Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
وكان سبب ضربها أن عبد الملك بن مروان كتب في صدور الكتب إلى الروم: "قل هو الله أحد" وذكر النبي صلى الله عليه وسلم، مع التاريخ، فكتب إليه ملك الروم: إنكم قد أحدثتم كذا وكذا، فاتركوه وإلا أتاكم في دنانيرنا من ذكرنا نبيكم ما تكرهون.
فعظم ذلك عليه.
فأحضر خالد بن يزيد بن معاوية فاستشاره فيه، فقال: حرم دنانيرهم واضرب للناس سكة فيها ذكر الله تعالى.
فضرب الدنانير والدراهم.
ثم إن الحجاج ضرب الدراهم ونقش فيها: "قل هو الله أحد" فكره الناس ذلك لمكان القرآن؛ لأن الجنب والحائض يمسها، ونهى أن يضرب أحد غيره.
كانت هناك في جبال أوراس كاهنة مطاعة من قبل البربر فانطلق إليها حسان بن النعمان لقتالها، وحصل قتال شديد هزم فيه المسلمون، ووصل الخبر لعبد الملك فأمر بالانتظار حتى يأتيهم الأمر؛ ولكن الروم لما علموا بالأمر ساروا بأسطولهم إلى قرطاجنة بإمرة البطريق يوحنا فتمكن من دخولها وقسا على المسلمين مما اضطرهم للهروب للقرى المجاورة.
هو يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان يحيى ممن نجا يوم فخ بمكة عام 169هـ فهرب إلى اليمن، ثم لمصر، ثم بغداد، ثم نزل ببلاد الديلم، واتبعه خلق كثير وجم غفير، وقويت شوكته، وارتحل إليه الناس من الكور والأمصار، فانزعج لذلك الرشيد وقلق من أمره، فندب إليه الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك، فسار الفضل إليه وكاتبه بأنه سيسعى له بالأمان إن هو خرج مطيعا وأغرى صاحب الديلم أن يعطيه ألف ألف درهم إن هو سعى إلى إخراج يحيى للصلح، فطلب يحيى أن يكتب له الرشيد بخط يده الأمان، فلما وصل الخبر للرشيد سر بذلك وكتب له الأمان، وأشهد عليه القضاة والفقهاء ومشيخة بني هاشم، وبعثه ومعه الهدايا والأموال، ثم جاء يحيى ودخل بغداد بهذا الأمان، وأكرمه الرشيد، ثم لم يلبث الرشيد فتنكر ليحيى مرة أخرى فحبسه في سرداب حتى مات عام 180هـ، وقد كثرت الروايات في سبب موته؛ قيل: جوعه حتى مات، وقيل: عذب، وقيل: بل مات دون دافع، وقيل غير ذلك.
هاجت الفتنة بدمشق بين المضرية واليمانية، وكان رأس المضرية أبو الهيذام، واسمه عامر بن عمارة بن خريم أحد الفرسان المشهورين، وكان سبب الفتنة أن عاملا للرشيد بسجستان قتل أخا لأبي الهيذام، فخرج أبو الهيذام بالشام، وجمع جمعا عظيما فرثى أخاه بأبيات، ثم إن الرشيد احتال عليه بأخ له كتب إليه فأرغبه، ثم شد عليه فكتفه، وأتى به الرشيد، فمن عليه وأطلقه.
وقيل: كان أول ما هاجت الفتنة في الشام أن رجلا من بني القين اقتتل مع رجل من لخم أو جذام، فقتل رجل من اليمانية، وطلبوا بدمه، فاجتمعوا لذلك، وكان على دمشق حينئذ عبد الصمد بن علي، فلما خاف الناس أن يتفاقم ذلك اجتمع أهل الفضل والرؤساء ليصلحوا بينهم، فأتوا بني القين فكلموهم، فأجابوهم إلى ما طلبوا فأتوا اليمانية فكلموهم، فقالوا: انصرفوا عنا حتى ننظر، ثم ساروا فبيتوا بني القين، فقتلوا منهم ستمائة، وقيل ثلاثمائة، فاستنجدت القين قضاعة وسليحا فلم ينجدوهم، فاستنجدت قيسا فأجابوهم، وساروا معهم إلى الصواليك من أرض البلقاء، فقتلوا من اليمانية ثمانمائة، وكثر القتال بينهم فالتقوا مرات.
وعزل عبد الصمد عن دمشق، واستعمل عليها إبراهيم بن صالح بن علي، فدام ذلك الشر بينهم نحو سنتين، والتقوا بالبثنية، فقتل من اليمانية نحو ثمانمائة، فأعادوا أيام الجاهلية، وقد هدم سور دمشق حين ثارت الفتنة؛ خوفا من أن يتغلب عليها أبو الهيذام المزي رأس القيسية، فلما تفاقم الأمر بعث الرشيد من جهته موسى بن يحيى بن خالد ومعه جماعة من القواد ورؤوس الكتاب، فأصلحوا بين الناس، وهدأت الفتنة واستقام أمر الرعية، وحملوا جماعات من رؤوس الفتنة إلى الرشيد، فرد أمرهم إلى يحيى بن خالد، فعفا عنهم وأطلقهم.
استطاع أحد زعماء الإباضية وهو عبد الله بن يحيى، المشهور بطالب الحق، الاستيلاء على حضرموت سنة 129هـ، في السنوات الأخيرة لحكم بني أمية، بمساعدة الإباضية في البصرة، ثم استولى على صنعاء، وامتد نفوذهم إلى بعض مناطق الحجاز بعد انتصارات على الجيوش الأموية، تبعها هزائم وانكسارات.
وقد ظل للإباضية نفوذ وانتشار في حضرموت حتى استيلاء الصليحي عليها سنة 455هـ.
وأدت بعض العوامل إلى أن يؤسس الإباضيون إمارة لهم في عمان؛ منها: انتماء عدد من أبناء قبيلة الأزد- أكبر قبائل عمان- إلى الإباضية، ورغبة العمانيين المستمرة في الاستقلال عن السلطة المركزية المتمثلة بالدولة الأموية ثم العباسية، إضافة إلى طبيعة عمان الجغرافية وموقعها الاستراتيجي؛ مما ساعدها على تنمية مواردها الاقتصادية، وبالتالي الوقوف ضد أي خطر دون خوف من حصار اقتصادي محتمل، كما كان يحدث في الحجاز مثلا.
