تربية الزوجة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله: يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] ما هو وقود النار وبأي شيء تسعر؟

ما هو حطبها وبأي شيء توقد؟

إنها توقد بالناس والحجارة، إن الناس الذين يشتعلون هم وقود جهنم وحطبها.

وقد أمرنا الله تعالى في هذه الآية برعاية الأهل والقيام عليهم، وأن القيام عليهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر هو وقاية لهم من عذاب الله، وأهلك -يا عبد الله- مسئولية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) فأهل بيتك إذاً مسئولية ستسأل عنها يوم القيامة وتحاسب، وأهل بيتك هم أمانة في عنقك، أمانة من الأمانات التي حملنا الله إياها وناءت عن حملها السماوات والأرض والجبال وأبين أن يحملنها وأشفقن من حملها، لكننا حملناها نحن، ويجب علينا أن نقوم بأداء الأمانة.

وفي هذه الخطبة نتحدث عن موضوع مهم يتعلق بهذا، وهو تربية الزوجة؛ نظراً للتفريط فيه، وكثرة الإهمال، حتى شاعت الفواحش في الزوجات، وانتشرت المنكرات في حياتهن، بسبب تفريط الرجال، وعم الجهل أوساط كثير من الزوجات؛ لتقصير الأزواج في تعليمهن، وسيسألون عنهن يوم القيامة.

ما هو هديه صلى الله عليه وسلم في تربية زوجته؟ وماذا كان يفعل مع زوجاته؟ وكيف كان يقوم بأمر تعليمهن وتأديبهن وأمرهن بالمعروف ونهيهن عن المنكر بل حتى ملاطفتهن صلى الله عليه وسلم؟

تعليمه صلى الله عليه وسلم لنسائه أمور العقيدة

لقد كان عليه الصلاة والسلام يعلم زوجاته أمور العقيدة، ويخبرهن بتوحيد الله وعظمته سبحانه وتعالى.. كان شرح الأسماء والصفات يأتي في خلال الأحاديث التي يعظ بها النبي صلى الله عليه وسلم أهل بيته، وكان عليه الصلاة والسلام يقول فيما يقول لـعائشة : (من حوسب يوم القيامة عذب، قالت عائشة : أوليس يقول الله: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً [الانشقاق:8] كيف تقول -يا رسول الله- من حوسب يوم القيامة عذب والله يقول عن صاحب اليمين الذي يؤتى كتابه بيمينه فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً [الانشقاق:8]؟ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم -موضحاً ومعلماً وشارحاً لهذا الأمر من أمور العقيدة لزوجته عائشة وواعظاً لها أيضاً-: ليس ذلك بالحساب، إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يهلك) .

إذاً: الحساب اليسير ليس هو الحساب الذي إذا نوقشه العبد فإنه يعذب، ولكن من نوقش الحساب ومن حوسب عذب، وإنما يتجاوز الله عن المقربين وأهل اليمين فينجيهم بفضل منه وكرم، وحسابهم يسير لا يسمى حساباً، أي الذي يؤدي إلى العذاب.

تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته الأذكار والاستعاذة من الشرور

والنبي صلى الله عليه وسلم كذلك يعلم زوجته أذكار الصباح والمساء، وكيف تستعيذ بالله من الشرور، لما رأى القمر قد طلع قال: (يا عائشة ! استعيذي بالله من شر هذا؛ فإن هذا هو الغاسق إذا وقب) لقد فسر لها تلك الآية من سورة الفلق: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [الفلق:2-3] وقد فسرها تفسيراً عملياً، ووضح لها المراد لما أشار إلى هذا القمر، وهو آية الليل لما ظهر في السماء، وأخبرها وأمرها أن تستعيذ بالله من شره؛ فإن الشرور تحدث في الليل وفي النهار، فهي تستعيذ بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب، ومن شر ما يحدث في الليل من الفتن، والإثم والفواحش، والشرور والآفات بأنواعها، حتى لدغ الحية والعقرب.

تربيته صلى الله عليه وسلم لنسائه على الخوف من الله

وكان صلى الله عليه وسلم إذا ظهر سحاب في السماء أو ظهرت ريح أقبل وأدبر ودخل وخرج منزعجاً مما يرى، فكانت عائشة تقول: (الناس يستبشرون إذا رأوا السحاب، وأنت أراك تفعل ما تفعل!!) فبماذا أجابها النبي صلى الله عليه وسلم؟ لقد انتهز هذا السؤال ليخوفها بالله، ويبين لها كيف يكون المؤمن في عدم أمنه من مكر الله قال: (يا عائشة ! ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا)أرسل الله عليهم سحاباً وعليه ضلة، فظنوه مطراً ففرحوا واستبشروا، ولكن كانت ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها.. وهكذا يكون تخويف الزوجة بالله، وتوضيح عذاب الله، وأن المسلم لا يأمن مكر الله سبحانه وتعالى.

