نداءات الرحمن لأهل الإيمان 41


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان، جعلنا الله وإياكم منهم، وحشرنا في زمرتهم، ورضي عنا كما رضي عنهم. آمين.

نداء أمس قد احتوى على أربع محرمات، وهذه المحرمات هي: الخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام. وقد وصفها الرحمن بأنها رجس، ومن عمل الشيطان.

معنى الأصنام وحكمها

الأصنام لفظ يطلق ابتداءً على تماثيل تعبد من دون الله، ولما كانت البشرية كلها متورطة في الشرك والجاهلية حرم الله تعالى علينا صنع تلك التماثيل وبيعها وشراءها واقتناءها، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يشتري تمثالاً وإن كان لهر، أو عصفور، فضلاً عن أن يكون غزالاً أو إنساناً. فنحن أولياء الله لا بد أن تكون بيوتنا طاهرة كبيوت ربنا، فلا نسمع فيها صوت عاهرة من النساء، ولا نشاهد فيها صوراً لكافر، ولا نسمع فيها إلا ذكر الله وما والاه.

وقد تورط إخوان لكم لجهلهم وظلمة نفوسهم فأصبحوا يتخذون هذه الأنصاب، وينصبونها حتى وراء السيارات، فاستعيذوا بالله من الجهل وظلمته.

معنى الأزلام وحكمها

الأزلام هي عبارة عن ثلاثة عيدان، أو سهام يكتب على أحدها: أمرني ربي، وعلى الثاني: نهاني ربي، والثالث: لا يكتب عليه شيء، بل يتركونه مهملاً. وقد كانوا يأتون إلى هذا المختص بهذه البدعة الشيطانية ويقدمون له المال، فيدير تلك العيدان في كيسه أو في خريطته ويستخرج عوداً منها، فإن كان مكتوب فيه: أمرني ربي فيقول له: تزوج، فزواجك صالح، وإن كان يريد أن يطلق قال له: طلق، فقد أمرك الله أن تطلق، وإن كان يريد أن يبني قال له: ابنِ ولا تخف، وهكذا، فيقدم على العمل الذي أراد أن يقوم به وأراد أن يعرف قسمة الله له، فإن خرج العود الذي فيه: نهاني ربي ترك، فإن أراد أن يتزوج ترك، وإن أراد أن يبني ترك، وإن أراد أن يسافر قعد.

ومن العجيب أننا أبطلنا الأزلام وجعلنا أزلاماً أخرى أسوأ منها، ومما ذكرت لكم من ذلك: ما يعرف بخط الرمل، وهذا أكثر ما يكون في ديار المغرب، ومن الجائز أن يكون في المشرق.

ومن ذلك: قرعة الأنبياء، وهي تباع وتشترى.

ومن ذلك: المسبحة، فقد كانوا يقبضون الحبات، فإن جاءت أزواجاً قال له: امض في أمرك؛ فأنت رابح، وإن كانت وتراً قعد.

ومن ذلك: الشوافات، وهذه موجودة في المشرق أكثر، وتسمى بالجزانات في الديار المغربية، وهذه تدعي علم الغيب، وتقول: افعل ولا تفعل مقابل دريهمات، ويأتي إليها الفحل من الرجال. وقال أحد الأبناء تسمى: قارئة الفنجان، وهذه متنبئة صغيرة، فهي تقرأ الغيب في الفنجان، ويأتيها الرجال والنساء ليكتشفوا أسرار الله التي أخفاها، ولو تتصورون جريمة من يريد أن يطلع على الغيب، وقد ضربنا لها مثلاً غير ما مرة، فإذا كان أخوك .. أبوك .. صديقك .. أميرك يخفي شيئاً عن أعين الناس لأهميته فلا يليق بك ولا يحسن بك ولا يصلح لك أن تأتي وتكشف عما يستره، فافهموا هذا. فلو علمت أن أخاك أو إنساناً آخر يستر شيئاً لما في معرفته من الأذى والضرر فلا تأتي أنت وتكشفه، وإلا لكان موقفك أسوأ موقف، ولو صفعك لما كان ظالماً لك. والله عز وجل يخفي الغيب لينتظم سير الحياة ولا تتعطل وتمشي إلى نهايتها، وأنت تريد أن تطلع على ذلك، وهذا لا يجوز أدباً وعقلاً وشرعاً، فلهذا الذي يدعي علم الغيب كافر وعدو الله وطاغوت، والله يقول: إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ [يونس:20]، أي: ما الغيب إلا لله.

