Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73


كانت الفتنة ببغداد بين أمير العسكر قطب الدين قايماز المظفري والخليفة المستضيء بأمر الله، وسببها أن الخليفة أمر بإعادة عضد الدين ابن رئيس الرؤساء إلى الوزارة، فمنع منه قطب الدين، وأغلق باب النوبي وباب العامة، وبقيت دار الخليفة كالمحاصرة، فأجاب الخليفة إلى ترك وزارته، فقال قطب الدين: "لا أقنع إلا بإخراج عضد الدين من بغداد؛ فأمر بالخروج منها" فالتجأ عضد الدين إلى صدر الدين شيخ الشيوخ عبد الرحيم بن إسماعيل، فأخذه إلى رباطه وأجاره، ونقله إلى دار الوزير بقطفتا، فأقام بها، ثم عاد إلى بيته في جمادى الآخرة.


لما عاد صلاح الدين إلى مصر بلغه أن باليمن إنسانا يسمى عبد النبي بن مهدي صاحب زبيد يزعم أنه ينتشر ملكه حتى يملك الأرض كلها، وكان قد ملك كثيرا من بلاد اليمن, واستولى على حصونها وخطب لنفسه، وقطع الخطبة للخليفة العباسي, وكان السلطان قد ثبتت قواعده وقوي عسكره، فاستأذن السلطان نور الدين محمود في أن يسير إلى اليمن لقصد عبد النبي، فأذن له في ذلك، فجهز أخاه شمس الدولة توران شاه بجيش اختاره، وتوجه إليها من الديار المصرية في مستهل رجب، فوصل إلى مكة، ومنها إلى زبيد، وفيها صاحبها المتغلب عليها المعروف بعبد النبي، فلما قرب منها رآه أهلها، فاستقلوا من معه، فقاتلهم شمس الدولة ومن معه، فلم يثبت أهل زبيد وانهزموا، ووصل المصريون إلى سور زبيد، فلم يجدوا عليه من يمنعهم، فنصبوا السلالم، وصعدوا السور، فملكوا البلد عنوة ونهبوه وأكثروا النهب، وأخذوا عبد النبي أسيرا وزوجته المدعوة بالحرة، وسلم شمس الدولة عبد النبي إلى أحد أمرائه، يقال له سيف الدولة مبارك بن كامل من بني منقذ، أصحاب شيزر، وأمره أن يستخرج منه الأموال، وبذلك انتهت الدولة المهدية باليمن، ولما ملكوا زبيد واستقر الأمر لهم بها ودان أهلها، وأقيمت فيها الخطبة العباسية، أصلحوا حالها، وساروا إلى عدن، وصاحبها ياسر بن بلال، فسار إليهم وقاتلهم، فانهزم ياسر ومن معه، وسبقهم بعض عسكر شمس الدولة، فدخلوا البلد قبل أهله، فملكوه، وأخذوا صاحبه ياسرا أسيرا، وأرادوا نهب البلد، فمنعهم شمس الدولة، وقال: ما جئنا لنخرب البلاد، وإنما جئنا لنملكها ونعمرها وننتفع بدخلها؛ فلم ينهب منها أحد شيئا، فبقيت على حالها وثبت ملكه واستقر أمره، وبذلك انتهت دولة بني زريع في اليمن، وآل الزريع هم أهل عدن، وهم شيعة إسماعيلية من همذان بن جشم، ولما فرغ شمس الدولة من أمر عدن عاد إلى زبيد، وملك أيضا قلعة التعكر والجند وغيرها من المعاقل والحصون، واستناب بعدن عز الدين عثمان بن الزنجيلي، وبزبيد سيف الدولة مبارك بن منقذ، وجعل في كل قلعة نائبا من أصحابه، وألقى ملكهم باليمن جرانه ودام، وأحسن شمس الدولة إلى أهالي البلاد، واستصفى طاعتهم بالعدل والإحسان، وعادت زبيد إلى أحسن أحوالها من العمارة والأمن.


