Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73


بقيت الوفود تتابع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بينها وفد نصارى نجران، ومصالحتهم وصالحهم على الجزية، وجعل لهم ذمة.


إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وأمه مارية القبطية، وقد كان جميع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها، ما عدا إبراهيم فمن مارية القبطية المصرية رضي الله عنها، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: كان إبراهيم مسترضعا له في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن، وكان ظئره قينا، فيأخذه فيقبله، ثم يرجع.

قال عمرو: فلما توفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة».

عن المغيرة بن شعبة قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم فصلوا، وادعوا الله».

عن أبي بكرة قال: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يجر رداءه حتى انتهى إلى المسجد، وثاب الناس إليه، فصلى بهم ركعتين، فانجلت الشمس، فقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا يخسفان لموت أحد، وإذا كان ذاك فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم».

وذاك أن ابنا للنبي صلى الله عليه وسلم مات يقال له: إبراهيم.

فقال الناس في ذاك.

ولد له إبراهيم بالمدينة من سريته مارية القبطية، سنة ثمان من الهجرة، وبشره به أبو رافع مولاه، فوهب له عبدا، ومات طفلا قبل الفطام، واختلف هل صلى عليه أم لا؟ على قولين.


سميت حجة الوداع؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ودع الناس فيها، ولم يحج بعدها، وسميت حجة الإسلام؛ لأنه عليه السلام لم يحج من المدينة غيرها، وسميت حجة البلاغ؛ لأنه عليه السلام بلغ الناس شرع الله في الحج قولا وفعلا، ولم يكن بقي من دعائم الإسلام وقواعده شيء إلا وقد بينه عليه السلام، فلما بين لهم شريعة الحج ووضحه وشرحه أنزل الله عز وجل عليه وهو واقف بعرفة: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: 3].

وعندما أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم عزمه على الحج في هذا العام قدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل مثل عمله.

وخرج من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة.

وقد وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم في مسيره هذا ورجوعه أحداث كثيرة.


خرج الأسود العنسي -واسمه عبهلة بن كعب بن غوث- في آخر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة مقاتل، فكتب إلى عمال النبي صلى الله عليه وسلم: أيها المتمردون علينا، أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفروا ما جمعتم؛ فنحن أولى به، وأنتم على ما أنتم عليه، ثم توجه مع مقاتليه إلى نجران فأخذها، ثم قصد صنعاء، فخرج إليه شهر بن باذام فتقاتلا، فغلبه الأسود وقتله وتزوج بامرأة شهر بن باذام، وهي ابنة عم فيروز الديلمي، واسمه آزاذ، وكانت مؤمنة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن الصالحات، واحتل العنسي صنعاء، فذهب معاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري إلى حضرموت، وانحاز عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطاهر، ورجع عمر بن حرام وخالد بن سعيد بن العاص إلى المدينة، واستوثقت اليمن للأسود العنسي، وجعل أمره يستطير استطارة الشرارة، واشتد ملكه، واستغلظ أمره، وارتد خلق من أهل اليمن، وعامله المسلمون الذين هناك بالتقية فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه خبر الأسود العنسي كتابه مع قيس بن مكشوح يأمر فيه المسلمين الذين هناك بمقاتلة العنسي ومصاولته، فقام معاذ بن جبل بهذا الكتاب أتم قيام، واتفق معاذ بن جبل ومن التف حوله من أهل اليمن، وقيس بن عبد يغوث أمير جند الأسود، وفيروز الديلمي؛ على الفتك بالأسود وقتله، وتعاقدوا عليه، فلما كان الليل دخلوا عليه البيت؛ تقدم إليه فيروز الديلمي، وكان الأسود نائما على فراش من حرير، قد غرق رأسه في جسده، وهو سكران يغط، والمرأة جالسة عنده، فعاجله وخالطه، وهو مثل الجمل، فأخذ رأسه، فدق عنقه ووضع ركبتيه في ظهره حتى قتله، وجلس قيس وداذويه وفيروز يأتمرون كيف يعلمون أشياعهم، فاتفقوا على أنه إذا كان الصباح ينادون بشعارهم الذي بينهم وبين المسلمين، فلما كان الصباح قام أحدهم -وهو قيس- على سور الحصن، فنادى بشعارهم، فاجتمع المسلمون والكافرون حول الحصن، فنادى قيس: أشهد أن محمدا رسول الله، وأن عبهلة كذاب، وألقى إليهم رأسه، فانهزم أصحابه، وتبعهم الناس يأخذونهم ويرصدونهم في كل طريق يأسرونهم، وظهر الإسلام وأهله، وتراجع نواب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أعمالهم، واتفقوا على معاذ بن جبل يصلي بالناس، وكتبوا بالخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مدة ملكه منذ ظهر إلى أن قتل ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر.