تربيته صلى الله عليه وسلم لزوجته على عدم جواز القول على الله بغير علم

وكذلك قد تستعجل الزوجة في الإجابة عن شيء أو تتسرع في الحكم على شيء، وهنا يعلم الزوج زوجته مفهوماً مهماً من المفهومات الإسلامية، وقاعدة عظيمة، وهي: عدم جواز القول على الله بغير علم، وعدم جواز الحكم على الأشياء بغير دليل شرعي، وعدم جواز التسرع في الإجابة .. عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي ميت من صبيان الأنصار، فصلى عليه صلاة الجنازة، قالت عائشة : فقلت: طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل سوءاً ولم يدركه..) حكمت بأنه عصفور من عصافير الجنة، فإما أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن قد أوحي إليه بشيء في أطفال المؤمنين، أو أنه أراد أن يؤدبها على تسرعها وأن يلفت نظرها لذلك، فقال لها: (أو غير ذلك يا عائشة ! خلق الله عز وجل الجنة وخلق لها أهلاً، وخلقهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلاً وخلقهم في أصلاب آبائهم) رواه الإمام مسلم وغيره. فهذا من الأمور المهمة في المنهج العلمي الذي يقوم الرجل بتعليمه لزوجته.

تربيته صلى الله عليه وسلم لنسائه على حفظ اللسان

ونظراً لكثرة آفات اللسان عند النساء؛ فإن على الزوج المسلم أن يراعي ذلك في زوجته، فإن الله تعالى قد ذكرهن داخلات في القوم وذكرهن منفصلات عنهم في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ [الحجرات:11] فهؤلاء النساء داخلات في القوم، لكن مع ذلك كرر التنبيه سبحانه وتعالى، وخصصهن بالنهي أيضاً، ولذلك ترى -يا عبد الله- الغيبة والنميمة في أوساط النساء كثيرة، فماذا فعلت أنت في موعظة ومقاومة هذه الأخلاق الرديئة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليرضى من زوجاته شيئاً ولو كان قليلاً يسيراً.. فقد جاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، التي نقلت بأمانة حتى ما كان عليها، وما كان من أخطائها نقلته لتتعلم الأمة، عن عائشة قالت: (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا..) دافع الغيرة عند النساء قوي، ربما انزلقت في شيء من الغيبة، قالت: يكفيك من زوجتك هذه صفية أنها قصيرة، كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) لمزجته وطغت عليه من شدتها وعظمها.. قالت رضي الله عنها: (وحكيت له إنساناً -مثلت له حركة أو قولاً- فقال: ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا) فلا يجوز أن تمثل فعلاً لشخص، أو تحكي قولاً له على سبيل الاستهزاء والتنقص، مهما أوتيت لا تفعل ذلك، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم ينكر ذلك على زوجته ويوقفها لما قالت تلك الكلمة.

وروى النسائي -رحمه الله تعالى- بإسناد صحيح في كتاب عشرة النساء ، عن أنس قال: بلغ صفية أن حفصة قالت: ابنة يهودي -صفية بنت حيي بن أخطب بنت زعيم اليهود قتل زوجها، قتله المسلمون في المعارك التي دارت والحصارات بين المسلمين واليهود، فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية تأليفاً لها ولقومها، ورعاية لها لما صارت عنده مسلمة من أمهات المؤمنين، فهي أمنا وإن كانت من أصل اليهود؛ لأنها أسلمت والمسلمون إخوة والمؤمنون إخوة، لا يضر ما يكون من أصلهم، قالت حفصة عن صفية : بنت يهودي. فبكت صفية لما سمعت ذلك تأثراً، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت: قالت لي حفصة : ابنة يهودي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لابنة نبي، وإن عمك نبي، وإنك لتحت نبي) إنك من سلالة موسى وهارون، فجدك موسى نبي، وأخوه هارون عمك نبي، وإنك لتحت نبي، فهذا شرف فبم تسخر عليك؟ ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقي الله يا حفصة -ذهب إلى حفصة .. توجه إليها بالكلام مذكراً بالله- كيف تقولين هذا؟!) هكذا يكون الموقف ممن زل لسانها في حق أختها، ولو كان الدافع قوياً، ولو كانت الغيرة عند النساء، لكن المنكر يبقى منكراً وينبغي إنكاره.. رضي الله عن أمهاتنا، فهن أمهاتنا كلهن رضي الله عنهن.