أراد جماعة من شيعة العبيديين ومحبيهم إقامة الدعوة، وردها إلى العاضد، فكان منهم عمارة بن أبي الحسن اليمني، وعبد الصمد الكاتب، والقاضي العويرس، والقاضي هبة الله بن كامل، وداعي الدعاة ابن عبد القوي، وغيرهم من جند المصريين ورجالتهم السودان، وحاشية القصر، ووافقهم جماعة من أمراء صلاح الدين، وعينوا الخليفة والوزير، وتقاسموا الدور، واتفق رأيهم على استدعاء الفرنج من صقلية، ومن ساحل الشام إلى ديار مصر على شيء بذلوه لهم من المال والبلاد، فإذا قصدوا البلاد، فإن خرج صلاح الدين إليهم بنفسه ثاروا هم بالقاهرة ومصر وأعادوا الدولة الفاطمية، وعاد من معه من العسكر الذين وافقوهم عنه، فلا يبقى له مقام مقابل الفرنج، وإن كان صلاح الدين يقيم ويرسل العساكر إليهم ثاروا به، وأخذوه أخذا باليد؛ لعدم وجود الناصر له والمساعد، وأرسلوا إلى الفرنج بصقلية والساحل في ذلك، وتقررت القاعدة بينهم، ولم يبق إلا رحيل الفرنج، وكان من لطف الله بالمسلمين أن الجماعة المصريين أدخلوا معهم في هذا الأمر الأمير زين الدين علي بن نجا الواعظ، المعروف بابن نجية، ورتبوا الخليفة والوزير والحاجب والداعي والقاضي، إلا أن بني رزيك قالوا: "يكون الوزير منا؛ وبني شاور قالوا: يكون الوزير منا؛ فلما علم ابن نجا الحال حضر عند صلاح الدين، وأعلمه حقيقة الأمر، فأمر بملازمتهم ومخالطتهم ومواطأتهم على ما يريدون أن يفعلوه، وتعريفه ما يتجدد أولا بأول، ففعل ذلك وصار يطالعه بكل ما عزموا عليه"، ثم وصل رسول من ملك الفرنج بالساحل الشامي إلى صلاح الدين بهدية ورسالة، وهو في الظاهر إليه، والباطن إلى أولئك الجماعة، وكان يرسل إليهم بعض النصارى وتأتيه رسلهم، فأتى الخبر إلى صلاح الدين من بلاد الفرنج بجلية الحال، فوضع صلاح الدين على الرسول بعض من يثق به من النصارى، وداخله، فأخبره الرسول بالخبر على حقيقته، فقبض حينئذ على المقدمين في هذه الحادثة منهم: عمارة، وعبد الصمد، والعويرس، وغيرهم، وصلبهم في ثاني رمضان.


هو الملك العادل، ناصر أمير المؤمنين، تقي الملوك، ليث الإسلام، أبو القاسم نور الدين محمود بن الأتابك قسيم الدولة أبي سعيد زنكي بن الأمير الكبير آقسنقر التركي، السلطاني، الملكشاهي.

ولي جده آقسنقر نيابة حلب للسلطان ملكشاه بن ألب آرسلان السلجوقي.

ولد نور الدين يوم الأحد سابع عشر شوال سنة 511؛ وكان أسمر اللون طويل القامة حسن الصورة، ليس بوجهه شعر سوى ذقنه.

كان ملكا عادلا، زاهدا عابدا ورعا، متمسكا بالشريعة، مائلا إلى أهل الخير، مجاهدا في سبيل الله.

لما حاصر أبوه قلعة جعبر كان نور الدين في خدمته، فلما قتل أبوه سار نور الدين بعساكر الشام إلى مدينة حلب فملكها.

وملك أخوه سيف الدين غازي مدينة الموصل.

قال الذهبي فيه: " كان نور الدين حامل رايتي العدل والجهاد، قل أن ترى العيون مثله، حاصر دمشق، ثم تملكها، وبقي بها عشرين سنة.

افتتح أولا حصونا كثيرة، منها فامية، والراوندان، وقلعة إلبيرة، وعزاز، وتل باشر، ومرعش، وعين تاب، وهزم البرنس صاحب أنطاكية، وقتله في ثلاثة آلاف من الفرنج، وأظهر السنة بحلب، وقمع الرافضة.

وبنى المدارس بحلب وحمص ودمشق وبعلبك، والجوامع والمساجد، وسلمت إليه دمشق للغلاء والخوف، فحصنها، ووسع أسواقها، وأنشأ المارستان ودار الحديث، والمدارس، ومساجد عدة، وأبطل المكوس من دار بطيخ، وسوق الغنم، والكيالة، وضمان النهر والخمر، ثم أخذ من العدو بانياس والمنيطرة، وكسر الفرنج مرات، ودوخهم وأذلهم.

