لقاء الباب المفتوح [228]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الثامن والعشرون بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس في كل أسبوع، وهذا الخميس هو الخامس والعشرون من شهر ذي القعدة عام (1420هـ) نتكلم فيه عما يناسب هذا الوقت وهو الأضحية.

تعريف الأضحية وأيامها

الأضحية هي: التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي أيام النحر، وهي أربعة: يوم العيد، وثلاثة أيام من بعده، وهي سنة مؤكدة، حتى أن بعض العلماء قال بوجوبها، وأن من تركها مع القدرة عليها فهو آثم، وهي من شعائر الدين التي شرعها الله عز وجل لعباده في الأقطار التي ليس فيها هدي.

وذلك أن المسلمين يتقربون إلى الله تعالى في هذه الأيام بالهدي إن كانوا حجاجاً، وبالأضاحي إن لم يكونوا حجاجاً، فمن حكمة الله عز وجل أن تكون الأرض معمورة للتقرب إلى الله بالذبح إما هدياً وهذا بالنسبة للحجاج، وإما أضاحٍ وهذا بالنسبة لغير الحجاج.

الأضحية عبادة وقربة

الأضحية سنة مؤكدة ولكن نظراً لأنها قربة صار لابد فيها من شروط، إذ لو كان المراد مجرد اللحم لجازت بكل شيء، حتى بالدجاج والضباء والأرانب والصغار والكبار، لو كان المراد مجرد اللحم، لكن المراد التقرب إلى الله تعالى بالذبح، الذي قرنه الله بالصلاة في قوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، وقوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163] وبذلك نعرف قصور من ظنوا أن المراد بالأضحية الانتفاع بلحمها، فإن هذا ظن قاصر صادر عن جهل، فالمراد هو التقرب إلى الله تعالى بالذبح، واذكر قول الله تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37] وإنما نبهت على هذا لأن بعض إخواننا العطوفين الرءوفين صار يرسل الدراهم إلى البلاد الفقيرة الإسلامية، ليضحى بها هناك، وهذا من جهله وتقصيره وقصوره أيضاً، لأن الأضحية يقصد بها التقرب إلى الله بالذبح وإذا ذبحتها فأدها إلى من شئت إلى بلادك أو خارج بلادك، أما قبل الذبح فلا، لا تذبح إلا في بلدك والأفضل في بيتك ليشاهد ذلك الأهل ويعرفوا هذه الشعيرة العظيمة، أما إرسال الدراهم ليضحى بها هناك ففيه تفويت مصالح وفيه التعرض للمخاطر، أما المصالح التي تفوت فهي ظهور هذه الشعيرة العظيمة لأنه ربما على طول السنين تنسى هذه وتكون دراهم تبعث إلى البلاد الإسلامية وكذا، وتبقى البلاد الإسلامية خالية عن هذه الشعيرة العظيمة، ويفوت بها أيضاً أن الإنسان مأمور أن يذبح بيده ويذكر اسم الله عليها، وهذا يفوت.

قال العلماء: وإذا كان لا يحسن الذبح فليوكل وليشهد الذبح ويسمي الذابح.

ويفوت من المصالح أيضاً: أن الإنسان لا يأكل منها وقد أمر الله بالأكل منها وقدمه على إطعام الفقير فقال: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28] وقد قال كثير من العلماء: إن الأكل من الأضحية واجب لأن الله أمر به وقدمه على إطعام الفقير، فكما أن إطعام الفقير واجب من الأضحية فالأكل منها واجب، وهذا قول له حظ من النظر.

أما ما يخشى من المخاطر فهو أن هذه الدراهم قد تقع في يد أناس لا يعرفون الشروط فيضحون بالصغير والكبير، والسليم والمعيب، وربما تكثر الضحايا في المنطقة فلا توجد المواشي، قد تكون الدراهم التي وصلت ليضحى بها تبلغ خمسة آلاف .. ستة آلاف، والقرية ليس فيها ذلك العدد من المواشي، فتبقى متعطلة، وقد يكون المنفذون للذبح قليلين والضحايا كثيرة، فيعجزون عن التضحية في أيام الأضاحي فتخرج الأيام وهم لم يضحوا، فالمخاطر كثيرة، لذلك نقول لإخواننا المسلمين عموماً: إياكم أن ترسلوا بالدراهم ليضحى بها في أي بلاد كانت ضحوا ببلادكم وأطعموا وأرسلوا إن شئتم.

ثم إخواننا هناك ماذا تغني عنهم نتفة لحم، يأكلونها يوماً أو يومين، ألا يكون من الأفضل أن ترسل إليهم الدراهم يشترون بها القمح والثياب والفرش وغيرها، أو ترسل إليهم أطعمة أو خياماً أو تحفر لهم الآبار هذا هو الذي ينبغي، أما أن نفسد هذا النسك العظيم ونخرجه من بلادنا إلى بلاد أخرى فليس ذلك من الشريعة ولا من المستحب بل ينبغي التحذير منه والحذر منه.

