أرشيف المقالات

الأدب والفنّ في أسبوع

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
8 للأستاذ عباس خضر سيرة الجيل الجديد في الأزهر نشرت في العدد السابق من (الرسالة) ما تلقيته من الطالب (ضياء الحائر بكلية الشريعة) متضمناً شكواه من كتب الدراسة الأزهرية.
ولم أتوسع في التعليق عليها، انتظاراً لما عسى أن يبدي من آراء ووجهات نظر تنير جوانب الموضوع ونستطيع أن نتبين في ضوئها اتجاه الرأي العام الأزهري فيه. ولم ألبث حتى جاءت الرسائل تترى من الطلبة، تعبر عن الارتياح لإثارة الموضوع، وتهيب بي أن أجيل القلم فيه، وتفيض بالألم والشكوى مما يعانونه منها.
وكتب بالعدد الماضي من (الرسالة) اثنان يعطفان على (ضياء الحائر) ويؤيد إنه فيما أبداه، كما كتب الأستاذ سليمان دنيا مقالاً عالج فيه الموضوع على نحو يقوي جانب تلك الكتب، وسيأتي الكلام على ما تضمنه هذا المقال بعد النظر في رسائل الطلبة الذين يستصرخون، وهم الجيل الجديد الحائر الذي ينبغي أن يتوجه الاهتمام إليه، عسى أن يؤخذ بيده ليسير نحو مستقبل يرجى له وللثقافة الإسلامية على العموم. يقول (ص.
أ.
ج بمعهد طنطا)
في رسالته الطويلة: (قرأت اليوم العدد781 من مجلة الرسالة وتصفحت خطاب الأستاذ الحائر فشممت منه رائحة العواطف المحترقة والمشاعر المحتضرة، واطلعت على تعليقك على كلمة (الحائر) وأغلب ظني أنها من الحيرة التي تكتنفنا جميعاً وكان الواجب عليه أن يعبر بلفظ (الحائرون) لأن البلية طامة) وينقل إلى عبارات من الكتب المقررة منها، ما قاله صاحب النهاية المقررة على طلبة السنة الثانية الابتدائية بعد أن عرف التيمم: (والأصل فيه آية وإن كنتم مرضى أو على سفر وخبر جعلت لي الأرض مسجداً وتربتها طهورا، وسوغ الاستدلال بهذا الخبر قرينة سياق الامتنان وكذا الانتقال إلى التخصيص بعد العموم إذ مفهوم اللقب مع القرينة حجة كما صرح به الغزالي) ومنها ما جاء في كتاب آخر (ولضاب الذهب الخالص ولو غير مضروب عشرون مثقالاً وهو لم يتغير جاهلية ولا إسلاماً والمثقال اثنتان وسبعون حبة وهي شعيرة معتدلة لم تقشر وقطع من طرفيها ما دق وطال) ثم يقول: (وليس الأمر مقصوراً على كتب الفقه، وإليك عبارة من كتاب البلاغة بالنص: (فإن قيل هو أي وجه الشبه مشترك فيه ضرورة اشتراك الطرفين فيه فهو كلى ضرورة أن الجزئي يمتنع وقوع الشركة فيه والحسي ليس بكلى ضرورة أن كل حسي فهو موجود في المادة حاضر عند المدارك ومثل هذا لا يكون إلا جزئياً ضرورة فوجه الشبه لا يكون حسيا قط - قلنا المراد بكون وجه الشبه حسياً أن أفراده أي جزيئاته مدركة بالحس كالحمرة التي تدرك بالبصر جزيئاتها الحاصلة في المواد) أواه! أواه من أي التفسيرية وما فعلت بعقولنا وما أنهكت من جسومنا وهدت من قوانا إن كان قد بقي فينا شيء من قوة!). ولا أريد أن أطيل بعرض محتويات بقية الرسائل، وهي من (أحمد السيد خضر طالب بكلية الشريعة) و (فتحي محمد عبد الحافظ بمعهد طنطا الثانوي) و (السيد عوض محمود الجعفري بمعهد فاروق الثانوي) و (رفاعي خاطر بكلية الشريعة). وكلها تعبر عن القلق والحيرة والألم، وتفصح عن التطلع إلى التعديل والإصلاح ومسايرة الزمن، ومما يقوله الطالب فتحي عبد الحافظ (هذا رأينا نحن الطلاب وأما رأي أساتذتنا الأفاضل فيكفيك أننا كنا نقرأ هذا الموضوع أمام أحد الأساتذة الإجلاء فكان جوابه أن هذا كلام ليس له ظل من الحقيقة، وحجته في ذلك أن هذه العلوم المعميات تفتق الذهن وتوسع مدارك الفهم، وكيف تأخذ رأي أستاذ عاشر هذه الكتب طول حياته وأصبحت هي غذاءه الوحيد؟). وأنا والله لا أدري كيف تفتق تلك المؤلفات الذهن وتوسع مدارك الفهم! كيف يدرك الطالب في السنة الثانية الابتدائية أن الذي سوغ الاستدلال بالخبر قرينة سياق الامتنان إلى آخر ما صرح به الغزالي.
.
حتى يكون ذلك مدعاة إلى تفتيق ذهنه وتوسيع مداركه؟ ثم ما (لضاب الذهب) الخالص مضروباً أو غير مضروب، وما الشعيرة المعتدلة التي لم تقشر وقطع من طرفيها ما دق وطال؟ ما هذا وأمثاله، مما وضع في العصور الماضية، من إفهام ناشئين في القرن العشرين بمصر حيث يتعامل الناس بالجنيه والقرش والمليم! وهذه البلاغة من قال بأنها بلاغة وصاحبها لا يكاد يبين؟. هل المقصود من دراسة تلك المؤلفات ما فيها من علم أو هي نفسها المقصودة؟ فإذا كان العلم هو الغرض فلماذا يصرون على حبسه بين جدرانها المغلقة، ولماذا لا يستخرج ما فيها من (الخير الكثير) ويجلي لأهل العصر في أسلوب العصر، ويوجه الجهد الذي يبذل في فهم العبارات الغامضة إلى ألوان المعرفة المتعددة أو إلى التطبيق على مسائل الحياة العصرية الواقعة. يذهب الأستاذ دنيا إلى أن (الخير كل الخير للأزهر في أن تكون دراسته مستوعبة تتناول المؤلفات منذ عرف المسلمون التأليف والتدوين، تدرسها وتتبين أسلوبها ومنهجها وموضوعاتها) ويقيس ذلك بأن العلماء من غير الأزهريين يدرسون الإنسان الأول في عصور ما قبل التاريخ ليعرفوا أسلوب تفكيره وطريقة بحثه والموضوعات التي استرعت انتباهه فأخضعها لتفكيره وبحثه الخ.
