ألف درهم فتصدَّق بها، فقال عمر: أو خير من ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: وما هو؟ قال: قوم صحبوك في مظالم لهم، لم يصلوا إليك، فجلس سليمان فرد المظالم.
 
وقيل: إن سليمان رأى الخلائق بالموقف، فقال لعمر: أما ترى هذا الخلق الذي لا يحصي عددهم إلا الله؟ قال: هؤلاء اليوم رعيتك وهم غدًا خصماؤك، فبكى سليمان بكاءً شديدًا[25].
في هذا الأثر معاني التذكر والتفكر والتدبر والتأمل، انظر إلى موقف عمر رضي الله عنه، كيف نظر في ظاهرة البرق والرعد؟ وكيف ربطها بالرحمة وهي المطر، ثم قال: هذا صوت الرحمة فكيف بالعذاب؟ نسأل الله العافية، وما أثر ذلك على سليمان رحمه الله؛ حيث بادر إلى الصدقة، ثم انتقل عمر رضي الله عنه هذا الموقف؛ ليذكره بالمظالم والنظر فيها، وعلى هذه الشاكلة الكثير من المواقف التي تحمل معاني التدبر والتأمل، فهذا من فقهه رضي الله عنه وحكمته، باستغلال هذا الموقف من أجل المظالم، والتذكر بالآخرة والحساب والثواب والعقاب.
 
6- موقف الأمام الشافعي رحمه الله مع رجل من أجل الكلام.
جاء رجل من أهل الكلام إلى الشافعي، فسأله في الكلام، فقال له الشافعي: أتدري أين أنت؟ قال الرجل: نعم، قال: هذا الموقع الذي أغرق الله فيه فرعون، أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالسؤال من ذلك؟ قال: لا، قال: هل تكلم فيه الصحابة؟ قال: لا، قال: هل تدري كم نجمًا في السماء؟ قال: لا، قال: فكوكب منها تعرف طلوعه؟ ولم خلق؟ وهذا تراه بعينك ولست تعرفه، فكيف تتكلم في علم خالقه؟!
 
ثم سأله الشافعي عن مسألة في الوضوء، فأخطأ فيها، فقال له الشافعي: شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرات تدع علمه، وتتكلف في علم الخالق؟ فإذا هاج في ضميرك شيء، فارجع إلى قوله تعالى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163].
هذا موقف يدل على أهمية التفكر والتأمل بما هو مفيد ونافع، فلا يتكلف الإنسان بالتأمل والتفكر فيما ليس له فائدة.
 
♦ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ركعتان مقتصدتان في تفكر، خيرٌ من قيام ليلة بلا قلب)، وقال رضي الله عنه: (تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله، فالتفكر في الله ليس في ذاته، ولكن في معاني أسمائه وصفاته وعظمته، وجلاله سبحانه وتعالى).
وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما: (تفكر ساعة خير من قيام ليلة).
 
وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: (التأمل في نعم الله عز وجل من أفضل العبادة)[26].
وقال ابن القيم الجوزية رحمه الله: (أما التأمل في القرآن الكريم، فهو تحديق ناظر القلب إلى معانيه، وجمع الفكر على تدبره وتعقله، وهو المقصود بإنزاله لا مجرد تلاوته بلا فهم ولا تدبر؛ قال تَعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].
 
وليس شيءٌ أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن، وإطالة التأمل فيه، وجمع الفكر على معاني آياته؛ فإنها تُطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها، وعلى طرقاتها وأسبابها ومآل أصلها[27].
وقال الغزالي رحمه الله: (كثر الحث في كتاب الله تعالى على التدبر والاعتبار والنظر والافتكار، ولا يخفى أن الفكر هو مفتاح الأنوار ومبدأ الاستبصار، وهو شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم، وأكثر الناس قد عرَفوا فضله ورتبته، لكنهم جهلوا حقيقة وثمرته ومصدره[28].
 
يقول الشاعر:






تأمل سطور الكائنات فإنها
من الملأ الأعلى إليك رسائلُ


وقد خطَّ فيها لو تأمَّلت سطرَها
ألا كل شيء ما خلا الله باطلُ[29]






 
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: إن التأمل والتفكر أن يعمل الإنسان فكره في الأمر حتى يصل فيه إلى نتيجة، وقد أمر الله تعالى به وحث عليه في كتابه، لما يتوصل إليه الإنسان من المطالب العالية والإيمان واليقين، والتفكر يحتاج لصبر وتكلف، وتصرف القلب في قلب المعنى[30].
فهناك الكم الكثير من مواقف وأقوال الصحابة والتابعين والمفسرين وغيرهم - تحث على التأمل والتفكر والتدبر، من أجل الوصول إلى الحكم المستفادة الصحيحة.
 
المبحث الثاني: أهمية التأمل في الوصول إلى الحكمة:
التأمل (بالتفكر والتدبر) عبادة عظيمة غفل عنها الكثير، واستهانوا بها، فالبعض يظن أن العبادة محصورة في أعمال الجوارح، وجهل أن للقلب والعقل أعمالًا يتعبد بها، وقد تكون أفضل من عمل الجوارح، وفي الأثر عند أبي الدرداء رضي الله عنه: (تفكر ساعة خير من قيام ليلة".






