قضية البوسنة والهرسك.. المشكلة والحل


الحلقة مفرغة

الحمد لله ذي العزة والقدرة والملكوت، والقهر والقوة والجبروت، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، لا إله إلا هو يحيي ويميت وهو حي لا يموت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، جعل رزقه تحت ظل رمحه، والعزة والمجد والمنعة لمن أطاعه واتبعه، والذلة والصغار والشنار لمن عصاه وخالف أمره، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعــد:

فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل والعمل الصالح، فاتقوا الله ربكم: وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [سـبأ:11].

أيها المسلمون: يضيق بعض المثقفين حينما يكون الحديث عن الأعداء -أعداء الدين والملة- ولا أدل على ضيقهم وتبرمهم من قولهم: إن الأحاديث عن الأعداء مبالغٌ فيها، إنها أحاديث عجزة، وتسميات فاشلة.. العجزة والفاشلون هم الذين يُعلِّقون أخطاءهم على أعدائهم، وينسبون فشلهم إلى غيرهم.

أمَّا الآن فلعل إخواننا -هداهم الله- قد استفاقوا، ولعلَّ صُبحهم قد استبان، فقد جاءت الفاضحة قولاً وعملاً، بالكلمة المسموعة، والصورة المشاهدة، جاءت الفاضحة بأبشع أشكال العنصرية، وأجلى مبارزة في عداء الإسلام وأهله، إنها قضية إخواننا في البوسنة والهرسك ، ولقد كانت ولا تزال قضيتنا في فلسطين ، وقضايانا في كشمير ، والشيشان ، وبورما ، والفليبين ... ومواطن أخرى من العالم في دول وأقلياته ملتهبة تارة وصامدة أخرى، قضايانا مع اليهود والنصارى والمشركين.

ولكنها الفاضحة الماثلة والحية القائمة، إنها جريمة النظام الدولي الجديد، والتخاذل الصارخ، والتواطؤ الجلي.

إنها فاضحة النفاق الرسمي، والنفاق الدولي، فاضحة للمبادئ المزورة من حقوق الإنسان وديمقراطية التقدم، فاضحة لكنها بشعارات العدالة والحرية وحق تقرير المصير وسيادة الدول، والقانون، والشريعة الدولية.

وتذكر -يا أخي- ما شئت من هذه الألفاظ والمصطلحات التي يلوكها الإعلام بوسائله وقنواته ويروجها ليخدع بها الناس، ويُخدِّر الكثير من مغفليهم ومغفلينا.

منطقة البوسنة ميدان الفصل بألوان الخداع السياسي والنفاق الدبلوماسي، فاضحة لأولئك الذين يتزعمون العالم الحر، ويدافعون عن حقوق الإنسان، ويرفعون المظالم عن البشرية، فاضحة للغرب وأهله بنصرانيته وصليبيته.

إنهم قوم لا يستطيعون العيش ولا يطيقونه إلا بالتفرقة الدينية والتمييز العنصري، فاضحة ثم فاضحة حين يرفضون أن تقوم دولة مسلمة من بني جلدتهم في أوروبا ، لقد أثبتت قضية البوسنة أن النصارى لا يقبلون تعدد الأديان ولا تعدد المذاهب، فهذه هي البوسنة ، وتلك هي الشيشان ، وكم هو من حقك -أيها المسلم- أن تنظر في الأحزاب وتفسرها بعد ذلك وتعرف بواعثها وغاياتها.

إنها فاضحة لأعداء الإسلام، وهي فاضحة -في ذات الوقت- لفئات من أهل الإسلام، دولاً، وشعوباً، في تخاذلهم عن حقوق إخوانهم ... في سلامة أنفسهم، وأعراضهم، وحماية ديارهم وأوطانهم، والغيرة على عقيدتهم وأمتهم، وهي فاضحة للمهزومين في داخل نفوسهم، فالغرب -يا هؤلاء- لا يكفيه أن يلبس المهزومون من اللباس كما يلبسون، وأن يجروا كلاباً بقلائد الذهب كما يجرون، لا يكفيه أن يُردد الرقيع من فطرياته، والحقير من تقليعاته.

إن مقصدهم الأعظم، وهدفهم الأكبر هو التخلي عن الإسلام، والانتماء إلى المحفل الكنائسي: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217].

لقد أضحى من الجلي البيَّن أن معايير المصالح الغربية والرؤية النصرانية هي الحاكمة في القضية، وهي التي تُحدِّد المسار وتقرر المصير.