فهل يريد الأستاذ أن يدرس الطلاب جميعاً من البدء إلى النهاية على نمط أساتذة قليلين معنيين بدراسات خاصة؟ وهل يريد أن تكون الدراسة بالأزهر كلها تاريخ مؤلفات وطرائق مؤلفين! نحن أمام علوم ذات حقائق معينة، فهل ندع هذه الحقائق لندرس عبارات المؤلفين ونجهد في تفسيرها أو نعمد إلى الحقائق نفسها فنكشف عنها وندنيها من الإفهام والعقول وننميها بإضافة ما استحدث بعدها؟ لقد عالج الأستاذ الموضوع معالجة فيلسوف يجلس في البرج العاجي، معالجة بعيدة عن الواقعية والأغراض التربوية. سألت في كلمتي السابقة: (هل انتفع الأزهريون بما حصلوه من العلوم الحديثة وما رأوه من طرائقها في ثقافتهم الأزهرية الأصيلة!) وأنا لا أقصد السؤال عن فائدة العلوم الحديثة في ذاتها، كما فهم بعض من كتبوا إلي، وإنما أعني أثرها في عرض العلوم الشرعية والعربية بالأزهر، ولماذا لم يحتذ الأساتذة الأزهريون حذوها في تأليف علومهم بحيث تكون قريبة المنال ملائمة للعصر داعية إلى التجاوب فيها مع البيئات الأخرى.
إن هذه العلوم الحديثة روافد للتثقيف العام بالنسبة للأزهريين، وقد جرت في الأزهر ومعاهده على أيدي المصلحين العصريين، فاستفادوا منها ولاشك، ولكن لا يزال بينها وبين العلم الأزهري الصميم من شريعة ولغة حاجز قائم، إذ لا يزال هذا العلم على حاله القديم لم يتأثر بطرائق العلوم الحديثة.
وأنا أعتقد أن باب الإصلاح الحقيقي في الأزهر ما زال مغلقاً، ولم تدخل شمس الإصلاح الحديث إلى ذلك العلم الأزهري الصميم إلا من كوى ضيقة، نفذت هذه الشمس إلى النحو قليلاً، فلم يعد الطالب يبدأ بإعراب (بسم الله الرحمن الرحيم). أما علوم الشريعة وما يسمونه (بلاغة) فلا تزال في ظلام دامس من طرائق العصور الماضية التي لا تتفق مع العصر الحاضر. والأمر كله يتلخص في أمرين، الأول الكتب القديمة المعقدة التي يفرض إدراك مراميها الخفية المستعصية على طلاب يتلقون معارف كثيرة، مختلفين عن أسلافهم على الأقل في أن الأسلاف كانوا متفرغين لها غير مطالبين بتحصيل ما جد من العلوم والمعارف، والأمر الثاني هو وقوف العلماء المحصلين لهذه الكتب أنفسهم عندما وقفوا عليه منها، معرضين عن تنميتها بما يلائم واقع الحياة الحاضرة. ولا يقتصر ضرر ذلك على طلبة الأزهر، بل هو يمتد إلى المحيط الإسلامي كله، لأن استغلاق الدراسة الإسلامية في الأزهر يباعد بين هذه الدراسة وبين المتعلمين في خارج الأزهر لأنهم يجدونها صعبة المنال بل مستحيلة التحصيل، فكان من ذلك انفصال عقلية المتعلمين المسلمين من غير الأزهريين عن الحقائق الإسلامية.
وهذا من أسباب عدم التجاوب بين المجتمع وأبناء الأزهر. بعد كتابة ما تقدم وصلتني رسائل من حضرات (جمعة الباكي بكلية الشريعة ومحمد عبد العزيز عمر طالب بمعهد أسيوط وعبد الصبور الغندور ومحمد السعيد بكلية الشريعة) ويظهر أن ما تضمنته سيحملني على معاودة الكتابة في الموضوع.
وعلى ذلك يعتبر الباب مفتوحاً.
مسابقة المجمع اللغوي: احتفل مجمع فؤاد الأول للغة العربية بإعلان نتيجة مسابقته الأدبية لسنة 1949 - 1950 بدار الجمعية الجغرافية الملكية يوم الأحد الماضي فألقى الأستاذ إبراهيم مصطفى كلمة عبر فيها عن سرور المجمع بهذا اليوم الذي يعد من أيامه ومواسمه.
وتحدث عن مكافأة المجمع على الإنتاج الأدبي فقال إنها كانت في أول الأمر هبات من نفوس كريمة ثم رصد لها المجمع في ميزانيته 800 جنيه كل عام.
ثم تحدث عن موضوعات هذه المسابقة فقال إنها كانت تشمل القصة والبحث الأدبي، فأما القصة فإن المجمع لم يتلق من آثار المتنافسين ما يرضاه لسمو هذا الفن.
وأما البحث الأدبي فقد شمل تحقيق كتب عربية قديمة وقد فاز منها أربعة حققها دارسون مجدون قادرون، وفاز في الدراسات الأدبية بحث عن (رفاعة الطهطاوي) وهو أحد الموضوعين اللذين حددهما المجمع ليلتفت بالكاتبين إلى درس أدبنا الحديث. وقد عرف الأستاذ بالكتب المحققة الفائزة ومكانتها الأدبية، كما عرف برفاعة الطهطاوي موضوع الدراسة الفائزة ثم أعرب عن اغتباطه بفوز السيدة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) قائلاً إنها أول فائزة بجائزة من المجمع.
وقد فات الأستاذ أن أول فائزة بجائزة من المجمع هي السيدة سهير القلماوي على بحثها في ألف ليلة وليلة.
ثم قال إنه يأمل أن يجد في المجمع اللغوي زميلات يعملن مع الأعضاء العاملين.