شروط الأضحية

الأضحية عبادة يتقرب بها إلى الله ولهذا لابد فيها من شروط:

- الشرط الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم (الضأن والمعز) فإن ضحى بغيرها ولو أكثر منها قيمة لم تقبل، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

- الشرط الثاني: أن تبلغ السن المعتبر شرعاً، وهو في الإبل خمس سنوات، وفي البقر سنتان، وفي المعز سنة، وفي الضأن ستة أشهر، فما دون ذلك لا يضحى به ولو ضحي به لم يجزئ، ما دون هذا السن لا يضحى به ولو ضحي به لم يقبل، ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة -أي: ثنية- إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) والجذعة من الضأن ما له ستة أشهر.

- الشرط الثالث: أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء، وأصلها قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا مخ فيها) هذه أصول العيوب التي تمنع من الإجزاء، والحديث نص فيها، أربع لا تجوز في الأضاحي، ما عدا ذلك من العيوب إن كان مثلها أي مثل هذه العيوب أو أولى منها فإنه لا تجزئ التضحية بما تعيَّب بها، وإن كانت دون ذلك أجزأت، لكن كلما كانت الضحية أكمل فهي أفضل.

وعليه: لو ضحى بمكسورة القرن كله أو أكثره فالأضحية مجزئة، أو بمقطوعة الأذن فالأضحية مجزئة، أو بعوراء لا تبصر بعينها لكن عورها ليس ببين، يعني: من رآها لا يظن بأنها عوراء، أو بعرجاء لكن ليس عرجها بيناً، أو بهزيلة قليلة اللحم والشحم لكن فيها مخ أجزأت، كل هذه تجزئ لأنها ليست من العيوب المنصوص عليها ولا بمعنى العيوب المنصوص عليها.

- الشرط الرابع: أن تكون في الوقت الذي يضحى به، فإن ضحى قبل دخول الوقت فهي شاة لحم، وإن ضحى بعد الوقت فهي شاة لحم، إلا لعذر، كالنسيان وضياع البهيمة فلم يجدها إلا بعد فوات أيام النحر فإنه يضحي بعد فوات الأيام ولا بأس.

فما هي الأيام التي يضحى بها؟

الأيام التي يضحى بها يوم العيد عيد الأضحى من بعد الصلاة واليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، فالأيام إذاً كم؟ أربعة، كلها أيام للذبح ليلها ونهارها سواء، وإن كان النهار أفضل لأنه أتم للتضحية والتوزيع، فالشروط إذاً أربعة.

وكون الشارع يجعل لها شروطاً معينة محددة يدل على أنه ليس المقصود هو اللحم، المقصود عبادة موصوفة بأوصاف معينة وشروط معينة ولذلك فرق بينها وبين المقصود بها اللحم، واسمع إلى حديث أبي بردة بن نيار رضي الله عنه حين ذبح أضحيته قبل الصلاة، فلما خطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له، قال أبو بردة : يا رسول الله! إني ذبحت نسيكتي قبل الصلاة، قال له: شاتك شاة لحم) انظر الفرق: شاتك شاة لحم، يعني: ليست شاة أضحية ونسك، شاتك شاة لحم، يعني: لا تجزؤك، مع أنه جاهل ومجتهد وأحب أن يكون أول ما يؤكل في البيت أضحيته، ومع ذلك لم يعذره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنه أوقع العبادة قبل وقتها، كما لو صلى الظهر قبل الوقت ظاناً أن الشمس قد زالت، فتبين أنها لم تزل فإن صلاته باطلة لا تجزؤه عن الظهر بل تكون نفلاً، ويعيدها صلاة ظهر بعد دخول الوقت.

لو ضحى في اليوم الرابع عشر أتجزئ أم لا؟ لا تجزئ لأنها في غير الوقت بل تكون شاة لحم، إلا إذا كان لعذر كإنسان نسي أن يضحي ثم ذكر يعني قد عين الشاة وجعلها أضحيته لكن نسي ثم ذكر بعد تمام أيام التشريق فليذبحها وتكون أضحية، أو إنسان جهل، إنسان في بادية ولم يعلم عن دخول الشهر وظن أن اليوم الرابع عشر هو الثالث عشر ثم ذبح فلا بأس تجزؤه لأنه جاهل، أو إنسان عين الشاة أضحية فهربت ولم يعثر عليها إلا في اليوم الرابع عشر فليذبحها ولا حرج، أو سرقت ثم لم يجدها إلا في اليوم الرابع عشر فليذبحها ولا حرج، لماذا؟ لأنه معذور، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الصلاة: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك).

ولكن كيف يكون أكل الأضحية؟

نقول كما قال الله عز وجل: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28] ولم يحدد الله شيئاً، تأكل النصف وتطعم النصف للفقير لا بأس، تأكل الثلث وتطعم الثلث صدقة والثلث الآخر هدية لا بأس، المهم أن تعطي الفقير منها على كل حال والباقي أنت فيه حر تصرف كما شئت إلا أنك لا تبيع شيئاً منها، لأنك أخرجتها لله، وما أخرج لله لا يمكن أن يعتاض الإنسان عنه شيئاً من الدنيا.

