Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى الطرف -هو ماء على ستة وثلاثين ميلا من المدينة-، فخرج إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا، فهربت الأعراب وخافوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إليهم، وأن هؤلاء مقدمة؛ فأصاب من نعمهم عشرين بعيرا، ورجع إلى المدينة، ولم يلق كيدا، وغاب أربع ليال.

وكان شعارهم: "أمت أمت".


أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم بكتاب إلى قيصر الروم وكان حامل الكتاب هو دحية بن خليفة الكلبي، فلما كان من قيصر ما كان أجاز دحية بن خليفة الكلبي بمال وكسوة، ولما كان دحية بحسمى في الطريق لقيه ناس من جذام، فقطعوها عليه، فلم يتركوا معه شيئا، فجاء دحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل بيته فأخبره، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى حسمى، وهي وراء وادي القرى، في خمسمائة رجل، فشن زيد الغارة على جذام، فقتل فيهم قتلا ذريعا، واستاق نعمهم ونساءهم، فأخذ من النعم ألف بعير، ومن الشاة خمسة آلاف، والسبي مائة من النساء والصبيان.

وكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قبيلة جذام موادعة، فأسرع زيد بن رفاعة الجذامي أحد زعماء هذه القبيلة بتقديم الاحتجاج إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد أسلم هو ورجال من قومه، ونصروا دحية حين قطع عليه الطريق، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم احتجاجه، وأمر برد الغنائم والسبي.


كانت بعد غزوة مؤتة، وسميت ذات السلاسل لأنها وقعت بالقرب من ماء يقال له: السلسل.

بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن جمعا من قضاعة تجمعوا وأرادوا أن يدنوا من أطراف المدينة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص فعقد له لواء أبيضا وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار، فكان أميرها عمرو بن العاص رضي الله عنه.

قال عمرو: بعث إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني.

فأتيته وهو يتوضأ، فصعد في النظر، ثم طأطأ، فقال: إني أريد أن أبعثك على جيش، فيسلمك الله ويغنمك، وأرغب لك من المال رغبة صالحة، قال: قلت: يا رسول الله، ما أسلمت من أجل المال، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عمرو، نعم المال الصالح للمرء الصالح).

وفي الغزوة سأله أصحابه أن يوقدوا نارا فمنعهم فكلموا أبا بكر فكلمه في ذلك فقال: لا يوقد أحد منهم نارا إلا قذفته فيها.

قال: فلقوا العدو فهزموهم فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم، فلما انصرف ذلك الجيش ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم وشكوه إليه، فقال: يا رسول الله، إني كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم.

فحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره.
.
.
).

وفيها صلى عمرو بالناس وهو جنب ومعه ماء، لم يزد على أن غسل فرجه وتيمم، فلما قدم عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله عن صلاته، فأخبره فقال: والذي بعثك بالحق لو اغتسلت لمت، لم أجد بردا قط مثله، وقد قال الله عز وجل:  {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} [النساء: 29]، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل له شيئا.


لم يلبث المسلمون بعد تحذير أبي بكر الصديق لهم من الأعراب المرتدين إلا ثلاثا، حتى طرقوا المدينة غارة، وخلفوا نصفهم بذي حسى ليكونوا ردءا لهم، فأرسل الحرس إلى أبي بكر يخبرونه بالغارة، فبعث إليهم: أن الزموا مكانكم، ثم ركب الصديق في أهل المدينة وأمراء الأنقاب، إلى من حول المدينة من الأعراب الذين أغاروا عليها، فما طلع الفجر إلا وهم والعدو في صعيد واحد، فما سمعوا للمسلمين حسا ولا همسا، حتى وضعوا فيهم السيوف، فما طلعت الشمس حتى ولوهم الأدبار، وغلبوهم على عامة ظهرهم، وكان أول الفتح، وذل بها المشركون، وعز بها المسلمون، ووثب بنو ذبيان وعبس على من فيهم من المسلمين فقتلوهم، وفعل من وراءهم كفعلهم، فحلف أبو بكر ليقتلن من كل قبيلة بمن قتلوا من المسلمين وزيادة، فكانت هذه الوقعة من أكبر العون على نصر الإسلام وأهله، وذلك أنه عز المسلمون في كل قبيلة، وذل الكفار في كل قبيلة، ورجع أبو بكر إلى المدينة مؤيدا منصورا، سالما غانما.


