أرشيف المقالات

الأدب والفن في أسبوع

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
8 للأستاذ أنور الجندي مهرجان الشعر دعت اللجنة الثقافية بجمعية الشبان المسيحيين بالقاهرة إلى مهرجان للشعر في يوم الجيش عقد بدار الجمعية مساء الجمعة 17 أكتوبر سنة 1952.
وقد قدمه الأستاذ خالد الجرنوسي، وعقب عليه الأستاذ كامل أبو العينين، وكانت ضيفة الشرف فيه السيدة أمينة السعيد. إلى هنا ليس لنا اعتراض على أي شيء؛ غير أن الذي لوحظ أن جميع الشعراء الذين قدموا في المهرجان كانوا من الأسماء الجديدة.
.
وكان في الاستطاعة دعوة شعراء آخرين معروفين للإشتراك في هذا المهرجان، ولا ندري هل المسؤول عن ذلك جمعية الشبان نفسها، أم الأستاذ خالد الجرنوسي.
. لا اعتراض لنا أيضاً على الشعراء الجدد، فنحن ندعو إلى إعزاز الأدب الجديد، وفتح المجال أمام أصحابه لياخذوا امكانهم ليتسابقوا إلى الغاية.
.
ولكنني أعتقد موقنا أن قصر المجال على طائفة دون طائفة، لا بد أن يكون له سبب يبرره.
. لماذا لم نسمع في هذا المهرجان محمود حسن إسماعيل أو عبد الغني حسن أو علي الجمبلاطي أو قاسم مظهر أو العوضي الوكيل، أو علي متولي صلاح أو غيرهم وغيرهم. وفي الميدان النسوي.
.
لماذا اقتصر على الآنسة روحية القليني؟ إنني مع الأسف لم أقرأ للآنسة الشاعرة.
.
وأرجو أن أقرأ لها في وقت قريب؛ ولكنني أسأل لماذا لم يدع إلى ندوة الشعر أمثال: جميلة العلايلي أو أماني فريد، أو غيرها من الشاعرات.
. .
.
وإني لأتساءل، لماذا اكتفى الأستاذ خالد الجرنوسي الإشراف، ولم يقدم قصيدة من قصائده العصماء في هذه المناسبة! إن مهرجان الشعر في يوم الخميس عمل أدبي مشكور، وهو نافذة من نوافذ الشعور، أعطت هؤلاء الشعراء الشبان فرصة التعبير عن مشاعرهم في هذه المناسبات الفذة.
. .
.
ولكنها كانت تكون أعظم أثراً وأبعد قوة في محيط الأدب لو أمكن أن تنفذ على نطاق واسع، وفي جو أكثر استعداداً وأخصب إنتاجاً.
.
وإننا لنرجو أن تعود جمعية الشبان المسيحية الكرة، وأن توسع نطاق الدعوة حتى نسمع قصائد أخرى، وإنا لنرجو أن يشترك فيها شعراء وشاعرات من الأسماء اللامعة المعروفة! حول تطهير الأدب أرسل إلي الأستاذ عبد اللطيف فأيد الخطاب التالي: (في هذه الآونة التي تتنفس فيها البلاد من شر ما جثم على صدرها في العصور الغبرة، تمتد يد التطهير المباركة إلى كل مرفق من مرافق الدولة لتغسله من الأدران التي علقت به حتى يغدو نظيفا، يؤدي واجبه بدقة وأمانة. .
.
أرى مرفق الأدب قد وضع في زاوية مهملة، وقد أغفله الأدباء ولم ينظروا إليه نظرة تعيد شامخ مجده! وأنت تعلم يا سيدي أن الدخلاء على الأدب كثيرون، احترفوا الإمساك بالقلم، وهم لا يعرفون كيف يضعونه بين أناملهم ويوجهونه التوجيه الصحيح الذي يرسم العبارات في استقامة ونضوج، واتخذوا من بعض الصحف والأوراق الرخيصة ميدانا يعرضون فيه عملتهم الزائفة. وقد راجت هذه العملة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
.
وأقبل عليها طلاب المدارس والمعاهد والجامعات وكثيرون من أبناء الشعب، فتغذوا بلبانها، وأصبحت عمادا لهم في الإنشاء والتعبير! ولأنك لتجد الحسرة والألم يغمران قلبك ونفسك وكيانك كله حينما تفتش عن روح أدبي بالمعنى القيم في المحيط التعليمي! لأنك سوف لا تعثر لا على أشخاص يصفون الكلمات في غير تناسق، ويخلقون عبارات ميتة خالية من الحياة، مما صير الذوق الفني في خطر! ولولا البقية الباقية من السلف الصالح والشبيبة المتوثبة ممن تفتحت عيونهم وعقولهم، لأصبحت سوق الأدب في انهيار تام أليس من واجب علماء القلم، وشيوخ الأدب، وحملة المشاعل، أن يجعلوا من أنفسهم قوامين على التراث الذي امتدت إليه يد العبث والضياع!)
