فتاوى نور على الدرب [117]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل يجوز للمرأة أن تقصر شعرها، وتستعمل ما يسمى بالقصة، وكذلك عمل القصة على الجبين للبنات الصغار؟

الجواب: من المعلوم أن شعر رأس المرأة من جمالها ومما تحظى به عند زوجها، وهذا أمر معروف لدى الناس، حتى جاءت المدنية الحاضرة التي يعشق الناس فيها كل جديد، وصاروا يتلقفون ما يرد إليهم من عادات وتقاليد، منهم من يعرضها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن رأى في ذلك متسعاً عمل بها، وإن رأى منعاً تركها. ومنهم من يتلقف هذه العادات والتقاليد على علاتها، ولا يبالي أوافقت الكتاب والسنة أم خالفته.

ولا ريب أن المرأة لا يُشرع لها قص رأسها إلا في حج أو عمرة بأن تقصر من أطرافه، وأما التقصير منه في غير الحج والعمرة فإن العلماء اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال:

منهم: من يرى التحريم ويقولون بأنه مثلة.

ومنهم: من يرى الكراهة، وهذان القولان في مذهب الإمام أحمد .

ومنهم: من يرى الإباحة وأنه لا بأس به.

وهذا القول مقيد بما إذا لم يصل الأمر إلى حد التشبه بالرجل، بحيث تقص المرأة رأسها حتى يكون كهيئة رؤوس الرجال، فإنه في هذه الحال: لا يجوز لها أن تفعل؛ لأن ذلك من التشبه بالرجال، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال.

وبناء على هذا القول فإن القصة التي تكون في مقدم الرأس وعلى الجبهة لا بأس بها، ولكننا لا نرى للمرأة أن تفعل ذلك، لأننا لا نحب أن نتلقف كلما جاءنا من غيرنا، وهي أمور عادية. بل إن بقاء الإنسان على عاداته يكون أقوى لشخصيته، وأبعد عن الانزلاق في عادات قد تكون محرمة في شريعتنا.

ثم هو أدل على تمسك الإنسان بما عنده من عادات وتقاليد، وهذا يؤدي إلى قوته أيضاً في التمسك بما عنده من الديانات عقيدة وعملاً وسلوكاً ومنهاجاً.

ولهذا نرى هؤلاء الذين ينزلقون وراء هذه العادات ويتابعونها نراهم غير أقوياء في التمسك بدينهم، وربما يجرفهم التيار إلى أمور تتعلق بالدين والعبادة.

لهذا أرى أنه لا ينبغي للمرأة وإن قلنا: بجواز ذلك؛ لا ينبغي للمرأة أن تستعمل هذه القصة؛ لأننا نخشى أن نكون وراء هذه الواردات إلينا.

وأما بالنسبة للقصة للصغيرة؛ فإننا نرى ألا تُفعل أيضاً؛ لأن الصغير إذا شب على شيء وألفه استساغه بعد كبره، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع سنين، وأن نضربهم عليها لعشر سنين، مع أنهم لم يُكلفوا بعد، من أجل أن يتمرنوا على فعل الطاعة ويألفوها حتى تسهل عليهم بعد الكبر وتكون محبوبة لديهم.

كذلك الأمور التي ليست بالمحمودة لا ينبغي أن يعود الصغار عليها وإن كانوا غير مكلفين؛ وذلك لأنهم يألفونها عند الكبر ويستسيغونها.

السؤال: سمعت من فضيلة العلماء أنهم يشكون في الطرائق الصوفية في برنامجكم هذا، ويقول بعض العلماء: إن الطريقة بدعة، حيث أنها لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أني أخذت الطريقة عن شيخي، وأن شيخي أخذ الطريقة عن أبيه، وأبوه عن جده .. وهكذا إلى سيدنا الكبير سيد أحمد الرفاعي .

أما السيد أحمد الرفاعي فهو ابن السيد سلطان بن علي وينتسب إلى سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو الذي له الطريقة الرفاعية وتنسب إليه، وهو الذي أسس ضرب الحراب والسيوف والدخول في النار، وعمل الرفاعي كيف تنكرون هذا. وقال الله سبحانه وتعالى: وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:105]، وقد خص الله سيد أحمد الرفاعي بالكرامات والشواهد التي جاءت بها الكتب الصوفية، مثل قوله أمام حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم: يا مصطفى أنت من أسرار منزلها .. إلى آخره، فمد يمينك لأقبلها لكي تحظى بها شفتي، وظهرت يد الرسول فقبلها سيد أحمد الرفاعي .