هو أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي.

وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأول الخلفاء الراشدين، من أوائل المصدقين للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، بقي معه في مكة حتى هاجر معه فكان صاحبه في ذلك، قدمه النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة بالناس في مرض موته، أنفق في سبيل الله كل ماله، كان وزير النبي صلى الله عليه وسلم وصاحب مشورته، بايعه المسلمون على الخلافة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مذكور، توفي أبو بكر الصديق بعد أن بقي خليفة مدة سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام، توفي بعد أن مرض، وقد قام خلال هذه المدة القصيرة برد المرتدين وحربهم والتي شملت أجزاء الجزيرة كلها، ثم كانت الحروب مع الفرس والروم حيث أظهرت قوة المسلمين وإمكاناتهم القتالية التي لا يستهان بها، دفن بجانب النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة، فكان مع صاحبه كما كان معه في الدنيا، فجزاه الله عن الأمة الإسلامية خيرا ورضي الله عنه وأرضاه.


لما مرض أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأحس بدنو أجله جمع عددا من الصحابة الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يشاورهم وعرض عليهم أن يؤمروا رجلا يرضونه في حياته؛ ولكنهم لم يستقروا على أمر، ثم بدأ يسأل الناس عن عمر بن الخطاب، ثم استقر رأيه على استخلاف عمر، فكتب بذلك كتابا نصه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين، أما بعد، فإني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، ولم آلكم خيرا منه.

وقال: اللهم إني استخلفت على أهلك خير أهلك.

وبلغ بذلك الناس، ورضوا به، فكانت تلك خلافة عمر رضي الله عنه.


لما فتح أبو عبيدة الجابية من أعمال دمشق وقنسرين وحاصر أهل مسجد إيليا -أي بيت المقدس- فأبوا أن يفتحوا له، وسألوه أن يرسل إلى صاحبه عمر ليقدم فيكون هو الذي يتولى مصالحتهم، فكتب بذلك إلى عمر فاستخلف علي بن أبي طالب على المدينة, ثم قدم للشام, وكتب إلى أمراء الأجناد أن يوافوه بالجابية ليوم سماه لهم في المجردة، ويستخلفوا على أعمالهم، وكان أول من لقيه فيها أبو عبيدة, فلما دخل الجابية قال له رجل من اليهود: يا أمير المؤمنين، إنك لا ترجع إلى بلادك حتى يفتح الله عليك إيلياء.

فبينما عمر معسكر بالجابية فزع الناس إلى السلاح، فقال: ما شأنكم؟ فقالوا: ألا ترى إلى الخيل والسيوف؟ فنظر فإذا جمع يلمعون بالسيوف.

فقال عمر: مستأمنة فلا تراعوا، فأمنوهم.

وإذا أهل إيلياء، فصالحهم على الجزية, وعلى أن لا يهدم كنائسها، ولا يجلي رهبانها، ففتحوها له، وبنى بها مسجدا، وأقام أياما ثم رجع إلى المدينة.


بعد أن كتب الله النصر للمسلمين وفتحوا إيليا بيت المقدس طلب أهله أن يصالحوا على صلح أهل مدن الشام، وأن يكون المتولي للعقد عمر بن الخطاب، أبى بطريقها أن يسلم مفاتيح القدس إلا للخليفة عمر بن الخطاب، فحضر عمر رضي الله عنه والقصة في دخوله مشهورة، حيث كان يتناوب على بعير مع خادمه، فكانت نوبة عمر المشي حين وصولهم إلى القدس، ولم يرض عمر أن يركب بدلا عن خادمه مع طلب الخادم ذلك، ولم يأبه لتلك الوجاهات المزيفة فدخلها ماشيا، فكان ذلك من العلامات التي زعم البطريق أنها تكون فيمن يستلم المفاتيح، فأخذها عمر وصلى في بيت المقدس واتخذه مسجدا كما كان، ولم يصل بالقرب من الصخرة رغم مشورة بعضهم له بذلك، ثم عقد الصلح مع أهلها وكتب بذلك الشروط المشهورة بالشروط العمرية.