ومنذ سنة 177هـ استطاع الإباضيون تأسيس الإمامة في عمان، وما زال مذهبهم سائدا فيها إلى اليوم.
هو أبو عبدالرحمن بقي بن مخلد بن يزيد أبو عبد الرحمن الأندلسي الحافظ الكبير، له المسند المبوب على الفقه، روى فيه عن ألف وستمائة صحابي، وقد فضله ابن حزم على مسند الإمام أحمد بن حنبل، وقد رحل بقي إلى العراق، فسمع من الإمام أحمد وغيره من أئمة الحديث بالعراق وغيرها، يزيدون على المائتين بأربعة وثلاثين شيخا، وله تصانيف أخرى، وكان رجلا صالحا عابدا زاهدا مجاب الدعوة، ومسنده المذكور مفقود، ليس منه إلا جزء يسير.
هو أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري وقيل المروزي، ولد سنة 213ه, خطيب أهل السنة، عالم في التفسير واللغة، والنحو والأدب، والتاريخ والحديث، تولى القضاء في دينور فنسب إليها، كان شديدا على المعتزلة، عاد إلى بغداد ودرس فيها، ومن مؤلفاته غريب الحديث، ومشكل القرآن، وأدب الكاتب، وجامع النحو، وغيرها، توفي عن 63 سنة.
جرت فتنة بين الديلم والأتراك الذين مع شرف الدولة ببغداد، وسببها أن الديلم اجتمعوا مع شرف الدولة في خلق كثير بلغت عدتهم خمسة عشر ألف رجل، وكان الأتراك في ثلاثة آلاف، فاستطال عليهم الديلم، فجرت منازعة بين بعضهم في دار وإصطبل، ثم صارت إلى المحاربة، فاستظهر الديلم لكثرتهم، وأرادوا إخراج صمصام الدولة وإعادته إلى ملكه، وبلغ شرف الدولة الخبر، فوكل بصمصام الدولة من يقتله إن هم الديلم بإخراجه، ثم إن الديلم لما استظهروا على الأتراك تبعوهم، فتشوشت صفوفهم، فعادت الأتراك عليهم من أمامهم وخلفهم، فانهزموا، وقتل منهم زيادة على ثلاثة آلاف، ودخل الأتراك البلد، فقتلوا من وجدوه منهم، ونهبوا أموالهم، وتفرق الديلم؛ فبعضهم اعتصم بشرف الدولة، وبعضهم سار عنه، فلما كان الغد دخل شرف الدولة بغداد والديلم المعتصمون به معه، فخرج الطائع لله ولقيه وهنأه بالسلامة، وحمل صمصام الدولة إلى فارس، فاعتقل في قلعة هناك.
سار شرف الدولة أبو الفوارس بن عضد الدولة من الأهواز إلى واسط فملكها، فأرسل إليه صمصام الدولة أخاه أبا نصر يستعطفه بإطلاقه، وكان محبوسا عنده، فلم يتعطف له، واتسع الخرق على صمصام الدولة، وشغب عليه جنده، فسار صمصام الدولة إلى أخيه شرف الدولة في خواصه، فلقيه وطيب قلبه، فلما خرج من عنده قبض عليه، وأرسل إلى بغداد من يحتاط على دار المملكة، وسار شرف الدولة فوصل إلى بغداد في شهر رمضان، فنزل بالشفيعي، وأخوه صمصام الدولة معه تحت الاعتقال، وكانت إمارته بالعراق ثلاث سنين وأحد عشر شهرا.
قام العزيز بالله الفاطمي بمنع النصارى من إظهار ما كانوا يفعلونه في الغطاس؛ من الاجتماع، ونزول الماء، وإظهار الملاهي، وحذر من ذلك.
جمع مالك بن علوي الصخري العرب فأكثر، وسار إلى المهدية فحصرها، فقام الأمير تميم بن المعز قياما تاما، ورحله عنها، ولم يظفر منها بشيء، فسار مالك منها إلى القيروان فحصرها وملكها، فجرد إليه تميم العساكر العظيمة، فحصروه بها، فلما رأى مالك أنه لا طاقة له بتميم خرج عنها وتركها، فاستولى عليها عسكر تميم وعادت إلى ملكه كما كانت.
جمع تاج الدولة تتش جمعا كثيرا، وسار عن بغداد، وقصد بلاد الروم أنطاكية وما جاورها، فسمع صاحب حلب، شرف الدولة أبو المكارم مسلم بن قريش أمير بني عقيل الخبر، فخافه، فجمع العرب من عقيل، والأكراد، وغيرهم، فاجتمع معه جمع كثير، فراسل صاحب مصر الفاطمي يطلب منه إرسال نجدة إليه ليحصر دمشق، فوعده ذلك فسار إليها.
فلما سمع تتش الخبر عاد إلى دمشق، فوصلها أول المحرم سنة 476هـ، ووصل شرف الدولة أواخر المحرم، وحصر المدينة وقاتله أهلها، وفي بعض الأيام خرج إليه عسكر دمشق وقاتلوه، وحمل على عسكره حملة صادقة، فانكشفوا وتضعضعوا، وانهزمت العرب، وثبت شرف الدولة، وأشرف على الأسر، وتراجع إليه أصحابه، فلما رأى شرف الدولة ذلك، ورأى أيضا أن مصر لم يصل إليه منها عسكر، وأتاه عن بلاده الخبر أن أهل حران عصوا عليه رحل عن دمشق إلى بلاده، وأظهر أنه يريد البلاد بفلسطين، فرحل أولا إلى مرج الصفر، فارتاع أهل دمشق وتتش واضطربوا، ثم إنه رحل من مرج الصفر مشرقا في البرية وجد في مسيره، فهلك من المواشي الكثير مع عسكره، ومن الدواب شيء كثير، وانقطع خلق كثير.
