أرشيف المقالات

الأدب والفن في أسبوع

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
8 للأستاذ عباس خضر الإصلاح الحقيقي للأزهر: نشرت الأهرام منذ خمسين سنة ما يلي: (ارتأى فضيلة الإمام الشيخ محمد عبده، بعد أن درس (بروغرامات) تعليم الأزهر وغيرها من (بروغرامات) الدروس، إدخال تعديلات كثيرة على (بروغرام) الأزهر، فقدم تقريرا بذلك، وضمنه (البروغرام) الواجب التدريس بمقتضاه، ومن أحكامه إدخال جميع العلوم، من كيمياء وفلسفة وهندسة وغيرها، ورفع هذا التقرير إلى السدة الخديوية، فأحالته إلى لجنة العلماء المؤلفة من ثلاثين إماماً من الأزهر الأفاضل، فاجتمعت هذه اللجنة برياسة حضرة المفتي، لأن سماحة العلامة المفضال شيخ الأزهر الرئيس الشرعي لهذه اللجنة ترك رياسة هذه الجلسة لفضيلة الشيخ محمد عبده، ليكون أطلق يدا في تأييد مبادئه الجديدة المعارض لها شيخ الأزهر) كان ذلك منذ خمسين سنة، وكانت تلك أول خطوة نحو إخراج الأزهر من عزلته ليساير ثقافة العصر الحديث.
أدخلت العلوم الحديثة إلى الأزهر منذ ذلك الحين، وقد تحايل المصلحون إذ ذاك على جذب الطلبة إليها بمختلف الوسائل، فألفوا فيها ودرسوها على الطريقة الأزهرية القديمة، فكانوا مثلا يعرفون مصطلحات علم الحساب كالجمع والطرح ويخرجون محترزات التعريف فالجمع هو ضم عددين أو أكثر من جنس واحد لينتج ناتج يسمى حاصل الجمع، و (الأس) هو عدد صغير يوضع فوق عدد آخر للدلالة على حاصل ضربه في نفسه مرة أو أكثر.