هو نافع بن الأزرق من بني حنيفة زعيم الأزارقة، المشهور بمساءلة ابن عباس, ومما يذكر عن ابتداء ظهوره أنه اجتمع بالخوارج الذين يرون رأيه وطلب إليهم أن ينضموا إلى ابن الزبير لمقاتلة جيوش أهل الشام الذين حاصروا مكة، قائلا لهم من خطبة له: وقد جرد فيكم السيوف أهل الظلم، وأولوا العداء والغشم، وهذا من ثار بمكة، فاخرجوا بنا نأت البيت ونلق هذا الرجل، فإن يكن على رأينا جاهدنا معه العدو، وإن يكن على غير رأينا دافعنا عن البيت ما استطعنا، ونظرنا بعد ذلك في أمورنا.

فأطاعوه وخرجوا إلى مكة، وقاتلو مع ابن الزبير جيش الشام, ثم امتحنوا ابن الزبير، ولما تبين لهم خلافه لرأيهم خرجوا عنه سنة 64هـ، فخرجوا من مكة إلى جهتين: جهة إلى البصرة، أمروا عليهم نافع بن الأزرق, وجهة إلى اليمامة وولوا عليهم أبا طالوت، ثم خلعوه وولوا عليهم نجدة بن عامر.

أقام نافع بن الأزرق بالبصرة إلى أن خشي من أهلها، فخرج إلى الأهواز وتبعه أتباعه إلى هناك.

وقد استقر الأمر بنافع ومن معه في الأهواز، فغلبوا عليها و على كورها وما وراءها من بلدان فارس وكرمان في أيام عبد الله بن الزبير، وقتلوا عماله بهذه النواحي، إلى أن قتل نافع عندما اشتدت المعركة بينه وبين جيش أهل البصرة بقيادة مسلم بن عبيس بن كريز بن ربيعة في ناحية الأهواز الذي جهزه عامل البصرة من قبل عبد الله بن الزبير عبد الله بن الحارث الخزاعي.


لما تمكن عبد الملك من الشام أراد أن يضم لها العراق، وقد قيل: إن أهلها كاتبوا عبد الملك ليسير إليهم، وكانت العراق مع ابن الزبير وواليها مصعب أخوه، فسار إليه بنفسه فلما علم مصعب بذلك سار إليه ومعه إبراهيم بن الأشتر، وكان على الموصل والجزيرة، فلما حضر عنده جعله على مقدمته وسار حتى نزل باجميرى، وهي قريب من أوانا، وهي من مسكن، فعسكر هناك، وسار عبد الملك وعلى مقدمته أخوه محمد بن مروان، وخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد، فلما تدانى العسكران أرسل عبد الملك إلى مصعب رجلا من كلب وقال له: أقرئ ابن أختك السلام -وكانت أم مصعب كلبية- وقل له يدع دعاءه إلى أخيه، وأدع دعائي إلى نفسي، ويجعل الأمر شورى.

فقال له مصعب: قل له السيف بيننا.

فقدم عبد الملك أخاه محمدا، وقدم مصعب إبراهيم بن الأشتر، فالتقيا فتناوش الفريقان فقتل صاحب لواء محمد، وجعل مصعب يمد إبراهيم، فأزال محمدا عن موقفه، فوجه عبد الملك عبد الله بن يزيد إلى أخيه محمد، فاشتد القتال، فقتل مسلم بن عمرو الباهلي والد قتيبة، وهو من أصحاب مصعب، وتقدم أهل الشام فقاتلهم مصعب ثم عرض عبد الملك الأمان على مصعب فأبى وبقي يقاتلهم، ثم إن كثيرا خذلوا مصعبا، وقيل: لم يبق معه سوى أربعة، وكثرت الجراحات بمصعب فضربه رجل -يقال له: عبيد الله بن زياد بن ظبيان التميمي- فقتله وحمل رأسه إلى عبد الملك.