إنكاره صلى الله عليه وسلم لما يراه من المنكرات عند نسائه

ومما ينبغي على الزوج المسلم في تربية زوجته: مقاومة ما يحصل لديها من المنكرات، مما تتخذه من اللباس أو الزينة ونحو ذلك، فقد روى البخاري رحمه الله تعالى عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير -مثل الستارة- فلما رآى رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة وفيها تصاوير ذوات الأرواح منقوشة عليها، وهذه ليست أصناماً، وإنما هي صور ذوات أرواح منقوشة ومرسومة على الستارة، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل، لقد كان وعظه قوياً، لم يدخل البيت، قام على الباب ولم يدخل، هكذا التربية بالفعل والقول معاً.. قالت عائشة : (فعرفت في وجهه الكراهية، فقلت: يا رسول الله! أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبت؟ قال: ما بال هذه النمرقة؟ فقالت: اشتريتها لتقعد عليها وتتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وقال: إن البيت الذي فيه صور لا تدخله الملائكة) فبالفعل والقول يكون الإنكار على الزوجة، وليس دائماً بالضرب كما يفعل بعض الناس، ولا بتقبيح الوجه، ولا بالفحش، وإنما بالموعظة.

أيها المسلمون: قارنوا -بالله عليكم- بين هذه التصرفات النبوية، وبين ما يفعله الناس اليوم، عندما يذهبون بزوجاتهم إلى السوق فيتركون الزوجات في السوق ويعطونهن الأموال، بناءً على طلبهن أو غير ذلك، ثم تشتري المرأة ما تشتري من غير رقيب ولا حسيب، من الأمور التي فيها منكرات ومحرمات أو غير ذلك، من هذه الألبسة التي فيها تصاوير، أو صلبان، أو الآنية المطلية بالذهب والفضة، أو التماثيل التي توضع في البيوت من ذوات الأرواح للزينة، أو غير ذلك من الأمور المحرمة، التي قد تزين بها المرأة بيتها، والزوج ساكت، بل إنه لا ينتبه فضلاً عن أن يدقق، وليس هناك متابعة ولا محاسبة.

والآن القضية ليست قضية تصاوير منقوشة أو مرسومة فقط، المسألة تعدت إلى أمور محرمة تدخل البيوت، أمور فيها إهدار للعرض الذي صانه الله، والشرف والكرامة التي جاءت بهما الشريعة.. أمور فيها إفساد للأولاد والبيت عموماً.. أشياء من اللهو المحرم الذي يبعث عليه الشيطان الرجيم، كل ذلك يدخل بيتك -يا عبد الله- عن طريق الزوجة أو غيرها، وأنت لا تحرك ساكناً، ولا تمنع منكراً، فما هذه العيشة؟! أي حياة هذه؟! وعلى أي شيء تقوم؟ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ [التوبة:109].

تربيته صلى الله عليه وسلم لنسائه على العبادة

كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي زوجاته على العبادة، وعلى قيام الليل، كان يوقظهن صلى الله عليه وسلم (أيقظوا صواحب الحجرات، أيقظوهن، رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة) هكذا كان ينذر عليه الصلاة والسلام وكان يخوف، كان بيته شعلة من النشاط الدائم في طاعة الله.. ذكر بالنهار، وقيامٌ بالليل.. وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34] وكانت المتابعة على العبادة، سواء كانت بدنية أو كانت مالية، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (يا عائشة ! لا تحصي فيحصي الله عليك) لا تبخلي بالصدقة، لا تمنعي الصدقة، لا تقتري فيها، أطلقي يدك في الصدقة، ما بقي إلا كتفها، ما بقي إلا هذا، أما الباقي فإنه ذاهب، لكن عند الله الذي تصدقت به هو الذي يبقى.. ما بقي منها إلا الكتف، كان يقول لها: (لا تحصي فيحصي الله عليك ولا توكي فيوكي الله عليك) فإذاً: كانت المتابعة حتى في قضايا المستحبات، وليس فقط قضية الواجبات أو النهي عن المحرمات.

مراعاته صلى الله عليه وسلم فلتات اللسان حتى على الأعداء

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي فلتات اللسان -كما قلنا- وأمور اللسان، حتى قضايا الفحش في الأعداء كان يراعي ذلك، كما جاء في الحديث المعروف عن عائشة قالت: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم ناس من اليهود، فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم! -السام أي: الموت- فقال: وعليكم، ولم يزد، قالت عائشة : فقلت: وعليكم السام واللعنة وغضب الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة ! لا تكوني فاحشة. قالت: فقلت: يا رسول الله! أما سمعت ما قالوا؟ لقد قالوا: السام عليك. قال: أليس قد رددت عليهم الذي قالوا؟ قلت: وعليكم، إن الله عز وجل لا يحب الفحش ولا التفحش) .

