فتاوى نور على الدرب [44]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل يجوز حرق أوراق ممزقة من القرآن أو فيها اسم -يعني: أعتقد اسم الله عز وجل- لأنني سمعت أن من يحرق ورقة يكوى بها يوم القيامة؟

الجواب: تحريق أوراق المصحف إذا كان لا ينتفع بها جائز ولا حرج فيه، فإن عثمان رضي الله عنه لما وحَّد المصاحف على لغة قريش أمر بإحراق ما عداها فأحرقت، ولم يعلم له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم، وكذلك أيضاً ما كان فيه اسم الله لا بأس بإحراقه، إلا أنه حسب الأمر الواقع في المصاحف المقطوعة إذا أحرقت فإن لون الحروف يبقى بعد الإحراق، فلابد بعد إحراقها من أحد أمرين: إما أن تدفن وإما أن تدق حتى تكون رماداً؛ لئلا تبقى الحروف فيطير بها الهواء فتداس بالأقدام، وأما ما سمعه أن من أحرق ورقة كوي بها يوم القيامة فلا أصل له.

السؤال: ما حكم تحويل الدراهم عن طريق البنك، بمعنى: أن أدفع ريالاً سعودياً هنا في السعودية ويعطى لي درهم مغربي هناك في المغرب، ويقول بموجب الشيك: يسلم إلى من هنا وأبعثه إلى المغرب عن طريق البريد، وبعد ذلك يستلم به المبلغ المبعوث هناك والمتفق عليه؟

الجواب: فهمنا من هذا السؤال أنه يريد صرف نقد بنقد بدون قبض، بمعنى: أنه يصرف دراهم سعودية إلى دراهم مغربية بدون أن يقبض العوض.

هذا وجه ووجه آخر: أنه يقبض الشيك الذي حول إلى دراهم مغربية وقد سلم دراهم سعودية، أما الأول فإنه ربا؛ لأننا نرى أن التعامل في هذه الأوراق النقدية يجري فيه ربا النسيئة، بمعنى: أنه لا يصرف بعضها إلى بعض إلا يداً بيد؛ لأنها نقود اختلف نوعها، فتكون بمنزلة الذهب والفضة، والذهب والفضة إذا بيع أحدهما بالآخر فلابد أن يكون يداً بيد.

وأما تحويله إلى شيك فهو أيضاً مثل الأول؛ لأن الشيك يعتبر ورقة تحويل وليس قبضاً للعوض، وبهذا لو فرض أنه لم يجد رصيداً للجهة التي حول إليها بهذا الشيك لرجع به على الأول ولا يعتبر مستلماً لما حول به ما دام أن الشيك بيده حتى يقبض عوضه، فلا فرق بين أن يسلم شيكاً به أو يكتب معه كتاب يبلغ الجهة الأخرى، هذا هو رأينا في هذه المسألة، فهذه الأوراق النقدية اختلف فيها الناس اختلافاً كثيراً على نحو ستة أقوال لأهل العلم، لكن الذي يترجح عندي هو ما أشرت إليه أنه يجري فيها ربا النسيئة دون ربا الفضل.

فنقول الآن: الطريق السليم إلى هذا أن تشتري من هنا دراهم مغربية وتعطيها للبنك يحولها لك إلى المغرب مثلاً، أو تشتري دولاراً أمريكياً من هنا وتعطيه البنك يحوله لك في أمريكا وهكذا، وأما أن تعطيهم عملة سعودية ثم تقبض عوضها عملة أخرى في البلد الذي حولت عليه فلا يجوز هذا.

مداخلة: هو لا مندوحة عن الطريقة الأولى؛ لأنك لو اشتريت مثلاً نقوداً مغربية ووضعتها في البنك لن تستلمها نفس العملة هناك، وإنما ستعطى أيضاً ورقة لتسلم هناك عملة؟

الشيخ: بارك الله فيك لما اشتريت عملة مغربية صرفتها بعملة سعودية هذا هو الصرف، صار يداً بيد، ثم أعطي البنك هذا دراهم مغربية ليحولها إلى المغرب، مثلما أني أعطي البنك في الرياض دراهم سعودية ليحولها إلى القصيم دراهم سعودية.

مداخلة: لكن الأساس أنه موجود هناك .. البنك.

الشيخ: أي نعم، وليس هذا من باب البيع، هذا يسميه العلماء سفتجة، بمعنى: أن يأخذ منك دراهم في هذا المكان ثم يحولها لك في المكان الآخر تأخذها منه.

السؤال: ما حكم قراءة القرآن جماعاً بصوت واحد، وما مدى حقيقة وضع القارئ في هذه الحالة، مع التوضيح والتوكيد؟

الجواب: قراءة القرآن بصوت واحد من جماعة هذا جائز إذا لم يتضمن محذوراً، فمن المحذور أن يحصل به تشويش على من حولهم فيمنع من ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال صلى الله عليه وسلم: ( كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القرآن )، ومن المحاذير أن يتخذ هذا على سبيل الطرب وهز الرءوس وما أشبه ذلك مما يفعله بعض الناس أصحاب الطرق، فهذا أيضاً يمنع منه، ومنها أيضاً: أن يحصل به إعراض عن تلاوة الإنسان لنفسه، بحيث يألفون هذه الطريقة حتى لا يستطيع المرء منهم أن يقرأ القرآن لنفسه، فإن هذا محذور يجب تجنبه، فإذا سلم من المحاذير فليس به بأس، وإذا كان الرجل إذا قرأ وحده صار أقرب إلى استحضاره وإلى تدبره كان ذلك أولى من القراءة مجتمعين.