وجه محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الدعاة في الآفاق، وكان سبب ذلك أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية سار للشام إلى سليمان بن عبد الملك، فلما أكرمه وقضى حوائجه، ورأى من علمه وفصاحته ما حسده عليه وخافه، فلما أحس أبو هاشم بالشر قصد الحميمة من أرض الشراة، وبها محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فنزل عليه وأعلمه أن هذا الأمر صائر إلى ولده، وعرفه ما يعمل، وكان محمد بن علي رجلا طموحا، فحمل فكرة إزالة ملك بني أمية، وبدأ يعمل على تنفيذها.

كان أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية قد أعلم شيعته من أهل خراسان والعراق عند ترددهم إليه أن الأمر صائر إلى ولد محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وأمرهم بقصده بعده.

فلما مات أبو هاشم قصدوا محمدا وبايعوه، وعادوا فدعوا الناس إليه، فأجابوهم, وكان الذين سيرهم إلى الآفاق جماعة، وأمرهم بالدعاء إليه وإلى أهل بيته، فلقوا من لقوا، ثم انصرفوا بكتب من استجاب لهم إلى محمد بن علي، فدفعوها إلى ميسرة، فبعث بها ميسرة إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فاختار أبو محمد الصادق لمحمد بن علي اثني عشر رجلا نقباء، واختار سبعين رجلا، وكتب إليهم محمد بن علي كتابا ليكون لهم مثالا وسيرة يسيرون بها.


خرجت خارجة من الحرورية بالعراق، يتزعمهم شوذب واسمه بسطام من بني يشكر في ثمانين فارسا أكثرهم من ربيعة، فبعث أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد نائب الكوفة يأمره بأن يدعوهم إلى الحق، ويتلطف بهم، ولا يقاتلهم حتى يفسدوا في الأرض، فلما فعلوا ذلك بعث إليهم جيشا فكسرهم الحرورية، فبعث عمر إليه يلومه على جيشه، وقد أرسل عمر إلى بسطام يقول له: ما أخرجك علي؟ فإن كنت خرجت غضبا لله فأنا أحق بذلك منك، ولست أولى بذلك مني، وهلم أناظرك; فإن رأيت حقا اتبعته، وإن أبديت حقا نظرنا فيه.

فبعث طائفة من أصحابه إليه، فاختار منهم عمر رجلين فسألهما: ماذا تنقمون؟ فقالا: جعلك يزيد بن عبد الملك من بعدك.

فقال: إني لم أجعله أبدا، وإنما جعله غيري.

قالا: فكيف ترضى به أمينا للأمة من بعدك؟ فقال: أنظرني ثلاثة.

فيقال: إن بني أمية دست إليه سما فقتلوه; خشية أن يخرج الأمر من أيديهم.