معنى الميسر وحكمه

الميسر مأخوذ من اليسر والسهولة، وكل لعب قمار يطلق عليه ميسر. وهذا القرآن حمال الوجوه، فهو لم يذكر الكيرم والديمينو وغيرها، وإلا لما حفظ هذا القرآن، ولذلك أطلق الميسر على لفظ القمار، سواءً كان بالكعاب أو بالرماح أو بالعصي أو بالتراب أو بالحجارة أو بالآلات، فكل قمارٍ فهو ميسر. وكلمة الديمينو هذه موجودة في المغرب، وهنا يسمونها الدومنة، تحريف فقط، وقد جاءني إلى المنزل شاب وقال: نسيت البارحة أخرى، وهي الشائعة عندنا البلوت، أي: البلاء ولوط، قال: وهذا أبشع ما يكون. فكل ما يجلس عليه اثنان وثلاثة يلعبون سواء لحصول فائدة أو لا فهو قمار وحرام، والذين أفتوا بجوازه مقهورون أذلاء، وإلا فالعالم لا يفتي بجواز هذا بحجة أنه ليس بقمار، وإنما لمجرد التسلية والترويح عن النفس.

والله عز وجل لما علل للتحريم، لم يعلله بالمال؛ لأنه لا قيمة للمال، وإنما قال: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ [المائدة:91]. لأن العداوة والبغضاء بين المسلمين حرام، فالمسلمون جماعة واحدة وحزب واحد والله، ومن عمل على تمزيقهم وتشتيتهم وتفرقتهم فعليه لعائن الله، فإنهم لا يستطيعون أن يحتفظوا براية لا إله إلا الله ويمشون في العالم إلا إذا كانوا على قلب رجل واحد، فأيما شيء يثير العداوة أو البغضاء أو الفرقة أو الانقسام أو التحيز فهو حرام من أشد المحرمات، ونحن ليس عندنا وعي وبصيرة، والله يقول: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ [المائدة:91] يا أمة الإسلام! الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [المائدة:91]. ومعنى هذا: لا مذهبية ولا حزبية ولا قبلية والله العظيم، وإلا فلسنا مسلمين، فأنت مسلم، ولا تقل: عربي ولا عجمي، ولا أبيض ولا أسود، ولا مالكي ولا حنبلي، ولا شافعي ولا حنفي، ولا زيدي ولا غير ذلك، بل قل: أنا مسلم، آمنت بالله ورسوله، فعلموني ما يحب ربي حتى أفعله، وعلموني ما يكره ربي حتى أكرهه وأتركه، وهذا هو الطريق إلى باب دار السلام. وكل ما من شأنه أن يمزق وحدة المسلمين أو يفرق كلمتهم أو يباعد بين ديارهم أو يوجد عداوة وحزازة في نفوسهم فحرام. افهموا هذه، فهي غالية والله. ومن طلب البرهنة والأدلة الساطعة سطوع الشمس على ذلك فالقرون الذهبية الثلاثة كانوا أمة واحدة، وقد نشروا الإسلام وبلغوا به أقصى الشرق والغرب، وطأطأ العالم لهم رأسه، وارتفعت راية التوحيد في كل مكان، وعرف العدو الثالوث سر وحدتهم وبقائهم، ألا وهو الكتاب والحكمة، فجاء فعمل جهده حتى أبعدهم عن القرآن وعن السنة، وأوجد لهم فقهاً وأئمة، وهذا حنفي وهذا كذا، ثم مزقهم دويلات، ثم جثم على صدورهم، ولم يتركهم إلا كما هم عليه الآن، فالدماء تسيل الآن في الديار الجزائرية، وما وُجد مسلمون يجمعون كلمتهم، أو ينهون خلافهم وصراعهم، وغداً يحدث في البلد الفلاني مثل هذا، ولا يوجد من يجمعهم، وقد حدث في الصومال وحدث في الأفغان؛ لأنهم مزقوهم وشتتوهم وفرقوهم، بعد أن أبعدوهم عن القرآن الكريم.