هل هذا حق، أفتونا فيه وشكراً لكم؟

الجواب: هذه المسألة مسألة عظيمة وهي مسألة الطرق التي ابتدعها من ابتدعها، بواسطة الدعاية له، إما من جهة النسب ودعواه أنه يتصل بنسب شريف، وإما من جهة ما يدعيه من الكرامات التي اختصه الله بها، فيلبس بذلك على عامة الناس، ويبتدع في دين الله تعالى ما ليس منه.

ونحن نذكر جملة عامة أمام الطريقة الرفاعية وغيرها، فنقول:

إن الله تبارك وتعالى جعل المشرعين في دين الله تعالى ما ليس منه، بمنزلة الأصنام التي تتخذ من دون الله تعالى شركاء، فقال سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، واليهود والنصارى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31] لأنهم تابعوه في تشريع ما يخالف شريعة الله سبحانه وتعالى.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من البدع تحذيراً بالغاً، حتى إنه في خطبة الجمعة يحذر منها، ويقول: ( كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).

وهذه الطرق التي يبتدعها أهلها ليتقربوا بها إلى الله ولم تكن في سنة النبي صلى الله عليه وسلم نقول عنها: إنها بدع محرمة، وإنها لا تزيدهم من الله إلا بعداً، وأن ما يدعّونه من نسب شريف أو من كرامات يختصهم الله بها، فإنه لا أساس لها من الصحة ماداموا مخالفين في ذلك لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن الكرامات لا تكون إلا لأولياء الله سبحانه وتعالى، وأولياء الله تبارك وتعالى بينهم الله سبحانه في كتابه في قوله: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63].

فنحن نعرض حال هذا الرجل الذي يدعي الكرامات على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً. ومن أعظم التقوى أن يتقي الإنسان البدعة في دين الله.

فإذا علم أن الرفاعي أو غيرهم من زعماء البدع ابتدعوا طريقة ليس عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون؛ عُلم أنها طريقة بدعية ضالة، وأنه لا يجوز التمسك بها.

وأن ما يّدعون من كرامات فليست كرامات في الحقيقة، وإنما هي أشياء يموهون بها على العامة، يتخذونها بطرق حسية لا بطرق إلهية غيبية، ويّدعون أنها الكرامات، فالدخول في النار مثلاً: هناك أشياء يستعملها الإنسان فيدهن بها ويدخل بها النار ولا يحترق. فيأتي هذا الرجل الذي يدعي أنه ولي، وأنه يدخل في النار ولا تضره، كما دخل إبراهيم عليه الصلاة والسلام النار وألقي فيها ولم تضره، يدهنون بهذه الأشياء المضادة للاحتراق، لكن لا يدهنون بها أمام هؤلاء العوام بل يدهنون بها خفية، ثم يأتي أمام الناس ويدخل في النار ويزعم أنه ولي لم يحترق بالنار.. إلى غير ذلك مما يفعله المشعوذون.

فإذا قال هذا الرجل: إن ما حصل هو كرامة من الله عز وجل، فإنه يجب أن ننظر حاله:

إن كان مؤمناً تقياً، فإن ما دعاه من الكرامات قد يكون حقاً.

وإن كان ليس بمؤمن تقي بل هو صاحب بدعة وخرافة وتشريعات لم يأذن بها الله عز وجل؛ علمنا أنه كاذب وأنه ليس من أولياء الله، بل هو من أبعد الناس عن ولاية الله سبحانه وتعالى.

هذه جملة عامة أزفها للرفاعية ولغيرهم من أهل البدع، وإنني أناشدهم الله عز وجل أن يرجعوا إلى دين النبي صلى الله عليه وسلم وإلى شريعته، وأن يعلموا أن دين الله تعالى كامل، فإن الله يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

وليعلم كل مبتدع أنه مع تحريم سلوكه وابتداعه هو متنقص لدين الله عز وجل، حيث زعم أن ما ابتدعه مما تدعو الحاجة إليه في دين الله عز وجل، وهذا معناه أن دين الله تعالى ناقص، ويكون بهذا مكذباً لقول الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

فكل ما خالف هذا الدين الذي أكمله الله على يدي رسوله صلى الله عليه وسلم فإن الله لا يرضاه، فإن الله يقول: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ فقط دِينًا، وقال: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85]، فكل بدعة فإنها ليست من الإسلام في شيء.