هو أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة: أبو بكر، وأبو خبيب القرشي الأسدي المكي، ثم المدني, أحد الأعلام، كان عبد الله أول مولود للمهاجرين بالمدينة, ولد سنة اثنتين، وقيل: السنة الأولى من الهجرة, ولما بلغ سبع سنين جاء ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلا، ثم بايعه.

له رواية أحاديث، وهو من صغار الصحابة، وإن كان كبيرا في العلم والشرف والجهاد والعبادة، وقد روى عن أبيه وجده لأمه الصديق، وأمه أسماء، وخالته عائشة، وعن عمر وعثمان، وغيرهم، وحدث عنه: أخوه عروة الفقيه، وابناه: عامر وعباد، وابن أخيه: محمد بن عروة، وكان فارس قريش في زمانه، وله مواقف مشهودة.

أدرك ابن الزبير من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية أعوام وأربعة أشهر, وكان ملازما لبيت رسول الله؛ لكونه من آله، فكان يتردد إلى بيت خالته عائشة, وفي يوم اليرموك أركب الزبير ولده عبد الله فرسا وهو ابن عشر سنين، ووكل به رجلا، شهد يوم الجمل مع خالته، كما شهد فتح المغرب، وغزو القسطنطينية.

كان معاوية رضي الله عنه في عهده إذا لقي ابن الزبير يقول: مرحبا بابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن حواري رسول الله، لما توفي يزيد بويع ابن الزبير بالخلافة سنة 64هـ، فحكم الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان، وبعض الشام، ولم يستوسق له الأمر، ومن ثم لم يعده بعض العلماء في أمراء المؤمنين، وعد دولته زمن فرقة، فإن مروان غلب على الشام ثم مصر، وقام بعد مصرعه ابنه عبد الملك بن مروان، وحارب ابن الزبير، فلم يزل يحاربه حتى ظفر به, فأخذ العراق، ثم أرسل الحجاج إلى مكة وأخذها من ابن الزبير بعد أن خذله من كان معه خذلانا شديدا، وجعلوا يتسللون إلى الحجاج، وجعل الحجاج يصيح: أيها الناس, علام تقتلون أنفسكم? من خرج إلينا فهو آمن, لكم عهد الله وميثاقه، ورب هذه البنية لا أغدر بكم، ولا حاجة في دمائكم.

قتله الحجاج ثم صلبه، وكان آدم نحيفا, ليس بالطويل, بين عينيه أثر السجود, فغسلته والدته أسماء بنت أبي بكر بعد ما تقطعت أوصاله، فحنطته وكفنته، وصلت عليه، وجعلت فيه شيئا حين رأته يتفسخ إذا مسته, ثم حملته فدفنته بالمدينة في دار صفية أم المؤمنين.

قال عروة بن الزبير: لم يكن أحد أحب إلى عائشة بعد رسول الله من أبي بكر، وبعده ابن الزبير، وإذا ذكر ابن الزبير عند ابن عباس، قال: (قارئ لكتاب الله, عفيف في الإسلام, أبوه الزبير، وأمه أسماء، وجده أبو بكر، وعمته خديجة، وخالته عائشة، وجدته صفية)، وكان عمرو بن دينار يقول: (ما رأيت مصليا قط أحسن صلاة من عبد الله بن الزبير، وكان يسمى حمامة المسجد).


قاتل مسلمة بن عبد الملك ملك الترك الأعظم خاقان، فزحف إلى مسلمة في جموع عظيمة فتواقفوا نحوا من شهر، ثم هزم الله خاقان زمن الشتاء، ورجع مسلمة سالما غانما، فسلك على مسلك ذي القرنين في رجوعه إلى الشام، وتسمى هذه الغزاة غزاة الطين، وذلك أنهم سلكوا على مغارق ومواضع غرق فيها دواب كثيرة، وتوحل فيها خلق كثير، فما نجوا حتى قاسوا أهوالا صعابا وشدائد عظاما.