وهكذا.
وقد نظم بعض الطلبة مسائل الجغرافيا ليسهل عليه حفظها كما يحفظ المتون المنظومة، ومن ذلك قول الناظم: أفريقيا يا عالما بالحال ...
تحد بالبحر من الشمال وتعاقب أساتذة العلوم الحديثة في الأزهر، حتى كان عهد المغفور له الشيخ المراغي الذي نقل الطلبة من المسجد إلى أبنية مدرسية، وجعل برامج دراسة العلوم الحديثة مطابقة لبرامج المدارس الابتدائية والثانوية، واحضر لتدريسها نفس أساتذة هذه المدارس، وأدخل كذلك على مناهج الدراسة في الكليات ما يناسبها من الدراسات العصرية وندب لتدريسها أساتذة من الجامعة وبعض المدارس العالية. وصار الأزهر - كما نراه الآن - يدرس العلوم الحديثة بفضل ذينك المصلحين العظيمين، وقد خطا كل منهما الخطوة (الممكنة) في زمنه.
ولكن هل هذا هو الإصلاح الحقيقي المنشود للأزهر؟ قلت فيما مضى إن العلوم الحديثة في الأزهر (روافد) ثقافية، وأقصد بذلك أنها تمد المجرى الأصيل وهو علوم الشريعة الإسلامية، ولن يكون الأزهر حديثاً ومسايراً لركب الزمن ومحققاً لما يطلب من جامعة إسلامية في القرن العشرين، إلا إذا عرض هذه العلوم بأسلوب حديث وطبق أصولها على مسائل العصر الحديث.
وهذا هو ما أعنيه بالإصلاح الحقيقي للأزهر، وهو يتطلب مصلحاً (ثالثاً) يخطو الخطوة (الثالثة) وهي الخطوة التي ستكون في الصميم. إن الأزهري الحديث يشعر بأنه ذو شخصية مزدوجة: من قديم ومن حديث، فهو يشارك الناس في المجتمع العصري كثيرا من ألوان النشاط العصري، على اختلاف حظوظ الأشخاص من ذلك، ويسايرهم فيها، ويجيد في بعضها.
ولكنه مع كل ذلك يشعر بشخصية ثقافية قديمة لا يكاد يبديها لأنها لا تلائم العقلية التي تحيط به.
ولو أنه تلقى ثقافته الإسلامية بطريقة عصرية، وبتطبيق عصري، لما أحس بهذا الحاجز القائم في عقله بين ثقافتين مختلفين. وأريد أن أقول لأولئك الذين كتبوا كلمة هنا وكليمة هناك: إن الأزهر ليس مقصوراً على من ينتسبون إليه ويحملون شهاداته، بل هو للجميع باعتباره منبع المعرفة الإسلامية، ولم أقصد فيما أوردته من رسائل الطلبة وما عقبت به إلا الصالح العام عن طريق تكوين جيل إسلامي جديد يعرض الثقافة الإسلامية عرضاً جديداً ويلائم بينها وبين مقتضيات العصر. وقد قصدت في كتابتي السابقة أن أشرك الطلبةوأفسح لهم كييعبروا عن مشاعرهم ويبدوا أفكارهم، وأتبعت الطريقة (الأستنتاجية) فاستنبطت منهم عناصر الموضوع حتى بدا تناوله جديداً وإن كانت الأقلام تعاورته من قبل، وقد قصدت بذلك أن أستحث الجيل القائم من علماء الأزهر على أن يخرج كنوزه للناس، فقد قضوا أشطاراً من أعمارهم في دراسة تلك الكتب وإدراك مراميها، وهؤلاء العلماء هم الذخيرة الحية الباقية والطلبة في هذا العصر تؤودهم المناهج المزدحمة وقد أصبحوا لا يسيغون أساليب التأليف القديم وصارت نفوسهم منصرفة عنها فلن يقبلوا عليها مثل أسلافهم، فواجب أولئك العلماء أن يؤدوا الأمانة التي تلقوها عمن قبلهم بطريقة تناسب العقلية الجديدة عقلية من يراد منهم أن يتسلموها، ولا ينبغي أن نيأس من قعود الأساتذة عن هذا الغرض، فإنا وإياهم ننتظر المصلح الثالث الذي قد يكون شيخا للأزهر، وقد يكون رجلاً آخر من رجال الأزهر يفسح له الشيخ الأكبر، وإن كان يعارضه، ليكون أطلق يداً.