وكان بطلا شجاعا وافر الهيبة، حسن الرمي، مليح الشكل، ذا تعبد وخوف وورع، وكان يتعرض للشهادة، سمعه كاتبه أبو اليسر يسأل الله أن يحشره من بطون السباع وحواصل الطير.

وبنى دار العدل، وأنصف الرعية، ووقف على الضعفاء والأيتام والمجاورين، وأمر بتكميل سور المدينة النبوية، واستخراج العين بأحد دفنها السيل، وفتح درب الحجاز، وعمر الخوانق والربط والجسور والخانات بدمشق وغيرها، وكذا فعل إذ ملك حران وسنجار والرها والرقة ومنبج وشيزر وحمص وحماة وصرخد وبعلبك وتدمر, ووقف كتبا كثيرة, وكسر الفرنج والأرمن على حارم وكانوا ثلاثين ألفا، فقل من نجا، وعلى بانياس.
" جهز نور الدين جيشا لجبا مع نائبه أسد الدين شيركوه، فافتتح مصر، وقهر دولتها الرافضية، وهربت منه الفرنج، وقتل شاور الذي غدر به وبشيركوه، وصفت الديار المصرية لشيركوه نائب نور الدين، ثم لصلاح الدين، فأباد العبيديين، واستأصلهم، وأقام الدعوة العباسية.

وكان نور الدين مليح الخط، كثير المطالعة، يصلي في جماعة، ويصوم ويتلو ويسبح، ويتحرى في القوت، ويتجنب الكبر، ويتشبه بالعلماء والأخيار.

قال أبو الفرج بن الجوزي: "ولي نور الدين الشام سنين، وجاهد الثغور وانتزع من أيدي الكفار نيفا وخمسين مدينة وحصنا، منها: الرها، وبنى مارستان في الشام أنفق عليه مالا، وبنى بالموصل جامعا غرم عليه ستين ألف دينار، وكانت سيرته أصلح من كثير من الولاة، والطرق في أيامه آمنة، والمحامد له كثيرة، وكان يتدين بطاعة الخلافة، وترك المكوس قبل موته، وبعث جنودا افتتحوا مصر، وكان يميل إلى التواضع ومحبة العلماء وأهل الدين, وأحلف الأمراء على طاعة ولده الصالح إسماعيل بعده, وعاهد ملك الإفرنج صاحب طرابلس وقد كان في قبضته أسيرا على أن يطلقه بثلاثمائة ألف دينار وخمسين ومائة حصان وخمسمائة زردية، ومثلها تراس إفرنجية ومثلها قنطوريات وخمسمائة أسير من المسلمين، وأنه لا يعبر على بلاد الإسلام سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام، وأخذ منه في قبضته على الوفاء بذلك مائة من أولاد كبراء الإفرنج وبطارقتهم, فإن نكث أراق دماءهم، وعزم على فتح بيت المقدس، فوافته المنية في شوال هذه السنة" وقال الموفق عبد اللطيف: كان نور الدين لم ينشف له لبد من الجهاد، وكان يأكل من عمل يده، ينسخ تارة، ويعمل أغلافا تارة، ويلبس الصوف، ويلازم السجادة والمصحف، وكان حنفيا، يراعي مذهب الشافعي ومالك, وكان ابنه الصالح إسماعيل أحسن أهل زمانه.
" قال ابن خلكان: "افتتح من بلاد الفرنجة عدة حصون، منها مرعش وبهسنا، وحارم، وأعزاز وبانياس وغير ذلك ما تزيد عدته على خمسين حصنا.

ثم سير الأمير أسد الدين شيركوه إلى مصر ثلاث دفعات، وملكها السلطان صلاح الدين في الدفعة الثالثة نيابة عنه، وضرب باسمه السكة والخطبة بمصر، وكان زاهدا عابدا متمسكا بالشرع، مجاهدا كثير البر والأوقاف، له من المناقب ما يستغرق الوصف".

