Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73


استعاد سعيد بن العاص فتح طبرستان؛ وذلك أنهم كانوا صالحوا سويد بن مقرن بعد أن غزاهم قبل ذلك في عهد عمر بن الخطاب على أن لا يغزوها على مال بذله له إصبهبذها؛ لكنهم نقضوا الصلح، فركب سعيد بن العاص في جيش فيه الحسن والحسين، والعبادلة الأربعة، وحذيفة بن اليمان، في خلق من الصحابة فسار بهم، فمر على بلدان شتى يصالحونه على أموال جزيلة، حتى انتهى إلى بلد معاملة جرجان، فقاتلوه حتى احتاجوا إلى صلاة الخوف.


غزا سعيد بن العاص جرجان بعد أن نقض أهلها عهدهم مع المسلمين الذي عقد في عهد عمر بن الخطاب فافتتحها.


خرج بحضرموت طالب الحق عبد الله بن يحيى الكندي إمام الإباضية؛ تغلب عليها واجتمع عليه الإباضية.

ثم سار إلى صنعاء وبها القاسم بن عمر الثقفي فوقع بينهم قتال كثير، انتصر فيه طالب الحق وهرب القاسم وقتل أخوه الصلت، واستولى طالب الحق على صنعاء وأعمالها، ثم جهز إلى مكة عشرة آلاف وبها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان فغلبوا على مكة وخرج منها عبد الواحد، وكان على الجيش أبو حمزة المختار ثم سار إلى المدينة وحصل قتال بينهم فاستولى كذلك على المدينة، ثم توجه إلى الشام فأرسل له مروان جيشا بقيادة عبد الملك بن محمد بن عطية الذي هزم جيش أبي حمزة وأكمل سيره إلى المدينة ومكة وصنعاء.


خرج المجوس كما سماهم الأندلسيون، وهم النرماند أو الفايكونغ، في نحو ثمانين مركبا، فحلوا بأشبونة، ثم أقبلوا إلى قادس، وشذونة، ثم قدموا على إشبيلية فدخلوها قسرا، واستأصلوا أهلها قتلا وأسرا.

فبقوا بها سبعة أيام، يسقون أهلها كأس الحمام.

واتصل الخبر بالأمير عبد الرحمن بن الحكم، فقدم على الخيل عيسى بن شهيد الحاجب، وتوجه بالخيل عبد الله ابن كليب وابن رستم وغيرهما من القواد، واحتل بالشرف.

وكتب إلى عمال الكور في استنفار الناس، فحلوا بقرطبة، ونفر بهم نصر الفتى.

وتوافت للمجوس مراكب على مراكب، وجعلوا يقتلون الرجال، ويسبون النساء، ويأخذون الصبيان، وذلك بطول ثلاثة عشر يوما، وكانت بينهم وبين المسلمين ملاحم.

ثم نهضوا إلى قبطيل، فأقاموا بها ثلاثة أيام، ودخلوا قورة، على اثني عشر ميلا من إشبيلية، فقتلوا من المسلمين عددا كثيرا، ثم دخلوا إلى طليلطة، على ميلين من إشبيلية، فنزلوها ليلا، وظهروا بالغداة بموضع يعرف بالنخارين، ثم مضوا بمراكبهم، واعتركوا مع المسلمين.

فانهزم المسلمون، وقتل منهم ما لا يحصى.

ثم عادوا إلى مراكبهم.

ثم نهضوا إلى شذونة، ومنها إلى قادس، وذلك بعد أن وجه الأمير عبد الرحمن قواده، فدافعهم ودافعوه، ونصبت المجانيق عليهم، وتوافت الأمداد من قرطبة إليهم.

فانهزم المجوس، وقتل منهم نحو من خمسمائة علج، وأصيبت لهم أربعة مراكب بما فيها، فأمر ابن رستم بإحراقها وبيع ما فيها من الفيء.

ثم كانت الوقعة عليهم يوم الثلاثاء لخمس بقين من صفر، قتل فيها منهم خلق كثير، وأحرق من مراكبهم ثلاثون مركبا.

وعلق من المجوس بإشبيلية عدد كثير، ورفع منهم في جذوع النخل التي كانت بها.

وركب سائرهم مراكبهم، وساروا إلى لبلة، ثم توجهوا منها إلى الأشنونة فانقطع خبرهم.

ولما قتل الله أميرهم، وأفنى عديدهم، وفتح فيهم، خرجت الكتب إلى الآفاق بخبرهم.

