Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchive/public_html/templates_c/de60317a0aa5dfb9a79b14e903fd786c87183139_0.file.history.tpl.php on line 73


بلغ المهاجرين في الحبشة أن قريشا قد أسلمت، فرجعوا إلى مكة في شوال من نفس السنة التي هاجروا فيها، فلما كانوا دون مكة ساعة من نهار وعرفوا جلية الأمر رجع منهم من رجع إلى الحبشة، ولم يدخل في مكة من سائرهم أحد إلا مستخفيا، أو في جوار رجل من قريش‏.
‏ ثم اشتد عليهم وعلى المسلمين البلاء والعذاب من قريش، وسطت بهم عشائرهم، فقد كان صعبا على قريش ما بلغها عن النجاشي من حسن الجوار، ولم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم بدا من أن يشير على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى‏.
‏ واستعد المسلمون للهجرة مرة أخرى، حاولت قريش إحباط عملية الهجرة الثانية بعد غزوة بدر بيد أن المسلمين كانوا أسرع، فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن يدركوا‏.
‏ هاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلا، وثماني عشرة أو تسع عشرة امرأة.

فأرسلت قريش عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة قبل أن يسلما، وأرسلوا معهما الهدايا المستطرفة للنجاشي ولبطارقته، وبعد أن حضرا إلى النجاشي قدما له الهدايا، ثم كلماه فقالا له‏:‏ أيها الملك، إنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم؛ لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم.

وعاتبوهم فيه،‏ وقالت البطارقة‏:‏ صدقا أيها الملك، فأسلمهم إليهما، فليرداهم إلى قومهم وبلادهم‏.
‏ فأرسل النجاشي إلى المسلمين، ودعاهم، فحضروا، وكانوا قد أجمعوا على الصدق كائنا ما كان،‏ فقال لهم النجاشي‏:‏ ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا به في ديني ولا دين أحد من هذه الملل ‏؟‏ قال جعفر بن أبي طالب -وكان هو المتكلم عن المسلمين‏:‏ أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية؛ نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسئ الجوار، ويأكل منا القوي الضعيف، وعدد له محاسن ما جاءهم به صلى الله عليه وسلم، ثم قال: فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك‏.
‏ فقال له النجاشي‏:‏ هل معك مما جاء به عن الله من شيء‏؟‏ فقال له جعفر‏:‏ نعم‏.
‏ فقال له النجاشي‏:‏ فاقرأه علي، فقرأ عليه صدرا من: (سورة مريم) فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال لهم النجاشي‏:‏ إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون -يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه- فخرجا، فلما خرجا قال عمرو بن العاص لعبد الله بن أبي ربيعة‏:‏ والله لآتينه غدا عنهم بما أستأصل به خضراءهم‏.
‏ فقال له عبد الله بن أبي ربيعة‏:‏ لا تفعل، فإن لهم أرحاما، وإن كانوا قد خالفونا.

ولكن أصر عمرو على رأيه‏.
‏ فلما كان الغد قال للنجاشي‏:‏ أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن قولهم في المسيح ففزعوا، ولكن أجمعوا على الصدق، كائنا ما كان، فلما دخلوا عليه وسألهم، قال له جعفر‏:‏ نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم‏:‏ هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول‏.
‏ فأخذ النجاشي عودا من الأرض ثم قال‏:‏ والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود.

فتناخرت بطارقته، فقال‏:‏ وإن نخرتم ‏.
‏ ثم قال للمسلمين‏:‏ اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي -والشيوم‏:‏ الآمنون بلسان الحبشة- من سبكم غرم، من سبكم غرم، من سبكم غرم، ما أحب أن لي دبرا من ذهب وإني آذيت رجلا منكم -والدبر‏:‏ الجبل بلسان الحبشة-‏ ثم قال لحاشيته‏:‏ ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله منـي الرشـوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشـوة فيــه، وما أطاع الناس في فأطيعـهم فيه‏.
‏ قالت أم سلمة: فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار‏.


أخرج الترمذي في سننه عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب قال وكان أحبهما إليه عمر)) وروى أهل السير أن عمر خرج يوما متوشحا سيفه يريد القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيه رجل فقال: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدا.

قال: كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمدا؟ فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبوت، وتركت دينك الذي كنت عليه، قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر? إن أختك وختنك قد صبوا، وتركا دينك الذي أنت عليه، فمشى عمر إليهما، وعندهما خباب بن الأرت، معه صحيفة فيها: سورة [طه] يقرئهما إياها، فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت، وسترت فاطمة أخت عمر الصحيفة، وكان قد سمع عمر حين دنا من البيت قراءة خباب إليهما، فلما دخل عليهما قال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم؟ فقالا: ما عدا حديثا تحدثناه بيننا.

قال: فلعلكما قد صبوتما, فقال له ختنه: يا عمر، أرأيت إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطئا شديدا, فجاءت أخته فرفعته عن زوجها، فنفحها نفحة بيده، فدمى وجهها، فقالت، وهي غضبى: يا عمر، إن كان الحق في غير دينك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله.

فلما يئس عمر، ورأى ما بأخته من الدم ندم واستحيا، وقال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرؤه، فقالت أخته: إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل، فقام فاغتسل، ثم أخذ الكتاب، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم فقال: أسماء طيبة طاهرة.

ثم قرأ [طه] حتى انتهى إلى قوله: (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري) فقال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه؟ دلوني على محمد.

فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم عنده، ثم خرج المسلمون معه في صفين حتى دخلوا المسجد، فلما رأتهم قريش أصابتها كآبة لم تصبها مثلها.