حتى في الأعداء لا يكون الإنسان فاحشاً ولا متفحشاً إلا فيما دعت إليه المصلحة الشرعية الواضحة، كما حصل في بعض المواقف، أما أن يطلق الإنسان لسانه بكل شيء حتى في العدو، فهذا أمر ينبغي أن ينتبه له حتى لا يتعود اللسان على هذا.

تقول عائشة : (استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده، فقال: بئس أخو العشيرة -أي: هذا الرجل فيه شر، فذمه النبي عليه الصلاة والسلام قبل أن يرى وجهه ويدخله عليه- تقول: ثم أذن له فألان له القول، فلما خرج قلت: يا رسول الله! قلت له ما قلت ثم ألنت له؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إن من شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه) إذاً: انتبهي يا أيتها الزوجة، لا تكوني فاحشة فتكوني مذمومة، أو تكوني مكروهة مبغوضة من خلق الله منبوذة، وإنما هو طيب اللسان وحسن المعشر.

اللهم اجعلنا من القائمين بحقوق أهليهم، واجعلنا ممن ينقذون أهليهم من نار وقودها الناس والحجارة، اللهم كف عنا نار جهنم، وباعد بيننا وبينها كما باعدت بين المشرق والمغرب.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

لقد كان عليه الصلاة والسلام يعلم زوجاته أمور العقيدة، ويخبرهن بتوحيد الله وعظمته سبحانه وتعالى.. كان شرح الأسماء والصفات يأتي في خلال الأحاديث التي يعظ بها النبي صلى الله عليه وسلم أهل بيته، وكان عليه الصلاة والسلام يقول فيما يقول لـعائشة : (من حوسب يوم القيامة عذب، قالت عائشة : أوليس يقول الله: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً [الانشقاق:8] كيف تقول -يا رسول الله- من حوسب يوم القيامة عذب والله يقول عن صاحب اليمين الذي يؤتى كتابه بيمينه فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً [الانشقاق:8]؟ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم -موضحاً ومعلماً وشارحاً لهذا الأمر من أمور العقيدة لزوجته عائشة وواعظاً لها أيضاً-: ليس ذلك بالحساب، إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يهلك) .

إذاً: الحساب اليسير ليس هو الحساب الذي إذا نوقشه العبد فإنه يعذب، ولكن من نوقش الحساب ومن حوسب عذب، وإنما يتجاوز الله عن المقربين وأهل اليمين فينجيهم بفضل منه وكرم، وحسابهم يسير لا يسمى حساباً، أي الذي يؤدي إلى العذاب.

والنبي صلى الله عليه وسلم كذلك يعلم زوجته أذكار الصباح والمساء، وكيف تستعيذ بالله من الشرور، لما رأى القمر قد طلع قال: (يا عائشة ! استعيذي بالله من شر هذا؛ فإن هذا هو الغاسق إذا وقب) لقد فسر لها تلك الآية من سورة الفلق: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [الفلق:2-3] وقد فسرها تفسيراً عملياً، ووضح لها المراد لما أشار إلى هذا القمر، وهو آية الليل لما ظهر في السماء، وأخبرها وأمرها أن تستعيذ بالله من شره؛ فإن الشرور تحدث في الليل وفي النهار، فهي تستعيذ بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب، ومن شر ما يحدث في الليل من الفتن، والإثم والفواحش، والشرور والآفات بأنواعها، حتى لدغ الحية والعقرب.

وكان صلى الله عليه وسلم إذا ظهر سحاب في السماء أو ظهرت ريح أقبل وأدبر ودخل وخرج منزعجاً مما يرى، فكانت عائشة تقول: (الناس يستبشرون إذا رأوا السحاب، وأنت أراك تفعل ما تفعل!!) فبماذا أجابها النبي صلى الله عليه وسلم؟ لقد انتهز هذا السؤال ليخوفها بالله، ويبين لها كيف يكون المؤمن في عدم أمنه من مكر الله قال: (يا عائشة ! ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا)أرسل الله عليهم سحاباً وعليه ضلة، فظنوه مطراً ففرحوا واستبشروا، ولكن كانت ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها.. وهكذا يكون تخويف الزوجة بالله، وتوضيح عذاب الله، وأن المسلم لا يأمن مكر الله سبحانه وتعالى.




استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
تربية الطفل في الإسلام 2544 استماع
تربية البنات مهمة صعبة 2277 استماع
تربية النفس على الجدية 2217 استماع
تربية النفس على التعاون على الخير 1595 استماع
تربية النفس على العبادة 1508 استماع