وكتب الأمير عبد الرحمن إلى من بطنجة من صنهاجة، يعلمهم بما كان من صنع الله في المجوس، وبما أنزل فيهم من النقمة والهلكة، وبعث إليهم برأس أميرهم وبمائتي رأس من أنجادهم.


كان سبب ذلك أن بني سليم كانت تفسد حول المدينة بالشر، ويأخذون ما أرادوا من الأسواق بالحجاز بأي سعر أرادوا، وزاد الأمر بهم إلى أن وقعوا بناس من بني كنانة وباهلة، فأصابوهم، وقتلوا بعضهم، فوجه محمد بن صالح- عامل المدينة- إليهم حماد بن جرير الطبري، وكان مسلحة لأهل المدينة، في مائتي فارس، وأضاف إليهم جندا غيرهم، وتبعهم متطوعة، فسار إليهم حماد، فلقيهم بالرويثة، فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت سودان المدينة بالناس، وثبت حماد وأصحابه، وقريش والأنصار، وقاتلوا قتالا عظيما، فقتل حماد وعامة أصحابه وعدد صالح من قريش والأنصار، وأخذ بنو سليم الكراع والسلاح، والثياب، فطمعوا ونهبوا القرى والمناهل ما بين مكة والمدينة، وانقطع الطريق.

فوجه إليهم الواثق بغا الكبير أبا موسى في جمع من الجند، فقدم المدينة في شعبان، فلقيهم ببعض مياه الحرة من رواء السورقية قريتهم التي يأوون إليها وبها حصون، فقتل بغا منهم نحوا من خمسين رجلا وأسر مثلهم، وانهزم الباقون، وأقام بغا بالسورقية، ودعاهم إلى الأمان على حكم الواثق، فأتوه متفرقين فجمعهم، وترك من يعرف بالفساد، وهم زهاء ألف رجل، وخلى سبيل الباقين، وعاد بالأسرى إلى المدينة، فحبسهم ثم سار إلى مكة.

فلما قضى حجه سار إلى ذات عرق بعد انقضاء الموسم، وعرض على بني هلال مثل الذي عرض على بني سليم، فأقبلوا وأخذ من المفسدين نحوا من ثلاثمائة رجل، وأطلق الباقين، ورجع إلى المدينة فحبسهم.


في سنة 297 استعمل عبيد الله المهدي علي بن عمر على صقلية، فلما وليها كان شيخا لينا، فلم يرض أهل صقلية بسيرته، فعزلوه عنهم، وولوا على أنفسهم أحمد بن قرهب، ودعا أحمد بن قرهب الناس إلى طاعة المقتدر، فأجابوه إلى ذلك، فخطب له بصقلية، وقطع خطبة المهدي، وأخرج ابن قرهب جيشا في البحر إلى ساحل أفريقية، فلقوا هناك أسطول المهدي ومقدمه الحسن بن أبي خنزير، فأحرقوا الأسطول، وقتلوا الحسن، وحملوا رأسه إلى ابن قرهب، وسار الأسطول الصقلي إلى مدينة سفاقس، فخربوها، وساروا إلى طرابلس، فوجدوا فيها القائم بن المهدي، فعادوا، ووصلت الخلع السود والألوية إلى ابن قرهب من المقتدر، ثم أخرج مراكب فيها جيش إلى قلورية، فغنم جيشه، وخربوا وعادوا، وسير أيضا أسطولا إلى إفريقية، فخرج عليه أسطول المهدي، فظفروا بالذي لابن قرهب وأخذوه، ولم يستقم بعد ذلك لابن قرهب حال، وأدبر أمره، وطمع فيه الناس، وكانوا يخافونه، وخاف منه أهل جرجنت –مدينة في صقلية-، وعصوا أمره، وكاتبوا المهدي، فلما رأى ذلك أهل البلاد كاتبوا المهدي أيضا، وكرهوا الفتنة، وثاروا بابن قرهب، وأخذوه أسيرا سنة 300 وحبسوه، وأرسلوه إلى المهدي مع جماعة من خاصته، فأمر بقتلهم على قبر ابن أبي خنزير، فقتلوا، واستعمل على صقلية أبا سعيد موسى بن أحمد، وسير معه جماعة كثيرة من شيوخ كتامة.


كان والد عبد الرحمن الناصر- محمد بن عبد الله- قد قتله أخوه المطرف في صدر دولة أبيهما.

وخلف محمد ابنه عبد الرحمن، وهو ابن عشرين يوما.

ولما توفي الأمير عبد الله جد عبد الرحمن سنة ثلاثمئة، ولي عبد الرحمن الأمر بعده.