لما تولى الوليد بن يزيد بن عبد الملك الخلافة سار في أول أمره سيرة حسنة مع أنه كان قد اشتهر عنه أنه صاحب شراب، ولكن الذي ولد النقمة عليه أنه عقد لولديه بالخلافة من بعده الحكم وعثمان، وهما لم يبلغا سن الرشد بعد، كما أسرف في شرابه وانتهاك المحرمات فثقل ذلك على الناس ونقموا عليه مما حداهم إلى أن بايعوا سرا لابن عمه يزيد بن الوليد، فنادى يزيد بخلع الوليد الذي كان غائبا في عمان الأردن، وكان قد وضع نائبا له على دمشق ففر منها وأرسل يزيد جماعة من أصحابه بقيادة عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك إلى الوليد بن يزيد فقتلوه في قصره البخراء الذي كان للنعمان بن بشير، فكانت مدة خلافته سنة وثلاثة أشهر تقريبا.


بويع ليزيد بن الوليد الذي يقال له: الناقص، وإنما سمي الناقص لأنه نقص الزيادة التي كان الوليد زادها في عطيات الناس، وهي عشرة عشرة، ورد العطاء إلى ما كان أيام هشام، لما قتل الوليد بن يزيد خطب يزيد بن وليد الناس فذم الوليد بن يزيد وأنه قتله لفعله الخبيث.

قال: (.
.
.

ظهر الجبار العنيد، المستحل الحرمة، والراكب البدعة، والمغير السنة، فلما رأيت ذلك أشفقت إذ غشيتكم ظلمة لا تقلع عنكم على كثرة من ذنوبكم، وقسوة من قلوبكم، وأشفقت أن يدعو كثير من الناس إلى ما هو عليه، فيجيبه من أجابه منكم، فاستخرت الله في أمري، وسألته ألا يكلني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك من أجابني من أهلي وأهل ولايتي، وهو ابن عمي في نسبي وكفئي في حسبي، فأراح الله منه العباد، وطهر منه البلاد، ولاية من الله، وعونا بلا حول منا ولا قوة، ولكن بحول الله وقوته وولايته وعونه.

ثم قال: أيها الناس إن لكم علي أن لا أضع حجرا على حجر ولا لبنة، ولا أكتري نهرا، ولا أكثر مالا، ولا أعطيه زوجة وولدا، ولا أنقل مالا عن بلد حتى أسد ثغره وخصاصة أهله بما يغنيهم، فما فضل نقلته إلى البلد الذي يليه، ولا أجمركم في ثغوركم فأفتنكم، ولا أغلق بابي دونكم، ولا أحمل على أهل جزيتكم، ولكم أعطياتكم كل سنة، وأرزاقكم في كل شهر حتى يكون أقصاكم كأدناكم، فإن وفيت لكم بما قلت فعليكم السمع والطاعة وحسن الوزارة، وإن لم أف فلكم أن تخلعوني إلا أن أتوب، وإن علمتم أحدا ممن يعرف بالصلاح يعطيكم من نفسه مثل ما أعطيكم وأردتم أن تبايعوه فأنا أول من يبايعه.

أيها الناس لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)
.


لما استلم يزيد بن الوليد الخلافة بعد أن قتل ابن عمه الوليد بن يزيد اضطربت الأمور عليه واختلفت كلمة بني مروان، وخرج سليمان بن هشام من السجن واستولى على الأموال، وكان في سجن الوليد بن يزيد في عمان ثم حضر دمشق، وثار أهل حمص يطالبون بدم الوليد بن يزيد وخلعوا أميرهم، وثار أهل فلسطين وبايعوا يزيد بن سليمان، وأهل الأردن كذلك ثاروا وبايعوا محمد بن عبد الملك، وكان مروان بن محمد في أرمينية يحرض على الأخذ بدم الوليد بن يزيد، ثم إن يزيد بن الوليد بايع لأخيه إبراهيم من بعده ومن بعده لعبد العزيز بن الحجاج؛ ولكن لم يلبث أن توفي يزيد بالطاعون في 7 ذي الحجة من العام نفسه فلم تدم خلافته أكثر من ستة أشهر.