هو الشيخ، الإمام، القدوة، المجتهد، شيخ الإسلام، أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزاباذي الشيرازي، الشافعي، الأشعري, نزيل بغداد، قيل: لقبه جمال الدين، ولد سنة 393هـ في قرية فيروزباذ من قرى فارس، وقيل: هي مدينة خوارزم، وهو شيخ الشافعية في عصره, ومدرس النظامية ببغداد، تفقه بفارس على أبي عبد الله البيضاوي، ثم قدم بغداد سنة خمس عشرة وأربعمائة، فتفقه على القاضي أبي الطيب الطبري، وبرع على يده، وصار معيده، وكان يضرب المثل بفصاحته وقوة مناظرته.
وسمع الحديث من ابن شاذان والبرقاني، وكان عابدا ورعا، متواضعا، ظريفا، كريما، جوادا، طلق الوجه، دائم البشر، مليح المحاورة، زاهدا، جاءته الدنيا صاغرة، فأباها، واقتصر على خشونة العيش أيام حياته.
كان كبير القدر معظما محترما إماما في الفقه والأصول والحديث، وفنون كثيرة.
رحل الناس إليه من البلاد، وقصدوه، وتفرد بالعلم الوافر مع السيرة الجميلة، والطريقة المرضية.
قال السمعاني: سمعت جماعة يقولون: "لما قدم أبو إسحاق نيسابور رسولا تلقوه، وحمل إمام الحرمين غاشيته، ومشى بين يديه وقال: أفتخر بهذا".
وكان عامة المدرسين بالعراق والجبال تلامذته وأتباعه, وكان ينشد الأشعار المليحة، ويوردها، ويحفظ منها الكثير.
قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: حكى أبي قال: "حضرت مع قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي عزاء، فتكلم الشيخ أبو إسحاق واجلا وأجاد، فلما خرجنا، قال الماوردي: ما رأيت كأبي إسحاق! لو رآه الشافعي لتجمل به" قال خطيب الموصل أبو الفضل: "حدثني أبي قال: توجهت من الموصل سنة إلى أبي إسحاق، فلما حضرت عنده رحب بي، وقال: من أين أنت؟ فقلت: من الموصل.
قال: مرحبا أنت بلديي.
فشاهدت من حسن أخلاقه ولطافته وزهده ما حبب إلي لزومه، فصحبته إلى أن مات" له مصنفات كثيرة نافعة، كـ((المهذب)) في المذهب، و((التنبيه))، و((النكت في الخلاف))، و((اللمع في أصول الفقه))، و((التبصرة))، و((طبقات الشافعية)) وغير ذلك، توفي ليلة الأحد الحادي والعشرين في دار أبي المظفر ابن رئيس الرؤساء، وغسله أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي وصلى عليه بباب الفردوس من دار الخلافة، وشهد الصلاة عليه المقتدي بأمر الله، وتقدم للصلاة عليه أبو الفتح المظفر ابن رئيس الرؤساء، ثم صلي عليه مرة ثانية بجامع القصر، ودفن بباب إبرز في تربة مجاورة للناحية.
قصد صلاح الدين بلد ابن ليون الأرمني، وسبب ذلك أن ابن ليون الأرمني قد استمال قوما من التركمان وبذل لهم الأمان، فأمرهم أن يرعوا مواشيهم في بلاده، وهي بلاد حصينة كلها حصون منيعة، والدخول إليها صعب؛ لأنها مضائق وجبال وعرة، ثم غدر بهم وسبى حريمهم، وأخذ أموالهم، وأسر رجالهم بعد أن قتل منهم، فسار صلاح الدين على النهر الأسود، وبث الغارات على بلاده، فخاف ابن ليون على حصن له على رأس جبل أن يؤخذ فخربه وأحرقه، فسمع صلاح الدين بذلك، فأسرع السير إليه، فأدركه قبل أن ينقل ما فيه من ذخائر وأقوات، فغنمها، وانتفع المسلمون بما غنموه، فأرسل ابن ليون يبذل إطلاق ما عنده من الأسرى والسبي وإعادة أموالهم على أن يعودوا عن بلاده، فأجابه صلاح الدين إلى ذلك واستقر الحال، وأطلق الأسرى وأعيدت أموالهم، وعاد صلاح الدين عنه في جمادى الآخرة.
هو الإمام العلامة المحدث، الحافظ الكبير المفتي شيخ الإسلام، شرف المعمرين، أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني، الجرواني السلفي بكسر السين وفتح اللام.
يلقب جده أحمد سلفة- أي أشرم الشفة- وأصله بالفارسية سلبة، وكثيرا ما يمزجون الباء بالفاء فسمته الأعاجم لذلك السلفي، والسلفي -بفتحتين- وهو من كان على مذهب السلف، وكان يلقب بصدر الدين، وكان شافعي المذهب، ولد سنة 475، أو قبلها بسنة، قال السلفي: "أنا أذكر قتل الوزير نظام الملك وكان عمري نحو عشر سنين، قتل سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وقد كتب عني بأصبهان أول سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وأنا ابن سبع عشرة سنة أو أكثر، أو أقل بقليل، وما في وجهي شعرة، كالبخاري- يعني لما كتبوا عنه-".
ورد السلفي بغداد وله أقل من عشرين سنة, واشتغل بها على الكيا الهراسي، وأخذ اللغة عن الخطيب أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي.
سمع الحديث الكثير ورحل في طلبه إلى الآفاق ثم نزل ثغر الإسكندرية في سنة 511، وبنى له العادل أبو الحسن علي بن السلار وزير الظافر العبيدي مدرسة، وفوضها إليه، وأما أماليه وكتبه وتعاليقه فكثيرة جدا، وبقي بالإسكندرية بضعا وستين سنة, وهو ينشر العلم، ويحصل الكتب التي قل ما اجتمع لعالم مثلها في الدنيا.
ارتحل إليه خلق كثير جدا، ولا سيما لما زالت دولة الرفض العبيدية الفاطمية عن مصر، وتملكها عسكر الشام.
ارتحل إلى السلفي السلطان صلاح الدين وإخوته وأمراؤه، فسمعوا منه, وله تصانيف كثيرة، منها تخريج (الأربعين البلدية) التي لم يسبق إلى تخريجها، وقل أن يتهيأ ذلك إلا لحافظ عرف باتساع الرحلة, وله (السفينة الأصبهانية) في جزء ضخم، و(السفينة البغدادية) في جزأين كبيرين، و(مقدمة معالم السنن)، و(الوجيز في المجاز والمجيز)، و(جزء شرط القراءة على الشيوخ)، و(مجلسان في فضل عاشوراء)، وكان يستحسن الشعر، وينظمه, وكان جيد الضبط، كثير البحث عما يشكل عليه.