وكان ذلك من غرائب الأمور؛ لأنه كان شابا مع وجود أكابر من أعمامه وأعمام أبيه، وتقدم هو- وهو ابن اثنتين وعشرين سنة- فولي الإمارة، والبلاد كلها في حالة اضطراب؛ قد امتنعت على الدولة حصون بكورة رية وحصن ببشتر، فحاربها الناصر، حتى استردها، وكان طليطلة قد خالف أهل الدولة، فقاتلهم حتى عادوا إلى الطاعة، ولم يزل يقاتل المخالفين حتى أذعنوا له، وأطاعوه نيفا وعشرين سنة، فاستقامت البلاد، وأمنت دولته، واستقام له الأمر، وقد حكم خمسين سنة من 300عام إلى 350.


سبب ذلك أن محمد بن هرمز، المعروف بالمولى الصندلي، كان خارجي المذهب، وكان قد أقام ببخارى وهو من أهل سجستان، وكان شيخا كبيرا، فجاء يوما إلى الحسين بن علي بن محمد العارض يطلب رزقه، فقال له: إن الأصلح لمثلك من الشيوخ أن يلزم رباطا يعبد الله فيه، حتى يوافيه أجله، فغاظه ذلك، فانصرف إلى سجستان والوالي عليها منصور بن إسحاق، فاستمال جماعة من الخوارج، ودعا إلى الصفار، وبايع في السر لعمرو بن يعقوب بن محمد بن عمرو بن الليث، وكان رئيسهم محمد بن العباس، المعروف بابن الحفار، وكان شديد القوة، فخرجوا، وقبضوا على منصور بن إسحاق أميرهم وحبسوه في سجن أرك، وخطبوا لعمرو بن يعقوب، وسلموا إليه سجستان، فلما بلغ الخبر إلى الأمير أحمد بن إسماعيل سير الجيوش مع الحسين بن علي، مرة ثانية إلى زرنج، فحصرها تسعة أشهر، فصعد يوما محمد بن هرمز الصندلي إلى السور، وقال: ما حاجتكم إلى أذى شيخ لا يصلح إلا للزوم رباط؟ يذكرهم بما قاله العارض ببخارى؛ واتفق أن الصندلي مات، فاستأمن عمرو بن يعقوب الصفار وابن الحفار إلى الحسين بن علي، وأطلقوا منصور بن إسحاق، وكان الحسين بن علي يكرم ابن الحفار ويقربه، فواطأ ابن الحفار جماعة على الفتك بالحسين، فعلم الحسين بذلك، وكان ابن الحفار يدخل على الحسين، لا يحجب عنه، فدخل إليه يوما وهو مشتمل على سيف، فأمر الحسين بالقبض عليه، وأخذه معه إلى بخارى، ولما انتهى خبر فتح سجستان إلى الأمير أحمد استعمل عليها سيمجور الدواتي، وأمر الحسين بالرجوع إليها فرجع ومعه عمرو بن يعقوب وابن الحفار وغيرهما، وكان عوده في ذي الحجة سنة ثلاثمائة، واستعمل الأمير أحمد منصورا ابن عمه إسحاق على نيسابور وأنفذه إليها، وتوفي ابن الحفار.


لما استولى السامانيون على سجستان، بلغهم خبر مسير سبكرى في المفازة من فارس إلى سجستان، فسيروا إليه جيشا، فلقوه وهو وعسكره قد أهلكهم التعب، فأخذوه أسيرا، واستولوا على عسكره، وكتب الأمير أحمد إلى المقتدر بذلك، وبالفتح، فكتب إليه يشكره على ذلك، ويأمره بحمل سبكرى، ومحمد بن علي بن الليث إلى بغداد، فسيرهما، وأدخلا بغداد مشهورين على فيلين، وأعاد المقتدر رسل أحمد، صاحب خراسان، ومعهم الهدايا والخلع.


هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحاكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية الداخل، صاحب الأندلس، ولي الأمر بعد أخيه المنذر بن محمد في صفر سنة 275، وطالت أيامه، وبقي في الملك خمسا وعشرين سنة وأحد عشر شهرا، وكان من الأمراء العادلين الذين يعز وجود مثلهم.

كان صالحا تقيا، كثير العبادة والتلاوة، رافعا لعلم الجهاد، ملتزما للصلوات في الجامع، وله غزوات مشهورة، منها غزوة "بلي" التي يضرب بها المثل.

وذلك أن ابن حفصون حاصر حصن بلي في ثلاثين ألفا.

فخرج الأمير عبد الله من قرطبة في أربعة عشر ألف مقاتل، فهزم ابن حفصون، وتبعه قتلا وأسرا، حتى قيل: إنه لم ينج من الثلاثين ألفا إلا الناد, وكان عبد الله أديبا عالما.