فلما مات عمر أراد عبد الحميد بن عبد الرحمن أن يحظى عند يزيد بن عبد الملك، فكتب إلى محمد بن جرير يأمره بمحاربة شوذب وأصحابه، فبرز له شوذب فاقتتلوا، وأصيب من الخوارج نفر، وأكثروا في أهل الكوفة القتل، فولوا منهزمين والخوارج في أكتافهم حتى بلغوا أخصاص الكوفة، فأقر يزيد عبد الحميد على الكوفة، ووجه من قبله تميم بن الحباب في ألفين فقتلوه وهزموا أصحابه، فوجه إليهم نجدة بن الحكم الأزدي في جمع، فقتلوه وهزموا أصحابه، فبعث آخر في ألفين فقتلوه، فأنفذ يزيد أخاه مسلمة بن عبد الملك، فنزل الكوفة، ودعا سعيد بن عمرو الحرشي، فعقد له على عشرة آلاف ووجهه، فقال لأصحابه: من كان يريد الله عز وجل فقد جاءته الشهادة، ومن كان إنما خرج للدنيا فقد ذهبت الدنيا منه.

فكسروا أغماد سيوفهم وحملوا على الخوارج حتى طحنوهم وقتلوا شوذبا.


لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة استعمل على الأندلس السمح بن مالك الخولاني خلفا للحر بن عبد الرحمن الثقفي لما رأى من أمانته وديانته, وأمره أن يميز أرضها، ويخرج منها ما كان عنوة ويأخذ منها الخمس، ويكتب إليه بصفة الأندلس.

فقدمها السمح، وفعل ما أمره عمر، وعهد إليه بإجلاء المسلمين من الأندلس خشية منه على أرواحهم، إلا أن السمح حين نزل الأندلس واطلع على أحوالها، طمأن الخليفة إلى قوة حال المسلمين في الأندلس.

أصلح السمح قنطرة قرطبة على نهر الوادي الكبير, ونظم البلاد ثم توجه لفتح ما وراء جبال البرانس، ودخل فرنسا واستشهد فيها بعد معركة تولوز عام 102هـ.


كان يزيد بن المهلب قد سجن أيام عمر بن عبد العزيز لتأدية المظالم التي عليه، فلما علم بمرض عمر بن عبد العزيز هرب من السجن خوفا من يزيد بن عبد الملك، فلما تولى يزيد بن عبد الملك سجن آل المهلب؛ لكن يزيد بن المهلب استطاع أن يفكهم وتغلب على البصرة ثم سجن أميرها وبعث عماله إلى الأهواز وفارس، وأرسل أخاه إلى خراسان، ونزل هو واسط، ثم أرسل يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة لقتال ابن المهلب، ثم دارت معركة كان من نتائجها قتل يزيد بن المهلب وإخوته: حبيب ومحمد.

وكان اجتماع يزيد بن المهلب ومسلمة بن عبد الملك بن مروان ثمانية أيام من شهر صفر سنة 102هـ.


هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، أمير المؤمنين، أمه أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، ويقال له: أشج بني مروان.

وكان يقال: الأشج والناقص أعدلا بني مروان.

فهذا هو الأشج، بويع له بالخلافة بعد ابن عمه سليمان بن عبد الملك عن عهد منه له بذلك.

ويقال: كان مولده في سنة إحدى وستين.

دخل عمر بن عبد العزيز إلى إصطبل أبيه وهو غلام، فضربه فرس فشجه، فجعل أبوه يمسح عنه الدم، ويقول: إن كنت أشج بني أمية إنك إذا لسعيد.

أول ما استبين من عمر بن عبد العزيز حرصه على العلم ورغبته في الأدب -أن أباه ولي مصر وهو حديث السن، يشك في بلوغه، فأراد إخراجه معه، فقال: يا أبه، أو غير ذلك لعله يكون أنفع لي ولك؟ ترحلني إلى المدينة فأقعد إلى فقهاء أهلها وأتأدب بآدابهم.