تأمَّل في الوجود بعينِ فكر
تَرَ الدنيا الدنيئةَ كالخيال


ومَن فيها جميعًا سوف يَفنى
ويبقى وجهُ ربِّك ذو الجلال[31]






 
المطلب الأول: طرق ووسائل علمية من أجل تفعيل التأمل للوصول للحكمة:
هناك أمور فطرية يؤتيها الله لمن شاء، ويتفضل بها على من يريد، وهذه لا بد للعبد فيها، وهي عطاء الله عز وجل لمن يشاء، وهناك الكثير من الأمور التي يكتسبها العبد بفعل أسبابها، وترك موانعها، فيسهل انقيادها له، وتجري على ألفاظه التي ينطق بها، وتكتسي بها أعماله التي يفعلها، ويشهدها الناس على حركاته وسكناته، ومن وسائل وطرق التأمل للوصول إلى الحكمة المرجوة الآتي:
1- التفقه في الدين: وهو الخير الكثير الذي أشارت إليه الآية؛ قالَ تَعالَى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43].
 
2- مجالسة أهل الصلاح: والاختلاط بهم والاستفادة منهم، ومجالس الذكر والعلم، لذا كان لقمان الحكيم يقول لابنه وهو يوصيه ويدله على طريق الحكمة: (يا بني، جالس العلماء وازحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة، كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء)[32].
 
♦ العبادة الحق لله سبحانه وتعالى، والارتباط الوثيق به والبعد عن المعاصي وطرد الهوى، كل ذلك من طرق الوصول إلى التأمل من أجل الوصول للحكمة، وقال الحسن رضي الله عنه: "من أحسن عبادة الله في شبيبته، لقاه الله الحكمة عند كِبَر سنه)[33]، وقد قَالَ تَعالى: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [القصص: 14].
 
♦ تحري الحلال في المأكل والمشرب والملبس، وفي شأنه كله، فهي أسباب في الوصول إلى التأمل والحكمة.
 
♦ كثرة التجارب والاستفادة من مدرسة الحياة، وتجارب الآخرين بالاعتبار والتأمل، وأخذ الحيطة لأمر الدين والدنيا وفي الحديث: ((لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين))[34]، وكثرة التجارب تكسب صاحبها الحلم والتأمل والحكمة، فلا حكيم إلا بتجربة.
 
♦ ألا يعتمد المرء على نفسه في الرأي والمشورة، بل عليه أن يستشير ذوي الخبرة والتجربة من الصالحين المصلحين ليزداد بصيرةً بعواقب الأمور.
 
♦ التحلي بالصمت عما لا فائدة منه، طريق إلى اكتساب الحكمة، فالحكيم يعرف بالصمت وقلة الكلام، وإذا تكلم فبالحق، وإن تلفظ لفظ بخير، أو سكت؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت))[35]، وقد أجمع الحكماء على أن رأس الحكمة الصمت الذي يؤدي إلى التأمل الصحيح، وقال عمر بن عبدالعزيز: (أذا رأيتم الرجل يطيل الصمت، ويهرب من الناس، فاقربوا منه؛ فإنه يُلقى الحكمة)[36].
 
♦ استغلال الأوقات الذهبية ومواسم الطاعات، ومنها أوقات السحر الثلث الأخير من الليل، ورمضان، والعشر الأوائل من ذي الحجة، والعيدين والعمرة والحج، وأوقات الصلوات والصدقات، وصلة الأرحام، وأوقات الفرح والحزن.
 
♦ الحرص على الرحلات الخلوية أن تخلو بنفسك أو مع من يذكرك بالله، فعلى المؤمن أن يفرغ نفسه بين الحين والآخر كلما استشعر جفاف روحه، وعطش إيمانه، وأن يرحل إلى مكان هادئ بديع بعيد عن صخب المدن والحضارة، والتقنيات الحديثة، في مكان تتوفر فيه عجائب الخلق في السماء والأرض، والجبال والأشجار، فالعين لها حق التأمل والنظر في ملكوت السماوات والأرض، ورؤية مشاهد القدرة الإلهية والإبداع، ويمنح القلب فرصة ذهبية ليحلق خارج دنياه الضيقة في رحاب الآخرة، وكذا العقل يساعده على الانطلاق خارج اهتمامات الحياه الدنيا إلى الحياه الآخرة.
 
♦ التدريب على عمليات التفكر والتدبر والتأمل البسيطة؛ قَالَ تَعالى: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 101]؛ لأن بعض أنواع التفكر قد يحتاج لمجاهدة ومستوى من الفهم ورصيد من الإيمانيات والعلم، وكل امرئ يتفكر ويتأمل على قدر ما حباه الله من العقل والعلم والفهم[37].
 
♦ الاعتناء بالنفس؛ قَال تَعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]، فالمتأمل في حال الناس اليوم مع أنفسهم في ضوء السياق القرآني والآيات التي تتحدث عن النفس - يجد أن الأسباب التي تؤدي إلى الخوف من النفس ورفض الإصلاح، أو تدفع الناس إلى الاستهانة بأنفسهم، أو تشغلهم عن أنفسهم، تعود إلى القصور النفسي والجهل والكبر، فالخطوة الأولى في فقه النفس تزكيتها، من أجل ترتيب الأفكار وتسهيل عملية التفكير؛ ليؤثر إيجابيًّا على الطاقات الضائعة، واستغلال الطاقات الإيجابية للوصول إلى الهدف[38]؛ قَالَ تَعَالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9]، فالنفس مدار التفكير والشعور والعقل والسلوك في الإنسان، فالنفس تحس وتفكر وتعقل، وتتأمل وتتدبر وتحب وتكره، وتفرح وتحزن وتحلم وتعدل وتظلم.
 