مات وكان عمره اثنتين وأربعين سنة، وخلف أحد عشر ولدا ذكرا، أحدهم محمد المقتول, وهو والد عبد الرحمن الناصر، قتله أخوه المطرف في صدر دولة أبيهما، ولما توفي عبدالله تولى بعده ابن ابنه عبد الرحمن بن محمد لمدة خمسين سنة.


استأذن الوزير علي بن عيسى الخليفة المقتدر في مكاتبة رأس القرامطة أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي فأذن له، فكتب كتابا طويلا يدعوه فيه إلى السمع والطاعة، ويوبخه على ما يتعاطاه من ترك الصلاة والزكاة وارتكاب المنكرات، وإنكارهم على من يذكر الله ويسبحه ويحمده، واستهزائهم بالدين واسترقاقهم الحرائر، ثم توعده الحرب وتهدده بالقتل، فلما سار بالكتاب نحوه قتل أبو سعيد قبل أن يصله، قتله بعض خدمه، وعهد بالأمر من بعده لولده سعيد، فلما قرأ سعيد كتاب الوزير أجابه بما حاصله: إن هذا الذي تنسب إلينا مما ذكرتم لم يثبت عندكم إلا من طريق من يشنع علينا، وإذا كان الخليفة ينسبنا إلى الكفر بالله، فكيف يدعونا إلى السمع والطاعة له؟


استولى الحسن بن علي بن الحسن بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب على طبرستان، وكان يلقب بالناصر، وكان الحسن بن علي الأطروش قد دخل الديلم بعد قتل محمد بن زيد، وأقام بينهم نحو ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الإسلام، ويقتصر منهم على العشر، فأسلم منهم خلق كثير، واجتمعوا عليه، وبنى في بلادهم مساجد، وكان للمسلمين بإزائهم ثغور مثل: قزوين، وسالوس، وغيرهما، وكان بمدينة سالوس حصن منيع قديم، فهدمه الأطروش حين أسلم الديلم والجيل، ثم إنه جعل يدعوهم إلى الخروج معه إلى طبرستان، فلا يجيبونه إلى ذلك لإحسان ابن نوح، فاتفق أن الأمير أحمد عزل ابن نوح عن طبرستان وولاها سلاما، فلم يحسن سياسة أهلها، وهاج عليه الديلم، فقاتلهم وهزمهم، واستقال عن ولايتها، فعزله الأمير أحمد، وأعاد إليها ابن نوح، فصلحت البلاد معه، ثم إنه مات بها، واستعمل عليها أبو العباس محمد بن إبراهيم صعلوك، فغير رسوم ابن نوح، وأساء السيرة، وقطع عن رؤساء الديلم ما كان يهديه إليهم ابن نوح، فانتهز الحسن بن علي الفرصة، وهيج الديلم عليه ودعاهم إلى الخروج معه، فأجابوه وخرجوا معه، وقصدهم صعلوك، فالتقوا بمكان يسمى نوروز، فانهزم ابن صعلوك، وقتل من أصحابه نحو أربعة آلاف رجل، وحصر الأطروش الباقين ثم أمنهم على أموالهم وأنفسهم وأهليهم، فخرجوا إليه، فأمنهم وعاد عنهم إلى آمل، وانتهى إليهم الحسن بن القاسم الداعي العلوي، وكان ختن الأطروش، فقتلهم عن آخرهم؛ لأنه لم يكن أمنهم ولا عاهدهم، واستولى الأطروش على طبرستان، وخرج صعلوك إلى الري، ثم سار منها إلى بغداد، كان الأطروش قد أسلم على يده من الديلم الذين هم وراء أسفيدروذ إلى ناحية آمل، وهم يذهبون مذهب الشيعة، وكان الأطروش زيدي المذهب، شاعرا ظريفا، علامة إماما في الفقه والدين، كثير المجون، حسن النادرة.

وكان سبب صممه أنه ضرب على رأسه بسيف في حرب محمد بن زيد فطرش.


هو أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي القرمطي- قبحه الله- أخذ القرمطة عن حمدان بن قرمط, وهو رأس القرامطة، ظهر سنة 286 بالبحرين، فدعا الناس إلى مذهبه القرمطي، واجتذب إليه اللصوص وقطاع الطرق، واشتد خطره، فاستولى على اليمامة وعمان وهجر والقطيف، قاتله جيش المعتضد فهزم الجيش وقتلهم سوى قائدهم، تركه ليخبر الخليفة بما رآه منه، كان موت أبي سعيد في الحمام، قتله خادم صقلبي له كان قد أسره فيمن أسر، وكان شجاعا قويا جلدا, فحسنت منزلته عنده حتى صار على طعامه وشرابه.