مداخلة: أيضاً هناك طريقة قريبة من هذه في بعض الأقطار الإسلامية إذا أذن لصلاة الجمعة أو الأذان الأول لصلاة الجمعة جاء قارئ وجلس بالمسجد وأخذ يقرأ القرآن بصوت مرتفع والبقية يستمعون، وهناك من يجيد القراءة لكنه لا يقرأ، هل هناك توجيه في هذا؟

الشيخ: أي نعم، التوجيه في هذا أنه لا ينبغي هذا العمل؛ لأنه بلا شك يؤذي الناس ويشوش عليهم، وكثير من الناس يود أن يتطوع بالصلاة أو يقرأ في الخاصة لنفسه، ثم يشغله هذا الصوت المرتفع ويشوش عليه، فهو داخل في النهي الذي ثبت به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السؤال: ما معنى هذا الحديث وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات الميت انقطع عمله إلا من ثلاث، وذكر منها: علماً ينتفع به )؟ وإذا لم ينتفع به بعد موته هل له أجر ويكون عمله جار أم ينقطع عمله بانقطاع الانتفاع بالعلم؟

الجواب: أصل العلم إذا لم ينتفع به يكون ضاراً؛ لأن العلم سلاح إما لك أو عليك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( والقرآن حجة لك أو عليك )، فالعلم إذا لم ينتفع به المتعلم ولم ينفع غيره لم يكن لمن علمه أجرٌ، ذلك لأن أجر المعلم الذي مات فرع عن أجر المتعلم الذي نفع بعلمه، فإذا لم ينفع بعلمه ولم ينتفع به فأين يكون الأجر، ولكن السؤال الآن: هل يؤزر الميت لأن علمه الذي علمه هذا الإنسان لم ينتفع به الإنسان بل تضرر به؟ نقول: لا، الميت لا يؤزر على هذا؛ لأن الميت الذي علم أراد بعلمه نفع الخلق، فإذا لم ينتفعوا به فليس عليه من وزرهم شيء.

فعلى كل حال الحديث يدل على أن الميت لا يؤجر إلا بعلم ينتفع به من بعده، فأما علم لا ينتفع به من بعده فلا ينتفع به، كما أن قوله: (علم ينتفع به من بعده) قد يكون القيد هنا لبيان الواقع؛ لأن الرجل إذا علم وبقيت علومه بين الناس فلابد أن ينتفع به منتفع، قد لا ينتفع به جميع من تعلمه ولكن ينتفع به البعض، فيكون هذا القيد ليس قيداً مخرجاً من عداه وإنما هو قيد مبين للواقع.

السؤال: ما حكم الصلاة بين الظل والشمس الفرض والنفل؟ وما الحكمة من عدم النوم بين الظل والشمس؟

الجواب: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الجلوس بين الظل والشمس، وأن هذا مجلس الشيطان، لكنني لم أحرر هذه المسألة تحريراً بالغاً، وأكتفي بالجواب عن ذلك بأن بعض العلماء ذكر أن من الحكمة في النهي هو أن الدورة الدموية تنتقل من الظل البارد إلى الشمس الحارة، وهذا بلا شك يؤثر عليها تأثيراً بالغاً، أن تنتقل من حار إلى بارد ومن بارد إلى حار، ثم إن بعض العلماء قال أيضاً: إن من المجرب أنه يحدث الزكام، وإذا تبين أن هذا ضرره، بل إذا صح الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام وأنا قلت لك: أنني لم أحرره، فلا حاجة إلى أن أبين، فإن تبينت لنا الحكمة من ذلك فهو نور على نور، وإلا فالحكمة في موافقة أمر الله ورسوله.

السؤال: إنسان سرق من إنسان آخر حاجة بسيطة أيام جهله وعدم معرفته بالأمور وعواقبها، سرق شيئاً قد لا يساوي عشرين ريالاً، وضاع هذا الشيء الذي سرق، فلما كبر وعقل وأرشد هذا السارق ندم على فعله هذا وهو يعرف صاحبه، ولكن يستحي منه أن يصرح له بالأمر، فماذا يفعل؟ هل يتصدق بقيمتها بعد أن يقومها ويعرف كم تساوي أو ماذا يفعل؟

الجواب: إذا كان يعلم صاحبها فالواجب عليه أن يستحله بأي طريقة؛ لأن هذا حق معصوم معين فيجب إيصاله إليه، وأما الحياء فلا ينبغي أن يستحي الإنسان من الحق، فإن الحياء من الحق خور وجبن وضعف في النفس.

فالواجب عليه أن يخبر صاحبه، فإن طلب رد عوض ما سرق فليعطه، وإن طلب مثله وأمكن أن يوجد له مثل فليشتر له مثله، وليس في ذلك شيء إطلاقاً، وأنا سمعت قبل أيام من شخص محترم كان قد أخذ شيئاً زهيداً من آخر وقت صباه، فجمع الله بينهما على غير ميعاد، فقال له: إنني أطلب منك أن تحللني عن شيء أخذته منك في زمن الصبا وسمى له الذي أخذ، فضحك صاحبه، وقال: هذا شيء أنت مسامح فيه، فلعل صاحبنا هذا يكون مثله.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3900 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3688 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3638 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3495 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3492 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3472 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3431 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3430 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3413 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3334 استماع