المطلب الثاني: نماذج تأملية للوصول إلى الحكمة:
قَالَ تَعَالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].
إذًا على كل إنسان أن يتفكر في الغاية التي خُلِق من أجلها، فأصل الخير والشر من قبل التفكر، فإن الفكر مبدأ الإرادة والطلب في الزهد والترك والحب والبغض، وقد عاش الأنبياء والصالحون حياة التفكر والتدبر والتأمل، وهناك العديد من النماذج، ونستعرض منها الآتي:
♦ سورة الفاتحة:
وهي أعظم سورة في القرآن، وهي أم الكتاب والسبع المثاني، والشافية، والكافية، وهي رقية وشفاء للأسقام البدنية والنفسية، كما أنها شفاء للأمراض القلبية، وسر الاستشفاء بالفاتحة محجوب عن كثير من الخلق، لحكمة يعلمها الله، وإلا فمن ينوي الشفاء حسيًّا أو معنويًّا، فالفاتحة شافية، ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة، لرأى لها تأثيرًا عجيبًا في الشفاء، وقد ثبت عن ابن القيم أنه قال: مكثت بمكة مدة تعتريني أدواء ولا أجد طبيبًا ولا دواءً، فكنت أعالج نفسي بالفاتحة، فأرى لها تأثيرًا عجيبًا، وكان يصف ذلك لمن يشتكي ألَمًا، وكان أكثرهم يبرأ سريعًا[39]، وفي الصحيحين القصة المشهورة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عندما نزلوا على حي من أحياء العرب فأبوا أن يضيفوهم، فلُدِغ سيد الحي، فأتوهم، فرقى أحدهم الرجل بالفاتحة، فكأنما نشط من عقال[40].
 
والمتأمل في مضامين سورة الفاتحة يجد سعادته في هذه السورة العظيمة؛ قَالَ تَعالَى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، يتضمن الأصل الأول لسعادته، وهو معرفة الرب سبحانه وتعالى، ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله، والأسماء المذكورة بالسورة هي أصول الأسماء الحسنى، وهي: الله، الرب، الرحمن، فاسم الله متضمن لصفات الإحسان والجود والبر، ومعاني أسمائه تدور على أسمائه تعالى.
 
قَالَ تَعالى:" ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، يتضمن معرفة الطريق الموصولة إليه سبحانه وتعالى، وهي عبادته وحده لا شريك له بما يحبه ويرضاه، واستعانته على عبادته وقوله: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]، ولا سبيل للاستقامة إلا بهداية الله عز وجل له، كما لا سبيل لعبادته سبحانه إلا بمعونته، وقوله: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة: 7]؛ أي: طريق النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وقوله: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7]، يتضمن بيان طرفي الانحراف عن الصراط المستقيم من اليهود والنصارى، وأن الانحراف إلى أحد الطرفين: انحراف إلى الضلال الذي هو فساد العلم والاعتقاد، والانحراف إلى الغضب الذي سببه فساد العقل والعمل.
 
فالمتأمل في الفاتحة يجد معاني القرآن شاملة، والسورة تضمنت الرحمة والهدايا والنعم، فمن تحقق من معاني الفاتحة وتأملها علمًا ومعرفةً وعملًا وحالًا، فقد فاز بأوفر نصيب من العبودية الخالصة لله عز وجل، ومن يريد الانتفاع، فليجمع قلبه عند تلاوتها وسماعها، وليستحضر مخاطبة الله عز وجل له خاصة، فيجدها كأنها أنزلت إليه خاصة، والمتأمل الناظر في معاني الفاتحة يجد الكم الهائل من الطائف والدقائق في هذه السورة ولا يتسع المقام هنا لذكرها[41].
 
♦ قصة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام والنظر في ملكوت السماوات والأرض:
قَالَ تَعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 75 - 79].
 
المتأمل في هذه الآيات يرى كيف كان إبراهيم عليه السلام ذا بصيرة، فنظر في ملكوت السماوات والأرض، حتى تيقن بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على وجود الله عز وجل، فراقب الكواكب ليلًا، فلما رأى أحدها مضيئًا قال: هذا ربي، وهذا ليس من باب الجزم، بل المتأمل يرى هل يستحق هذا الربوبية؟ فلما أفل وغاب تيقن أن الرب لا ينبغي أن يغيب، وأنه لا بد أن يكون قائمًا على مصالح العبادِ، ومدبرًا لها، ثم تدرج عليه السلام، فرأى القمر، ثم أفل وغاب، ثم رأى الشمس، فأفلت وغابت، ثم قرر عندها براءته من الشرك، وأظهر وجهته لله عز وجل الذي فطر السماوات والأرض حنيفًا مسلمًا[42]، وما هذه الآيات إلا نموذج حي لعبادة التأمل والتفكر والتدبر في ملكوت السماوات والأرض، ثم الوصول إلى الحق بأن الله وحده مستحق العبودية لا شريك له.
 
وفي القصة من الحِكم التي ينبغي النظر فيها، فإن الخواطر في القلب لا بد أن تصبح فكرًا ثم إرادةً، ثم إن العمل بالجوارح وإصلاح الخاطر أسهل من إصلاح الفكر، وكذا إصلاح الفكر أسهل من إصلاح الإرادة، وإصلاح الإرادة أسهل من تدارك فساد العمل، ولذلك لا بد أن يشغل الإنسان فكره بما يعنيه دون ما لا يعنيه، فالفكر والخواطر والإرادة والهمة، أحق شيء بإصلاحه من النفس[43].
 
وجماع إصلاح النفس أن تشغل الفكر في التصورات التي تلزم للتوحيد وحقوقه، وفي الموت وما بعده من الجنة والنار، وفي آفات الإعمال وطرق التحرز منها، وفي الإيرادات ما يشغل النفس بإرادة ما ينفعها وطرح إرادة ما يضرها.
ولإبراهيم عليه السلام الكثير من مواقف التأمل والتدبر والتفكر في عبادات قومه، فكان يجادلهم ويسعى إلى إحقاق الحق في عبادة الله عز وجل وحده لا شريك له، من خلال الحجة والبرهان والنظر في ملكوت السماوات والأرض، وبيان ضلالهم وجهلهم وقلة عقولهم[44].
 