وكان الخادم ينطوي على إسلام، فلم ير أبا سعيد يصلي صلاة، ولا صام شهر رمضان.

فأبغضه وأضمر قتله، فخلاه وقد دخل حماما في الدار ووثب عليه بخنجر فذبحه، ثم خرج ودعا بعض قواد أبي سعيد، فقال له: كلم أبا سعيد.

فلما دخل ذبحه، ثم استدعى آخر، ففعل به كذلك حتى فعل ذلك بجماعة من الكبار، ثم استدعى في الآخر رجلا، فدخل في أول الحمام، فلما رأى الدماء تجري، أدبر مسرعا وصاح، فصاح النساء واجتمعوا على الغلام فقتلوه, دام حكم أبي سعيد 16 عاما, وقد خلف من الأموال شيئا كثيرا، فمن ذلك ألف ألف دينار، ومن آنية الذهب والفضة نحو مائة ألف دينار، ومن البقر ألف ثور، ومن الخيل والبغال والجمال ألف رأس, وكان قد عهد بالأمر لابنه سعيد، ولكنه كان ضعيفا, فأوصى أبو سعيد أن يبقى سعيد في الحكم حتى يكبر أخوه الأصغر سليمان أبو طاهر، فيسلمه الأمر، ففعل سعيد.


جهز عبيد الله المهدي العساكر من إفريقية، وسيرها مع ولده أبي القاسم إلى الديار المصرية، فساروا إلى برقة، واستولوا عليها، وساروا إلى مصر، فملك الإسكندرية والفيوم، وصار في يده أكثر البلاد، وضيق على أهلها، فسير إليها المقتدر بالله مؤنسا الخادم في جيش كثيف، فحاربهم وأجلاهم عن مصر، فعادوا إلى المغرب مهزومين.


هو الأمير أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن أسد الساماني مولى بني العباس، أبو نصر صاحب خراسان وما وراء النهر، من ولد أسد بن سامان، وهم بيت لهم إمرة وحشمة، وكان أبو نصر حسن السيرة عظيم الحرمة, وكان مولعا بالصيد، فخرج إلى فربر متصيدا، فلما انصرف أمر بإحراق ما اشتمل عليه عسكره، وانصرف فورد عليه كتاب نائبه بطبرستان، وهو أبو العباس صعلوك، وكان يليها بعد وفاة ابن نوح بها، يخبره بظهور الحسن بن علي العلوي الأطروش بها، وتغلبه عليها، وأنه أخرجه عنها، فغم ذلك أحمد، وعاد إلى معسكره الذي أحرقه فنزل عليه فتطير الناس من ذلك، وكان له أسد يربطه كل ليلة على باب مبيته، فلا يجسر أحد أن يقربه، فأغفلوا إحضار الأسد تلك الليلة، فدخل إليه جماعة من غلمانه، فذبحوه على سريره وهربوا، فحمل إلى بخارى فدفن بها، ولقب حينئذ بالشهيد، وطلب أولئك الغلمان، فأخذ بعضهم فقتل، وولي الأمر بعده ولده أبو الحسن نصر بن أحمد، وهو ابن ثماني سنين، وكانت ولاية نصر ثلاثين سنة وثلاثة وثلاثين يوما، ثم اضطرب الأمر كثيرا في سجستان بعد نصر.


بنى وزير المقتدر علي بن محمد بن الفرات المارستان بالحربية من بغداد، وأنفق عليه أموالا جزيلة، جزاه الله خيرا.


خالف عروبة بن يوسف الكتامي على المهدي بالقيروان، واجتمع إليه خلق كثير من كتامة والبرابر، فأخرج المهدي إليهم مولاه غالبا، فاقتتلوا قتالا شديدا في محضر القيروان، فقتل عروبة وبنو عمه، وقتل معهم عالم لا يحصون، وجمعت رؤوس مقدميهم في قفة وحملت إلى المهدي، فقال: ما أعجب أمور الدنيا، قد جمعت هذه القفة رؤوس هؤلاء، وقد كان يضيق بعساكرهم فضاء المغرب!!