فوجهه إلى المدينة، فقعد مع مشايخ قريش، وتجنب شبابهم، وما زال ذلك دأبه حتى اشتهر ذكره، فلما مات أبوه أخذه عمه أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فخلطه بولده، وقدمه على كثير منهم، وزوجه بابنته فاطمة.

ولاه الوليد ولاية المدينة، ثم جعله على الحجاز من 86 – 93هـ، ثم بويع بالخلافة بعد سليمان بوصية منه له, انتشر في عهده العدل والمساواة، ورد المظالم التي كان أسلافه من بني أمية قد ارتكبوها، وعزل جميع الولاة الظالمين ومعاقبتهم، كما أعاد العمل بالشورى، كما اهتم بالعلوم الشرعية، وأمر بتدوين الحديث النبوي.

استمرت خلافته سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام سار فيها بسيرة الخلفاء الراشدين, توفي عمر عن تسع وثلاثين، وقيل أربعين سنة، وكان سبب وفاته أنه سقي السم، وذلك أن بني أمية قد تبرموا وضاقوا ذرعا من سياسة عمر التي قامت على العدل، وحرمتهم من ملذاتهم وتمتعهم بميزات لا ينالها غيرهم، ورد المظالم التي كانت في أيديهم، وحال بينهم وبين ما يشتهون، فكاد له بعض بني أمية بوضع السم في شرابه، فوضع مولى له سما في شرابه، وأعطي على ذلك ألف دينار، فأخبر أنه مسموم، فقال: لقد علمت يوم سقيت السم.

ثم استدعى مولاه الذي سقاه، فقال له ويحك، ما حملك على ما صنعت؟ فقال: ألف دينار أعطيتها.

فقال: هاتها.

فأحضرها فوضعها في بيت المال، ثم قال له: اذهب حيث لا يراك أحد فتهلك.


دامت خلافة عمر بن عبد العزيز سنتين وخمسة أشهر، فلما توفي صارت الخلافة إلى يزيد بن عبد الملك بناء على الكتاب الذي كتبه سليمان أن يلي الأمر بعد عمر يزيد فصار بذلك الخليفة.


غزا السمح بن مالك الخولاني فرنسا فاخترق جبال البرانس وزحف على مقاطعتي سبتمانيا وبروفانس، ثم أغار على اكيتانيا، وحاصر طلوشة (طولوز) فخرج له دوق اكيتانيا بجيش كبير ونشبت معركة عظيمة بين الطرفين، استشهد فيها السمح، وتولى إمرة الجند عبد الرحمن الغافقي فانسحب بفلول الجيش إلى أربونه.


عبر سعيد خذينة والي خراسان النهر وغزا الصغد، وكانوا قد نقضوا العهد وأعانوا الترك على المسلمين، فقال الناس لسعيد: إنك قد تركت الغزو، وقد أغار الترك، وكفر أهل الصغد.

فقطع النهر وقصد الصغد، فلقيه الترك وطائفة من الصغد فهزمهم المسلمون، فقال سعيد: لا تتبعوهم فإن الصغد بستان أمير المؤمنين وقد هزمتموهم، أفتريدون بوارهم؟ وقد قاتلتم يا أهل العراق الخلفاء غير مرة، فهل أبادوكم؟ وسار المسلمون فانتهوا إلى واد بينهم وبين المرج، فقطعه بعضهم وقد أكمن لهم الترك، فلما جاءهم المسلمون خرجوا عليهم، فانهزم المسلمون حتى انتهوا إلى الوادي، فصبروا حتى انكشفوا لهم.