كان أمر الدعوة العباسية قد استفحل خلال السنوات الماضية وقوي أمرها جدا في خراسان وما حولها، حتى بدأت البعوث تسير إلى العراق فخرج مروان بن محمد بجيش إليهم من حران حتى بلغ الزاب وحفر خندقا وكان في عشرين ومائة ألف، وسار أبو عون وهو القادم إلى العراق للدعوة العباسية إلى الزاب، فوجه أبو سلمة إلى أبي عون عيينة بن موسى، والمنهال بن فتان، وإسحاق بن طلحة، كل واحد في ثلاثة آلاف، فعبر عيينة بن موسى في خمسة آلاف، فانتهى إلى عسكر مروان، فقاتلهم حتى أمسوا، ورجع إلى عبد الله بن علي وأصبح مروان فعقد الجسر وعبر عليه، فنهاه وزراؤه عن ذلك، فلم يقبل وسير ابنه عبد الله، فنزل أسفل من عسكر عبد الله بن علي، فبعث عبد الله بن علي المخارق في أربعة آلاف نحو عبد الله بن مروان، فسرح إليه ابن مروان الوليد بن معاوية بن مروان بن الحكم، فالتقيا، فانهزم أصحاب المخارق وثبت هو فأسر هو وجماعة وسيرهم إلى مروان مع رؤوس القتلى، وأرسل مروان إلى عبد الله يسأله الموادعة فلم يقبل ثم حصل قتال بينهم كانت فيه هزيمة مروان ومن معه وفر مروان إلى حران.


كان المنصور قد حبس عبد الله بن الحسن والد محمد النفس الزكية، وكان هم المنصور هو الظفر بمحمد - الذي كان متخفيا في المدينة- وأخيه إبراهيم، وذلك أنهما تخلفا عن الحضور إليه في موسم الحج, وعلمه بسعيهما للوصول لأمر الخلافة منذ أيام بني أمية؛ بقصد إزالة المخالفات الشرعية والظلم الذي وقع من الولاة والأمراء, فخاف من أمرهما، ثم إن محمدا دعا للبيعة لنفسه واستولى على مقاليد الأمور في المدينة في  آخر شهر جمادى الآخرة وحبس واليها رياح المري، وأخذ البيعة من أهلها في المسجد النبوي بعد خروج المنصور إلى الكوفة، فكتب المنصور له كتابا بالأمان فرفضه، وكتب هو للمنصور كتابا مضمونه أنه هو أحق بالولاية منه، فانتشر أمر محمد في المدينة وبايعه خلق كثير، وقوي أمره حتى أرسل بعض الجند إلى مكة ليبايعوا له فيها، وبعث لأهل الشام فأبوا عليه واعتذروا بأنه ليس له قوة في بلده التي هو فيها، فكيف يطلب مثل هذا؟! وقد ملوا الحروب بين بعضهم، ثم إن المقاتلين الذين أرسلهم إلى مكة دخلوها ولم يكونوا يزيدون على ثمانين، وأما في البصرة فقام إبراهيم أخو محمد وبايع أيضا له خلق، فجهز له المنصور جيشا بقيادة عيسى بن موسى، فعلم محمد النفس الزكية بالأمر فحفر خندقا، ثم جاء جيش عيسى وبقي أياما يدعوه للطاعة ويأبى، ودعا أهل المدينة للخروج؛ فليسوا هم المقصودين، وأحل محمد من أراد من بيعته إن خاف، فرجع خلق عنها، ثم بعد عدة أيام نشبت الحرب بينهما، وكانت حربا شديدة جدا، ودخل عيسى المدينة وبقي القتال حتى لم يبق مع محمد النفس الزكية إلا نفر، ثم قتل في رمضان وبعث برأسه إلى المنصور، ونودي بالأمان لأهل المدينة.