أنفذ أبو محمد عبيد الله الملقب بالمهدي جيشا من إفريقية مع قائد من قواده يقال له حباسة، إلى الإسكندرية، فغلب عليها وكان مسيره في البحر، ثم سار منها إلى مصر، فنزل بين مصر والإسكندرية، فبلغ ذلك المقتدر، فأرسل مؤنسا الخادم في عسكر إلى مصر لمحاربة حباسة، وأمده بالسلاح والمال، فسار إليها، فالتقى العسكران، فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل من الفريقين جمع كثير، وجرح مثلهم، ثم كان بينهم وقعة أخرى بنحوها، ثم وقعة ثالثة ورابعة، فانهزم فيها المغاربة أصحاب المهدي، وقتلوا وأسروا، فكان مبلغ القتلى سبعة آلاف مع الأسرى، وهرب الباقون، وكانت هذه الوقعة في نهاية جمادى الآخرة، وعادوا إلى الغرب، فلما وصلوا إلى الغرب قتل المهدي حباسة.


خرجت الأعراب من الحاجر -وهو قاع عظيم بنجد تصب فيه مجموعة أودية- على الحجاج، فقطعوا عليهم الطريق، وأخذوا من العين وما معهم من الأمتعة والجمال ما أرادوا، وأخذوا مائتين وثمانين امرأة من الحرائر سوى من أخذوا من المماليك والإماء.


طالب الوزير علي بن عيسى الحسين بن حمدان بمال كان عليه من ديار ربيعة، وهو يتولاها، فدافعه، فأمره بتسليم البلاد إلى عمال السلطان، فامتنع، وكان مؤنس الخادم غائبا بمصر لمحاربة عسكر المهدي، صاحب إفريقية، فجهز الوزير رائقا الكبير في جيش وسيره إلى الحسين بن حمدان، وكتب إلى مؤنس يأمره بالمسير إلى ديار الجزيرة لقتال الحسين، بعد فراغه من أصحاب المهدي، فسار رائق إلى الحسين بن حمدان، وجمع لهم الحسين نحو عشرين ألف فارس، وسار إليهم، فلما رأوا كثرة جيش الحسين علموا عجزهم عنه؛ لأنهم كانوا أربعة آلاف فارس، فانحازوا إلى جانب دجلة، ونزلوا بموضع ليس له طريق إلا من وجه واحد، وجاء الحسين فنزل عليهم وحصرهم، ومنع الميرة عنهم من فوق ومن أسفل، فضاقت عليهم الأقوات والعلوفات، فأرسلوا إليه يبذلون له أن يوليه الخليفة ما كان بيده ويعود عنهم، فلم يجب إلى ذلك، ولزم حصارهم، وأدام قتالهم إلى أن عاد مؤنس من الشام، فلما سمع العسكر بقربه قويت نفوسهم وضعفت نفوس الحسين ومن معه، فخرج العسكر إليه ليلا وكبسوه، فانهزم وعاد إلى ديار ربيعة، وسار العسكر فنزلوا على الموصل، وسمع مؤنس خبر الحسين، وجد مؤنس في المسير نحو الحسين، واستصحب معه أحمد بن كيغلغ، فلما قرب منه راسله الحسين يعتذر، وترددت الرسل بينهما، فلم يستقر حال، فرحل مؤنس نحو الحسين حتى نزل بإزاء جزيرة ابن عمر، ورحل الحسين نحو أرمينية مع ثقله وأولاده، وتفرق عسكر الحسين عنه، وصاروا إلى مؤنس ثم إن مؤنسا جهز جيشا في أثر الحسين، فأدركوه فقاتلوه، فانهزم من بقي معه من أصحابه، وأسر هو ومعه ابنه عبد الوهاب وجميع أهله وأكثر من صحبه، وقبض أملاكه، وعاد مؤنس إلى بغداد على طريق الموصل والحسين معه، فأركب على جمل هو وابنه وحبس الحسين وابنه عند زيدان القهرمانة، وقبض المقتدر على أبي الهيجاء بن حمدان وعلى جميع إخوته وحبسوا، وكان قد هرب بعض أولاد الحسين بن حمدان، فجمع جمعا ومضى نحو آمد، فأوقع بهم مستحفظها، وقتل ابن الحسين وأنفذ رأسه إلى بغداد.


كانت مجاعة بالأندلس؛ حيث بلغت الحاجة بالناس مبلغا لا عهد لهم بمثله؛ وبيع قفيز قمح بكيل سوق قرطبة بثلاثة دنانير.

ووقع الوباء في الناس، وكثر الموت في أهل الفاقة والحاجة، حتى كاد أن يعجز عن دفنهم.

وكثرت صدقات أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر على المساكين في هذا العام، وصدقات أهل الحسبة من رجاله، فكان الحاجب بدر بن أحمد أكثرهم صدقة، وأعظمهم بماله مواساة.

ولم يمكن في هذا العام- لضيق الأحوال فيه- أن يكون غزاة أو إخراج جيش.