ومن أجل مزيد من الإثبات لبعض من لا يزال في قلوبهم ريب وفي نفوسهم شك، هذا متحدث منهم ذو مقام رفيع يقول عن هذه الفاضحة وقد صدقكم فيما قال: إن الصرب هم حلفاء الغرب المخلصون في عملية التطهير التي تتم من أجل التخلص من الأقليات غير المرغوب فيها. إن الغرب قد صنف الصرب كمعتدين، ولكنه يأبى أن يضعهم في مصاف الأعداء، والسبب -والكلام لا يزال لهذا المتحدث منهم- هو أننا نحن الغربيين ونحن الأوروبيين نحارب نفس العدو الذي يُحاربه الصرب، ذلكم هو الإسلام والمسلمون.

إن الغرب -ولا يزال يتحدث- قد يلقي بعض قنابل الدخان في مواجهة الصرب، ولكنه لن يتدخل بصورة حاسمة ضدهم؛ لأنهم يقومون بمهمة تحقق هدفاً تطلع إليه الغرب، ووجد في الصرب ضالته المنشودة بتنفيذ تلك العملية القذرة.

إنه إذا كان لابد -ولا يزال الحديث له- من تدخل غربي في البوسنة ، فإن ذلك التدخل سيتم بالضرورة على حساب الضحية وهم مسلمو البوسنة ، وإن قوة التدخل التي أنشئت ستكون مهيأة لمواجهة أي تحرك من جانب مسلمي البوسنة .

وختم كلامه بقوله: إنه لولا التحالف بين الغرب وبين الصرب لانتهت هذه الحرب منذ زمن طويل.

إن الغرب يواجه الصرب بليونة، وضحية تلك الحروب الشريرة هي الثقافة الإسلامية، التي يرى الغرب أنها تتعارض مع نظام دولي بلا قيم ولا مبادئ، يريد الغرب أن يفرضه على الجميع.. انتهى كلامه.

ويقول أحد وزراء خارجيتهم وقد سُئِلَ عن مسوغات وجود حلف الأطلسي وقد انهار الاتحاد السوفيتي يقول: إن المواجهة القادمة ستكون مع العالم الإسلامي!!

ويقول رئيس وزراء إحدى دولهم معلقاً على أحداث البوسنة : إننا لن نسمح بقيام دولة إسلامية في أوروبا .

أيها المسلمون: إنه كلام واضح فاضح، وحال القضية أوضح وأفظع، وهذه هي الحقيقة! فيا ليت قومي يعلمون.

يجب الكف عن المبررات المتهالكة، وصرف النظر عن الوعود والاجتماعات المخدرة، كلهم متواطئون وكلهم أفّاكون يتلاعبون بالضعاف، تارة يتشاورون، وأخرى يتلاومون، وهذا يتمهل، وهذا يستنكر، وهذا عنده خُطة، وذلك يطرح خيارات في كلام ملَّ العالم ترداده، ودعاوى أصم الأسماع دويها، وكرهتها وتفطرت لها القلوب، وأسفر أصحابها عن وجه كالح وعنصرية شوهاء، وحقد دفين، وحيف قاتل.

من يُصدِّق أن الأمم المتحدة بأعضائها، ومجلس أمنها، لا تستطيع حماية الملاذات الآمنة، وقد جردت أهلها من السلاح، أم أنها أسد على قوم نعامة على آخرين؟! معايير ومكاييل متباينة في معاجلة المشكلات والأزمات!

حقيقة العداء بين المسلمين والصرب

إن ما يحدث هو حرب عقيدة، وإبادة شعب، وإلغاء وطن، إنما هو اجتثاث جذور الإسلام من أوروبا ، من أجل هذا! لم يسمع الغرب صراخ الأطفال، وأنين الثكلى، لم يأبه بانتهاك الأعراض، ولم يكترث بجثث الشيوخ وسحق الأبرياء، أين أنتِ يا منظمات العصر الدولية؟

وأين أنتِ يا لجان حقوق الإنسان؟

أين هي الأعراف الدولية؟ وأين هي المواثيق الدولية؟

هل يحتاج أن يَذكر التاريخ أو يُذَكِّر أن الغرب لا يزال يدفع لليهود ثمن ما فعلته النازية في بضع مئات من اليهود، ولكن ما يفعله مجرمو الصرب بمئات الآلاف من المسلمين لا يثير أي شفقة ولا يدر أي دمعة..! سقطت الملاذات الآمنة، وكان على رأس الساقطين معها: الأمم المتحدة بقواتها وقراراتها ووعيدها وتهديدها.

وعلى رأس الساقطين أيضاً: حلف الأطلسي ، وقوة التدخل السريع، ومع هذا السقوط تجسد الانفراط الدولي والفوضى العالمية في نظامها الجديد، فوضى على مستوى كبريات دول العالم لم يسبق لها مثيل، كثرة الهرج والمرج وربك أعلم بمصيرها ومصير أهلها، تدهور مجلس الأمن ، وضاعت الأمم المتحدة ، وذابت المبادئ، صورة حية، وشاهدة من حياة وحوش الغاب، وفوضى السباع، لا يريدون سلماً ولا سلاماً ولا إسلاماً، ليس إلا المصالح السياسية الضيقة، والاحتكار الاقتصادي الخانق، وديكتاتورية تفسير المصطلحات والمبادئ.