كان أوحد زمانه في علم الحديث، وأعرفهم بقوانين الرواية والتحديث، وكان عالي الإسناد؛ فقد روى عن الأجداد والأحفاد، وبذلك كان ينفرد عن أبناء جنسه.
قال أبو سعد السمعاني: "السلفي: ثقة، ورع، متقن، متثبت، فهم، حافظ، له حظ من العربية، كثير الحديث، حسن الفهم والبصيرة فيه".
توفي في الإسكندرية عن عمر تجاوز المائة سنة.
سار يوسف بن عبد المؤمن إلى إفريقية، وملك قفصة، وكان سبب ذلك أن صاحبها علي بن عبد المعز بن المعتز لما رأى دخول الترك إلى إفريقية واستيلاءهم على بعضها، وانقياد العرب إليهم؛ طمع أيضا في الاستبداد والانفراد عن يوسف وكان في طاعته، فأظهر ما في نفسه وخالفه وأظهر العصيان، ووافقه أهل قفصة، فقتلوا كل من كان عندهم من الموحدين أصحابه، وكان ذلك في شوال سنة 572، فأرسل والي بجاية إلى يوسف بن عبد المؤمن يخبره باضطراب أمور البلاد، واجتماع كثير من العرب إلى بهاء الدين قراقوش القائد الأيوبي الذي دخل إلى إفريقية, فشرع يوسف بن عبد المؤمن في سد الثغور التي يخافها بعد مسيره، فلما فرغ من جميع ذلك جهز العسكر وسار نحو إفريقية سنة خمس وسبعين، ونزل على مدينة قفصة وحصرها ثلاثة أشهر وهي بلدة حصينة، وأهلها أنجاد، وقطع شجرها، فلما اشتد الأمر على صاحبها وأهلها خرج منها مستخفيا وطلب عفو أمير المؤمنين واعتذر، فرق له يوسف فعفا عنه وعن أهل البلد، وتسلم المدينة أول سنة ست وسبعين وسير علي بن المعز صاحبها إلى بلاد المغرب، فكان فيها مكرما عزيزا، وأقطعه ولاية كبيرة؛ ورتب يوسف لقفصة طائفة من أصحابه الموحدين.
هو الملك المعظم فخر الدين شمس الدولة توران شاه بن أيوب أخو السلطان صلاح الدين.
كان أكبر من صلاح الدين في السن.
وكان يرى في نفسه أنه أحق بالملك من صلاح الدين يوسف، وكان يبدو منه كلام يقدح في صلاح الدين وتبلغه عنه، ومع ذلك كان صلاح الدين يحسن إليه.
شهد معه مواقف مشهودة محمودة، وهو الذي افتتح بلاد اليمن عن أمر صلاح الدين، فمكث فيها حينا واقتنى منها أموالا جزيلة، ثم عاد من اليمن، فاستنابه صلاح الدين على دمشق مدة، ثم سار إلى مصر فاستنابه على الإسكندرية فلم توافقه، وكانت تعتريه القوالنج، فمات في هذه السنة، ودفن بقصر الإمارة فيها، ثم نقلته أخته ست الشام بنت أيوب فدفنته بتربتها التي بالشامية البرانية, ولما بلغ موته أخاه صلاح الدين بن أيوب وهو مخيم بظاهر حمص، حزن عليه حزنا شديدا.
كان توران شاه شجاعا جوادا ممدحا حسن الأخلاق.
هو سيف الدين غازي بن الملك قطب الدين مودود بن أتابك زنكي بن آق سنقر التركي.
صاحب الموصل ووالد سنجر شاه صاحب جزيرة ابن عمر.
لما مات أبوه قطب الدين، وهو على تل باشر، وفي سنة ست وستين ملك الرقة، ونصيبين وسنجار، ثم أتى الموصل، فأرسل إلى صاحبها وعرفه صحة قصده، فصالحه.
ونزل الموصل ودخلها، وأقر صاحبها فيها، وزوجه بابنته، وعاد إلى الشام، فلما تملك صلاح الدين وسار إلى حلب وحاصرها، سير إليه غازي جيشا عليه أخوه عز الدين مسعود فكسره صلاح الدين, فتجهز غازي وسار بنفسه، فانهزم جيش غازي فعاد إلى حلب، ثم رحل إلى الموصل.
إلى أن مات بالسل.
قال ابن الأثير: "كان مليح الشباب، تام القامة، أبيض اللون، وكان عاقلا وقورا، قليل الالتفات, ولا يحب الظلم، على شح فيه وجبن".
قال الذهبي عن سيف الدين غازي: "أدار الخمر والزنا ببلاده بعد موت عمه نور الدين، فمقته أهل الخير, وقد تاب قبل موته بيسير".
توفي سيف الدين غازي بعد أن أصيب بمرض السل آخر أيامه، وطال به، ثم أدركه في آخره السرسام- ورم في حجاب الدماغ تحدث عنه حمى دائمة- فمات في صفر.
وعاش نحوا من ثلاثين سنة وكانت ولايته عشر سنين وثلاثة أشهر، وكان لما اشتد مرضه أراد أن يعهد بالملك لابنه معز الدين سنجر شاه، وكان عمره حينئذ اثنتي عشرة سنة، فخاف على الدولة من ذلك؛ لأن صلاح الدين يوسف بن أيوب كان قد تمكن بالشام، وقوي أمره، وامتنع أخوه عز الدين مسعود بن مودود من الإذعان لذلك، والإجابة إليه، فأشار الأمراء الأكابر ومجاهد الدين قايماز بأن يجعل الملك بعده في عز الدين أخيه؛ لما هو عليه من الكبر في السن، والشجاعة والعقل وقوة النفس، وأن يعطي ابنيه بعض البلاد، ويكون مرجعهما إلى عز الدين عمهما والمتولي لأمرهما مجاهد الدين قايماز، ففعل ذلك، وجعل الملك في أخيه، وأعطى جزيرة ابن عمر وقلاعها لولده سنجر شاه، وقلعة عقر الحميدية لولده الصغير ناصر الدين كسك، فلما توفي سيف الدين ملك بعده الموصل والبلاد أخوه عز الدين، وكان المدبر للدولة مجاهد الدين قايماز، وهو الحاكم في الجميع، واستقرت الأمور.