توفي يوم الأربعاء حادي عشر من شوال، بعلة الخوانيق، وأشار عليه الأطباء بالفصد فامتنع، وكان مهيبا فما روجع, ودفن بقلعة دمشق, فقد كان يلازم الجلوس والمبيت فيها، ثم نقل منها إلى المدرسة التي أنشأها بدمشق، عند سوق الخواصين، وكانت ولايته ثمانية وعشرين سنة وأشهرا, وكان لموته وقع عظيم في قلوب الناس، وتأسفوا عليه؛ لأنه كان محسنا محمود السيرة، ولما توفي نور الدين قام ابنه الملك الصالح إسماعيل بالملك بعده، وكان عمره إحدى عشرة سنة، وحلف له الأمراء والمقدمون بدمشق، وأقام بها، وأطاعه الناس بالشام وصلاح الدين بمصر، وخطب له بها، وضرب السكة باسمه، وتولى تربيته الأمير شمس الدين محمد بن عبد الملك المعروف بابن المقدم، وصار مدبر دولته؛ فقال له كمال الدين بن الشهرزوري ولمن معه من الأمراء: "قد علمتم أن صلاح الدين صاحب مصر هو من مماليك نور الدين ونوابه أصحاب نور الدين، والمصلحة أن نشاوره في الذي نفعله، ولا نخرجه من بيننا فيخرج عن طاعتنا، ويجعل ذلك حجة علينا، وهو أقوى منا؛ لأنه قد انفرد اليوم بملك مصر، فلم يوافق هذا القول أغراضهم، وخافوا أن يدخل صلاح الدين ويخرجهم، فلم يمض غير قليل حتى وردت كتب صلاح الدين إلى الملك الصالح يعزيه ويهنئه بالملك، وأرسل دنانير مصرية عليها اسمه ويعرفه أن الخطبة والطاعة له كما كانت لأبيه".


لما مات نور الدين محمود زنكي، صاحب الشام، اجتمعت الفرنج وساروا إلى قلعة بانياس من أعمال دمشق فحصروها، فجمع شمس الدين محمد بن المقدم الوصي على الملك الصالح بن نور الدين محمود العسكر عنده بدمشق، فخرج عنها، فراسلهم، ولاطفهم، ثم أغلظ لهم بالقول، وقال لهم: إن أنتم صالحتمونا وعدتم عن بانياس، فنحن على ما كنا عليه، وإلا فنرسل إلى سيف الدين، صاحب الموصل، ونصالحه، ونستنجده، ونرسل إلى صلاح الدين بمصر فنستنجده، ونقصد بلادكم من جهاتها كلها، فعلموا صدقه، فصالحوه على شيء من المال أخذوه وأسرى أطلقوا كانوا عند المسلمين وتقررت الهدنة، فلما سمع صلاح الدين بذلك أنكره واستعظمه، وكتب إلى الملك الصالح والأمراء الذين معه يقبح لهم ما فعلوه ويبذل من نفسه قصد بلاد الفرنج ومقارعتهم وإزعاجهم عن قصد شيء من بلاد الملك الصالح.


كان نور الدين قبل أن يمرض قد أرسل إلى البلاد الشرقية- الموصل وديار الجزيرة وغيرها- يستدعي العساكر منها للغزاة، والمراد غيرها، وقد تقدم ذكره، فسار سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود بن زنكي، صاحب الموصل، في عساكره، وعلى مقدمته الخادم سعد الدين كمشتكين الذي كان قد جعله نور الدين بقلعة الموصل مع سيف الدين، فلما كانوا ببعض الطريق وصلت الأخبار بوفاة نور الدين، فأما سعد الدين فإنه كان في المقدمة، فهرب جريدة.

وأما سيف الدين فأخذ كل ما كان له من برك وغيره، وعاد إلى نصيبين فملكها، وأرسل الشحن إلى الخابور فاستولوا عليه، وأقطعه، وسار هو إلى حران فحصرها عدة أيام، وبها مملوك لنور الدين يقال له قايماز الحراني، فامتنع بها، وأطاع بعد ذلك على أن تكون حران له، ونزل إلى خدمة سيف الدين، فقبض عليه وأخذ حران منه، وسار إلى الرها فحصرها وملكها، وكان بها خادم خصي أسود لنور الدين فسلمها وطلب عوضها قلعة الزعفران من أعمال جزيرة ابن عمر، فأعطيها، ثم أخذت منه، ثم صار يستعطي ما يقوته، وسير سيف الدين إلى الرقة فملكها، وكذلك سروج، واستكمل ملك جميع بلاد الجزيرة سوى قلعة جعبر، فإنها كانت منيعة، وسوى رأس عين، فإنها كانت لقطب الدين، صاحب ماردين، وهو ابن خال سيف الدين، فلم يتعرض إليها.