لما بلغ المنصور خروج محمد بن الأشعث من إفريقية بعث إلى الأغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة التميمي عهدا بولاية إفريقية، وكان هذا الأغلب ممن قام مع أبي مسلم الخراساني وقدم إفريقية مع محمد بن الأشعث، فلما أتاه العهد قدم القيروان وأخرج جماعة من قواد المضرية، وسكن الناس.

ثم خرج عليه أبو قرة في جمع كثير من البربر، فسار إليه الأغلب، فهرب أبو قرة من غير قتال، ثم خرج عليه الحسن بن حرب الكندي، وكاتب جند القيروان ودعاهم إلى نفسه فأجابوه، فسار حتى دخل القيروان من غير مانع, فسار الأغلب إلى الحسن بن حرب، واقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم الحسن وقتل من أصحابه جمع كثير، ودخل الأغلب القيروان.


تجهز المهدي لغزو الروم، فخرج وعسكر بالبردان، وجمع الأجناد من خراسان وغيرها، وسار عنها، وكان قد توفي عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس في جمادى الآخرة، وسار المهدي من الغد، واستخلف على بغداد ابنه موسى الهادي، واستصحب معه ابنه هارون الرشيد، وسار على الموصل والجزيرة، وعزل عنها عبد الصمد بن علي في مسيره ذلك، ولما حاذى قصر مسلمة بن عبد الملك، قال العباس بن محمد بن علي للمهدي: إن لمسلمة بن عبد الملك في أعناقنا منة، كان محمد بن علي مر به، فأعطاه أربعة آلاف دينار، وقال له: إذا نفدت فلا تحتشمنا, فأحضر المهدي ولد مسلمة ومواليه، وأمر لهم بعشرين ألف دينار، وأجرى عليهم الأرزاق، وعبر الفرات إلى حلب، وأرسل وهو بحلب فجمع من بتلك الناحية من الزنادقة، فجمعوا فقتلهم، وقطع كتبهم بالسكاكين، وسار عنها مشيعا لابنه هارون الرشيد، حتى جاز الدرب وبلغ جيحان، فسار هارون، ومعه عيسى بن موسى، وعبد الملك بن صالح، والربيع، والحسن بن قحطبة، والحسن وسليمان ابنا برمك، ويحيى بن خالد بن برمك، وكان إليه أمر العسكر، والنفقات، والكتابة وغير ذلك، فساروا فنزلوا على حصن سمالوا، فحصره هارون ثمانية وثلاثين يوما، ونصب عليه المجانيق، ففتحه الله عليهم بالأمان، ووفى لهم، وفتحوا فتوحا كثيرة.


أرسل المهدي ابنه الرشيد لغزو الروم صائفة، في خمسة وتسعين ألفا وتسعمائة وثلاثة وتسعين رجلا، ومعه الربيع، فوغل هارون في بلاد الروم، ولقيه عسكر لقيظا قومس القوامسة، فبارزه يزيد بن مزيد الشيباني فأثخنه يزيد وانهزمت الروم، وغلب يزيد على عسكرهم.

وساروا إلى الدمستق، وهو صاحب المسالح، فحمل لهم مائة ألف دينار وثلاثة وتسعين ألفا وأربعمائة وخمسين دينارا، ومن الورق أحدا وعشرين ألف ألف درهم وأربعة عشر ألفا وثمانمائة درهم.

وسار الرشيد حتى بلغ خليج القسطنطينية، وصاحب الروم يومئذ عطسة امرأة أليون، فجرى الصلح بينها وبين الرشيد على الفدية، وأن تقيم له الأدلاء والأسواق في الطريق، وذلك أنه دخل مدخلا ضيقا مخوفا، فأجابته إلى ذلك، ومقدار الفدية سبعون ألف دينار كل سنة، ورجع عنها.