هو الشيخ خضر بن أبي بكر المهراني العدوي وهو شيخ السلطان الظاهر بيبرس، كان حظيا عنده مكرما لديه، له عنده المكانة الرفيعة، كان السلطان ينزل بنفسه إلى زاويته التي بناها له في الحسينية، في كل أسبوع مرة أو مرتين، وبنى له عندها جامعا يخطب فيه للجمعة، وكان يعطيه مالا كثيرا، ويطلق له ما أراد، ووقف على زاويته شيئا كثيرا جدا، وكان معظما عند الخاص والعام بسبب حب السلطان وتعظيمه له، وكان يمازحه إذا جلس عنده، وكان فيه دين وصلاح.
كان صاحب حال ونفس قوية، وكان يتكهن كحال الكهان، وله مكاشفات يخبر بها الظاهر؛ ولهذا كان السلطان يقربه، أخبر الظاهر بسلطنته قبل وقوعها، فلهذا كان يعظمه ويزوره ويطلعه على غوامض أسراره ويستصحبه في أسفاره، سأله وهو محاصر أرسوف: متى تؤخذ؟ فعين له اليوم، فوافق ذلك، وكذلك صفد وقيسارية, ولما عاد إلى الكرك سنة خمس وستين استشاره في قصدها، فأشار عليه ألا يقصدها ويتوجه إلى مصر، فخالفه وتوجه فوقع عند بركة زيزا وانكسرت فخذه, وقال في بعلبك والظاهر على حصن الأكراد: يأخذه السلطان بعد أربعين يوما، فوافق ذلك.
وقد دخل الشيخ خضر مرة كنيسة القمامة بالمقدس فذبح قسيسها بيده، ووهب ما فيها لأصحابه، وكذلك فعل بالكنيسة التي بالإسكندرية وهي من أعظم كنائسهم، نهبها وحولها مسجدا ومدرسة أنفق عليها أموالا كثيرة من بيت المال، وسماها المدرسة الخضراء، وكذلك فعل بكنيسة اليهود بدمشق، دخلها ونهب ما فيها من الآلات والأمتعة، ومد فيها سماطا، واتخذها مسجدا مدة، ثم سعوا إليه في ردها إليهم وإبقائها عليهم، ثم اتفق في هذه السنة أنه وقعت منه أشياء أنكرت عليه وحوقق عليها عند السلطان الظاهر، فظهر له منه ما أوجب سجنه، كاللواط والزنا وغيره، وقيل مخالطته لبنات الأمراء حتى أصبحن لا يستترن منه فافتتن بهن ووقع منه القبائح، فأمر السلطان بإعدامه، فقال له إن بيني وبينك أياما قلائل، فسجنه من عام 671هـ إلى هذا العام، فأمر بقتله، وكانت وفاته في هذه السنة، ودفن بزاويته سامحه الله، وقد كان السلطان يحبه محبة عظيمة حتى إنه سمى بعض أولاده خضرا موافقة لاسمه، وإليه تنسب القبة التي على الجبل غربي الربوة التي يقال لها قبة الشيخ خضر.
هو السلطان الأعظم الملك الظاهر ركن الدين بيبرس بن عبد الله، البندقداري الصالحي؛ يعد المؤسس الفعلي لدولة المماليك وأعظم سلاطينها، اجتمعت فيه صفات العدل والفروسية والإقدام.
ولد بيبرس- بيبرس كلمة تركية تعني أمير فهد- بأرض القبجاق سنة 625، تعرضت ديارهم في القبجاق لغارات فأسر جماعة منهم، وكان بيبرس فيمن أسر وحمل إلى القاهرة، فاشتراه الأمير علاء الدين البندقدار الصالحي فطلع بطلا شجاعا نجيبا لا ينبغي أن يكون إلا عند ملك.
فأخذه الملك الصالح إليه وصار من جملة البحرية.
وشهد وقعة المنصورة بدمياط وصار أميرا في دولة المعز عز الدين أيبك.
وتقلبت به الأمور وجرت له أحوال, واشتهر بالشجاعة والإقدام وبعد صيته.
ولما سارت الجيوش المنصورة من مصر لحرب التتار في عين جالوت كان هو طليعة الإسلام.
وجلس على سرير الملك بعد قتل الملك المظفر وذلك في سابع عشر ذي القعدة من سنة ثمان وخمسين بقلعة الجبل, فصار أستاذه البندقدار بعض أمرائه وكان الظاهر غازيا، مجاهدا، مرابطا، خليقا للملك، لولا ما كان فيه من الظلم والله يرحمه ويغفر له ويسامحه، فإن له أياما بيضاء في الإسلام ومواقف مشهودة وفتوحات معدودة.
وله سيرتان كبيرتان لابن عبد الظاهر ولابن شداد.
كانت وفاته يوم الخميس السابع عشر من محرم بعد الزوال، وقد تجاوز الخمسين سنة، ومدة ملكه سبع عشرة سنة وشهران واثنا عشر يوما، أما عن سبب موته فقيل إنه شرب القمز، وهو نوع من النبيذ فمرض بعده أياما ثم إنه أخذ دواء فزاد مرضه وأصيب بإسهال حاد وحاول الأطباء علاجه بدواء آخر فأفرط الإسهال حتى إنه رمى دما قيل إنه كبده، ثم لم يلبث أياما حتى توفي، وقيل بل إن وفاته كانت بالسم حيث إنه وضع السم في القمز للملك القاهر بهاء الدين عبد الملك بن الملك المعظم عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب، الذي أبلى بلاء عظيما ضد المغول وكان بيبرس قد قيل له إنه يموت في دمشق ملك بالسم في هذا العام فأراد أن يكون هذا الملك هو القاهر بهاء، وخاصة أنه خاف منه لما ظهر منه أمام المغول فوضع له السم فشربه القاهر ومات من فوره ولكن الله أنسى بيبرس أمر الكأس وسقاه خادمه من نفس الكأس ثانية، فكانت بقايا السم هي سبب حتفه، فالله أعلم كيف كانت وفاته، ودفن في دمشق قريبا من المكتبة الظاهرية، فجزاه الله خيرا على ما قام به من فتح كثير من البلاد التي كانت استعصت على من قبله، وعلى العمران الذي شيده وعلى الهيبة التي ردها للمسلمين بعد أن كانت تحطمت أمام أفعال المغول، وبالجملة أقامه الله في هذا الوقت المتأخر عونا ونصرا للإسلام وأهله، وشجا في حلوق المارقين من الفرنج والتتار، والمشركين، وكان الملك الظاهر بيبرس قد عهد بالملك لابنه الملك السعيد بركة الذي أصبح ملكا بعد أن أخفي موت الظاهر بيبرس أياما حتى استحلف الأمراء مرة أخرى على بيعته، ثم أعلنت وفاة الظاهر وبويع الملك السعيد بالملك بعده.