♦ الاستغفار:
قَالَ تَعالى:" ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135]؛ وَقَالَ تَعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33].
 
إن الاستغفار من أعظم الطاعات وأنفع القربات، وهو الأمان من العذاب، ومأمور به في ختام الأعمال الصالحة مع كونها صالحة، فنختم به الصلوات وقيام الليل، والحج، وختام مجالس الذكر، والوضوء، وقراءة القرآن، والمجالس كلها.
 
والاستغفار مأمور به في كثير من النصوص القرآنية والنبوية؛ قَالَ تَعَالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10، 12]، وقَالَ تَعَالى: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 52].
 
وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: ((طُوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا))[45].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة))[46]، والمراد بالغن ما يتغشى القلب من الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل، عدَّ ذلك ذنبًا واستغفر منه"[47]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من أكثر من الاستغفار، جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب))[48].
 
والمتأمل المتدبر في الاستغفار وألفاظه، يجد أنه ذو فوائد عظيمة؛ فبه يجبر النقص في العبادات وبه يستجلب الغيث والولد والمال، وبه تسهل الطاعات وتستجاب الدعوات، وتزول الوحشة بين العبد وربه، وبه يحصن المؤمن نفسه من شياطين الأنس والجن، ويجد حلاوة الإيمان، وتحصل له محبة الله عز وجل، ويزيد عقله وإيمانه، ويذهب غمه وهمه وحزنه، ويقبل الله عليه ويفرح به، وتدعو له الملائكة، فأي فضل وأي كرامة أكثر من ذلك الفضل الذي يأتيه الله من يشاء من عباده الصالحين[49].
 
وسيد الاستغفار كما قال عليه الصلاة والسلام أن تقول: ((اللهم أنت ربي لا إله الا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوأ لك بنعمتك علي وأبوأ بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"[50].
والمتأمل في هذا الذكر يجد أنه يتضمن الاعتراف بربوبية الله عز وجل وألوهيته وتوحيده، والاعتراف بأنه خالقه، العالم به؛ إذ أنشأه نشأةً تستلزم عجزه عن أداء حقه وتقصيره فيه، وفيه العهد والوعد بأن يكون المؤمن على منهج الله ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وفيه اعتراف بالخطأ والتقصير، وفيه الإقرار بنعم الله علينا، وأن الذنب يعترينا، فنسألك يا رب المغفرة والرحمة؛ فأنت وحدك تملك ذلك[51].
 
وعندما تعيش متأملًا هذه المعاني، تتحقق لك الغايات المرجوة والوعود الربانية التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم، والنماذج التأملية في النصوص الشرعية من القرآن والسنة كثيرة جدًّا، فلكل نص تأمل يستطيع من خلاله المؤمن استخراج مراد الله عز وجل وما حواه من الحِكم والمعاني التي ترتقي بالمؤمن إلى الدرجات العلا والقرب من الله عز وجل.
 
المطلب الثالث: رمضان أنموذجًا:
قبل الشروع في عبادة ما لا بد أن يتأمل المسلم الآيات التي شرع الله تعالى فيها هذه العبادة؛ فإن في التدبر والتفكر في الألفاظ والمعاني موجهات للإيمان، يجب الأخذ بها، فلكل عبادة حِكم ومقاصد، وقيم وفوائد.
 
وقد جاء النداء بالصيام بوصف الإيمان وليس الإسلام، فالإيمان أعلى درجة من الإسلام، ويشمل في معناه الخاص العقائد، بينما الإسلام يشمل حكمته سبحانه وتعالى في اختيار اللفظ، فالصيام عبادة شاقة، فهي امتناع عن أمور محبوبة وضرورية للبدن، فمعنى كتب هنا أبلغ من فرض وأوثق وأقوى؛ قَالَ تَعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وذكر الله عز وجل أنه كتب عن الذين من قبلنا، فنحن لسنا الأمة الوحيدة التي تصوم، فقد كُتب الصيام على الأمم من قبلنا، وفيه تنشيط لهذه الأمة، بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تنفيذ الأعمال والمسارعة إلى الخصال الصالحة، وفي نهاية الآية، ذكر الله عز وجل الحكمة من مشروعية الصيام وهي التقوى، فالصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه، وهي الحكمة العليا من الصيام لتحقيق مقام إيماني عالٍ.
 
والمتأمل في الصيام سيجده من أبلغ العبادات في استشعار مراقبة الله عز وجل له في كل سكناته وحركاته، وهذا باب عظيم من أبواب التربية باستشعار المراقبة الإلهية، فيصبح مراقبًا لله عز وجل في كل حين، وبالتالي يلامس ذلك الأثر في أعماله وأقواله وأفعاله، ومعاملاته مع نفسه ومع الآخرين، ومع الكون بأكمله[52].
 
إذًا الصيام عبادة مميزة ترتقي بالمؤمن إلى درجات عليا من الإيمان والتقوى، فتضيع مجرى الشيطان في نفسه، فيضعف هواه ونفسه الأمارة بالسوء، وبالتالي يبتعد عن المعاصي والآلام وتكثر طاعاته وقرباته لله عز وجل، فيزداد تقوًا وقربًا من الله عز وجل.
والصيام من الطرق المعينة على التفكر، فالصوم يوقظ الفكرة ويضعف الشهوات، وبالمداومة عليه تنسكب على النفس السكينة التي تمنح صاحبها صفاءً يعينه على دخول جولات التفكر والتدبر والتأمل، بخلاف إذا ما أكثر من الطعام والشراب، فيتثاقل عن الطاعة، وتسد أمامه أبواب التفكر والتأمل؛ حيث قال لقمان لابنه: إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة [53].
 