وقيل: بل كان المنهزمون مسلحة المسلمين، فما شعروا إلا والترك قد خرجوا عليهم من غيضة وعلى الخيل شعبة بن ظهير، فأعجلهم الترك عن الركوب، فقاتلهم شعبة فقتل وقتل نحو من خمسين رجلا وانهزم أهل المسلحة، وأتى المسلمين الخبر، فركب الخليل بن أوس العبشمي -أحد بني ظالم- ونادى: يا بني تميم إلي أنا الخليل! فاجتمع معه جماعة، فحمل بهم على العدو فكفوهم حتى جاء الأمير والناس فانهزم العدو، فصار الخليل على خيل بني تميم حتى ولي نصر بن سيار، ثم صارت رياستهم لأخيه الحكم بن أوس، فلما كان العام المقبل بعث رجالا من تميم إلى ورغسر فقالوا: ليتنا نلقى العدو فنطاردهم.

وكان سعيد إذا بعث سرية فأصابوا أو غنموا وسبوا رد السبي وعاقب السرية.


عزل يزيد بن عبد الملك عبد الرحمن بن الضحاك عن المدينة ومكة، وكان عامله عليهما ثلاث سنين، وولى عبد الواحد النضري، وكان السبب في عزله أنه خطب فاطمة بنت الحسين بن علي فقالت: ما أريد النكاح، ولقد قعدت على بني هؤلاء.

فألح عليها وقال: لئن لم تفعلي لأجلدن أكبر بنيك في الخمر.

فبعثت كتابا إلى الخليفة تخبره بخبره.

فأخذ الكتاب فقرأه وجعل يضرب بخيزران في يده ويقول: لقد اجترأ ابن الضحاك، هل من رجل يسمعني صوته في العذاب؟ قيل له: عبد الواحد بن عبد الله النضري.

فكتب بيده إلى عبد الواحد: قد وليتك المدينة فاهبط إليها واعزل عنها ابن الضحاك، وأغرمه أربعين ألف دينار، وعذبه حتى أسمع صوته وأنا على فراشي.

وكان ابن الضحاك قد آذى الأنصار طرا، فهجاه الشعراء وذمه الصالحون، ولما وليهم النضري أحسن السيرة فأحبوه، وكان خيرا يستشير فيما يريد فعله القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر.


غزا مسلم بن سعيد الترك فعبر النهر وعاث في بلادهم ولم يفتح شيئا وقفل، فأتبعه الترك ولحقوه على النهر فعبر بالناس ولم ينالوا منه، ثم غزا بقية السنة وحاصر افشين حتى صالحوه على ستة آلاف رأس، ثم دفعوا إليه القلعة، ثم غزا سنة ست ومائة وتباطأ عنه الناس, ولما قطع مسلم النهر وصار ببخارى أتاه كتاب من خالد بن عبد الله القسري بولايته على العراق، ويأمره بإتمام غزاته, فسار إلى فرغانة، فلما وصلها بلغه أن خاقان قد أقبل إليه وأنه في موضع ذكروه، فارتحل، فسار ثلاث مراحل في يوم، وأقبل إليهم خاقان فلقي طائفة من المسلمين وأصاب دواب لمسلم بن سعيد، وقتل أخو غوزك وثار الناس في وجوههم فأخرجوهم من العسكر، ورحل مسلم بالناس فسار ثمانية أيام وهم مطيفون بهم، فلما كانت التاسعة أرادوا النزول فشاور الناس، فأشاروا عليه بالنزول وقالوا: إذا أصبحنا وردنا الماء، والماء منا غير بعيد.

فنزلوا ولم يرفعوا بناء في العسكر، وأحرق الناس ما ثقل من الآنية والأمتعة، فحرقوا ما قيمته ألف ألف، وأصبح الناس فساروا فوردوا النهر وأهل فرغانة والشاش دونه، فقال مسلم بن سعيد: أعزم على كل رجل إلا اخترط سيفه، ففعلوا وصارت الدنيا كلها سيوفا، فتركوا الماء وعبروا.

فأقام يوما ثم قطع من غد واتبعهم ابن لخاقان، فأرسل إليه حميد بن عبد الله، وهو على الساقة: فقال له: قف لي فإن خلفي مائتي رجل من الترك حتى أقاتلهم.