وحجة من أفتى بجواز الكيرم والبلوت وأنهما ليس فيهما شيء: لأنه ليس فيها فلوس، وهذه فتوى باطلة؛ لأن الله لم يذكر المال في تعليل التحريم، وإنما قال: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [المائدة:91]. وأعظم من هذا وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ [المائدة:91]. وهذا قد تحقق، فالصلاة تقام وهم يلعبون على الطاولة إلى أن تنتهي ويخرج وقتها، ولا لشيء إلا للتسلية فقط، ونضيع الوقت، والدقيقة منه لا يمكن أن نشتريها بمليار، ونحن خلقنا لذكر الله، لا للهو واللعب، ويكذب من يقول: إننا خلقنا لنلهو ونلعب، فنحن خلقنا فقط لنذكر الله بقلوبنا وألسنتنا ضمن تلك العبادات التي نقوم بها. هذه علة حياتنا وسر وجودنا. وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. فلا تسمحوا الآن بالكيرم في بيوتكم، ولا تسمحوا لأولادكم أن يلعبوا به جماعات عند أبوابكم. ولا إله إلا الله! نريد أن نرى أطفالكم يتجمعون في بيوت الله من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، ويشهدون الصلاتين، ويتعلمون الكتاب والحكمة، ويعودون راغبين في النوم، وينامون من صلاة العشاء، ثم يشهدون صلاة الصبح، وبعد صلاة الصبح يذهبون إلى المدارس، وإلى بعد الظهر وهم في طلب العلم، ولا تقولوا: تريد أن ترهقهم، دعهم يتنفسون، فهم من صلاة العصر وهم يسرحون ويقولون الباطل وينطقون بالسوء، ويلعبون الألاعيب الباطلة إلى أن يناموا، ولم يستفيدوا من المدرسة شيئاً. فافهموا هذا. فنحن مستدرجون درجة بعد أخرى في الهبوط.

ثم قال تعالى: وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]. فلنقل: انتهينا ربنا! وأي ما مؤمن تتلى عليه الآية ويفهمها ولا ينتهي فقد عصى الله رب العالمين، وأعلن عن حربه لله بعدم مبالاته، فكأنه يقول لله بعد أن قال له: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91] لا ننتهي وافعل ما تشاء. هذا لسان الحال. ويبقى على اللعب والباطل بدلاً من أن يجلس يذكر الله مائة مرة، ويقرأ آية من كتاب الله، أو يومي ويشير إلى مؤمن يعلمه آية وحديثاً ويجلس يلهو ويلعب. وهذا هو صنيع الجهل والعياذ بالله وظلمته. ذكرتكم بهذا فاذكروه.

الأصنام لفظ يطلق ابتداءً على تماثيل تعبد من دون الله، ولما كانت البشرية كلها متورطة في الشرك والجاهلية حرم الله تعالى علينا صنع تلك التماثيل وبيعها وشراءها واقتناءها، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يشتري تمثالاً وإن كان لهر، أو عصفور، فضلاً عن أن يكون غزالاً أو إنساناً. فنحن أولياء الله لا بد أن تكون بيوتنا طاهرة كبيوت ربنا، فلا نسمع فيها صوت عاهرة من النساء، ولا نشاهد فيها صوراً لكافر، ولا نسمع فيها إلا ذكر الله وما والاه.

وقد تورط إخوان لكم لجهلهم وظلمة نفوسهم فأصبحوا يتخذون هذه الأنصاب، وينصبونها حتى وراء السيارات، فاستعيذوا بالله من الجهل وظلمته.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 72 4025 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 49 3682 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 68 3668 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 47 3646 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 91 3473 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 51 3469 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 50 3461 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 60 3415 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 75 3370 استماع
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 95 3360 استماع