في سادس ربيع الآخر مات الأمير بدر الدين بيليك النائب، واتهم أن الملك السعيد سمه؛ وذلك أنه اختص بجماعة من المماليك الأحداث، ومن بعده اضطربت أمور الملك السعيد، وأقام الملك السعيد بعده في نيابة السلطنة الأمير شمس الدين آقنسنقر الفارقاني، وكان حازما، فضم إليه جماعة منهم شمس الدين أقوش، وقطليجا الرومي، وسيف الدين قلج البغدادي، وسيف الدين بيجو البغدادي، وعز الدين ميغان أمير شكار، وسيف الدين بكتمر السلاح دار, فثقل الأمير آقسنقر على خاصكية السلطان، فحدثوا السلطان في أمره، واستعانوا بالأمير سيف الدين كوندك الساقي، وكان الملك السعيد قد قدمه وعظمه لأنه ربي معه في المكتب، فقبض على آقسنقر الفارقاني وهو جالس في باب القلة، وسجن وأهين ونتفت لحيته وضرب، ثم أخرج بعد أيام يسيرة ميتا، فاستقر بعده في النيابة الأمير شمس الدين سنقر الألفي المظفري، فكرهه الخاصكية وقالوا، هذا ما هو من الظاهرية وخيلوا الملك السعيد منه أنه يريد أن يثور بخشداشيته- زملاء مهنته- مماليك الملك المظفر قطز، فعزله سريعا، وولى الأمير سيف الدين كوندك الساقي نيابة السلطة وهو شاب، فعضده الأمير سيف الدين قلاوون الألفي ومال إليه، وكان من جملة المماليك السلطانية الخاصكية شخص يعرف بلاجين الزيني، وقد غلب على الملك السعيد في سائر أحواله، وضم إليه عدة من الخاصكية، وأخذ لاجين لهم الإقطاعات والأموال الجزيلة، وتنافر كوندك النائب ولاجين، فتوغرت بينهما الصدور، وأعمل كل منهما مكره في أذية الآخر، وضم النائب إليه جماعة من الأمراء الكبار، وصار العسكر حزبين، فآل الأمر إلى ما آل إليه من الفساد، وتغير السلطان على الأمراء، وقبض في السابع عشر على الأمير جودي القيمري الكردي فنفرت منه قلوب الأمراء لا سيما الصالحية: مثل الأمير سيف الدين قلاوون، والأمير شمس الدين سنقر الأشقر، والأمير علم الدين سنجر الحلبي، والأمير بدر الدين، بيسري، وأقرانهم فإنهم كانوا يأنفون من تملك الملك الظاهر عليهم، ويرون أنهم أحق منه بالملك، فصار ابنه الملك السعيد يضع من أقدارهم، ويقدم عليهم مماليك أصاغر، ويخلو بهم وكانوا صباح الوجوه، ويعطهيم مع ذلك الأموال الكثيرة، ويسمع من رأيهم ويبعد الأمراء الكبار، واستمر الحال على هذا إلى أن كان يوم الجمعة الخامس عشر، فقبض السلطان على الأمير شمس الدين سنقر الأشقر، والأمير بدر الدين بيسري، وسجنهما بالقلعة ثلاثة وعشرين يوما، فزادت الوحشة بينه وبين الأمراء، ودخل خاله الأمير بدر الدين محمد بركة خان إلى أخته أم السلطان، وقال لها: قد أساء ابنك التدبير بقبضه على مثل هؤلاء الأمراء الأكابر، والمصلحة أن ترديه إلى الصواب، لئلا يفسد نظامه وتقصر أيامه، فلما بلغ الملك السعيد ذلك قبض عليه واعتقله، فلم تزل به أمه تعنفه وتتلطف به، حتى أطلقهم وخلع عليهم وأعادهم إلى ما كانوا عليه، وقد تمسكت عداوته من قلوبهم، وتوهم منه بقية الأمراء، وخشوا أن يعاملهم كما عامل الأمير بيليك الخازندار- ممسك خزنة المال- مع حفظه له الملك وتسليم الخزائن والعساكر إليه، فلم يكافئه إلا بأن قتله بالسم، فاجتمع الأمراء وهموا أن يخرجوا عنه إلى بلاد الشام، ثم اتفقوا وصعدوا إلى قلعة الجبل، ومعهم مماليكهم وألزامهم وأجنادهم وأتباعهم، ومن انضم إليهم من العساكر، فامتلأ منهم الإيوان ورحبة القصر، وبعثوا إلى الملك السعيد: بأنك قد أفسدت الخواطر، وتعرضت إلى أكابر الأمراء، فإما أن ترجع عما أنت عليه، وإلا كان لنا ولك شأن، فلاطفهم في الجواب وتنصل مما كان منه، وبعث إليهم التشاريف فلم يلبسوها، وترددت الأجوبة بينهم وبينه إلى أن تقرر الصلح، وحلف لهم إنه لا يريد بهم سوءا، وتولى تحليفه الأمير بدر الدين الأيدمري فرضوا وانصرفوا.
هو الإمام أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف بن حسن بن حسين بن جمعة النووي، الشافعي نسبة إلى نوى قرية من قرى حوران بسوريا، ولد بنوى في العشر الأوسط من المحرم سنة 631.