وهو مثقل جراحة، فوقف الناس وعطف على الترك فقاتلهم، وأسر أهل الصغد وقائدهم وقائد الترك في سبعة ومضى البقية، ورجع حميد فرمي بنشابة في ركبته فمات.

وعطش الناس، وكان عبد الرحمن العامري حمل عشرين قربة على إبله فسقاها الناس جرعا جرعا، استسقى مسلم بن سعيد، فأتوه بإناء، فأخذه جابر أو حارثة بن كثير أخو سليمان بن كثير من فيه، فقال مسلم: دعوه فما نازعني شربتي إلا من حر دخله.

وأتوا خجندة، وقد أصابهم مجاعة وجهد، فانتشر الناس.


غزا عنبسة بن سحيم الكلبي أمير الأندلس بلد الفرنج في جمع كثير، ونازل مدينة قرقسونة وحصر أهلها، فصالحوه على نصف أعمالها، وعلى جميع ما في المدينة من أسرى المسلمين وأسلابهم، وأن يعطوا الجزية، ويلتزموا بأحكام الذمة من محاربة من حاربه المسلمون، ومسالمة من سالموه، فعاد عنهم عنبسة، ثم توغل داخل فرنسا وغزا إقليم الرون وبرفانس وليون وبورغونيا حتى وصل أعالي الرون.

وتوفي في شعبان سنة سبع ومائة عند انصرافه من غزو الإفرنج.


هو يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو خالد القرشي الأموي، أمير المؤمنين، وأمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية.

بويع له بالخلافة بعد عمر بن عبد العزيز في رجب من سنة إحدى ومائة، بعهد من أخيه سليمان أن يكون الخليفة بعد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، توفي يوم الجمعة لخمس بقين من رجب.


تولى هشام الخلافة بعد وفاة أخيه يزيد بن عبد الملك وبعهد منه إليه بذلك.


خرج باليمن رجل يقال له: عباد الرعيني، فدعا إلى مذهب الخوارج، واتبعه فرقة من الناس وحكموا، فقاتلهم يوسف بن عمر الثقفي فقتله وقتل أصحابه، وكانوا ثلاثمائة.


هو أبو أيوب سليمان بن يسار، ولد في خلافة عثمان سنة أربع وثلاثين, مولى أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، كان عالما ثقة عابدا ورعا حجة، كثير الصيام، فقيها كبيرا، أبوه فارسي، روى عن مولاته ميمونة، وعن عائشة، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة، كان من أوعية العلم بحيث إن بعضهم قد فضله على سعيد بن المسيب، وكان سعيد بن المسيب يحيل عليه المستفتين, ويقول عنه: "إنه أعلم من بقي اليوم"، يقول الإمام مالك عنه: "كان سليمان بن يسار من علماء الناس بعد سعيد بن المسيب، وكان كثيرا ما يوافقه"، وتوفي في المدينة.


غزا أسد القسري جبال نمروذ ملك القرقيسيان، مما يلي جبال الطالقان، فصالحه نمروذ وأسلم على يديه.

وفيها غزا أسد القسري الغور -وهي جبال هراة- عمد أهلها إلى حواصلهم وأموالهم وأثقالهم فجعلوا ذلك كله في كهف منيع، لا سبيل لأحد عليه، وهو مستعل جدا، فأمر أسد بالرجال فحملوا في توابيت ودلاهم إليه، وأمر بوضع ما هنالك في التوابيت ورفعوهم فسلموا وغنموا.


هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، من سادات التابعين, كان ثقة عالما، مات أبوه وعمره سبع سنوات, تربى في حجر عمته عائشة رضي الله عنها فتفقه عليها، فكان فقيها إماما ورعا كثير الحديث، قال أبو الزناد: ما رأيت أحدا أعلم بالسنة من القاسم بن محمد، وما كان الرجل يعد رجلا حتى يعرف السنة، وما رأيت أحدا أحد ذهنا من القاسم.