قام قائد العبيديين مصالة بن حبوس بغزو دولة الأدارسة بالمغرب الأقصى، فالتقى به الأمير يحيى قرب مكناس، فانهزمت الأدارسة وحاصر العبيديون فاس، واضطر يحيى إلى الصلح على أن يدفع مبلغا من المال، وأن يبايع للمهدي عبيدالله، وأصبح مصالة بن حبوس أمير فاس.


هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام أبو علي الجبائي، شيخ طائفة الاعتزال في زمانه، ورئيس علم الكلام، وإليه تنسب الطائفة الجبائية، وعليه اشتغل أبو الحسن الأشعري ثم رجع عنه، وللجبائي تفسير حافل مطول، له فيه اختيارات غريبة في التفسير، وقد رد عليه الأشعري فيه، وله كتب رد فيها على الراوندي والنظام، وكان الجبائي يقول: "الحديث لأحمد بن حنبل، والفقه لأصحاب أبي حنيفة، والكلام للمعتزلة، والكذب للرافضة".

توفي في البصرة عن 68 عاما.


هو أحمد بن علي بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار، أبو عبد الرحمن النسائي، صاحب السنن، كان إماما في الحديث ثقة ثبتا حافظا.

ولد سنة 215 كان مليح الوجه، مع كبر السن.

وكان يؤثر لباس البرود النوبية الخضر، وكان له أربع زوجات يقسم لهن، ولا يخلو مع ذلك من سرية.

وكان يكثر أكل الديوك الكبار تشترى له وتسمن.

كان الإمام في عصره والمقدم على أضرابه وأشكاله وفضلاء دهره، رحل إلى الآفاق، واشتغل بسماع الحديث والاجتماع بالأئمة الحذاق ومشايخه الذين روى عنهم مشافهة، وقد أبان في تصنيفه عن حفظ وإتقان وصدق وإيمان، وعلم وعرفان، قال الدارقطني: "أبو عبد الرحمن النسائي مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره"، وكان يسمي كتابه (الصحيح)، وقال أبو علي الحافظ "هو الإمام في الحديث بلا مدافعة"، وقال أبو الحسين محمد بن مظفر الحافظ: "سمعت مشايخنا بمصر يعترفون له بالتقدم والإمامة، ويصفون من اجتهاده في العبادة بالليل والنهار ومواظبته على الحج والجهاد"، وقيل: كان يصوم يوما ويفطر يوما، وقال ابن يونس: "كان النسائي إماما في الحديث ثقة ثبتا حافظا"، وقال ابن عدي: سمعت منصورا الفقيه وأحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي يقولان: "أبو عبد الرحمن النسائي إمام من أئمة المسلمين، وكذلك أثنى عليه غير واحد من الأئمة، وشهدوا له بالفضل والتقدم في هذا الشأن"، وقد قيل عنه: إنه كان ينسب إليه شيء من التشيع، لكن نقل المزي في تهذيب الكمال ما يبرئه من ذلك، فقال: "روى الحافظ أبو القاسم بإسناده عن أبي الحسين علي بن محمد القابسي قال: سمعت أبا علي الحسن بن أبي هلال يقول: سئل أبو عبد الرحمن النسائي عن معاوية بن أبي سفيان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب إنما يريد دخول الدار، قال: فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة".


خرج المهدي بنفسه إلى تونس وقرطاجنة وغيرهما يرتاد موضعا على ساحل البحر يتخذ فيه مدينة، وكان يجد في الكتب خروج أبي يزيد على دولته، ومن أجله بنى المهدية، فلم يجد موضعا أحسن ولا أحصن من موضع المهدية، وهي جزيرة متصلة بالبر كهيئة كف متصلة بزند، فبناها وجعلها دار ملكه، وجعل لها سورا محكما وأبوابا عظيمة، وزن كل مصراع مائة قنطار، وكان ابتداء بنائها يوم السبت لخمس خلون من ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثمائة، فلما ارتفع السور أمر راميا أن يرمي بالقوس سهما إلى ناحية المغرب، فرمى سهمه فانتهى إلى موضع المصلى، فقال: إلى موضع هذا يصل صاحب الحمار، يعني أبا يزيد الخارجي؛ لأنه كان يركب حمارا، وكان يأمر الصناع بما يعملون، ثم أمر أن ينقر دار صناعة في الجبل تسع مائة شيني- مركب بحري- وعليها باب مغلق؛ ونقر في أرضها أهراء للطعام، ومصانع للماء، وبنى فيها القصور والدور، فلما فرغ منها قال: "اليوم أمنت على الفاطميات"، يعني بناته، وارتحل إليها، ولما رأى إعجاب الناس بها، وبحصانتها، كما يقول: هذا لساعة من نهار، وكان كذلك لأن أبا يزيد وصل إلى موضع السهم، ووقف فيه ساعة، وعاد ولم يظفر.