وكان شمس الدين علي بن الداية، وهو أكبر الأمراء النورية، بحلب مع عساكرها، فلم يقدر على العبور إلى سيف الدين ليمنعه من أخذ البلاد، لفالج كان به، فأرسل إلى دمشق يطلب الملك الصالح، فلم يرسل إليه، ولما ملك سيف الدين الديار الجزرية قال له فخر الدين عبد المسيح، وكان قد وصل إليه من سيواس بعد موت نور الدين، وهو الذي أقر له الملك بعد أبيه قطب الدين، فظن أن سيف الدين يرعى له ذلك، فلم يجن ثمرة ما غرس، وكان عنده كبعض الأمراء، قال له: الرأي أن تعبر إلى الشام فليس به مانع، فقال له أكبر أمرائه، وهو أمير يقال له عز الدين محمود المعروف بزلفندار: قد ملكت أكثر ما كان لأبيك، والمصلحة أن تعود، فرجع إلى قوله، وعاد إلى الموصل.


ظفر أهل الإسكندرية وعسكر مصر بأسطول الفرنج من صقلية، وكان سبب ذلك إرسال أهل مصر إلى ملك الفرنج بساحل الشام، وإلى صاحب صقلية، ليقصدوا ديار مصر ليثوروا على صلاح الدين ويخرجوه من مصر، فجهز صاحب صقلية أسطولا كبيرا، وسيره إلى الإسكندرية من ديار مصر، فوصلوا إليها في التاسع والعشرين من ذي الحجة سنة 569، على حين غفلة من أهلها وطمأنينة، فخرج أهل الإسكندرية بعدتهم وسلاحهم ليمنعوهم من النزول، وأبعدوا عن البلد، فمنعهم الوالي من ذلك، وأمرهم بملازمة السور، ونزل الفرنج إلى البر مما يلي البحر والمنارة، وتقدموا إلى المدينة ونصبوا عليها الدبابات والمجانيق، وقاتلوا أشد قتال، وصبر لهم أهل البلد، وسيرت الكتب بالحال إلى صلاح الدين يستدعونه لدفع العدو عنهم، ووصل من العساكر المسلمين كل من كان له في أقطاعه، وهو قريب من الإسكندرية، فقويت بهم نفوس أهل الإسكندرية، وأحسنوا القتال والصبر، فلما كان اليوم الثالث فتح المسلمون باب البلد وخرجوا منه على الفرنج من كل جانب، وهم غارون، واشتد القتال، فوصل المسلمون إلى الدبابات فأحرقوها، وصبروا للقتال، فأنزل الله نصره عليهم، وفشل الفرنج وفتر حربهم، وكثر القتل والجراح في رجالاتهم، وأما صلاح الدين فإنه لما وصله الخبر سار بعساكره، وسير مملوكا له ومعه ثلاث جنائب ليجد السير عليها إلى الإسكندرية يبشر بوصوله، وسير طائفة من العسكر إلى دمياط خوفا عليها، واحتياطا لها، فسار ذلك المملوك، فوصل الإسكندرية من يومه وقت العصر، والناس قد رجعوا من القتال، فنادى في البلد بمجيء صلاح الدين والعساكر مسرعين، فلما سمع الناس ذلك عادوا إلى القتال، وقد زال ما بهم من تعب وألم الجراح، وسمع الفرنج بقرب صلاح الدين في عساكره، فسقط في أيديهم، وازدادوا تعبا وفتورا، فهاجمهم المسلمون عند اختلاط الظلام، ووصلوا إلى خيامهم فغنموها بما فيها من الأسلحة الكثيرة والتحملات العظيمة، وكثر القتل في رجالة الفرنج، فهرب كثير منهم إلى البحر، فغلبهم أهل البلد وقهروهم، فصاروا بين قتيل وأسير، وكفى الله المسلمين شرهم، وحاق بالكافرين مكرهم.


جمع كنز الدولة والي أسوان العرب والسودان، وقصد القاهرة يريد إعادة الدولة الفاطمية، وأنفق في جموعه أموالا جزيلة، وانضم إليه جماعة ممن يهوى هواهم، فقتل عدة من أمراء صلاح الدين، وخرج في قرية طود رجل يعرف بعباس بن شادي، وأخذ بلاد قوص، وانتهب أموالها، فجهز السلطان صلاح الدين أخاه الملك العادل في جيش كثيف، ومعه الخطير مهذب بن مماتي، فسار وأوقع بشادي وبدد جموعه وقتله، ثم سار فلقيه كنز الدولة بناحية طود، وكانت بينهما حروب فر منها كنز الدولة، بعدما قتل أكثر عسكره، ثم قتل كنز الدولة في سابع صفر، وقدم العادل إلى القاهرة في ثامن عشر من صفر.