قيل: إنه مات بقديد، فقال: كفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها، قميصي وردائي، هكذا كفن أبو بكر.

وأوصى أن لا يبنى على قبره.


هو عنبسة بن سحيم الكلبي -نسبة إلى قبيلة كلب اليمانية، المعروفة بتأييدها للأمويين- والي الأندلس، ومن قادة الدولة الأموية الأفذاذ، له فتوحات واسعة في أوروبا، وقد أصيب بجراحات في بعض الوقائع مع الفرنج، فكانت سبب وفاته، رحمه الله, وكانت ولايته على الأندلس أربع سنين وأربعة أشهر.


غزا معاوية بن هشام أرض الروم ففتح حصنا يقال له طيبة، فأصيب معه قوم من أهل أنطاكية.


دعا أشرس بن عبد الله السلمي نائب خراسان أهل الذمة بسمرقند ومن وراء النهر إلى الدخول في الإسلام، ويضع عنهم الجزية فأجابوه إلى ذلك، وأسلم غالبهم، ثم طالبهم بالجزية فنصبوا له الحرب وقاتلوه، ثم كانت بينه وبين الترك حروب كثيرة.


الفرزدق هو همام بن غالب التميمي أبو فراس، له مواقف وأشعار في الذب عن آل البيت، كان غالب شعره الفخر، توفي وعمره يقارب المائة.

وجده صعصعة بن ناجية صحابي، وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحيي الموءودة في الجاهلية.

قال: الفرزدق وفدت مع أبي على علي، فقال: من هذا؟ قال: ابني وهو شاعر.

قال: علمه القرآن فهو خير له من الشعر.

قال الفرزدق: نظر أبو هريرة إلى قدمي فقال: يا فرزدق إني أرى قدميك صغيرتين، فاطلب لهما موضعا في الجنة.

فقلت: إن ذنوبي كثيرة.

فقال: لا تيأس.

و لما سئل عن قيد في رجله قال: حلفت أن لا أنزعه حتى أحفظ القرآن.

قال له بعضهم: ألا تخاف من الله في قذف المحصنات؟ فقال: والله لله أحب إلي من عيني اللتين أبصر بهما، فكيف يعذبني؟.

أما جرير فهو جرير بن عطية بن الخطفي، أبو حزرة، الشاعر البصري.

اشتهر جرير برقة شعوره وحسن خلقه.

سمته أمه جريرا -وهو الحبل الغليظ- لأن أمه رأت وهي حامل به أنها ولدت جريرا يعني الحبل، فسمته بذلك، توفي وهو ابن اثنين وثمانين عاما، وكان في عصره من الشعراء الذين يقارنون به الفرزدق، والأخطل، وكان بين الثلاثة تناظر بالأشعار وتساجل، وكان جرير أشعرهم وأخيرهم.

لما مات الفرزدق وبلغ خبره جريرا بكى وقال: أما والله إني لأعلم أني قليل البقاء بعده، ولقد كان نجما واحدا وكل واحد منا مشغول بصاحبه، وقلما مات ضد أو صديق إلا وتبعه صاحبه.

وكذلك كان، مات جرير بعده بأشهر.


قاتل مسلمة بن عبد الملك ملك الترك الأعظم خاقان، فزحف إلى مسلمة في جموع عظيمة فتواقفوا نحوا من شهر، ثم هزم الله خاقان زمن الشتاء، ورجع مسلمة سالما غانما، فسلك على مسلك ذي القرنين في رجوعه إلى الشام، وتسمى هذه الغزاة غزاة الطين، وذلك أنهم سلكوا على مغارق ومواضع غرق فيها دواب كثيرة، وتوحل فيها خلق كثير، فما نجوا حتى قاسوا أهوالا صعابا وشدائد عظاما.


هو أبو سعيد الحسن بن يسار البصري، ولد قبل سنتين من نهاية خلافة عمر بن الخطاب في المدينة عام 21هـ.