سار مؤنس المظفر إلى بلاد الروم لغزاة الصائفة، فلما صار بالموصل قلد سبك المفلحي بازبدى وقردى، وقلد عثمان العنزي مدينة بلد، وباعيناثا، وسنجار، وقلد وصيفا البكتمري باقي بلاد ربيعة، وسار مؤنس إلى ملطية وغزا فيها، وكتب إلى أبي القاسم علي بن أحمد ابن بسطام أن يغزو من طرسوس في أهلها، ففعل، وفتح مؤنس حصونا كثيرة من الروم، وأثر آثارا جميلة، وعتب عليه أهل الثغور وقالوا: لو شاء لفعل أكثر من هذا، وعاد إلى بغداد، فأكرمه الخليفة وخلع عليه.


هو أبو مضر زيادة الله الثالث بن عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب بن إبراهيم بن سالم بن عقال بن خفاجة، هو زيادة الله الأصغر، وهو الأمير الحادي عشر والأخير من أمراء الأغالبة بإفريقية، تولى الإمارة بعد أن قتل والده وقرابته؛ ليخلو له الحكم.

كان غارقا في اللهو والمجون في وقت كانت إمارتهم تتعرض لاجتياح الدعوة العبيدية على يد داعيتهم أبي عبد الله الشيعي، وقد خاض الشيعي مع الأغالبة عدة معارك انتصروا فيها على جيوش الأغالبة.

حتى هرب أبو مضر خوفا منهم على نفسه إلى المشرق، فقدم دمشق سنة 302 مجتازا إلى بغداد طالبا عون الخليفة العباسي له ليسترد حكمه في القيروان، لكنه توفي بالرملة، ودفن بها.


كان كثير بن أحمد بن شهفور قد تغلب على أعمال سجستان، فكتب الخليفة إلى بدر بن عبدالله الحمامي، وهو متقلد أعمال فارس، يأمره أن يرسل جيشا يحاربون كثيرا، ويؤمر عليهم دردا، ويستعمل على الخراج زيد بن إبراهيم، فجهز بدر جيشا كثيفا وسيرهم، فلما وصلوا قاتلهم كثير، فلم يكن له بهم قوة، وضعف أمره وكادوا يملكون البلد، فبلغ أهل البلد أن زيدا معه قيود وأغلال لأعيانهم، فاجتمعوا مع كثير، وشدوا من أزره، وقاتلوا معه، فهزموا عسكر الخليفة، وأسروا زيدا، فوجدوا معه القيود والأغلال فجعلوها في رجليه وعنقه، وكتب كثير إلى الخليفة يتبرأ من ذلك، ويجعل الذنب فيه لأهل البلد، فأرسل الخليفة إلى بدر الحمامي يأمره أن يسير بنفسه إلى قتال كثير، فتجهز بدر، فلما سمع كثير ذلك خاف، فأرسل يطلب المقاطعة على مال يحمله كل سنة، فأجيب إلى ذلك، وقوطع على خمسمائة ألف درهم، وقررت البلاد عليه.


هو الحسن بن علي بن الحسين بن عمر الأشرف بن علي زين العابدين العلوي الهاشمي، حاز بلاد الديلم ثم طبرستان وآمل، لقب بالناصر، كان شاعرا فقيها لغويا عادلا، نشر المذهب الزيدي في طبرستان، له مؤلفات كثيرة، توفي في طبرستان عن 79 عاما، وبه انتهت سيادة العلويين على طبرستان.


حشد أرذون بن إذفنش، وشائجة بن غرسية صاحب النصرانية، بجليقية وبنبلونة، وخرجها في جموعهم واحتفال من كفرتهم إلى مدينة ناجرة بالثغر الأقصى؛ فنزلا عليها في عقب ذي الحجة، وأقاما عليها ثلاثة أيام.

وعاثت النصرانية في ذلك الثغر.

وأفسدت الزروع، ثم تنقلت إلى تطيلة.

وبلغ العدو إلى نهر مالس، وجزائر مسقبرة، ووادي طرسونة.

وخلف شانجة نهر إبرة، وقاتل حصن بلتبرة، وقهره على أهل الربض، وأحرق المسجد الجامع، فكان ذلك مما أحفظ الناصر، وحركه لمجاهدتهم والانتصار منهم.