ما يسن للمضحي إذا دخلت عشر ذي الحجة

اعلم أنه إذا دخل العشر -أعني عشر ذي الحجة- وأنت تريد الأضحية، فقد نهاك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تأخذ شيئاً من شعرك أو ظفرك أو بشرتك، البشرة ما هي يا أخي؟!

المسئول: الجلد.

الشيخ: هل الإنسان يأخذ من جلده؟

المسئول: الشعر.

الشيخ: لا. يقول: (لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته).

المسئول: لا أدري.

الشيخ: النبي صلى الله عليه وسلم كلامه جد، فكيف قال: ولا من بشرته؟ من يعرف؟

مسئول: تقصير شيء من جلده.

الشيخ: كيف يقطع شيئاً من جلده.

المسئول: إذا كان فيه ألم فيجوز قطعه.

الشيخ: ما وصلنا إلى متى يجوز، لكن كيف يتصور أن يقطع جلده؟

المسئول: يعني إذا أصابه شيء واحتاج إلى قطع.

الشيخ: لا. إذا احتاج هذا فلا بأس جائز.

المسئول: القشرة الزائدة على سطح الجلد.

الشيخ: نعم.

المسئول: بعض الناس حافة القدم يكون فيه جلد زائد، فيقشرونه ويأخذون الزائد.

الشيخ: هو على كل حال أمر متصور، أحياناً كما قال الأخ: توجد قشرة منجرحة من قبل وجفت وصار عليها شيء متجمد لا تأخذه، هذه واحدة.

الثاني: بعض الناس يكون في أقدامه ولا سيما في أعقابه شقوق فيبدأ يقشرها، فلا تفعل، أما لو انسلخ شيء من الجلد وآذاك فلا بأس أن تقص ما يؤذيك؛ لأن هذا لحاجة، وهذا الحكم أعني النهي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة خاص بمن يضحي فقط، أما من يضحى عنه فلا بأس أن يأخذ، وعلى هذا فعلى الإنسان إذا أراد أن يضحي عنه وعن أهل بيته فالحكم يتعلق به هو نفسه، أما أهل البيت فلا حرج عليهم أن يأخذوا من ذلك شيئاً، خلافاً لمن قال من العلماء: إن من يضحى عنه كمن يضحي، أي يتجنب الأخذ من هذه الأشياء، فإن هذا القول ضعيف لأن الحديث صريح: (إذا أراد أحدكم أن يضحي) ولم يقل: أو يضحى عنه.

ثم إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يضحي عنه وعن أهل بيته ولم ينههم عن ذلك.

فضل عشر ذي الحجة

أخي المسلم! أنت مقبل على العشر الأول من شهر ذي الحجة، هذه العشر حث فيها النبي صلى الله عليه وسلم على الأعمال الصالحة حتى قال: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر -يعني: عشر ذي الحجة- قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء) يعني: أنه قتل وسلب الكفار ماله هذا أفضل.

فعليك.. -أخي المسلم- عليك بكثرة الأعمال الصالحة في هذه الأيام العشر من قراءة القرآن والذكر والصدقة والصيام، وأظنكم ترون ما أرى من غفلة الناس عن فضل هذه الأيام، حتى أنك ترى الناس تمر بهم هذه الأيام لا يحدثون شيئاً، بينما الناس في عشر رمضان يكثرون من الأعمال الصالحة، والمساجد فيها القارئ وفيها الداعي ويتهجدون في الليل، لكن هذه الناس في غفلة عنها، فعليكم -طلبة العلم- أن تبينوا فضلها للعامة، والعامة يحبون الخير ولكن قد غفل الناس عن تنبيههم فتجدهم لا يختلف عملهم فيها عن عملهم فيما قبلها، حثهم على الأعمال الصالحة ولا سيما التكبير في هذه الأيام: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، أو تثلثوا: الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. ولله الحمد، يجهر بها الرجال في المساجد والأسواق والبيوت وتسر بها النساء.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا جميعاً اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات، وأن يجنبنا وإياكم منكرات الأخلاق والأعمال والأقوال، إنه على كل شيء قدير، وإلى الأسئلة.

الأضحية هي: التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي أيام النحر، وهي أربعة: يوم العيد، وثلاثة أيام من بعده، وهي سنة مؤكدة، حتى أن بعض العلماء قال بوجوبها، وأن من تركها مع القدرة عليها فهو آثم، وهي من شعائر الدين التي شرعها الله عز وجل لعباده في الأقطار التي ليس فيها هدي.

وذلك أن المسلمين يتقربون إلى الله تعالى في هذه الأيام بالهدي إن كانوا حجاجاً، وبالأضاحي إن لم يكونوا حجاجاً، فمن حكمة الله عز وجل أن تكون الأرض معمورة للتقرب إلى الله بالذبح إما هدياً وهذا بالنسبة للحجاج، وإما أضاحٍ وهذا بالنسبة لغير الحجاج.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3387 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3344 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3310 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3288 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3270 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3255 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3113 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3086 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3032 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3028 استماع