رحل أبو زكريا إلى دمشق ودرس فيها وسمع الحديث مع زهد وورع وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، قال الشيخ محيي الدين: "لما كان لي تسع عشرة سنة قدم بي والدي إلى دمشق في سنة تسع وأربعين، فسكنت المدرسة الرواحية، وبقيت نحو سنتين لم أضع جنبي إلى الأرض.
وكان قوتي فيها جراية المدرسة لا غير، وحفظت التنبيه في نحو أربعة أشهر ونصف, وبقيت أكثر من شهرين أو أقل لما قرأت: يجب الغسل من إيلاج الحشفة في الفرج، أعتقد أن ذلك قرقرة البطن، وكنت أستحم بالماء البارد كلما قرقر بطني.
وقرأت حفظا ربع المهذب في باقي السنة، وجعلت أشرح وأصحح على شيخنا كمال الدين إسحاق بن أحمد المغربي، ولازمته فأعجب بي وأحبني، وجعلني أعيد لأكثر جماعته, وكنت أقرأ كل يوم اثني عشر درسا على المشايخ شرحا وتصحيحا وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل، ووضوح عبارة، وضبط لغة، وبارك الله لي في وقتي, وخطر لي الاشتغال بعلم الطب، فاشتريت كتاب القانون فيه، وعزمت على الاشتغال فيه، فأظلم علي قلبي، وبقيت أياما لا أقدر على الاشتغال بشيء، ففكرت في أمري ومن أين دخل علي الداخل، فألهمني الله أن سببه اشتغالي بالطب، فبعت القانون في الحال، واستنار قلبي.
" ولي أبو زكريا مشيخة دار الحديث من غير أجر، وله مصنفات عديدة مفيدة أشهرها كتاب: رياض الصالحين، والأربعون النووية، وشرحه لصحيح مسلم المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ومنهاج الطالبين في الفقه الشافعي الذي يعتبر عمدة في المذهب، ويعتبر النووي من المعتمدين في المذهب؛ فكلامه أصل في المذهب، وهو أحد الشيخين الذين يعتمد على ترجيحهم في المذهب والآخر هو الرافعي، وله كتاب المجموع شرح المهذب أيضا في الفقه الشافعي لكنه لم يتمه، وله كتاب التقريب والتيسير في مصطلح الحديث.
قال ابن العطار: "ذكر لي شيخنا محيي الدين رحمه الله أنه كان لا يضيع له وقتا في ليل ولا نهار إلا في وظيفة من الاشتغال بالعلم، حتى في ذهابه في الطرق يكرر أو يطالع.
وأنه بقي على هذا نحو ست سنين، ثم اشتغل بالتصنيف والإشغال والنصح للمسلمين وولاتهم، مع ما هو عليه من المجاهدة لنفسه، والعمل بدقائق الفقه، والحرص على الخروج من خلاف العلماء، والمراقبة لأعمال القلوب وتصفيتها من الشوائب، يحاسب نفسه على الخطرة بعد الخطرة.
وكان محققا في علمه وفنونه، مدققا في عمله وشؤونه، حافظا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عارفا بأنواعه من صحيحه وسقيمه وغريب ألفاظه واستنباط فقهه، حافظا للمذهب وقواعده وأصوله، وأقوال الصحابة والتابعين، واختلاف العلماء ووفاقهم؛ سالكا في ذلك طريقة السلف.
قد صرف أوقاته كلها في أنواع العلم والعمل بالعلم".
توفي في ليلة أربع وعشرين من رجب في نوى عن خمس وأربعين عاما، ودفن هناك وقبره فيها معروف رحمه الله وجزاه خيرا.
كان الشريف عجلان قد قدم من مكة لمصر، فعزله السلطان عن إمارتها، وولى عوضه الشريفان محمد بن عطفة وسند بن رميثة، وقواهما بالأمير جركتمر الحاجب والأمير قطلوبغا المنصوري، وناصر الدين أحمد بن أصلم؛ ليقيموا بمكة حتى يأتيهم البدل من مصر.
بعد أن توفي سلطان المغول بردي بك خان سنة 759 وقع الاختلال في دولة التتار ببلاد الشمال وكثر الهرج والمرج، وكان ابنه محمد بردي قد تسلم السلطنة بعد أبيه الذي استطاع بجبروته وقوته أن يخمد هذه الثورات وأن يسيطر أيضا على حكام الروس في موسكو وغيرها، كما قام توقتاميش أيضا بمثل هذا الإخضاع.
كانت قرية بحوران- وهي خاص لنائب الشام وهم حلبية يمن، ويقال لهم بنو لبسة وبنو ناشي- وهي حصينة منيعة يضوي إليها كل مفسد وقاطع ومارق، ولجأ إليهم أحد شياطين رويمن العشير، وهو عمر المعروف بالدنيط، فأعدوا عددا كثيرة ونهبوا ليغنموا العشير، وفي هذا الحين بدرهم والي الولاة المعروف بشنكل منكل، فجاء إليهم ليردهم ويهديهم، وطلب الوالي منهم تسليم عمر الدنيط، فأبوا عليه وراموا مقاتلته، وهم جمع كثير وجم غفير، فتأخر عنهم وكتب إلى نائب السلطنة ليمده بجيش عونا له عليهم وعلى أمثالهم، فجهز له جماعة من أمراء الطبلخانات والعشراوات ومائة من جند الحلقة الرماة، فلما بغتهم في بلدهم تجمعوا لقتال العسكر ورموه بالحجارة والمقاليع، وحجزوا بينهم وبين البلد، فعند ذلك رمتهم الأتراك بالنبال من كل جانب، فقتلوا منهم فوق المائة، ففروا على أعقابهم، وأسر منهم والي الولاة نحوا من ستين رجلا، وأمر بقطع رؤوس القتلى وتعليقها في أعناق هؤلاء الأسرى، ونهبت بيوت الفلاحين كلهم، وسلمت إلى مماليك نائب السلطنة، لم يفقد منها ما يساوي ثلاثمائة درهم، وكر راجعا إلى بصرى وشيوخ العشيرات معه، فأخبر ابن الأمير صلاح الدين ابن خاص ترك، وكان من جملة أمراء الطبلخانات الذين قاتلوهم بمبسوط ما يخصه، وأنه كان إذا أعيا بعض تلك الأسرى من الجرحى أمر المشاعلي بذبحه وتعليق رأسه على بقية الأسرى، وفعل هذا بهم غير مرة حتى إنه قطع رأس شاب منهم وعلق رأسه على أبيه، شيخ كبير، حتى قدم بهم بصرى، فشنكل طائفة من أولئك المأسورين، وشنكل آخرين، وقتل الآخرين وحبس بعضهم في القلعة، وعلق الرؤوس على أخشاب نصبها حول قلعة بصرى، فحصل بذلك تنكيل شديد لم يقع مثله في هذا الأوان بأهل حوران، وهذا كله سلط عليهم بما كسبت أيديهم، وما ربك بظلام للعبيد!