ملك صلاح الدين يوسف بن أيوب مدينة دمشق، وسبب ذلك أن نور الدين لما مات وملك ابنه الملك الصالح إسماعيل بعده كان بدمشق، ولما استولى سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود صاحب الموصل وعم الملك الصالح إسماعيل على البلاد الجزرية، خاف شمس الدين علي بن الداية-وهو أكبر الأمراء النورية- أن يغير إلى حلب فيملكها، فأرسل الخادم سعد الدين كمشتكين إلى دمشق ليحضر الملك الصالح ومعه العساكر إلى حلب، فلما وصلوا إليها قبض سعد الدين على شمس الدين بن الداية وإخوته، وعلى ابن الخشاب رئيس حلب ومقدم الأحداث فيها، واستبد سعد الدين بتدبير الملك الصالح، فخافه ابن المقدم وغيره من الأمراء الذين بدمشق، وكاتبوا سيف الدين غازي صاحب الموصل ليعبر الفرات إليهم؛ ليسلموا إليه دمشق، فامتنع عن قصد دمشق، وراسل الخادم سعد الدين الملك الصالح وصالحهما على ما أخذه من البلاد، فلما امتنع سيف الدين غازي عن العبور إلى دمشق عظم خوف ابن المقدم ومن معه من الأمراء، وقالوا: حيث صالح الخادم سعد الدين سيف الدين والملك الصالح لم يبق لهم مانع عن المسير إلينا، فكاتبوا حينئذ صلاح الدين يوسف بن أيوب، صاحب مصر، واستدعوه ليملكوه عليهم، فلما وصلت الرسل إلى صلاح الدين بذلك لم يلبث، وسار جريدة -الجريدة خيل لا رجالة فيها- في سبعمائة فارس، والفرنج في طريقه، فلم يبال بهم، ثم سار صلاح الدين إلى دمشق فخرج كل من بها من العسكر إليه، فلقوه وخدموه، ودخل البلد، ونزل في دار والده المعروفة بدار العقيقي، وكانت القلعة بيد خادم اسمه ريحان، فأحضر صلاح الدين كمال الدين بن الشهرزوري وهو قاضي البلد والحاكم في جميع أموره من الديوان والوقف وغير ذلك، وأرسله إلى ريحان ليسلم القلعة إليه، وقال: "أنا مملوك الملك الصالح، وما جئت إلا لأنصره وأخدمه، وأعيد البلاد التي أخذت منه إليه"، وكان يخطب له في بلاده كلها، فصعد كمال الدين إلى ريحان، ولم يزل معه حتى سلم القلعة، فصعد صلاح الدين إليها، وأخذ ما فيها من الأموال، وأخرجها واتسع بها وثبت قدمه، وقويت نفسه، وهو مع هذا يظهر الطاعة للملك الصالح، والخطبة والسكة باسمه، والصالح يخاطبه بالمملوك.


لما استقر ملك صلاح الدين لدمشق، وقرر أمرها، استخلف بها أخاه سيف الإسلام طغتكين بن أيوب، وسار إلى مدينة حمص مستهل جمادى الأولى، وكانت حمص وحماة وقلعة بعين وسلمية وتل خالد والرها من بلد الجزيرة في أقطاع الأمير فخر الدين مسعود الزعفراني، فلما مات نور الدين لم يمكن فخر الدين المقام بها لسوء سيرته في أهلها، ولم يكن له في قلاع هذه البلاد حكم، إنما فيها ولاة لنور الدين.

وكان بقلعة حمص وال يحفظها، فلما نزل صلاح الدين على حمص، حادي عشر من هذا الشهر، راسل من فيها بالتسليم، فامتنعوا، فقاتلهم من الغد، فملك البلد وأمن أهله، وامتنعت عليه القلعة، وبقيت ممتنعة إلى أن عاد من حلب، وترك بمدينة حمص من يحفظها، ويمنع من بالقلعة من التصرف وأن تصعد إليهم ميرة.