والمتأمل في أسرار الصوم الباطنة، يجد صوم خصوص الخصوص، فهو صوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية، وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية، ومَن تفكَّر في سوى الله عز وجل واليوم الآخر، حصل منه الفطر، ويقال: من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه، كتبت عليه خطيئة، فهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين، وهي أعلى مراتب الصوم، أما صوم الخصوص فهو صوم الصالحين، وهو كف الجوارح عن الآثام بغض البصر عن كل ما يتصل بالقلب، ويلهي عن ذكر الله عز وجل، وحفظ اللسان عن الغيبة والكذب والنميمة، والفحش والخصومة والمراء، وشغله بذكر الله وتلاوة القرآن، وصوم السمع عن الإصغاء لأي مكروه، وكل ما حرم قوله والإصغاء إليه، وكف بقية الجوارح عن الآثام، وألا يستكثر من الطعام عند الإفطار.
 
والمتأمل والمتدبر بمعنى الصيام السابق ذكره، يفهم أن المقصود من الصوم التخلق بخلق من أخلاق الله عز وجل، وهو الصمدية، ثم الاقتداء بالملائكة في الكف عن الشهوات والارتقاء بالإنسان برتبة فوق البهائم لكسر شهوته، وهذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب[54].
 
والمتأمل في حكمة تشريع الصوم وفوائده العائدة على صاحبه في الدارين، يجدها كثيرة جدًّا ومنها:
1- كف النفس عن الشهوة من أجل تربيتها وسموها وعلوها عند شبه البهائم، وقربها من شبه الملائكة المقربين، وبذلك تكون أقرب إلى الله عز وجل وأكثر قوة، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: ((إلا الصوم فهو لي وأنا أَجزي به))[55]، تأمل الحديث والأجر المترتب على الصوم، (فإنه لي وأنا أجزي به)، وهل جزاء الله عز وجل يمكن أن تدركه العقول.
 
2- في الصوم صحة البدن وعافية النفس، وتدريبه على التوازن في الأكل والشرب، وتقليل الطعام والشراب، وجميع الملذات والشهوات النفسية.
 
3- الصوم عبادة روحية، ترتقي بالروح والنفس، وعامل أساس في تقوى الله عز وجل، وحفظ حدوده، واجتناب محارمه.
 
4- الصوم رمز للوحدة، فالأمة الإسلامية أمة واحدة، والوحدة مطلب مهم لذاته في العقيدة الإسلامية، فإنهم يصومون شهرًا واحدًا في كل بقاع الأرض.
 
5- أن الصوم تغذية للنفس، تغذية علوية تشحن النفس طاقة علوية تزيد نشاطه وعطاءه، ألا ترى أن معظم الغزوات في الإسلام كانت في رمضان.
 
6- أن الصوم ينسف كل أنواع التعلق بالأكل والشرب والزوج، فأنت غني بالصوم عن كل شيء، إلا عن الله عز وجل وعونه وعبادته.
 
7- الصوم اتصال بالله عز وجل مباشر، يجعلك تتدبر أن الله عز وجل أكبر من كل شيء، فتتمتع بالقوة والنشاط والأفكار الإيجابية، وأن الله عز وجل وحده مصدر للأمان[56].
 
الخاتمة:

النتائج والتوصيات:
تم بحمد الله وتوفيقه البحث الذي حاولت فيه إبراز بعض معاني المفاهيم الواردة والتأمل الشرعي للموضوع مع بيان بعض جوانبه.

أولًا: النتائج:
1- أن مفهوم التأمل مرادف لمفهوم التدبر والتفكر، وهو نافع للعبد في معاشه ومعاده.
2- أن التأمل ذو قيمة عقلية ونفسية كبرى تجعل صاحبها قوي الإيمان متعلقًا بالله عز وجل.
3- أن النصوص من الكتاب والسنة كلها محل تأمل وتدبر وتفكر، ترتقي بالفكر والعقل والقلب، وهناك أدلة خاصة ذات معنى مباشر أو قريب.
4- حياة الصحابة والسلف الصالح ثرية جدًّا بمواقف وأقوال، تدل على التأمل والتفكر والتدبر، وأهميته وأثره في حياة المسلم.
5- أن للتأمل طرقًا ووسائل تبعث على الوصول للحِكم الإيجابية ذات الفائدة.
6- الفاتحة أعظم سورة يتجلى فيها التأمل بكل أبعاده.
7- قصص الأنبياء مادة ثرية للتأمل ونماذج يحتذى بها.
8- الأذكار ذات ألفاظ وأبعاد تتجلى فيها معاني التأمل والاستغفار نموذجًا.
9- أن رمضان شهر التجليات والتأملات كونه عبادة خاصة تفرد الله عز وجل بعلم ثوابها.
10- أن الإسلام قد سبق الحضارات بكل العصور إلى مفاهيم التأمل والتدبر والتفكر للوصول إلى حياة مليئة بالحِكم والإيجابيات، وتلبي متطلباتها.
 
ثانيًا: التوصيات:
1- العناية بعلم التأمل، وخاصة في النصوص الشرعية - (الكتاب والسنة النبوية) - ثم الكون بأكمله.
2- فهم التأمل فهمًا دقيقًا معاشًا عمليًّا، يحتاج إلى بحوث ومتخصصين من أجل إثراء هذا المفهوم وإعطائه حقه.
3- ربط التأمل والتفكر والتدبر في كل مناحي الحياه العملية، من أجل الوصول إلى الحكم المنشودة ( ممارسة عملية للتأمل).
 