واحدة بواحدة: تتجه وزارة المعارف الآنإلى العمل على نشر الثقافة الفرنسية في مصر، وذلك بجعل اللغة الفرنسية اللغة الأجنبية الأولى في بعض المدارس إلى جانب اعتبار الإنجليزية اللغة الأجنبية الأولى في البعض الآخر وبالإكثار من البعوث العلمية إلى فرنسا وخاصة بعد التوسع في إنشاء الجامعات المصرية وما يقتضيه من الحاجة إلى الأساتذة، وبمساعدة المدارس والهيئات الثقافية الفرنسية الموجودة في مصر على تأدية رسالتها. والتمكين للمصريين من الانتفاع بالثقافات الأجنبية المختلفة وعدم الاقتصار على بعضها هو رأي معالي وزير المعارف الدكتور طه حسين بك، ومن الطبيعي أن يعمل على تنفيذه وتحقيقه في النطاق الرسمي وهو على رأس وزارة المعارف، كما دأب على العمل به في الميدان الأدبي العام. هذا جميل ومفيد، ولكن هناك شيئاً آخر يعرفه معاليه ولا أحسبه إلا يوليه اهتمامه ذلك أن السلطات الفرنسية في شمال أفريقية تمنع وصول الثقافة المصرية والعربية إلى هناك وقد طلبت بعض البلاد المغربية أخيرا من وزارة المعارف المصرية أن تنشئ فيها مدارس تسير على المناهج المصرية، وأن تمدهم بطائفة من الكتب الأدبية والعلمية والفنية لتكون نواة لمكتبات عامة يتردد عليها أبناء تلك البلاد.
ولكن السلطات الفرنسية عارضت - كدأبها - في إجابة هذه المطالب، وجرت اتصالات بين الوزارة وبين تلك السلطات الفرنسية في هذا الشأن لم تنته إلى حل. وقد استطاع معالي الوزير الأريب أن يحل مسألة مراقب التعليم المصري في السودان على وجه أرضي الكرامة المصرية، فسافر المراقب إلى السودان بعد ما وقف الإنجليز في سبيل دخوله إليه.
وهذا المثل يجعلنا آملين في أن يستغل معاليه مركز الثقافة الفرنسية بمصر في حمل الفرنسيين على التعقل وعدم الوقوف في وجه الثقافة المصرية المتجهة إلى شمال أفريقية، تلك البلاد التي تجمعنا بها روابط لا انفصام لها. مسابقة مختار في النحت والتصوير والرسم احتفل يوم الثلاثاء الماضي بافتتاح معرض الأعمال الفنية التي قدمت إلى مسابقة مختار في النحت والتصوير والرسم، وهي المسابقة السادسة عشرة التي أقيمت لتخليد ذكرى مثال مصر الأول، وذلك في متحف الفن الحديث بشارع قصر النيل بالقاهرة.
وقد استقبلتنا في مدخل المتحف بالحديقة تماثيل مختار نفسه معبرة موحية، كأن الفنان العظيم هو الذي يستقبلنا في الاحتفال بذكراه.
. والمعرض يحتوي على ثلاث مسابقات، الأولى في النحت وموضوعها (اللاجئون العرب) والثانية في التصوير الزيتي وموضوعها (الطفولة المتشردة) والثالثة في الرسم، ولم يحدد لها موضوع، ولكن رسومها تتجه أيضاً نحو الطبقات المعذبة، وقد فاز بالجائزة الأولى فيها رسم يمثل فرقة من الشحاذين يشاركها في طعامها التافه كلب على طوار بجوار مسجد، فالمعرض كله يصور البؤس والألم فهو جدير بأن يسمى معرض البؤساء وأعمال هذا المعرض متوسطة، وبعضها جيد، وهي وإن كانت خالية من الروائع الفنية الممتازة التي تستوقف المشاهد وتستحوذ على إعجابه، إلا أنها ذات أصالة، لعراقة موضوعاتها في بيئاتنا الزاخرة بهذه الصور، فليس فيها محاكاة أو اقتباس، وهي من هذه الناحية تدل على شخصيات أصحابها وعلى مواهبهم التي تبشر بالخير. والذي أعجبني في المعرض الصورة التي فازت بالجائزة الأولى في التصوير الزيتي، وهي تمثل أخوين: أخ يدفن وجهه بين ذراعيه المشتبكتين وشعره الأشعث الأغبر ينطق بالبؤس والحرمان وأخت جلست إلى جانبه موزعة بين العطف على أخيها والإحساس بالألم.
وأعجبتني كذلك الصورة رقم 4، وفيها طائفة من الأطفال المشردين يسوقهم شرطي وقد ربطهم بحبل كما يساق قطيع من السائمة إلى المذبح.

وأمسك المخبر بأسمال أحدهم فبدت سوأته في شكل مؤثر، وهي حركة معبرة بارعة. أما التمثال الذي فاز بالجائزة الأولى في مسابقة النحت فهو يمثل أسرة من المهاجرين راحلة، وهو تمثال لا بأس به، ولكن أعجبني هناك تمثال (رقم 24) لم يفز بجائزة.
وهو الذي يمثل أسرة من زوجين وطفلين أضناهما السير والتعب، فحطوا رحالهم إلى جذع نخلة قد بتر رأسها، وفي ذلك إيحاء بانقطاع الخير حتى مما لجئوا إليه.
عباس خضر

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