كانت أمه تخدم أم سلمة، وربما أرسلتها في الحاجة فتشتغل عن ولدها الحسن وهو رضيع فتشاغله أم سلمة بثدييها فيدران عليه فيرتضع منهما، فكانوا يرون أن تلك الحكمة والعلوم التي أوتيها الحسن من بركة تلك الرضاعة من الثدي المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كان وهو صغير تخرجه أمه إلى الصحابة فيدعون له، وكان في جملة من يدعو له عمر بن الخطاب، قال: اللهم فقهه في الدين، وحببه إلى الناس.

وقد كان الحسن جامعا للعلم والعمل، عالما رفيعا فقيها ثقة مأمونا عابدا زاهدا ناسكا، كثير العلم والعمل، فصيحا جميلا وسيما، وقدم مكة فأجلس على سرير وجلس العلماء حوله واجتمع الناس إليه فحدثهم.


هو محمد بن سيرين أبو بكر بن أبي عمرو الأنصاري، مولى أنس بن مالك النضري، كان أبوه من سبي عين التمر، أسره في جملة السبي خالد بن الوليد، فاشتراه أنس بن مالك ثم كاتبه.

ولد ابن سيرين لسنتين بقيتا في خلافة عثمان، كان من جلة التابعين، قال هشام بن حسان: هو أصدق من أدركت من البشر.

ولما مات أنس بن مالك أوصى أن يغسله محمد بن سيرين، قال ابن عون: كان محمد يأتي بالحديث على حروفه.

قال أشعث: كان ابن سيرين إذا سئل عن الحلال والحرام تغير لونه حتى يكون كأنه ليس بالذي كان.

قال مورق العجلي: ما رأيت أحدا أفقه في ورعه ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين.

كان مشهورا في تعبير الرؤى والأحلام، وأما الكتاب الموجود اليوم على أنه من تأليفه فغير صحيح، فهو لم يؤلف كتابا في تفسير الرؤى، وتعبيراته للرؤى مبثوثة في كتب التراجم والتاريخ.


أخرج عبد الله من كان تغلب على الإسكندرية من أهل الربض الأندلسيين بأمان، وكانوا قد جاؤوا في مراكب من الأندلس في فتنة ابن السري وغيره، فأرسوا بالإسكندرية، ورئيسهم يدعى أبا حفص، فلم يزالوا بها حتى قدم ابن طاهر، فأرسل يؤذنهم بالحرب إن هم لم يدخلوا في الطاعة، فأجابوه، وسألوه الأمان على أن يرتحلوا عنها إلى بعض أطراف الروم التي ليست من بلاد الإسلام، فأعطاهم الأمان على ذلك، فرحلوا ونزلوا بجزيرة إقريطش، واستوطنوها وأقاموا بها فأعقبوا وتناسلوا.

قال يونس بن عبد الأعلى: "أقبل إلينا فتى حدث من المشرق، يعني ابن طاهر، والدنيا عندنا مفتونة قد غلب على كل ناحية من بلادنا غالب، والناس في بلاء، فأصلح الدنيا وأمن البريء، وأخاف السقيم، واستوسقت له الرعية بالطاعة".


خلع أهل قم المأمون، ومنعوا الخراج، وكان سببه أن المأمون لما سار من خراسان إلى العراق أقام بالري عدة أيام، وأسقط عنهم شيئا من خراجهم، فطمع أهل قم أن يصنع بهم كذلك، فكتبوا إليه يسألونه الحطيطة، وكان خراجهم ألفي ألف درهم، فلم يجبهم المأمون إلى ما سألوا، فامتنعوا من أدائه، فوجه المأمون إليهم علي بن هشام، وعجيف بن عنبسة، فحارباهم فظفرا بهم، وقتل يحيى بن عمران، وهدم سور المدينة، وجباها على سبعة آلاف ألف درهم، وكانوا يتظلمون من ألفي ألف.