ولعل الأستاذ يتيح بذلك للسيدات المطالبات بالحق السياسي أن يطالبن أيضاً بالحق اللغوي.

ولعلهن بعد أن ينلن هذا الحق يرضين عن نون النسوة التي كن يطالبن المجمع اللغوي بإلغائها.
ولم يدع الأستاذ إبراهيم مصطفى النحو، أو لم يدعه النحو، فعندما أراد أن يزجي التهنئة إلى الفائزين جعل يخرج كلمة (تهنئتي) هل من إضافة المصدر إلى فاعله أو من إضافة المصدر إلى مفعوله، وعلى هذا الإعراب يكون المعنى (نهنئ أنفسنا). ويلاحظ أن الكلمة في مجموعها كانت (سائحة) إذ لم يوجه الأستاذ همه إلى ناحية أدبية يأتي فيها بغير ما يشبه تقارير اللجان، ومن أمثلة هذه الناحية ما ألقاه الدكتور طه حسين بك في تقديم إحدى المسابقات الماضية عن (البحث الأدبي) وما ألقاه الأستاذ العقاد في تقديم إحداها عن (مدارس الشعر المعاصر) وما ألقاه المرحوم المازني في إحداها أيضاً عن (الشعر الوسط). وبعد أن فرغ الأستاذ إبراهيم مصطفى من كلمته، وقف الأستاذ عبد الفتاح الصعيدي مراقب المجمع فأعلن نتيجة المسابقة كما يلي: يمنح الأستاذ عبد السلام محمد هارون الجائزة الأولى المخصصة للنشر والتحقيق وقدرها مائتا جنيه عن مجموع جهوده القيمة في تحقيقه ونشره لكتابي الحيوان للجاحظ ومجالس ثعلب لأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب. تمنح جائزة ثانية للتحقيق والنشر قيمتها مائتا جنيه على أن تقسم مناصفة بين السيدة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) لتحقيقها ونشرها رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، وبين الأستاذ طه الحاجري لتحقيقه ونشره كتاب البخلاء للجاحظ، تقديراً لما بذلاه في تحقيقهما من مجهود. يمنح الأستاذ أحمد أحمد بدوي الجائزة المخصصة لأحسن دراسة لرفاعة الطهطاوي بك وأثره في وضع المصطلحات الأدبية، وقدرها مائتا جنيه عن بحثه (رفاعة الطهطاوي بك) تقديراً لما بذل فيه من جهد قيم. عباس خضر

شارك الخبر

المرئيات-١