المصادر والمراجع:
1- القرآن الكريم.
2- إبراهيم مصطفى، أحمد الزيات، حامد عبدالقادر، محمد علي النجار، المعجم الوسيط، ط6، مجمع اللغة العربية، مؤسسة الصادق للطباعة، طهران.
3- ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن، التبصرة، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت،1406هـ - 1986م.
4- ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن، صيد الخاطر؛ تحقيق: يوسف علي بدوي، ط1، دار اليمامة، 1420هـ - 1999م.
5- ابن الجوزي، عبدالرحمن بن علي بن محمد، سيرة ومناقب عمر بن عبدالعزيز الخليفة الزاهد؛ تحقيق: محب الدين الخطيب، ط1، دار الكتب العلمية، 1404هـ - 1984م.
6- ابن القيم، شمس الدين أبو عبدالله الجوزية، مدارج السالكين؛ تحقيق: محمد المعتصم بالله، ط7، دار الكتاب العربي، بيروت،1423هـ - 2003م.
7- ابن القيم، شمس الدين أبو عبدالله الجوزية، مفتاح دار السعادة؛ تحقيق: عبدالرحمن بن حسن، ط1، مجمع الفقه الاسلامي، جدة، 1432هـ.
8- ابن القيم، شمس الدين أبو عبدالله محمد، الداء والدواء؛ تحقيق: يوسف علي بدوي، ط5، دار ابن كثير دمشق، 1421هـ - 2001م.
9- ابن القيم، شمس الدين أبو عبدالله محمد، الفوائد؛ تحقيق: محمد عبدالقادر الفاضلي، ط2، المكتبة العصرية، بيروت،1420هـ - 1999م.
10- ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبدالحليم، مجموع الفتاوى؛ تحقيق: عبدالرحمن بن محمد القاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، 1416هـ - 1995م.
11- ابن فارس، أبو الحسن أحمد بن زكريا، معجم المقاييس في اللغة؛ تحقيق: شهاب الدين أبو عمرو، دار الفكر، بيروت.
12- ابن كثير، الحافظ عماد الدين أبو الفداء، البداية والنهاية، راجعه: محمد تامر، محمد عبدالحليم، شريف محمد، محمد سعيد محمد، دار البيان العربي، القاهرة.
13- ابن ماجه، أبو عبدالله محمد بن زيد، سنن ابن ماجه؛ تحقيق: ياسر رمضان، محمد عبدالله، ط1، دار ابن الهيثم، القاهرة، 1426هـ - 2005م.
14- ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد، لسان العرب، دار صادر، بيروت.
15- أبو داود، سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، علق عليه: محمد ناصر الدين الألباني، ط2، مكتبة المعارف، الرياض، 1427هـ - 2007م.
16- الأنصاري، عبدالرحمن محمد المحسن، معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان لابنه، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، 1417هـ.
17- البخاري، أبو عبدالله محمد بن اسماعيل، صحيح البخاري، تقديم: أحمد محمد شاكر، دار الجيل، بيروت.
18- ابن الهمام، الكمال محمد بن عبدالواحد، التحرير في أصول الفقه، ط2، دار الكتب العلمية، 1423هـ - 1983م.
19- ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984.
20- الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي، تحقيق: محمد علي، ومحمد عبدالله، ط1، دار ابن الهيثم، القاهرة، 1425هـ - 2004م.
21- الجرجاني، السيد الشريف، التعريفات، تحقيق: علي بن محمد، ط1، مؤسسة الحسنى، 1427هـ - 2006م.
22- جودلي، نور عبد، حكمة التشريع الإسلامي دراسة وتحليل في فلسفة التشريع، ط1، 1429هـ - 2008م.
23- الحاكم، أبو عبدالله بن عبدالله النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، دار المعرفة، 1418هـ - 1998م.
24- الدينوري، أبو بكر أحمد بن مروان، المجالسة وجواهر العلم، تحقيق: أبو عبيدة بن حسن آل سلمان، جمعية التربية الإسلامية، البحرين، 1419هـ.
25- الذهبي، شمس الدين أبو عبدالله محمد، سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرنوؤط، ط3، الرسالة، بيروت،1405هـ - 1985م.
26- الرازي، أبو عبدالله محمد بن عمر بن الحسن، المحصول، تحقيق: طه جابر فياض، ط3، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1418هـ - 1997م.
27- السعدي، عبدالرحمن بن ناصر، تيسير الكريم الرحمن، ط1، مكتبة الصفا، القاهرة، 1422هـ - 2002م.
28- الشاطبي، أبو اسحاق إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الشريعة، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1425هـ - 2004م.
29- الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، فتح القدير، ط1، دار ابن كثير، دمشق، 1414هـ.
30- الصابوني، محمد علي، تفسير آيات الأحكام، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت،1420هـ - 1999م.
31- الطحاوي، أحمد بن محمد سلامة، مشكل الآثار، تحقيق: شعيب الأرنوؤط، ط1، الرسالة، 1415هـ - 1994م.
32- الطوفي، سليمان بن عبدالقوي، شرح مختصر الروضة؛ تحقيق: عبدالله بن محسن التركي، ط1، مؤسسة الرسالة، 1407هـ - 1987م.
33- العثيمين، محمد بن صالح، شرح رياض الصالحين، دار الوطن للنشر، الرياض، 1426هـ.
34- العسكر، عبدالله بن محمد، قبسات من سيرة الصديق رضي الله عنه، صيد الفوائد.
35- عمارة، أحمد، سيكولوجية الصيام، ملفات أكاديمية عمارة.
36- العودة، سلمان بن فهد، التفكر ساعة، موقع الشيخ سلمان العودة،2012م.
37- الغزالي، أبو حامد محمد، إحياء علوم الدين؛ تحقيق: عبدالله الخالدي، دار الأرقم، بيروت.
38- الفيروز آبادي، محمد مجد الدين بن يعقوب، القاموس المحيط، تحقيق: محمد نعيم العرقسوسي، ط8، مكتب التراث في مؤسسة الرسالة، بيروت، 1426هـ - 2005م.
39- الكفوي، أيوب بن موسى، الكليات، معجم المصطلحات والفروق اللغوية، مؤسسة الرسالة، بيروت.
40- اللحيدان، عبدالله بن إبراهيم، التفكر في آيات الله ومخلوقاته في ضوء القرآن والسنة، مجلة البحوث الإسلامية، العدد66، ربيع أول، 1423هـ.
41- محمد، محمد شلبي، تأملات في آية الصيام، شبكة الألوكة،2011م.
42- مسلم، أبو الحسن مسلم بن الحجاج القرشي، صحيح مسلم، ترقيم: فؤاد عبدالباقي، ط1، مكتبة ألفا،1429هـ - 2008م.
43- النووي، محبي الدين أبو زكريا بن شرف، صحيح مسلم شرح النووي؛ تحقيق: صلاح عويضة، دار صلاح الدين، القاهرة.
44- الهاشمي، عبدالرحمن ذاكر، فقه النفس
45- هميسة، بدر عبدالحميد، التفكر عبادة ربانية وضرورة دعوية، مجلة البيان، العدد268، 2010م.
46- يعقوب، عادل ناصر الدين، مفهوم الحكمة وأبعادها شرعًا ووصفًا، جامعة الشرق الأوسط، عمان، 2013م.
47- موقع إسلام ويب.
48- موقع الدرر السنية.
49- موقع: موضوع.
50- موقع: صيد الفوائد.
51- موقع: الإسلام اليوم.
52- موسوعة ويكيبيديا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الدكتورة: منتهى صالح عبدالعزيز أبو عين - الأردن
بحث (دور التأمل في الوصول إلى الحكمة)
بحث حاز على مدالية التميز في الموسم العلمي الدولي الثاني في تركيا 2016م
نشر في: مجلة الدراسات الإسلامية والفكر للبحوث التخصصية التابعة لإدارة معتمد



