هذا الحبيب يا محب 104


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فقد انتهى بنا الدرس إلى [المقام المبارك] وهذا المقام المبارك مقام الحبيب صلى الله عليه وسلم في تبوك، فقد خرجنا معه من المدينة وانتهى بنا المسير إلى تبوك، وقررنا معه ما شاء الله، والآن هو يقيم في مدينة تبوك كذا يوماً، فهيا نقضي هذه الساعة معه صلى الله عليه وسلم كأننا نشاهده بأعيننا، ويا لها من سعادة حرمها أهل الغفلة!

قال: [وانتهى مسير الحبيب صلى الله عليه وسلم بنزوله بتبوك، وأقام بها بضع عشرة ليلة إلى عشرين] أي: ما بين السبع عشرة إلى عشرين ليلة قضاها في تبوك. وتبوك هو اسم ماء، وقد أصبحت الآن مدينة، وهي شمال المدينة وجنوب الشام.

قصر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة وجمعها في تبوك

[وكان يقصر الصلاة، ويجمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء] وهنا قال بعض أهل العلم: المسافر يقصر ما دام مسافراً.

ولا عبرة بالزمان الذي أجمعت عليه أمة الإسلام تقريباً، والقول الصحيح: أن هذا ليس فيه دليل على جواز الجمع والقصر، وإن كان فيه دليل على جواز الجمع والقصر فلأنه لم يؤمر بالرحيل ولا بالمقام لأنه ينتظر أمر الله له.

وهكذا المسافر إذا سافر من المدينة إلى تبوك أو إلى جدة، فإذا كان قد حدد مدة إقامته بيومين أو ثلاثة إلى أربعة يجب أن يقصر وله أن يجمع، وإذا كانت المدة أربعة أيام أو خمسة أو أكثر فلا جمع ولا قصر، وإذا كان لا يدري متى يعود غداً أو بعد غد فله أن يقصر حتى يعود ولو أقام ستة أشهر.

فإذا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك قرابة عشرين يوماً يقصر ويجمع فلأنه كان ينتظر أمر ربه إما بالعودة وإما بمواصلة السير إلى الروم.

والذي عليه أئمة الإسلام وأهل السنة أن المسافر إذا خرج من بلده وترك الديار وراءه وحضرت الصلاة قصرها، فيصلي الرباعية ركعتين، أما الثلاثية كالمغرب والثنائية كالصبح فهي على ما هي عليه، وإذا وصل إلى البلد الذي يريده بعد يومين أو ثلاثة أو أربعة نظر هل هو عازم على الإقامة به يومين أو ثلاثة فقط، أم أنه عازم على إقامة خمسة أيام أو ستة أو سبعة، فإن عزم على أكثر من أربعة أيام وجب عليه أن يتم صلاته، ويكون سفره قد انتهى لأنه استقر، فإذا رحل وعاد إلى بلاده وترك تلك البلاد وراءه قصر الصلاة أثناء الطريق.

أما إذا كان لا يدري متى يخرج من المدينة التى نزل بها هل بعد يوم يومين أو ثلاثة، فهذا لم يستقر رأيه على الإقامة أو السفر فإنه يقصر، والدليل وقوف الرسول صلى الله عليه وسلم بتبوك قرابة عشرين وهو يقصر؛ لأنه لا يدري: أيقيم أم يسافر؟! فقد كان ينتظر أمر ربه الذي يجيبه ويعلمه.

قال: [تخفيفاً على أصحابه] وهم جيش من اثني عشر ألفاً أو قرابة ذلك [وحتى لا يوقعهم في حرج أو مشقة] فقد قال تعالى عنه: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] فهيا نأخذ هذا الخلق لنتخلق به، ونرحم -فقط- أزواجنا وأولادنا! [ولم يتم الصلاة خلال هذه المدة؛ لأنه لم تحدد مدة إقامته، وإنما ينتظر الأمر من ربه تعالى] كان لا يدري أينزل جبريل يقول له: سافر أم تقدم [إذا أمره بالإقامة أقام، وإذا أمره بالمسير سار].

استشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في أمر بقائه أو انصرافه من تبوك

[وقد استشار أصحابه في المسير إلى الشام والمسير إلى بلاد الروم] يعني: استشار أصحابه طالما لم يكن هناك أمر من الله عز وجل، هل يواصلون السير إلى بلاد الروم لقتالهم، أو يرجعون إلى المدينة، أو يبقون في تبوك مدة معينة [فقال له عمر ] رضي الله عنه [إذا كنت أُمرت بالمسير فسر] (أُمرت) بالبناء للمجهول، ومن يأمره؟ إنه الله عز وجل [فقال صلى الله عليه وسلم: ( لو أمرت ما استشرتكم! )] أدبهم. فقال: لو أمرت ما استشرتكم، لكن لم يأتني أمر، فلهذا أخذت برأيكم.