آثار ونتائج الحرب العقدية بين المسلمين والصرب

إذا كان ما يحدث هو حرب عقيدة وإبادة شعب وإلغاء وطن؛ فإنه من جانب آخر استثارة لعوامل العنف وتوليد لبؤر الإرهاب، وتنمية لكوامن الرفض.

أي إرهاب أعظم من هذا الإرهاب الذي يمارسه الصرب الصليبي الحاقد؟!

إذا لم يكن هذا هو الإرهاب الدولي فما هو الإرهاب إذاً؟!

وإذا لم يكن هذا هو التطرف الدولي فما هو التطرف إذاً؟!

ولماذا لا يولد في مثل هذه الأجواء كل ألوان التطرف وأصناف الإرهاب؟!

ماذا على شعب البوسنة لو تحوَّل إلى شعب ينتقم لنفسه، وينتصر لحقه، في عمليات ثأر لدينه وأهله وكرامته؟

إن في داخل النفس البشرية نزعات تدميرية، ورغبات جامحة بالانتقام والتدمير والهدم، ماذا على شعب البوسنة ومن ورائه أمة الإسلام أن ينتقموا لأنفسهم ويجاهدوا في سبيل ربهم، وقد رأوا ما لحق ديارهم من دمار، ومساجدهم من هدم، وأهلهم من تقتيل وتشريد، وقضاياهم من خذلان، دمار وأشلاء، وجوع وفقر، واغتصاب وتشريد.. هذه هي القضية بصورها ومجرياتها، وبواعثها وغاياتها.

إنها بلاء ومحنة لمن كان له قلب من أهل الإسلام، ولقد آن الأوان أن يخرج المسلمون عن صمتهم، وينطقوا من بعد طول سكوتهم، هؤلاء هم الأعداء، وهذه هي الفاضحة: وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ * إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة:1-2].. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الممتحنة:9].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

إن ما يحدث هو حرب عقيدة، وإبادة شعب، وإلغاء وطن، إنما هو اجتثاث جذور الإسلام من أوروبا ، من أجل هذا! لم يسمع الغرب صراخ الأطفال، وأنين الثكلى، لم يأبه بانتهاك الأعراض، ولم يكترث بجثث الشيوخ وسحق الأبرياء، أين أنتِ يا منظمات العصر الدولية؟

وأين أنتِ يا لجان حقوق الإنسان؟

أين هي الأعراف الدولية؟ وأين هي المواثيق الدولية؟

هل يحتاج أن يَذكر التاريخ أو يُذَكِّر أن الغرب لا يزال يدفع لليهود ثمن ما فعلته النازية في بضع مئات من اليهود، ولكن ما يفعله مجرمو الصرب بمئات الآلاف من المسلمين لا يثير أي شفقة ولا يدر أي دمعة..! سقطت الملاذات الآمنة، وكان على رأس الساقطين معها: الأمم المتحدة بقواتها وقراراتها ووعيدها وتهديدها.

وعلى رأس الساقطين أيضاً: حلف الأطلسي ، وقوة التدخل السريع، ومع هذا السقوط تجسد الانفراط الدولي والفوضى العالمية في نظامها الجديد، فوضى على مستوى كبريات دول العالم لم يسبق لها مثيل، كثرة الهرج والمرج وربك أعلم بمصيرها ومصير أهلها، تدهور مجلس الأمن ، وضاعت الأمم المتحدة ، وذابت المبادئ، صورة حية، وشاهدة من حياة وحوش الغاب، وفوضى السباع، لا يريدون سلماً ولا سلاماً ولا إسلاماً، ليس إلا المصالح السياسية الضيقة، والاحتكار الاقتصادي الخانق، وديكتاتورية تفسير المصطلحات والمبادئ.




استمع المزيد من الشيخ صالح بن حميد - عنوان الحلقة اسٌتمع
حق الطريق وآداب المرور 3693 استماع
وسائل الإعلام والاتصال بين النقد الهادف والنقد الهادم 3088 استماع
اللغة .. عنوان سيادة الأمة 3069 استماع
الطلاق وآثاره 3010 استماع
لعلكم تتقون 2998 استماع
الماء سر الحياة 2953 استماع
من أسس العمل الصالح 2930 استماع
الزموا سفينة النجاة 2881 استماع
بين السلام وإباء الضيم 2847 استماع
لا لمؤتمر بكين 2714 استماع