[1] ابن فارس، أبو الحسن أحمد بن زكريا؛ معجم المقاييس في اللغة؛ تحقيق: شهاب الدين أبي عمرو، ص 89، دار الفكر بيروت.


[2] إبراهيم مصطفى، أحمد الزيات، حامد عبدالقادر، محمد علي النجار؛ المعجم الوسيط، ج1، ص27.


[3] الكفوي، أبو البقاء أيوب بن موسى؛ الكليات، ص 39، مؤسسة الرسالة، بيروت.


[4] ابن القيم، شمس الدين أبو عبدالله؛ مدارج السالكين؛ تحقيق: محمد المعتصم بالله، ج1، ص (453)، ط7، دار الكتاب العربي، بيروت، 1423هـ - 2003م.


[5] الفيروز آبادي، محمد مجد الدين؛ القاموس المحيط، ص 1415، ط8، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1426هـ - 2005م، وابن منظور؛ أبو الفضل جمال الدين محمد؛ لسان العرب، ج1، ص143، دار صادر، بيروت، وإبراهيم مصطفى وآخرون؛ المعجم الوسيط، ج1، ص (19)، وابن فارس؛ معجم المقاييس في اللغة، ص 103.


[6] الجرجاني، السيد الشريف؛ التعريفات؛ تحقيق: علي بن محمد، ص56، ط1، مؤسسة الحسني، 1427هـ - 2006م.


[7] الشاطبي؛ الموافقات، ص 97-98.


[8] الرازي، أبو عبدالله محمد بن عمر؛ المحصول؛ تحقيق: طه جابر فياض، ج5، ص 389، ط3، مؤسسة الرسالة، 1418هـ - 1997م.


[9] الطوفي، سليمان بن عبدالقوي؛ شرح مختصر الروضة؛ تحقيق: عبدالله بن عبدالمحسن التركي، ج3، ص 445، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1407هـ - 1987م.


[10] ابن الهمام، الكمال محمد بن عبدالواحد؛ التحرير في أصول الفقه، ص431، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983م.


[11] النووي؛ شرح النووي صحيح مسلم، ج8، ص 33.


[12] ابن القيم؛ مفتاح دار السعادة، ج1، ص182، وابن عاشور، محمد بن الطاهر؛ التحرير والتنوير، ج4، ص244، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984م.


[13] الجرجاني؛ التعريفات، ص 41.


[14] ابن فارس؛ معجم المقاييس اللغة، ص 266، وإبراهيم مصطفى، المعجم الوسيط، ص 269.


[15] الجرجاني؛ التعريفات، ص 36.


[16] الشوكاني، محمد بن علي بن محمد؛ فتح القدير، ج2، ص180، ط1، دار ابن كثير، دمشق، 1414هـ.


[17] ابن القيم، شمس الدين أبو عبدالله محمد؛ مفتاح دار السعادة؛ تحقيق: عبدالرحمن بن حسن، ج1، ص182، ط1، مجمع الفقه الإسلامي، جدة، 1432هـ.


[18] ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبدالحليم؛ مجموع الفتاوى؛ تحقيق: عبدالرحمن بن محمد، ج10، ص426، مجمع الملك فهد للمصحف الشريف، المدينة المنورة، 1416هـ - 1995م.


[19] البخاري؛ صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة، حديث رقم (6581)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: بدء الوحي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (160).


[20] النووي؛ شرح صحيح مسلم، ج2، ص349-355.


[21] الطحاوي؛ أحمد بن محمد سلامة، مشكل الآثار؛ تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ج7، ص520، ط1، الرسالة، بيروت، 1415هـ - 1994م.


[22] العسكر؛ عبدالله بن محمد، قبسات من سيرة الصديق رضي الله عنه، والحاكم، أبو عبدالله محمد بن عبدالله، المستدرك على الصحيحين، ج3، رقم الحديث (3216)، دار المعرفة، 1418هـ - 1998م، والحديث صحيح على شرط الشيخين.