[فقال عمر : يا رسول الله! إن للروم جموعاً كثيرة] أكثر من مائتي ألف [وليس بها أحد من أهل الإسلام] حتى نعول عليه، أو يخدمنا بعض الشيء [وقد دنوت منهم وأفزعهم دنوك، لو رجعت هذه السنة حتى ترى أو يحدث الله لك في ذلك أمراً، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عائداً إلى المدينة، ولم يلق كيداً] ولا مكراً ولا قتالاً، فقد بلغه أن الروم تجمعوا لغزوه في عقر داره، فقال: إذن نغزوهم بدلاً من أن يغزونا، وأعلن التعبئة العامة -كما علمتم- صراحة، ما وارى ولا أخفى، وخرج معه المؤمنون، فلما نزل بتبوك على مقربة من بلاد الروم انتظر أمر ربه إليه فلم يؤمر بشيء، فأقام بها قرابة عشرين يوماً، ثم استشار رجاله وعزم على المسير إلى المدينة.

قال: [فقد نصره الله بالرعب مسيرة شهر؛ فلم يخرج إليه الروم] قال صلى الله عليه وسلم: ( نصرت بالرعب مسيرة شهر )، فأنزل الله الرعب في قلوب الروم وفزعوا، فلم يستطيعوا أن يغزوه أو يخرجوا إليه.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أحلت لي الغنائم ولم تحل لنبي قبلي، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) فحيثما أدركتك الصلاة فصلِّ، وإذا لم تجد الماء تيمم بالتراب ( وبعثت إلى الناس كافة وكان الرسول يبعث إلى أمته خاصة، وأوتيت الشفاعة ) أي: المقام المحمود الشفاعة العظمى. ونصرت بالرعب أي: يقذف الله الرعب في قلوب أعدائه فينهزموا.

قال: [ولم يقربوا من ساحته خوفاً وفزعاً منه صلى الله عليه وسلم بعد أن عزموا على حربه وغزوه في عقر داره!].

[وكان يقصر الصلاة، ويجمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء] وهنا قال بعض أهل العلم: المسافر يقصر ما دام مسافراً.

ولا عبرة بالزمان الذي أجمعت عليه أمة الإسلام تقريباً، والقول الصحيح: أن هذا ليس فيه دليل على جواز الجمع والقصر، وإن كان فيه دليل على جواز الجمع والقصر فلأنه لم يؤمر بالرحيل ولا بالمقام لأنه ينتظر أمر الله له.

وهكذا المسافر إذا سافر من المدينة إلى تبوك أو إلى جدة، فإذا كان قد حدد مدة إقامته بيومين أو ثلاثة إلى أربعة يجب أن يقصر وله أن يجمع، وإذا كانت المدة أربعة أيام أو خمسة أو أكثر فلا جمع ولا قصر، وإذا كان لا يدري متى يعود غداً أو بعد غد فله أن يقصر حتى يعود ولو أقام ستة أشهر.

فإذا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك قرابة عشرين يوماً يقصر ويجمع فلأنه كان ينتظر أمر ربه إما بالعودة وإما بمواصلة السير إلى الروم.

والذي عليه أئمة الإسلام وأهل السنة أن المسافر إذا خرج من بلده وترك الديار وراءه وحضرت الصلاة قصرها، فيصلي الرباعية ركعتين، أما الثلاثية كالمغرب والثنائية كالصبح فهي على ما هي عليه، وإذا وصل إلى البلد الذي يريده بعد يومين أو ثلاثة أو أربعة نظر هل هو عازم على الإقامة به يومين أو ثلاثة فقط، أم أنه عازم على إقامة خمسة أيام أو ستة أو سبعة، فإن عزم على أكثر من أربعة أيام وجب عليه أن يتم صلاته، ويكون سفره قد انتهى لأنه استقر، فإذا رحل وعاد إلى بلاده وترك تلك البلاد وراءه قصر الصلاة أثناء الطريق.

أما إذا كان لا يدري متى يخرج من المدينة التى نزل بها هل بعد يوم يومين أو ثلاثة، فهذا لم يستقر رأيه على الإقامة أو السفر فإنه يقصر، والدليل وقوف الرسول صلى الله عليه وسلم بتبوك قرابة عشرين وهو يقصر؛ لأنه لا يدري: أيقيم أم يسافر؟! فقد كان ينتظر أمر ربه الذي يجيبه ويعلمه.

قال: [تخفيفاً على أصحابه] وهم جيش من اثني عشر ألفاً أو قرابة ذلك [وحتى لا يوقعهم في حرج أو مشقة] فقد قال تعالى عنه: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] فهيا نأخذ هذا الخلق لنتخلق به، ونرحم -فقط- أزواجنا وأولادنا! [ولم يتم الصلاة خلال هذه المدة؛ لأنه لم تحدد مدة إقامته، وإنما ينتظر الأمر من ربه تعالى] كان لا يدري أينزل جبريل يقول له: سافر أم تقدم [إذا أمره بالإقامة أقام، وإذا أمره بالمسير سار].

[وقد استشار أصحابه في المسير إلى الشام والمسير إلى بلاد الروم] يعني: استشار أصحابه طالما لم يكن هناك أمر من الله عز وجل، هل يواصلون السير إلى بلاد الروم لقتالهم، أو يرجعون إلى المدينة، أو يبقون في تبوك مدة معينة [فقال له عمر ] رضي الله عنه [إذا كنت أُمرت بالمسير فسر] (أُمرت) بالبناء للمجهول، ومن يأمره؟ إنه الله عز وجل [فقال صلى الله عليه وسلم: ( لو أمرت ما استشرتكم! )] أدبهم. فقال: لو أمرت ما استشرتكم، لكن لم يأتني أمر، فلهذا أخذت برأيكم.

[فقال عمر : يا رسول الله! إن للروم جموعاً كثيرة] أكثر من مائتي ألف [وليس بها أحد من أهل الإسلام] حتى نعول عليه، أو يخدمنا بعض الشيء [وقد دنوت منهم وأفزعهم دنوك، لو رجعت هذه السنة حتى ترى أو يحدث الله لك في ذلك أمراً، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عائداً إلى المدينة، ولم يلق كيداً] ولا مكراً ولا قتالاً، فقد بلغه أن الروم تجمعوا لغزوه في عقر داره، فقال: إذن نغزوهم بدلاً من أن يغزونا، وأعلن التعبئة العامة -كما علمتم- صراحة، ما وارى ولا أخفى، وخرج معه المؤمنون، فلما نزل بتبوك على مقربة من بلاد الروم انتظر أمر ربه إليه فلم يؤمر بشيء، فأقام بها قرابة عشرين يوماً، ثم استشار رجاله وعزم على المسير إلى المدينة.

قال: [فقد نصره الله بالرعب مسيرة شهر؛ فلم يخرج إليه الروم] قال صلى الله عليه وسلم: ( نصرت بالرعب مسيرة شهر )، فأنزل الله الرعب في قلوب الروم وفزعوا، فلم يستطيعوا أن يغزوه أو يخرجوا إليه.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أحلت لي الغنائم ولم تحل لنبي قبلي، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) فحيثما أدركتك الصلاة فصلِّ، وإذا لم تجد الماء تيمم بالتراب ( وبعثت إلى الناس كافة وكان الرسول يبعث إلى أمته خاصة، وأوتيت الشفاعة ) أي: المقام المحمود الشفاعة العظمى. ونصرت بالرعب أي: يقذف الله الرعب في قلوب أعدائه فينهزموا.

قال: [ولم يقربوا من ساحته خوفاً وفزعاً منه صلى الله عليه وسلم بعد أن عزموا على حربه وغزوه في عقر داره!].

قال: [خطبة نبوية جامعة] من منكم يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كلنا نحبه. إذاً لماذا لا تقيمون الموالد؟!

إن الذين يقيمون الموالد -والله- ما أحبوه الحب الحق الذي ينزلهم منازل الأبرار، ولكن أحبوه حب الأكل والشرب والرقص، ولو أحبوه لدرسوا سيرته واستمروا عليها يبكون طيلة العام!

والآن رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب خطبة لا أعظم منها! اشتملت على الهداية بكاملها.

[ولما أصبح الرسول صلى الله عليه وسلم في تبوك خطب خطبة عظيمة جامعة هذا نصها:

حمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقوى)] والعرى هي التي تدخل فيها يدك، وأوثقها أمتنها، فإذا أدخلت يدك فيها لا تسقط، يريد بذلك: لا إله إلا الله محمد رسول الله، هذه هي العروة الوثقى: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

إذاً: أوثق العرى كلمة التقوى، وهي: لا إله إلا الله محمد رسول الله. نتقي بها عذاب الله والخلود في جهنم، فمن مات وهو يشهد أنه لا إله إلا الله دخل الجنة.

[( وخير الملل ملة إبراهيم )] وملة إبراهيم هي عبادة الله وحده لا شريك له، بما شرع لعباده أن يعبدوه، هذه هي الملة الحنيفية السمحاء.

[( وخير السنن سنة محمد صلى الله عليه وسلم، وأشرف الحديث ذكر الله )] أفضل الحديث ذكر الله: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. هذه الكلمات هي أشرف الكلام!

[( وأحسن القصص القرآن )] ولعلكم تسمعون القصص عن ملوك الهند واليابان وغيرهما، وهي أقاصيص عجيبة! ولكن أحسن القصص قصص القرآن، فقصة موسى أربعين سنة، وقصة يوسف كذلك، قصص يقصها الله الخالق الرازق المدبر، وهناك من يتركون قصص القرآن ويجتمعون على الأباطيل!

قال: [( وخير الأمور عوازمها )] يعني: الفرائض، فهي عزائم الأمور، فأمر عزم أي: مأمور به مفروض، وخير الأمور عوازمها: أي: خير الأمور الفرائض، فما فرض الله فريضة إلا -والله- هي الخير بعينه! ووالله ما فرض الله فريضة على عباده إلا لتزكية نفوسهم وتطهيرها، والحفاظ على كمالهم وسعادتهم، فخير العزائم أوامر الله، وأفضل الأوامر أوامر الله، وهنا يرغب الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في القيام بالفرائض وعدم الإهمال والتهاون.

[( وشر الأمور محدثاتها )] شر الأمور ما أُحدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وزيد في الإسلام، وطلب من الناس العمل به، هذا من شر الأمور، وأصبح من شر الأمور لأن خير الأمور عندنا هي فرائض الله، فلم يُشرع لنا شيء آخر؟! هو شر إذاً؛ لأنه يلهينا عما فرض الله لنا وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[( وأحسن الهدي هدي الأنبياء )] أحسن الهداية هداية الأنبياء، وأحسن الطرق التي تُسلك طرق الأنبياء؛ فهم معصومون، والله يدلهم على الطريق.

[( وأشرف الموت قتل الشهداء، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى )] من أعمى العمى من كان مهدياً مستقيماً ثم أصيب بانتكاسة، فعاد للحشيش والشهوات والموبقات، فإذا كان امرؤ رجل أو امرأة هداه الله واستقام عامين أو ثلاثة أو أربعة، ثم انتكس وعاد إلى الموبقات وترك الصلوات وما إلى ذلك، فهذا من الضلالة بعد الهدى.

قال: [( وخير الأعمال ما نفع، وخير الهدى ما اتبع )] خير الأعمال ما انتفعت به، وشرها ما ضرك وخسرت به، وخير الهدى ما اتُبع، فالهدى إذا لم يتبع ويسير به الناس لا خير فيه، لكن إذا اقتدى به الناس أصبح هدى وكان خيراً، أما هدى ولم ينتفع به الناس فهذا ليس بهدى ولا خير أبداً.

قال: [( وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من اليد السفلى )] ومعنى هذا أن الذي يعطي أفضل من الذي يُعطى، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: لا تمدوا أيديكم شاحذين. هذه تربية ربانية.

[( وما قل وكفى خير مما كثر وألهى )] فما قل من المال وكفاك ولم يحوجك إلى أن تمد يدك خير مما كثر وألهاك، وشغلك عن ذكر الله.

فيا من لديهم وظائف يعيشون عليها لا تفتحوا دكاكين للتجارة فإنها تشغلكم! ومن كان عنده دكان يشتغل فيه يجد منه قوته لا يطلب وظيفة لأنها تشغله، فما قل وكفى خير مما كثر وألهى. هذه حِكم أستاذ الحكمة ومعلمها صلى الله عليه وسلم!

قال: [( وشر المعذرة حين يحضر الموت )] والمعذرة إلى الله التوبة والاستغفار، فاعتذر الآن وأنت قادر على التوبة، وتب إلى ربك واستغفره، واطلب منه العذر لك ليرحمك، أما أن تتوب عندما يحضرك ملك الموت فشر المعذرة حين يحضر الموت، ومعناه: عجلوا بالتوبة قبل الموت.

[( وشر الندامة يوم القيامة )] أما اليوم فالندامة كلها خير، فمن ندم على جريمة فعلها، أو على شيء ارتكبه، أو على ذنب اقترفه فالندامة خير عظيم الآن، وشر الندامة يوم القيامة؛ لأنها لا تنفع، فتلك دار جزاء ليست دار عمل، ولنحفظ هذه الجملة: ( وشر الندامة يوم القيامة ).

قال: [(ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا دبراً)] أي: آخر الناس، والإمام على المنبر، أو بعد الخطبة، وهذا تحذير منه لأمته صلى الله عليه وسلم أن يبكروا ليوم الجمعة، وقد بين هذا صلى الله عليه وسلم بأوضح طريق، فقال: ( الذي يأتي في الساعة الأولى كأنما قرب بدنة، والذي يأتي في الساعة الثانية كأنما قرب كبشاً، ومن أتى في الساعة الثالثة كأنما قرب دجاجة، ومن أتى في الرابعة كأنما قرب بيضة )، ومن أتى بعد أن يصعد الإمام لا يسجل اسمه، وكأنه لم يصلّ ولم يحضر.

وحث على الجمعة لأنه نظام لم تعرفه الدنيا ولا استطاعت أن تصل إليه، فأهل البلاد في العالم الإسلامي كله يتلقون الهداية رسمياً يوم الجمعة، قبل أن توجد إذاعات ويوجد ويوجد .. فتُجمع الأمة بكاملها لتبلّغ أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا من ترك الجمعة ثلاث مرات -والعياذ بالله- يخشى أن يموت على النفاق.

قال: [( ومنهم من لا يذكر الله إلا هجراً )] يعني: يهجر الذكر وقتاً ثم يعود إليه [( ومن أعظم الخطايا اللسان الكذوب )] أي: اللسان الذي يكذب، فالكذب من أعظم الخطايا، ولن تصل إلى جريمة لتقارفها إلا بعد الكذب، فالكذب هو الطريق الموصل إلى ذلك، فلهذا كان من أعظم الخطايا اللسان الكذوب.

[( وخير الغنى غنى النفس )] والغنى: هو الاكتفاء والزيادة، لكن غنى النفس أفضل من غنى المال، فصاحب المال يطلبه دائماً فلا يكتفي، لكن إذا اقتنع ورضيت نفسه بما أعطاه الله هدأ وسكن، فيدخل في الصلاة وهو يناجي ربه لا يفكر في بيع ولا شراء ولا عقار ولا غير ذلك ..

قال: [( وخير الزاد التقوى )] والله يقول: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197] [( ورأس الحكمة مخافة الله، وخير ما وقر في القلب اليقين )] خير ما وقر وسكن في القلب اليقين [( والارتياب من الكفر )] الشك من الكفر، والريب والارتياب هما الشك [( والنياحة من عمل الجاهلية، والغلول من حر جهنم )] والغلول هو السرقة من الغنائم قبل قسمتها.

[( والسكر كي من النار )] السكر بالحشيش أو بغيره كي من النار، فكأنك تُكوى وأنت لا تدري [( والشعر من إبليس )] الشعر الذي يتفرغ له صاحبه يوماً في كل واد من إبليس، فهو الذي يرضى بهذا ويساعد عليه، والله يقول: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ [الشعراء:224-226] ثم استثنى الجماعة المؤمنة فقال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227].

قال: [( والخمر جماع الإثم، وشر المال مال اليتيم )] شر المال مال اليتيم تأكله [( والسعيد من وعظ بغيره )] أي: وعظه غيره فاتعظ، هذا السعيد [( والشقي من شقي في بطن أمه )] يعني: قضى الله شقاه في كتاب المقادير، فسوف يخرج ويفعل أفعال الأشقياء، حتى يموت والعياذ بالله.

[(وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع)] وهذا في القبر [( والأمر إلى آخره )] وليس إلى أوله [( وملاك العمل خواتمه، وشر الروايا روايا الكذب)] شر الرواة رواة الكذب [( وكل ما هو آت قريب، وسبابة المسلم فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه من معصية الله، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يتألَّ على الله يكذبه )] يعني: يحلف على الله أن يعطيه كذا! [( ومن يغفر يغفر له )] من يغفر للناس يغفر الله له [( ومن يعفُ يعفُ الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله، ومن يبتغ السمعة يسمع الله به، ومن يتصبر يغفر الله له، ومن يعص الله يعذب ) ثم استغفر ثلاثاً] صلى الله عليه وسلم.

هذه خطبة كلها حكم!




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
هذا الحبيب يا محب 115 4080 استماع
هذا الحبيب يا محب 111 4077 استماع
هذا الحبيب يا محب 47 3817 استماع
هذا الحبيب يا محب 7 3810 استماع
هذا الحبيب يا محب 126 3690 استماع
هذا الحبيب يا محب 102 3680 استماع
هذا الحبيب يا محب 9 3646 استماع
هذا الحبيب يا محب 32 3572 استماع
هذا الحبيب يا محب 99 3486 استماع
هذا الحبيب يا محب 48 3469 استماع