وقع مطر عظيم في أول هذا الشهر بمصر، وهو شهر فبراير، وثلج عظيم، فرويت البساتين التي كانت لها عن الماء عدة شهور، ولا يحصل لأحد من الناس سقي إلا بكلفة عظيمة ومشقة، ومبلغ كثير، حتى كاد الناس يقتتلون عليه بالأيدي والدبابيس وغير ذلك من البذل الكثير، وذلك في شهور ديسمبر والثاني، وأول فبراير؛ وذلك لقلة مياه الأنهار وضعفها، وكذلك بلاد حوران أكثرهم يروون من أماكن بعيدة في هذه الشهور، ثم من الله تعالى فجرت الأودية وكثرت الأمطار والثلوج، وغزرت الأنهار, وتوالت الأمطار، فكأنه حصل السيل في هذه السنة من كانون إلى فبراير.
هو الغازي بك شجاع الدين والدنيا السلطان أورخان خان بن عثمان بن أرطغرل بن سليمان ثاني سلاطين بني عثمان، ولد في مدينة سكود عاصمة إمارة والده سنة 687 هـ الموافق (1281م) ولي سنة 726 بعد وفاة والده السلطان عثمان أول ملوك بني عثمان، وكانت ولاية أورخان في أيام السلطان حسن بن محمد بن قلاوون صاحب مصر، كان أورخان شديدا على الكفار ففاق والده في الجهاد، وفتح البلاد فافتتح قلاعا كثيرة وحصونا منيعة، وفتح بروسة –بورصة- وجعلها مقر سلطنته, شهد عهده توسع الإمارة العثمانية، وضم جميع أراضي الدولة البيزنطية في آسيا الصغرى لحكمه, وأنشئ في عهده جيش الإنكشارية الذي كانت نواته أبناء الأسرى, توفي أورخان عن عمر 81 سنة ودفن في مدينة بورصة في تربة والده عثمان، وامتد حكمه خمسا وثلاثين سنة, وكان أولا في ولاية عهده ابنه سليمان، ولكنه توفي عام 760 في غاليبولي ودفن فيها، وقد حزن عليه والده حزنا شديدا، ثم أصبح في ولاية العهد ابنه مراد الأول الذي ولد عام 726 فلما توفي أورخان تولى هو من بعده، وكان له من العمر ستا وثلاثين سنة.
بعد وفاة أورخان وتولي ابنه مراد الأول أراد أمير القرمان في أنقرة علاء الدين خليل بن محمود أن يستغل هذه الفرصة ظنا منه أنه يقضي على العثمانيين فاستنهض همم الأمراء المستقلين في آسيا الصغرى للقتال، وعمل على تجميعهم، غير أنه تفاجأ بجيش مراد الأول الحاكم الجديد، وهي محيطة بمدينة أنقرة، ودخلها فاتحا، فاضطر علاء الدين لعقد الصلح معه وتنازل عن أنقرة، واعترف السلطان مراد بالأمير علاء الدين أميرا على بقية أملاك دولة القرمان، وتزوج مراد من ابنة علاء الدين.
هو الحافظ الفقيه أبو سعيد صلاح الدين العلائي خليل بن كيكلدي الدمشقي سبط البرهان الذهبي الحافظ.
مولده سنة 694، حفظ القرآن والسنة والنحو وغير ذلك، وسمع الكثير، وهو معدود في الأذكياء، ودرس وأفتى وناظر، وكان مدة مقامه مدرسا بالمدرسة الصلاحية بالقدس وشيخا بدار الحديث السكرية ثلاثين سنة، وقد صنف وألف وجمع وخرج، وكانت له يد طولى بمعرفة العالي والنازل، وتخريج الأجزاء والفوائد، وله مشاركة قوية في الفقه واللغة والعربية والأدب، وله عدة مصنفات وقفها على الخانقاه السمساطية بدمشق، ومن مصنفاته: جامع التحصيل في أحكام المراسيل، وتحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة، والنقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح، والتنبيهات المجملة على المواضع المشكلة، وتلقيح المفهوم في تنقيح صيغ العموم، وتحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد، وجزء في تصحيح حديث القلتين والكلام على أسانيده، وإجمال الإصابة في أقوال الصحابة، وغيرها.
توفي بالقدس الشريف ليلة الاثنين ثالث المحرم، وصلي عليه من الغد بالمسجد الأقصى بعد صلاة الظهر، ودفن بمقبرة نائب الرحبة، وله من العمر ست وستون سنة.
في مستهل جمادى الآخرة ركب الأمير سيف الدين بيدمر نائب حلب لقصد غزو بلاد سيس في جيش، وفي يوم الاثنين سابع عشر جاء الأمير تاج الدين جبريل من عند الأمير سيف الدين بيدمر نائب حلب، وقد فتح بلدين من بلاد سيس، وهما طرسوس وأذنة، وأرسل مفاتيحهما صحبة الأمير تاج الدين جبريل إلى السلطان، ثم افتتح حصونا أخرى كثيرة في أسرع مدة، وأيسر كلفة، وخطب القاضي ناصر الدين كاتب السر خطبة بليغة حسنة، وقد حملت أبواب كنيسة أذنة إلى الديار المصرية في المراكب، وهذه هي أبواب الناصرية التي بالسفح، كان قد أخذها سيس عام قازان، وذلك في سنة 699، فاستنقذت في هذه السنة.