[23] البخاري، كتاب الصلاة، باب: ما جاء في القبلة، حديث رقم (394)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر رضي الله عنه، حديث رقم (2399).


[24] ناصر الدين؛ يعقوب عادل، مفهوم الحكمة وأبعادها شرعًا ووصفًا، جامعة الشرق الأوسط، عمان، 2013م.


[25] ابن الجوزي؛ عبدالرحمن بن علي، سيرة ومناقب عمر بن عبدالعزيز؛ تحقيق: محب الدين الخطيب، ص 52-53، ط1، دار الكتب العلمية، 1404هـ - 1984م؛ الذهبي، شمس الدين أبو عبدالله؛ سير أعلام النبلاء؛ تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ج5، ص121، ط3، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405هـ - 1985م.


[26] الغزالي؛ إحياء علوم الدين، ج4، ص 532 - 534.


[27] ابن القيم، مفتاح دار السعادة، ج1، ص182.


[28] الغزالي، إحياء علوم الدين، ص 596.


[29] مقالات، سلمان بن فهد العودة، مقال: التفكر ساعة، 2012م، موقع الإسلام اليوم.


[30] ابن عثيمين، محمد، شرح رياض الصالحين، ج2، ص244.


[31] العجمي، عبدالرحمن؛ تفكر ساعة خير من قيام ليلة؛ صيد الفوائد.


[32] الأنصاري؛ عبدالرحمن محمد عبدالمحسن؛ معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان لابنه، مجلة الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، العدد 28، 1417هـ، موقع: موضوع.


[33] الدينوري، أبو بكر أحمد بن مروان؛ المجالسة وجواهر العلم؛ تحقيق: أبو عبيدة بن حسن آل سلمان، ج6، ص 240، جمعية التربية الإسلامية، البحرين، 1419هـ.


[34] البخاري، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب: لا يلدغ المؤمن، رقم الحديث (5782)، ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الزهد، باب: لا يلدغ المؤمن، رقم الحديث (2998).


[35] البخاري، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب: من كان يؤمن بالله، رقم الحديث (5672).


[36] ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن علي، التبصرة، ج2، ص 289، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406هـ - 1986م، وموقع الدرر السنية، موسوعة الأخلاق، مقال بعنوان: الحكمة؛ مازن بن عبدالكريم، موقع: الدرر السنية.


[37] هميسة، بدر عبدالحميد، التفكر عبادة ربانية وضرورة دعوية، مجلة البيان، العدد (268)، 2010م


[38] الهاشمي، عبدالرحمن ذاكر؛ فقه النفس، ويكيبيديا.


[39] ابن القيم، شمس الدين أبو عبدالله محمد؛ الداء والدواء؛ تحقيق يوسف بدوي، ص 21، ط5، دار ابن كثير، دمشق، 1421هـ - 2001م.


[40] البخاري، كتاب الطب، باب: النفث في الرقية، رقم الحديث (5417)، ومسلم، كتاب السلام، باب: جواز أخذ الأجرة على الرقية، رقم الحديث (2201).


[41] الصابوني، محمد علي، تفسير آيات الأحكام، ج1، ص30-31، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1420هـ - 1999م، وابن القيم، شمس الدين أبو عبدالله، الفوائد؛ تحقيق محمد عبدالقادر الفاضلي، ص 28-30، ط2، المكتبة العصرية، بيروت، 1420هـ - 1999م.


[42] السعدي، عبدالرحمن بن ناصر، تيسير الكريم الرحمن، ص 240-241، ط1، مكتبة الصفا، القاهرة، 1422هـ - 2002م.


[43] ابن القيم، الفوائد، ص214-215.


[44] ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل، البداية والنهاية، راجعه: محمد ناصر وآخرون، ج1، ص 161-164، دار البيان العربي، القاهرة.


[45]ابن ماجه، سنن ابن ماجه، كتاب الأدب، باب: الاستغفار، حديث رقم (3817)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، حديث رقم (4571).


[46] مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب استحباب الاستغفار، حديث رقم (4977).


[47] النووي، محي الدين أبي زكريا، صحيح مسلم شرح النووي؛ تحقيق: صلاح عويضة، ج17، ص 23-24، دار صلاح الدين، القاهرة.


[48] ابن ماجه، كتاب الأدب، باب الاستغفار، حديث رقم (3816)، صحَّحه الألباني في الجامع الصحيح حديث رقم (3886).


[49] عرفة، أحمد، مقال الاستغفار فضائله وفوائده، موقع: صيد الفوائد.


[50] أبو داود، كتاب الصلاح، باب في الاستغفار حديث رقم (1309)، والترمذي، كتاب الذبائح، باب الدعوات، حديث رقم (3586)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.


[51] ابن القيم، شمس الدين أبو عبدالله، مدارج السالكين، تحقيق: محمد المعتصم بالله، ج1، ص221، ط7، دار الكتاب العربي، بيروت، 1423هـ- 2003م.


[52] السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص78-79.


[53] ابن عاشور، التحرير والتنوير، ص 75؛ محمد، محمد شبلي، تأملات في آية الصوم، 2011م، شبكة الألوكة، http://www.alukah.net/، الشاطبي، أبو اسحاق، الموافقات، ج1، ص (28)، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1425هـ -2004م.


[54] الغزالي، إحياء علوم الدين، ج1، ص321.


[55] مسلم، صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب فضل الصيام، حديث رقم (3763).


[56] جودلي، نور عبد، حكمة التشريع الإسلامي، ص (194)، ط1، 1429هـ - 2008م، وعماره أحمد، محاضرة سيكولوجية الصيام، ملفات أكاديمية عمارة.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن