فتاوى نور على الدرب [461]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما الفرق بين القضاء والقدر؟

الجواب: القضاء والقدر اسمان مترادفان إن تفرقا، يعني: أنهما إذا تفرقا فهما بمعنىً واحد، وإن اجتمعا فالقضاء ما يقضي به الله، أي: يحكم به بوقوعه، والقدر ما كتبه الله تعالى في الأزل.

وليعلم أن القضاء ينقسم إلى قسمين: قضاء شرعي، وقضاء كوني، فالقضاء الشرعي يتعلق بما أحبه الله ورضيه، مثل قوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23].

والقضاء القدري يتعلق بما قدره الله، سواء كان مما يرضاه أو مما لا يرضاه، ومنه قوله تعالى: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا [الإسراء:4].

والإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عن الإيمان فقال: ( أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره ).

فحقيقته أن تؤمن بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فما قدره الله عليك فلا بد أن يقع مهما عملت من الأسباب، وما رفع الله عنك فلا يمكن أن يقع مهما كان من الأسباب؛ ولهذا كان المؤمنون يقولون: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت.

السؤال: دعاء بعض العامة بقولهم: الله لا يمتحنا، أو الله لا يبتلينا، وضحوا لنا حكمه؟

الجواب: المحنة والابتلاء معناهما متقارب، وتكون في الخير، وتكون في الشر، قال الله تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35].

وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ [محمد:31].

ولكن دعاء الناس بقولهم: اللهم لا تمتحنا، أو لا تبلونا إنما يريدون بذلك الامتحان في الشر، والابتلاء في الشر، ولا حرج أن يقول الإنسان: اللهم لا تمتحنا بهذا المعنى، أو اللهم لا تبلونا بهذا المعنى؛ لأن الإنسان يسأل الله ألا يبتليه بالشر خوفاً مما إذا وقع الشر لم يستطع الخلاص منه.

السؤال: إذا أصيب الإنسان بشلل تام في الجزء الأيمن من جسمه بحيث لا يستطيع الحركة، ويبقى دائماً في فراشه نائماً على ظهره، ونقوم بتقليبه، فهل تجب عليه الصلاة؟ وكيف يتوضأ؟ علماً بأنه لا يستطيع البقاء على الطهارة، وإنه في الحالات القليلة التي يستيقظ فيها لا يكون على وعي تام بمن حوله، أرجو النصح والتوجيه؟

الجواب: نسأل الله لنا وله العافية، إذا كان المريض بهذه المثابة فإن كان عقله باقياً وجبت عليه الصلاة على قدر استطاعته، يصلي بالماء إن استطاع، فإن لم يستطع فيصلي بالتيمم، يومئ برأسه إذا كان لا يستطيع أن يركع ويسجد؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام لـعمران بن حصين : ( صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب ).

أما إذا كان الإنسان لا يعقل، وليس عنده عقل ولا تمييز، فإن الصلاة تسقط عنه؛ لأن المجنون رفع عنه القلم حتى يفيق، ولا شك أنه إذا كان معه عقله وألزمناه بالصلاة وبما يجب لها من طهارة سيكون فيه مشقة على أهله ما دام مشلولاً، لكن أهله يحتسبون الأجر عند الله، ويصبرون، وسيجعل الله لهم فرجاً ومخرجاً.

والخلاصة: أنه إذا كان معه عقل يفعل ما يستطيعه من أركان الصلاة وواجباتها، وإذا لم يكن معه عقله فلا صلاة عليه.

السؤال: ما هي الأعمال التي إذا عملها الإنسان قبل أو بعد الدعاء كانت الإجابة مؤكدة؟

الجواب: أهم شيء لتحقيق إجابة الدعاء الإخلاص لله عز وجل، وأن يدعو الإنسان ربه وهو يشعر بأنه مفتقر إليه سبحانه وتعالى، ومن المهم اجتناب أكل الحرام؛ لأن أكل الحرام مانع من موانع إجابة الدعاء؛ لما ثبت في الحديث الصحيح: ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً )، وذكر صلى الله عليه وسلم: ( الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! وملبسه حرام، ومطعمه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك ).

فإذا صدق الإنسان في اللجوء إلى الله عز وجل والافتقار إليه، وأخلص لله، واجتنب أكل الحرام، فإنه حري أن يجاب، وليعلم أن الله عز وجل إذا لم يجب العبد في دعائه فإن الله تعالى يدخر ذلك له يوم القيامة، أو يصرف عنه من السوء ما هو أعظم من ذلك، والداعي لربه على خير على كل تقدير، فليدع ربه، وليؤمل الإجابة، ولا ييأس من رحمة الله.

السؤال: أنا طالبة للعلم الشرعي رغم إحساسي أنني لم أبلغ العلم الكافي في التبليغ للدعوة إلى الله وذلك لحيائي، فهل يكفي تبليغ القليل منه؟

الجواب: الواجب على من آتاه الله علماً أن ينشره بين الناس كل ما دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأن العلم أمانة يجب على المرء أن يؤديها إلى أهلها المستحقين لها، مثل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( بلغوا عني ولو آية )، والواجبات التي تجب على العبد تكون بحسب الاستطاعة، فعلى هذه السائلة أن تبلغ من شريعة الله ما علمته بحسب استطاعتها، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] ، وتبدأ بالأقرب فالأقرب؛ لقول الله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] ؛ ولأن الأقرب أحق بالبر من الأبعد فلتبدأ به، ولتكن حكيمةً في أداء العلم في الأسلوب، وفي الحال، وفي الوقف، وفي المكان، فإن ذلك مما يكون به الخير، قال الله تعالى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [البقرة:269].

السؤال: ما صحة حديث: ( من كتم علماً ألجمه الله لجاماً من نار )، أرجو التفصيل؟ وكيف يكون كتمان العلم؟

الجواب: كتمان العلم يكون بإخفائه حين تدعو الحاجة إلى بيانه، والحاجة التي تدعو إلى بيان العلم بالسؤال: إما بلسان الحال وإما بلسان المقال، فالسؤال بلسان الحال أن يكون الناس على جهل في دين الله يجهلون دين الله عز وجل، يجهلون ما يلزمهم في الطهارة، في الصلاة، في الزكاة، في الصيام، في الحج، في بر الوالدين، في صلة الأرحام، فيجب حينئذٍ بيان العلم.

أو بلسان المقال بأن يسألك إنسان عن مسألة من مسائل الدين وأنت تعرف حكمها فالواجب عليك أن تبينها، ومن كتم علماً مما علمه الله فهو على خطر عظيم، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:159-160].

وقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187] .

وليعلم طالب العلم أنه كلما بين العلم ازداد علماً، فإن العلم يزيد بزيادة نفسه، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17].

السؤال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من صلى البردين دخل الجنة )، لماذا سميا بهذا الاسم البردين؟

الجواب: المراد بالبردين: صلاة الفجر وصلاة العصر؛ وذلك لأن صلاة الفجر فيها برد الليل، وصلاة العصر فيها برد النهار، وهاتان الصلاتان أفضل الصلوات الخمس، قال الله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] ، والمراد بالصلاة الوسطى صلاة العصر؛ ولأن هاتين الصلاتين تشهدهما الملائكة الموكلون بحفظ بني آدم قال الله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] ؛ ولهذا كان لهما هذا المزية أن من صلاهما دخل الجنة.

السؤال: في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله جميل يحب الجمال )، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث ما معناه: ( إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده )، وقد قرأت سير بعض الصحابة في الكتب المدرسية، وتعلمت من زهدهم وورعهم رضي الله عنهم وأرضاهم، وتقشفهم في المأكل والملبس والمسكن مع غناهم وكثرة أموالهم، حتى أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يلبس من الملابس التي تماثل ملابس صبيانه وغلمانه الذين يعملون عنده. السؤال: هل في ذلك ما يعارض مفاهيم الحديثين السابقين؟ وهل على الغني الموسر أن يكون مظهره مناسباً لحالته المادية، أم أن عليه أن يلبس ويسكن ويأكل ما شاء في حدود الشرع الإسلامي بدون سرف ولا مخيلة؟ وما معنى الأمر بالتحدث بالنعم في قوله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11]؟

الجواب: الحديث الأول: ( إن الله جميل يحب الجمال ) قاله النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال الناس: إن الرجل يحب أن يكون نعله حسناً، وثوبه حسناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله جميل يحب الجمال )، أي: يحب التجمل في اللباس، في النعال، في الثوب، في الغترة، في المشلح؛ لأن هذا من إظهار آثار نعمة الله، وهو يوافق الحديث الذي ذكره وهو: ( إن الله إذا أنعم على العبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته عليه )، وأثر النعمة بحسب النعمة، فنعمة المال أثرها أن يكثر الإنسان من التصدق، ومن نفع الخلق، وكذلك أن يلبس ما يليق به من الثياب، حتى أن بعض العلماء قال: إن الرجل الغني إذا لبس لباس الفقراء فإنه يعد ثوبه من لباس الشهرة، ولكن قد تدعو الحاجة وقد تكون المصلحة في أن يلبس الإنسان لباس الفقراء إذا كان عائشاً في وسط فقير وأحب أن يلبس مثلهم؛ لئلا تنكسر قلوبهم فإنه في هذه الحال قد يثاب على هذه النية ويعطى الأجر على حسب نيته.

وأما قوله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11] المراد أن الإنسان يتحدث بنعمة الله سبحانه وتعالى عليه؛ لإظهار فضل الله سبحانه وتعالى عليه، وأن ما حصل من هذه النعمة ليس بحوله وقوته، ولكنه بنعمة الله ومنته.

والتحدث بالنعمة يكون بالقول وبالفعل، فيكون بالقول مثل أن يقول للناس مثلاً في المناسبة: إن الله تعالى قد أعطاني المال بعد أن كنت فقيراً، وقد أعطاني الأولاد بعد كنت وحيداً، وما أشبه ذلك، وقد هداني الله بعد أن كنت على غير هدى.

والتحدث بالفعل أن يفعل ما يدل على هذه النعمة، إذا كان عالماً فيعلم الناس، إذا كان غنياً ينفع الناس بماله، إذا كان قوياً ينفع الناس بدفعه عنهم ما يؤذيهم بحسب الحال.

وأما ما ذكره عن بعض الصحابة من تقشفهم فهذا على سبيل التواضع لئلا يكون من حولهم منكسر القلب، بحسب أنه لا يستطيع أن يلبس مثل لباسهم، أو أن يطعم مثل طعامهم، والإنسان في هذه الأمور يراعي المصالح.

السؤال: ما هي الأدعية التي تقال في قنوت النوازل؟

الجواب: الأدعية التي تقال في قنوت النوازل بحسب هذه النازلة، ولا يمكن أن نقيدها بشيء معين؛ لأن النوازل تختلف، فإذا نزل بمسلم نازلة كقتل العلماء مثلاً فله أن يدعو على من قتلهم: اللهم اقتل من قتلهم، اللهم أفسد عليه أمره، اللهم شتت شمله، اللهم فرق جمعه، اللهم اهزم جنده، وما أشبه ذلك مما يليق بالحال ويناسبه.

السؤال: ورد في معنى الحديث: ( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب )، ما صيغة ذلك الاستغفار؟

الجواب: أولاً: هذا الحديث ضعيف ولكن معناه صحيح؛ لأن الله تعالى قال: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود:3] .

وقال تعالى عن هود: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود:52].

ولا شك أن الاستغفار سبب لمحو الذنوب، وإذا محيت الذنوب تخلفت آثارها المرتبة عليها، وحينئذٍ يحصل للإنسان الرزق والفرج من كل كرب ومن كل هم، فالحديث ضعيف السند لكنه صحيح المعنى.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3896 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3682 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3633 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3489 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3487 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3465 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3426 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3425 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3409 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3327 استماع