فأناشد هؤلاء الذين يسلكون هذا الطرق من الرفاعية والقادرية والنقشبندية وغيرهم، أناشدهم الله عز وجل أن يرجعوا إلى دين الله وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يعلموا أنهم ملاقو الله عز وجل، ومحاسبهم على ذلك يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6]، وليتأملوا كثيراً قول الله عز وجل: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [الأنعام:151].. إلى أن قال: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153].

ولو أن المسلمين اجتمعوا على السنة ولم يتفرقوا شيعاً في عقائدهم ومناهجهم وسلوكهم، لو أنهم اجتمعوا على ذلك لحصل للأمة الإسلامية من النصر والتأييد والعز والتمكين ما لم يكن كما هم عليه اليوم من الوضع المشين، وذلك بسبب بعدهم عن دينهم وتمسكهم به. والله أسأل أن يصلح المسلمين وولاة أمورهم وبطانتهم إنه جواد كريم.

مداخلة: لكن بالنسبة لرؤية يد الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكر هذا الشخص، وتُرى مثلاً واضحة أيضاً أمام الحضور؟

الشيخ: أولاً نقول: إن هذه القصة وكل قصة وكل خبر فإنه لا يصح ثبوته إلا إذا وصل إلينا من طريق العدول، ثم إذا وصل إلى غاية السند، فإننا نظر أيضاً: من هو هذا الرجل الذي تحدث بأنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم: هل هو مقبول الخبر أو غير مقبول الخبر؟ ثم بعد ذلك ننظر كيف رأى النبي صلى الله عليه وسلم أو شيئاً من جسمه، هل هو على الوصف المعروف الذي ثبت من أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم أو لا؟ لأن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقد رآه حقاً، ومن رآه حقاً فإنما يكون على حسب ما هو عليه في الحياة الدنيا صلى الله عليه وسلم.

ثم إن من رأى يداً قيل له أو وقع في نفسه أنها يد الرسول عليه الصلاة والسلام فليس بُمَسلَّم أن تكون هي يد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام إذا رؤي فإنما يرى على الوصف الذي هو عليه.

وهذه القصة أولاً: يشك في خبرها، ويشك في المَخْبِر بها، ويشك أيضاً فيما رآه، فليست بمُسلّمة إطلاقاً.

السؤال: بحكم دراستي في كلية الطب أحتفظ ببعض العظام فما حكم ذلك؟ وإذا احتفظت بالهيكل العظمي في غرفتي الخاصة هل هذا يعتبر من الصور المجسمة، علماً أن دراستنا تعمد على الدراسات النظرية والاطلاع على المجسمات الملموسة؟

الجواب: أولاً نقول: إن هذا الهيكل هل هو هيكل إنسان أو هيكل حيوان آخر؟ إن كان هيكل حيوان آخر فلا بأس من الاحتفاظ به، ولا بأس من تشريحه، ولا بأس أيضاً من كل عمل يكون فيه مصلحة للطب؛ لأن الله تعالى يقول: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]. فمتى كان في هذه المخلوقات التي خلقها الله مصلحة لنا في ديننا ودنيانا فإنه ليس علينا حرج في أن ننتفع بها. ولهذا فإن الحيوان الذي أباحه الله لنا يجوز لنا أن نذبحه ونقضي على حياته لأجل أن نستفيد بلحمه.

أما إذا كان هيكل إنسان، فإن كان الإنسان محترماً كالمسلم والذمي والمعاهد والمستأمن، فإنه لا يجوز للمرء أن يمثل به ويحتفظ بهيكله، وإذا كان إنساناً غير محترم فإن هذا محل نظر ويحتاج إلى بحث ومراجعة، وإصدار فتوى عامة ينتفع بها المسلمون.

أما بالنسبة للهيكل غير هيكل الإنسان فإنه لا بأس بالاحتفاظ به لدراسته أو لغير ذلك، وليس هذا من الصور المجسمة؛ لأن الصور المجسمة هي التي يصورها العبد مضاهاة لخلق الله عز وجل، فيصنعها مضاهٍ بها خلق الله، أما ما كان من مخلوقات الله فإن هذا ليس من الصور قطعاً.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3895 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3682 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3633 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3489 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3486 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3465 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3426 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3425 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3409 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3327 استماع