. هذه كلمات تفيض بالإيمان والحماسة، وتكشف عن روح أدبية خالصة، نحن ننشدها في شبابنا الجديد في العهد الجديد وها أنت ترى يا صديقي أن (الرسالة) تواصل رسالتها، وتحتمل في سبيلها كل عنت.
. وأنت ترى الناس وقد تحولوا عن الأدب الرفيع إلا قلة من أصحاب الذوق الرفيع، ومع ذلك فإن (الرسالة) قد أعلنت أنها ستزداد قوة في الأيام القريبة على أداء رسالتها التي آمن بها صاحبها أصدق إيمان، وجرد نفسه له خالصاً مخلصاً لا يبتغي إلا رضوان الله.
. إن الأدب الرفيع سيخلد ويعيش ويبقى.
.
وكل هذه التفاهات المزخرفة، والفقاعات الملونة التي تعجب بعض ذوي الأهواء.
.
ستموت وتنطوي.
.
وتذهب أدراج الرياح.
.
فلا تضيق يا صاحبي إذا لم يعجبك أمر الناس.
وإنا لنعتقد وقد اعتدلت الموازين في الحياة السياسية والاجتماعية.
.
أن تعتدل قريباً موازين الأدب، وقد غلبت نزعة الجد في أمور الحياة، فلا بد أن يستجيب الأدب لها. عود إلى الشعر المنثور تفضل أخي الأستاذ إبراهيم عبد اللطيف نعيم فأرسل إلى كتابه (في الضباب) مع كلمة قال فيها (إنه وقف طويلاً أمام كلمتي عن الشعر المنثور). وقد كتب صديقي كتابه هذا سنة 1941.
.
أي منذ اثني عشر عاماً. كان أيامها في سن الحب والهوى.
.
تلك السن التي تتفق مع هذا اللون من الأدب، أما اليوم نراه وقد تحول عن هذا اللون وكل شاب من الأدباء أحب هذا اللون يوماً كان السن وكانت العاطفة، وكانت وعمل متعددة تدفعه لان يقرأه، أو يعبر عن مشاعره بأسلوبه. .
.
الضباب.
.
والظلال.
.
والأضواء الخافتة.
.
تلك هي مظاهر الحياة في سن الشباب، وهي مظاهر الأدب أيضاً، وفي هذا المعنى أقرأ للأستاذ إبراهيم في كتابه: .
.
وفي عينيك رأيت الأسى والمرح .
.
ورأيت اليأس والأمل .
.
ورأيت الحيرة والاطمئنان هذه صورة النفس في سن الشباب الباكر، عندما تتراءى الصور ولا تثبت، وتتبدى الأحلام كالخيال البعيد! إن رأيي يا سيد إبراهيم في الشعر المنثور، هو أننا في عصر نهضة.
.
عصر بناء.
.
عصر الأعمال الضخمة.
.
عصر الجد الجاد؛ كل منا يستطيع أن يحمل حجرا كبيرا ليضعه في هذا لبناء الضخم. أما الشعر المنثور فإنه لون من ألوان (الطرافة) يأتي بعد الجد الصارم، ومن ألوان (الترف) يأتي بعد الحاجة الماسة، ومن فنون (المتعة) يأتي بعد المتعة الفردية. فأنا لا أحب أن نعود إليه ونحن على أبواب حياة جديدة.
وما أقوله عن مصر أقوله عن سوريا ولبنان وبلاد النهضة جميعا هذا فضلاً عن أنني عرضت لشعر شاعرة.
.
أنثى؛ إن من حقها أن تصور مشاعرها، ولكن ليس من حقها أن تطلعنا على صفحة مثيرة.
.
ما أحراها أن تكون صفحة خاصة بها، إن شاءت أن تنظر لها من حين إلى حين. إن الأدب اليوم لا يؤمن بمذهب الفن للفن.
.
ذلك هوس كان يقول به بعض ذوي الشذوذ من الكتاب.
.
وكانوا يصدرون هذا الرأي عن هوى صارخ.
فما احرنا وقد أخذت أوربا اليوم تعيد النظر في مذاهبها الأدبية، وفي قواعد الحضارة ذاتها أن ننكر ما يتنافى مع طابعنا في الشرق.
.
ولا سيما في أدب المرأة. إن أوربا اليوم لم تعد تؤمن بمذهب الفن للفن، ولن تجد كاتباً واحداً يوافق عليه إلا إذا كان من أنصار سارتر! وهو من هو في علم الفحشة والضلال، وإني لأشكر لأخي الأديب هديته، وأتمنى أن أقرأ له كثيراً.
.
في غير مجال الشعر المنثور أنور الجندي

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