أرشيف المقالات

الإخلاص ينقي القلب من الغل والحقد والخيانة

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2الإخلاص ينقي القلب من الغل والحقد والخيانة

الإخلاص ماء حياة القلب، ومدار الفلاح كله عليه، فإنه يطهر القلب من الحقد والشحناء والخيانة.
 
♦ فقد أخرج البزار من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، فربَّ حامل فقه ليس بفقيه، ثلاث لا يغل عليهنَّ قلب أمرئ مؤمن: إخلاص العمل لله، والمناصحة لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعاءهم يحيط من ورائهم"؛ (صحيح الجامع: 6766) (صحيح الترغيب والترهيب).
 
♦ وفي رواية عند الإمام أحمد وابن ماجه من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها وحفِظها، ثم أداها إلى من لم يسمعها، فربَّ حامل فقهٍ غيرِ فقيهٍ، وربَّ حاملِ فقهٍ إلي من هو أفقهُ منه، ثلاثٌ لا يغل[1] عليهنَّ قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحوط من ورائهم"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يغل عليهم قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة".
 
يقول شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى 7 /3508: ويغل: بالفتح وهو المشهور، ويقال: غلي صدره فغل: إذا كان ذا غش وضغن وحقد؛ أي: إن قلب المسلم لا يغل على هذه الخصال الثلاث، والتي جاء ذكرها في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا، وأن تناصحوا مَنْ ولاه اللهُ أمرَكم"، فإن كان الله يرضاها لنا لم يكن قلب المؤمن الذي يحب ما يحبه الله يَغل عليها ويبغضها ويكرها، فيكون في قلبه عليها غل، بل يحبها قلب المؤمن ويرضاها؛ ا هـ.
 
وقال أيضًا في الفتاوي 1 /18: "وهذه الثلاث - يعني: اخلاص العمل، ومناصحة أولي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين - تجمع أصول الدين وقواعده، وتجمع الحقوق التي لله ولعباده، وتنتظم مصالح الدنيا والآخرة وبيان ذلك: أن الحقوق قسمان: حق الله، وحق لعباده.


فحق الله: أن نعبده ولا نشرك به شيئًا.
 
وحقوق العباد قسمان: خاص وعام، أما الخاص، فمثل بر كل إنسان والديه، وحق زوجته، وجاره، فهذه من فروع الدين؛ لأن المكلف قد يخلو عن وجوبها عليه، ولأن مصلحتها خاصة فردية، وأما الحقوق العامة، فالناس نوعان: رعاةٌ ورعيةٌ، فحقوق الرعاة: مناصحتهم، وحقوق الرعية: لزوم جماعتهم، فإن مصلحتهم لا تتم إلا باجتماعهم، وهم لا يجتمعون على ضلالة، بل مصلحة دينهم ودنياهم في اجتماعهم واعتصامهم بحبل الله جميعًا، فهذه الخصال تجمع أصول الدين؛ ا هـ.
 
وقال ابن القيم رحمه الله: وقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم" إلى آخره؛ أي: لا يحمل الغل ولا يبقى فيه مع هذه الخصال، فإنها تنفي الغل والغش ومفسدات القلب وسخائمه، فالمخلص لله إخلاصه يمنع غل قلبه ويخرجه، ويزيله جملة؛ لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه، فلم يبق فيه موضع للغل والغش؛ كما قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24]، فمن أخلص لربه صرف عنه دواعي السوء والفحشاء.
 
وقال ابن القيم أيضًا كما في "مدارج السالكين: 2 /90": وقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يغل عليهم قلب مسلم"؛ أي: لا يبقى فيه غل، ولا يحمل الغل مع هذه الثلاثة، بل تنفي عنه غله، وتنقيه منه، وتخرجه عنه، فإن القلب يغل على الشرك أعظم غل، وكذلك يغل على الغش، وعلى خروجه على جماعة المسلمين بالبدعة والضلالة، فهذه الثلاثة تملؤه غلًّا ودخلًا، ودواء هذا الغل واستخراج أخلاطه بتجريد الإخلاص، والنصح، ومتابعة السنة؛ اهـ.



[1] يغل: قال ابن الأثير رحمه الله: هو من الأغلال: الخيانة في كل شيء، ويروى: يغل بفتح الباء من الغل وهو الحقد والشحناء؛ أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق، وروِي: يغل بالتخفيف من الوغول: الدخول في الشر، والمعني: أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب، فمن تمسك بها طهُر قلبه من الخيانة والدغل والشر"؛ (النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير: 3 /381).
- وقال الألباني: قوله: لا يغل: يروى بفتح الياء وضمها، فمن فتح جعله من الغل، وهو الضغن والحقد، يقول: لا يدخله حقد يزيله عن الحق، ومن ضم جعله من الخيانة، والإغلال: الخيانة في كل شيء، كذا في (الكواكب الدراري) لابن عروة الحنبلي (1 /223)، (صحيح الترغيب والترهيب للألباني: 1 /40).

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير